3- حادث مع العدو
شعاع من الشمس أيقظ ديللي , فأستدارت وغرست رأسها في المخدة , ولكنها لم تستطع النوم , فغادرت السرير الناعم متأسفة , وأرتدت روب دوشامبر من المخمل الأحمر ,ثم أقتربت من النافذة , لقد أمطرت في الليل وعادت الى الجو شفافيته , النهار سيكون جميلا , مثاليا لأكتشاف الضواحي , لكن ديللي لم تنس أنها موجودة هنا في مونبيردو لعطلة دراسية .
وما كاد النهار يطلع حتى تساءلت ديللي أذا كان أستيقظ أحد في القصر , الجواب أتاها من الباحة , حيث شاهدت رجلا يمر بثياب العمل , أحدى ذراعيه ملفوفة بقطعة قماش , وتحت الأخرى حمل أدوات متنوعة للحديقة , وباليد السليمة بدأ يزيح القش والقصب الذي يحمي شجيرات الورد , مما يبشر بقدوم الصيف.
نشفت ديللي نفسها بعدما أغتسلت بسرعة ثم فتحت الخزانة التي كانت قد رتبت فيها ثيابها مساء البارحة قبل أن تنام , وأخرجت منها تنورة خضراء من المخمل المضلع وكنزة سميكة من الصوف الأصفر , أرتدت ملابسها وتفحصت نفسها في المرآة الكبيرة الموجودة جانب الخزانة , فالطريقة التي أنتقد بها راوول شكلها أثارتها مجددا وأعجبتها الصورة المنعكسة الآن في المرآة , وبحركة حازمة نضدت الكنزة السميكة في الخزانة وأخرجت أخرى رقيقة جدا ولبستها , ستريه أذا كان شكلها على غير ما يرام , ولكنها في الحقيقة عندما نظرت الى نفسها مجددا في المرآة شعرت بنوع من الخجل , لأن تفاصيل جسمها كانت مكشوفة جدا.
وفي الصالة ألتقت بأرنستين وأقترحت عليها , لكي لا تغيّر عادات القصر , أن تتناول أفطارها فيما بعد بصحبة السيدة دوبريان.
منتديات ليلاس
" بشكل عام السيدة لا تنزل ألا في وقت متأخر , يمكنك أن تتناولي طعامك الآن , كما يفعل السيد راوول أحيانا".
" هل أستطيع أن أتناول طعامي في المطبخ ؟ لأنني أود أن أراه".
سألت أرنستين بدهشة:
" المطبخ؟ بالتأكيد , سأصحبك اليه يا آنستي ولكنك ستتناولين طعامك في الغرفة الصغيرة المخصصة لذلك".
المطبخ كان واسعا يحتوي على مجموعات من الأدوات المطبخية النحاسية البراقة المعلقة على الجدار على شكل خطوط جميلة , وفي آخره مدفأة كبيرة جدا تتسع لشواء بقرة كاملة , وفي الوسط طاولة أثرية , والى اليسار فرن مع مجموعة الأدوات المطبخية الحديثة , والى اليمين مجموعة من الخزائن والأبواب تقود الى القبو.
كانت هناك سيدة بدينة مشغولة بتقطيع الخضار , ترتدي فستانا قديما أسود اللون مع مريلة بيضاء خرجت لتوها من تحت المكواة , ألتفتت نحو ديللي بوجه عابس :
" أقدم لك ماري آنج يا آنسة , أنها متحيزة جدا لطبخها".
وجهت اليها ديللي أبتسامة.
" يمكنك أن تطمئني يا ماري آنج فأنا سيئة من هذه الناحية , ولكنني أتذوق الطبخ الجيد ولم أحضر الى هنا ألا لأهنئك".
أشرق وجه ماري آنج العابس بعد أن خرجت ديللي وآرنستين .
" حتى أنا شخصيا , لا أجرؤ أن أتدخل في وجبات الطعام , فهذه الحقوق محفوظة لها فقط".
سألت ديللي وهي تتناول طعامها:
" من هو هذا الرجل الذي شاهدته في الحديقة؟".
" أنه غاسبار , السائق والبستاني الذي كان على السيد راوول أن يحدثك عنه , لقد وقع في اللحظة التي كان عليه فيها أن يأتي الى المحطة لأستقبالك , ولحسن الحظ لم تكن النتائج خطيرة , ولكن توجب على السيد راوول أن يقود الرينو القديمة التي لا يحب قيادتها , لأن أمتعتك لا تتسع لها سيارته الخاصة".
وبعد أن أنهت طعام الأفطار عادت الى المهمة التي أتت من أجلها.
" السيد رايس أرسل الى القصر في بحر هذه السنة مجموعة من الوثائق والمخطوطات , هل أنت على علم بذلك؟".
أجابت ـأرنستين بأشارة من رأسها وألقت على ديللي نظرة حادة ( أنها هي الأخرى قرأت كتاب رايس الأخير ) قالت لنفسها ( هذا مؤكد , فهي التي تقرأ بصوت مسموع للسيدة دوبريان).
" أود أن أطّلع عليها , هل يمكنك أن تقولي لي أين هي موجودة؟".
" لا يا آنسة , أنا آسفة لا يمكن , فالمفتاح لدى السيد راوول".
" وأين يمكني أن أجد السيد راوول؟".
" لا أعرف متى يعود , لقد ذهب باكرا هذا الصباح بسيارته".
أحست ديللي بالسخط مجددا , راوول يعرف تماما أنها أت الى هنا لتتفحص أوراق رايس , كان بأمكانه على الأقل أن يترك المفتاح تحت تصرفها....
الطقس جميل , ولماذا أنتظر شخصا قد لا يعود ألا في المساء؟ ولماذا لا أنسى قليلا العمل وأستغل هذا اليوم للتنزه؟ صعدت الى غرفتها , أنتعلت حذاء سهلا للمشي ونزلت الى الباحة , الشمس كانت أكثر حرارة من البارحة وكذلك الكتلة المظلمة للقصر بدت أكثر بهجة , شعرت ديللي بأنها أستعادت مرحها ونسيت ألم رجلها , الطريق المليئة بالحصى ما زالت رطبة ومليئة بأعشاش الدجاج , وعلى جانب المنحدر ما زالت تجري السواقي الصغيرة , وفي الجو زقزقة العصافير وتغريد الطيور المستمر , لقد فجروا الصخرو ليفتحوا طريقا ضيقة ترابية عند المنعطف محاطة بجدران من الكلس حيث نمت بعض النباتات والأعشاب , ولكن هذه الطريق سيئة بعد أن حفرتها السيارات ولا تصلح للمشي ألا في الوسط , وفكرت ديللي أن تستغل النفق لتسير فيه لأن الشمس لا يمكن أن تدخل اليه.