أجتازت السيدة دوبريان الصالة مستندة الى يد أبنها وبخطوات صغيرة.
" أرجو ألا تلوميني لأنني كنت السبب في أن لا يمد لك راوول ذراعه لأنك أنت المدعوة , ولكن للأسف للضروة أحكام".
أكّدت ديللي بأبتسامة :
" لقد أصبحت فتاة شابة".
" حتى الفتيات الشابات بحاجة أحيانا للأعتماد على ذراع قوية , في زماني.....".
وتركت الجملة معلقة , كانوا قد وصلوا الى الغرفة الصغيرة , كيف يمكن أن تكون صالة الطعام الكبيرة ؟ تساءلت ديللي , فعلى الجدران عدة لوحات وسجاد متعدد الألوان من الطراز المعاصر , وهنا أيضا أرادت أن تتفحص كل قطعة على حدة , الطاولة مصنوعة من خشب المنطقة والكراسي التي تحيطها مصنوعة بشكل رائع بالأضافة الى كونها مريحة جدا.
دخلت الخادمة حاملة طبق الحساء الشهي , وعرفت ديللي أن الخادمة من سان جوست وتدعى هيلويس وقد تدربت على يد أرنستين , أستمرت المحادثة طيلة فترة العشاء التي تعاقبت فيها أنواع الطعام , سمك باللوز , فخذ خاروف بالجبن المفروم والصلصة , سلطة العدس الأخضر , عدة أنواع من أجبان المنطقة , وكان هذا أكتشافا بالنسبة الى ديللي التي لا تعرف منها ألا نوعا واحدا , توت بري بالكريما.
ظل راوول صامتا , يبدو أنه قرر ألا يتعرف بديللي وهذا يناسبها , على عكس السيدة دوبريان التي لم تتوقف عن الثرثرة ومن المؤكد أنها كانت سعيدة بوجود شخص جديد , أما ديللي فقد أثنت على أنواع الطعام الطيبة , وفي الوقت نفسه كانت مسرورة بأصغائها الى الطرائف التي تمتلك منها مضيفتها مجموعة لا تنتهي , وتجنبت بحذر شديد أن تنظر الى الطرف الآخر من الطاولة خوفا من أن تقع عيناها على النظرة العابسة الوقحة التي تعودت أن تخافها.
" عزيزتي , تتركينني أتحدث عنا , عن القصر , عن الفن , لكنني أحب أن أسمعك أنت".
ثم مدت السيدة أصابعها لتحدد موضع فنجان قهوتها , ( أنها تتدبر أمورها لوحدها بروعة متناهية حتى أننا ننسى أنها عمياء).
قالت السيدة بصوت حازم:
" والآن لنتحدث عنك , ويجب أن تسامحي فضول سيدة عجوز مثلي".
ووجدت ديللي صعوبة كبيرة في أن تمهلها قليلا.
تساءلت ديللي بضحكة فيها شيء من الخوف , آملة أن لا تأخذ الأسئلة طابعا ذاتيا أكثر من اللازم.
" ماذا تودين أن تعرفي؟".
" أبدئي بوصف نفسك".
" أرتدي فستانا أخضر , طويلة القامة , شعري أحمر".
صرخت السيدة بنفاذ صبر :
" هذا ليس كافيا , كانت لدي في باريس خادمة تتطابق مع هذا الوصف , أنك تقليدية أكثر من اللازم , ولن تصبحي كاتبة جيدة على الأطلاق , أليس كذلك يا راوول؟".
أضافت :
" أنني نحيلة الى حد ما".
" لكن صوتك ليس رفيعا , وليس كصوت الخادمة , أود أن أعرف أكثر , ولكنني ألاحظ أنك لا ترغبين في مساعدتي".
ثم ألتفت الى نهاية الطاولة حيث يجلس راوول.
" راوول , أنا مضطرة أن ألتجىء اليك , ستكون أنت عيني , صفها لي , أنا متأكدة من أنها تستطيع ذلك أذا بذلت شيئا من المجهود".
قالت هذه الملاحظة بنبرة موضوعية , لكن كل تعابيرها كانت تترجم مقدارا من الأستهجان:
" راوول ما هو لون شعرها؟".
حدجها بنظرة متمهلة ثم ركز عينيه عليها بطريقة وقحة بعد أن أستند بأرتياح على مقعده مما جعل ديللي تفقد راحتها أكثر فأكثر.
" الشعر , لنقل أشقر غامق , لوحة أصلية لتيتيان , ومن المؤكد أن هذا لونه الطبيعي , يبلغ طوله الكتفين".
كانت ديللي صلبة وحاولت ألا تبدي أرتباكها.
" البشرة ناعمة جدا , تكاد يكون شفافة , تذكّر بالشامواء".
صعد الدم الى وجهها وأحست بأنها لا يمكن أن تكره أي شخص كما كرهته, أما السيدة فقد رسمت على وجهها أبتسامة رضى وقالت:
" حتى الآن , الوصف ملائم لصوتها".
" العيون رمادية , رمادي شاحب بعض الشيء , كان يجب أن تكون على غير هذا اللون للتلاؤم مع لون الشعر , أما أتساعها فيضفي عليها مظهرا مضللا , شبه بتولي".
" مضللا!". شدّت على قبضتيها وشحب لونها .
" الأنف عادي".
وهنا أرادت أن تخنقه.
" الفم يا راوول , كيف هو ثغرها؟".
" كبير , ولو كنت سأرسمه , لبدأت بمسح حمرة الشفاه عنه , لأن هذا الأحمر يعطيه شيئا من....".
" الأبتذال؟". ( قاطعته ديللي ,غير قادرة على كبح ثورتتها).
" أنت التي قلت ولست أنا".
كان صوته ساخرا بوضوح , وكأن أضطرابها كان سببا في أنتعاشه.
" راوول , يا لك من غبي , النساء بحاجة لهذا التكلف بعض الشيء , تابع الذقن من فضلك , بدأت أراها ...".
" الذقن؟ أنها الآن تميل الى الأمام لأنها في حالة سخط , ولكنها بشكل أجمالي على جانب من الأهمية , الهيكل العام دقيق وأنيق والرقبة طويلة , الأسنان صغيرة ومرصوفة بشكل جيد".