أيقظتها ضحكة السيد غودفري من شرود أفكارها , وسألتها السيدة بوترتون قائلة:
" كم سيطول بقاء السيد كوراليس في ضيافة خالتك وزوجها؟".
"لا أعلم بالضبط , أعتقد أنه مرتبط بعمله في لندن".
" سمعت أنه يتولى أدارة أعمال والده".
أومأت جولييت رأسها وقالت:
" نعم , أخبرتني تانيا أن والده يعاني من صحة سيئة , وأن دورين المسؤول الوحيد عن جميع أعماله".
" سيرث ثروة ضخمة ذات يوم".
" لا شك في ذلك".
" سيترك رحيله فراغا كبيرا في حياة أسرة لوزار , لا بد أن وجوده برفقتكم كان له أثر سعيد".
" في الحقيقة ,يقضي معظم أوقاته برفقة تانيا , فهو صديقها قبل أن يكون ضيفا ألأسرة لوزار".
" سمعت أنه يقطن في جزيرة رودس".
" صحيح , كان يقطن هناك , ففي رودس تم لقاؤه بتانيا".
" هل يعيش مع والده الآن؟".
" يزور والده بأستمرار , سمعته يقول لخالتي ( مود) أنه ينوي السكن في جزيرة زاسوس , حيث أشترى منزلا مؤخرا , وأعتقد أنها جزيرة رائعة الجمال كما وصفها دورين, فمنازلها بيضاء مكسوة بالأزهار التي تتدلّى من جدرانها , وتملأ حدائقها , وبحرها رائع بزرقته الدائمة"
قال السيد غودفري وقد قطب حاجبيه:
" كان عليهم أصطحابك معهم".
" أنها مسألة تكلّف كثيرا من المال".
" لكنك منذ صغرك لم تحصلي على أجازة".
" ذات يوم في المستقبل ستكون لي عطلة ولا شك".
" أنك على صواب , فهذا ما أعتقده أيضا , أي بلد ستختارينه لقضاء عطلتك؟".
" اليونان طبعا , أرغب في زيارة الجزيرة التي يسكنها دورين".
وغادرت جولييت البريد منطلقة بسرعة نحو المنزل , حيث أستقبلتها تانيا بصوت ساخط:
" يا لك من مخلوقة كسولة".
وصاحت قائلة:
" أين كنت؟ حذائي بحاجة للتنظيف , أذهبي ونظّفيه حالا وكما ينبغي".
" لكنني لا أهمل واجباتي أبدا".
" كفي عن أجابتي , لعلك نسيت أنك تعيشين هنا تحت ظل أحساننا نحوك".
لم تجب جولييت , كيف لها أن تنسى ذلك وهو أمر يتردد على مسمعها كل حين , من قبل تانيا أو خالتها أو زوج خالتها , هرعت الى غرفة الغسيل وفي يدها حذاء تانيا , ووجدت عند وصولها مزيدا من األأحذية التي تحتاج للتنظيف , وسرت في عروقها دماء باردة , كم تود لو أن بوسعها أن تهرب , أن تهجر هذا المنزل وسكانه ,ولكن ألى أين؟ وليس بجعبتها ألا القليل من المال , قطع حبل أفكارها دخول خالتها الغرفة وفي يدها كومة من الأغطية الوسخة ...... وقالت:
" هذه بعض الأغطية تحتاج للغسيل".
وتركت الحجرة , سمعت جولييت خالتها تتحدث الى تانيا في الغرفة المجاورة:
" ...... لا تلومي ألا نفسك , ليست الغلطة غلطتنا أذا لم يعرض دورين عليك الزواج بعد".
وتلاشت أصواتهما حين تركا الغرفة وتوجها الى قاعة الجلوس.
شعرت جولييت كأن طعنة غاصت في قلبها , مجرد فكرة زواج تانيا بدورين تجعلها تتمنى الموت , لكنه لم يعرض عليها الزواج بعد , وفي أعماقها كان قلب جولييت يتوسل بصمت:
" لا دورين, لا تتزوج تانيا , أنتظرني أرجوك".
لكن دورين لم يكن يلاحظ حتى وجودها , فهي مجردة من أي جمال أو جاذبية , بينما جمال تانيا يبهر أي رجل يقابلها , تانيا أنيقة , رشيقة , تتقن أسلوب التحدث والتصرف في المجتمع , ولا شك أنها تلائم دورين الذي يتحلى بشخصية مرموقة ومظهر وسيم , وثقة قوية في نفسه وأمكانياته , وفي رأي جولييت أنه أجمل وأذكى رجل تعرفت عليه , هذا ما أستنتجته حين تمّ لقاؤهما لأول مرة , عندما وضعت يدها الصغيرة المرتعشة في يده لتحييه قائلة:
" أهلا".
وتولت خالتها أمر شرح سيرة حياتها لدورين قائلة:
" أميلي تكون أبنة أختي التي توفيت وزوجها في حادث سيارة , كانت أميلي في السادسة من عمرها حين تولينا أمر تربيتها والأعتناء بها , محاولين جهدنا أن نهبها الحب الذي فقدته".
وشردت أفكار جولييت الى ذلك اليوم حين وقع نظرها على دورين لأول مرة , أطلعتها تانيا على صورته , أحست جولييت بشعور غريب يغمر كيانها , وحاولت بشدة أقناع نفسها أنه من المستحيل أن تكون قد وقعت في حبه بهذه السرعة , وأن ما تشعر به مجرد أحساس بالغبطة لظهور رجل غريب ومثير في أطار حياتها المملة , خاصة أنه قادم من بلاد الأغريق..... بلاد قرأت عنها الكثير , لكنها ما زالت غامضة في ذهنها , تماما مثل دورين , لكن جولييت وجدت أنها تواجه شعورا قويا تحمله أتجاه دورين , أضطرت أن تخضع للواقع وهو أنها تحبه , الحب الأول في حياتها , فدورين الرجل الوحيد الذي أيقظ فيها هذه المشاعر , لا تعرف أي رجل آخر , بينما يختلف الأمر بالنسبة لتانيا التي تنعّمت بحياة أجتماعية مثيرة , تعرّفت خلالها على رجال كثيرين منذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها.