" ماذا فعل دورين أثناء نزهتكما في الغابة؟".
" لم يفعل شيئا في البداية , لكنه أساء فهم النظرات الودية التي رمقته بها خلال الأيام التي أمضاها معنا , نظرات جعلته يعتقد أنه من السهل أن يحصل علي جسما وروحا متى شاء".
" وأنت في سذاجتك بقيت تجهلين حقيقة أفكاره".
" طبعا , وحين أساء فهمي , قرر أن يواجه خالتي وزوجها ويصارحهما بما حصل , وحذرهما أنه أذا لم يتخذا التدابير اللازمة , سأسبب لهما متاعب شتى , أخبرهما أنني حاولت أغراءه , وأنه كان من السهل عليه أن يستغل الموقف , لكن شهامته وحرصه على سمعة العائلة التي أستقبلته في منزلها منعته عن ذلك".
" جولييت , يا له من أنسان بغيض ,أنت أشرف فتاة تعرفت عليها".
" كما قال دورين , لو كنت في وطنه لكان ولي أمري أنهال عليّ ضربا , صدقيني أن زوج خالتي كاد يقوم بالمثل لو لم أهدده بتبليغ الشرطة".
" وماذا فعل أذن؟".
" تحولت معاملته لي من سيء ألى أسوأ , وأظهر الجميع نحوي أحتقارا وأزدراء لا يمكن أن يتحمله أحد , والذي جعل الأمر أسوأ هو أن تانيا نشرت الخبر في القرية كلها , فبات الجميع يتجنبونني , حتى أعز الأشخاص وأقربهم لدي , وذات يوم أعترضني رجل من القرية وأنا في طريق منعزلة وحاول الأعتداء علي , شرعت أصرخ وأبكي , ووضع يده على فمي طالبا مني أن أكف عن التمثيل , فجميع سكان القرية يعرفون أي نوع من الفتيات أنا".
وأغرورقت عينا جولييت بالدموع وهي تكمل قصتها:
" في النهاية أتى السيد غودفري لمساعدتي , كان دائما بمثابة صديق لي , لكنني لمحت على وجهه خيبة أمل وكأنه يفكر أنني نلت ما أستحق.
بعد ذلك باتت الحياة في القرية لا تطاق , ولم يكن فيجعبتي سوى القليل من المال , قررت أن أترك القرية وأواجه العالم مهما كان الثمن , وذات ليلة مظلمة بعد أن نام الجميع , حملت حاجياتي ورحلت".
" الى أين؟".
" كما تعلمين , لم يكن لدي أي مكان ألتجىء اليه , تملكني الرعب , أذ وجدت نفسي أواجه عالما لا أدري عنه شيئا , أسرعت الى محطة القطار وأشتريت بطاقة الى مانشستر , كان القطار على وشك الأنطلاق , فلم يسنح الوقت للحمال الذي كان يعرفني أن يسألني عن شيء , وساورني الشك في أنه ربما سيبلغ الشرطة , فتركت القطار قبل وصولي الى مانشستر بمحطة واحدة , ثم ركبت القطار الكهربائي الى روكبي , التي تبعد عن مانشستر عدة أميال".
" روكبي؟".
" لم يبق معي سوى باون واحد ,ولم يكن بأستطاعتي الذهاب الى أي مكان آخر , كانت روكبي تعج بالمارين , فقضيت الليل في محطة القطار وفي الصباح التالي أنطلقت الى المدينة لأيجاد مكان رخيص أسكن فيه , ثم ذهبت أبحث عن عمل".
توقفت جولييت قليلا محاولة أن تتذكر ما حصل بالتفصيل .
كانت ماغ جالسة على الأريكة تفرك يديها بعصبية , وعلقت جولييت قائلة عندما لاحظت هذا:
" لا حاجة الى القلق , أنه الماضي , هو مضى ولن يعود".
" أعلم ذلك , لكنني لم أسمع من قبل قصة مثيرة ومحزنة الى هذا الحد , وماذا فعلت بعد ذلك؟".
" يبدو أنني في طريقي الى المدينة تعرضت لحادث فظيع".
" حادث؟".
" حادث أرتطام بباص , لا أذكر شيئا عن الادث لكن حسب تقرير الشهود , يبدو أنني عبرت الطريق وكأنني أحاول الأنتحار".
" يا لك من مسكينة , لم يكن عمرك سوى سبع عشرة سنة , وحيدة خائفة , ولا أحد يبالي , جولييت... أكاد أنفجر بالبكاء".
" ماغ , يا عزيزتي أهدأي , فكما قلت لك لم يعد الماضي سوى ذكريات , لا أذكر من ذلك اليوم سوى أنني كنت أسير في الطريق وفي قلبي حقد وضغينة أتجاه ذلك الرجل الذي حطّم حياتي , وكان سبب الأضطهاد الذي تعرضت اليه, وعندما أستيقظت في المستشفى , أخبرني الطبيب ما حصل وأعلمني أنني أعاني من جراح عديدة بالأضافة الى تشويه بالغ للوجه".
أومأت ماغ برأسها أذ أدركت نتيجة ما حصل فقالت:
" وكان الحل الوحيد أجراء عملية تجميل جراحية".
" نعم , الحقيقة كنت قبيحة المظهر من قبل , فقبلت أن أخضع لعمليات متتابعة كانت نتيجتها أن تغير وجهي كليا , كان الطبيب جراحا بارعا , أدى عمله بشكل متقن يقرب من المثالية".
" لا شك أنه أبدع في محاولته".
منتديات ليلاس
تورد وجه جولييت وأجابت:
" صحيح , أنني مدينة له بتحويل مجرى حياتي كلها , بقيت في المستشفى لمدة عشر أشهر , لم يعرف فيها أحد هويتي الشخصية أذ فقدت أوراقي من جراء الحادث , وتصنعت فقدان الذاكرة , والطبيب الذي كان يعالجني منع أي شخص مهما كانت أهميته من أزعاجي , وأعطى الممرضات المسؤولات عني أوامر صارمة بأبقائي في حالة راحة كاملة , أذ يساعد ذلك على شفائي العاجل ونجاح العملية الجراحية , وقبل خروجي من المستشفى سمح الطبيب للعاملة الأجتماعية بمقابلتي , فساعدتني في الحصول على عمل , وما هي ألا أيام معدودة حتى أبتدأت عملي , وكان يقتضي الأعتناء بعجوزين في منزلهما , سكنت معهما وأصبحنا أشبه بعائلة , لم يكن لديهما أي أقارب , وعندما توفيا تركا لي هذا البيت , أحببتهما حب الأبنة لوالديها وبادلاني هذا الح , وكلما طال بقائي معهما , كلما توطدت علاقاتنا وأزدادت الثقة بيننا , فأخبرتهما بكل شيء عن ماضيي , بعد أن عرفا قصتي , قررا معاملتي كأبنتهما وليس كخادمة , وأصرا على ذلك حتى أنهما أرسلاني الى المعهد التجاري حيث تخرجت كسكرتيرة , كنت أبقى في رفقتهما كل ليلة وخلال عطلة الأسبوع , ولم أخرج أبدا رغم أصرارهما علي بالخروج , لكنني شعرت أنه من واجبي أن أبقى معهما دائما , علّهما يحتاجان الى شيء , بقائي الدائم في البيت لم يكن يشكل أي عائق بالنسبة لي , أذ كنت سعيدة بحياتي معهما".