كانت جولييت على صواب , فعند دخولها القاعة أستقبلها رجل غريب لم تقابله من قبل فسألته:
" هل تقاعدت السيدة بوترتون عن العمل؟".
" توفيت السيدة بوترتون منذ خمس سنين".
" آه..... آسفة".
ودفعهما هذا للخروج , دون أن تطرحا أسئلة أخرى .
جففت جولييت دمعتها قائلة:
" كانت السيدة بوترتون لطيفة جدا وعاملتني معاملة حسنة".
" ربما كان من الأفضل ألا تأتي الى هنا من جديد".
" قبل أن نعود الى البيت , أريد أن ألقي نظرة على منزل خالتي , من المستحسن أن نذهب سيرا على الأقدام , فهو لا يبعد ألا مسافة قصيرة , يقع وراء الغابة هذه".
الغابة ......حيث الشلال..... حيث , لأول مرة في حياتها , كانت مع رجل أحبّته لكنه أحتقرها.\وعندما أقتربا من المنزل صاحت جولييت بصوت يطغى عليه التعجب:
" لم تكن هذه المنازل هنا من قبل , أنها تستهلك معظم الأراضي التي كان يملكها زوج خالتي".
" أتعنين أنه ربما باعها لشركة بناء؟".
" هذا ما يجعلني أتساءل , فهو كان دائما يصر على الأحتفاظ بها لأنه مولع بالمناظر الخلابة التي تحيط بالمنزل , ولم يكن يحبّذ فكرة أي بناء آخر يقوم على أراضيه".
" صحيح , لقد شوّهوا المنظر تماما".
" لا شك أن ذلك سبّب له تعاسة كبرى , كان متعلقا بممتلكاته الى حد بعيد , وحريصا على الأحتفاظ بالمناظر الرائعة المحيطة بمنزله , وخاصة منظر البحيرة التي تواجه التل".
قالت ماغ والأبتسامة تعلو وجهها:
" بات منزله الآن محاطا بالأبنية الجديدة , يبدو أنه مشروع بناء حكومي".
ثم أضافت:
" لقد أخذ القدر بثأرك ونالت خالتك وزوجها وأبنتها ما يستحقون , لو كنت مكانك لرقصت من الفرح".
" لا , لن أرقص من الفرح , لكنني لا أشعر بالشفقة عليهم مطلقا , ترى هل ما زالوا يقيمون هنا؟ ...... ماغ , أنظري , ها هو السيد غودفري يقترب ناحيتنا".
" المزارع ؟ هيا بادريه بالحديث , أنني في شوق لمعرفة ما حصل".
وعندما أقترب السيد غودفري واجهته جولييت بأبتسامة على وجهها وقالت:
" المعذرة , أود أن أعلم من فضلك أما تزال عائلة لوزار تعيش هنا؟".
لم يبد على السيد غودفري أنه يعرف من يخاطبه فأجاب:
" طبعا , هل بودّك زيارتهم؟".
" ليس اليوم بالذات.... لا شك أن القرية تغيّرت كثيرا منذ كنت هنا آخر مرة".
" ومتى كان ذلك؟".
" آه... منذ أعوام عديدة".
" المعروف أن هذه القرية ستتغير كليا, فهنالك مشروع بناء ضخم , أنا مثلا كنت أملك مزرعة كبيرة , أضطررت الى بيعها لشركة التعمير التي تستثمر أموالها هنا".
" فكرة قرية جديدة لن تروق لعائلة لوزار , فربما سيفكرون في البيع أيضا".
" لقد حاولوا ذلك لكن دون جدوى , أذ يقع منزلهم على التلة ولا أحد يرغب هذا الموقع , كانت قيمة المنزل في الأراضي التي تحيطه , لكن منذ مصادرة الأراضي وأستهلاكها للبناء وشق الطرقات , فقد المنزل قيمته التجارية , أمر أحزن عائلة لوزار , خاصة السيد لوزار أذ خاب أمله وبدت عليه الشيخوخة المبكرة , لكن لا بد أنك تعلمين ذلك؟".
" لم أعلم أنهم يعانون من محنة مادية , كانوا من أغنى سكان هذه القرية".
" صحيح , كانوا فعلا أثرياء , لكن السيد لوزار خسر معظم أمواله بعد أن أستثمرها في مشاريع فاشلة , حاول مرارا بيع منزله لكنه لم يلق أي عرض للشراء".
" كانت لهم أبنة.....". منتديات ليلاس
" تانيا..... تزوجت منذ أعوام لكنها طلقت زوجها وعادت لتعيش مع أهلها".
" أتى رجل يوناني الى هنا منذ ثماني سنوات تقريبا , وكان ضيفا في منزلهم....".
" أذكر ذلك , كانت تانيا تأمل أن يتزوجها لكن نواياه لم تكن جدّية , كان ساعيا وراء التسلية فقط , على أي حال , لم تقولي لي بعد متى كنت في دورست من قبل , هل تعرفت على قريبة لهم تدعى أميلي؟ ".
ضغطت جولييت على يد ماغ بأرتباك , أذ تضاعفت دقات قلبها لتطرّق السيد غودفري الى هذا الموضوع , لكنها نجحت بالمحافظة على هدوئها وأجابت:
" نعم".
" كانت فتاة لطيفة أليس كذلك؟".
" نعم... لكنها كانت قبيحة المظهر".
" ربما , لكن المظهر الخارجي ليس مهما".
سألته ماغ:
"أتعني أن ما في داخل الأنسان هو المهم؟".
فأومأ السيد غودفري رأسه وأجاب:
" أميلي.... طلبت منا أن ندعوها جولييت أسمها الأصلي , غادرت جولييت هذه القرية يوما , ولم نسمع عنها شيئا منذ ذلك الحين".
" لكن ما سبب هجرها هذه القرية؟".
تردد السيد غودفري قليلا ثم أجاب:
" من الأفضل ألا نتحدث في هذا الموضوع".
كادت جولييت تبوح للسيد غودفري بهويتها , لكن شيئا ما منعها عن ذلك... ولازمت الصمت , بعد دقائق قليلة تبادلوا التحية وعادت جولييت وماغ أدراجهما الى السيارة.
" لم يعرفك السيد غودفري رغم علامات الأستفهام التي بدت في عينيه".
" أعتقد أن صوتي بدا أليفا لديه , ربما توصل يوما الى وضع النقاط على الحروف".
" وما هو شعورك أتجاه ما حصل لعائلة خالتك؟".
" الحقيقة لا أشعر بشيء , أذ أصبحوا بالنسبة الي أشبه بأشخاص آخرين لا تجمعني بهم أية صلة".
" لو كنت في مكانك لكان اليوم أسعد يوم في حياتي".
" لو حصل ذلك لدورين كوراليس لشعرت عندئذ بفرح لا يوصف , فهو يستحق مصيبة كهذه".
وبدت في عيني جولييت شرارة قاسية وأضافت:
"لا .... مصيبة كهذه لن تكفي لأرضاء رغبتي بالأنتقام منه , أود رؤيته ينازع ألما".
" تتكلمين وكأنما لو أتيحت لك الفرصة , لن تترددي لحظة عن أخضاعه لتعذيب مرير ".
" صحيح , لو سنحت لي الفرصة لن أتركها تفلت من يدي , قبل أن ألحق به عذابا وألما يلتهمان روحه وجسده معا".