" لم أكن أعرف أنك تملك منزلا هنا , منذ متى تملكه؟".
" منذ خمس سنوات , ماريا شقيقة صوفيا تحضر يوميا للتنظيف والطبخ , أنه مكان ممتاز لتمضية العطلة".
" هل يبعد عن نزل أستراكيري؟".
" لا , لا يبعد أكثر من كيلومتر واحد , ما الأمر يا فرنسيس ؟ هل جرحت رجلك , أنت تعرجين!".
" أحس بشوكة أنغرست في جلدي ".
" دعيني أراها".
دخل غرفته يفتش عن صندوق الأسعافات الأولية:
" لا يمكنك تجاهل أمر مهم كهذا".
تبعته فرنسيس الى غرفته ومدت له رجلها ليعالجها.
" شوكة من أبر الصنوبر".
سحبها بملقط صغير ثم نظف مكان الجرح وطهّره ولفه ببعض القماش المعقم.
" هل هذا أفضل؟".
" أشكرك".
وقفت تضع ثقلها على رجلها , ثم رفعت نظرها الى وجهه وقالت بشجاعة لم تعهدها في نفسها من قبل :
" لقد أشتقت اليك ........ أحبك".
أنتظرت ردة فعله على أعترافاتها الجريئة , فكرت في نفسها : ربما غيّر فكره ولم تعد تجذبه ......هل ضجر منها؟
موقفه يزعجها وهي تستغرب تصرفاته , خافت كثيرا وبدا خوفها جليا , كان فيلكس يراقبها وهو يفكر , عانقها بلطف وتمسكت فرنسيس بقميصه فأذا بيديها تحسان ضربات قلبه المسرعة , ونظرت اليه صامته كأنها تقول له: أحبك كثيرا يا فيلكس ....... وبد كأنه قرأ قولها بعينيه , وأذا بالباب يقرع قرعا متواصلا , وسمعت بعض الكلمات اليونانية تصل الى مسمعها...... رفع فيلكس رأسه وأجاب الطارق ببعض الكلمات , فشعرت به ينسحب عن الباب ويعود أدراجه.
أغلقت فرنسيس عينيها وهي لا تعرف أتضحك أم تبكي من هذا الموقف المحرج........
" ماذا تريد منك صوفيا؟".
" قالت أن الباص الذي سيحملنا الى كورفو لنحتفل بالعيد سيمر علينا بعد ربع ساعة , وقلت لها أننا سنكون جاهزين".
" بالطبع".
حاولت أن تحتفظ بكبريائها:
" علينا أن نشارك في أحتفالات سبريدون , ليس لدينا أي شيء آخر نفعله........".
" ما من شيء لا يمكن تأجيله الى زمان ومكان آكثر ملائمة , قالت صوفيا أنها جلبت لك ثوب فلاحة يونانية ووضعته على سريرك في غرفتك وهي تتمنى أن تلبسيه , جميع النساء سيرتدين الأثواب الفولكلورية للأحتفال بالعيد".
دفعها بلطف أمامه وقادها الى غرفتها لترى الثوب.
" أنه ثوب جميل للغاية".
الثوب حريري أخضر اللون محلّى بتطريز يدوي فني وشرائطه ملونة , وفوقه مريلة بيضاء من الموسلين الأبيض:
" أنه ثوب جديد , هل تريدني أن أرتديه؟".
" طبعا , ربما هو لأحدى بناتها , هل تريدين أية مساعدة في شبك الأزرار؟".
مشى خارجا من غرفتها ثم ألتفت اليها فجأة وقال:
" فرنسيس هل لي أن أسألك سؤالا؟".
"بكل تأكيد".
" كانت الحقيقة مفقودة دائما في علاقتنا منذ أول لقاء بيننا ......... وأتمنى اليوم أن أسمع جوابا صحيحا على سؤالي: لماذا رفضت البطولة في رواية توم سنوبارد؟".
حدقت به فزعة ثم بلعت ريقها بصعوبة وقالت:
" وكيف عرفت؟".
" لأن الدور أعطي لك بناء على توصيتي....".
" فهمت , كان علي أن أختار ين بائي معك وبين دور البطولة في الرواية وفضلت رفقتك الى كورفو....".
"....في وقت آخر ومكان آخر".
وجدت فرنسيس نفسها تجلس في الباص العتيق وقد أمتلأ بالناس والحيوانات وسلال الطعام والفاكهة والخضار , جميعهم في ثياب العيد يضحكون ويصرخون ويثرثرون , كان السائق يطلق لزموره العنان عند كل منعطف في الطريق الجبلية المتعرجة , لم تعد فرنسيس تهتم بسلامة الوصول لأن أحدا من الموجودين معها لا يبالي , جلست بين ماريا وشقيقتها صوفيا اللتي واصلتا الثرثرة بأستمرار , وفهمت من كلامهما أنهما يتكلمان عنها , هي الفتاة الأنكليزية وعن فيلكس..... ولكنها لم تفهم فحوى الحديث , كان من معها في الباص يفهم ويضحك ما عداها , وجدت نفسها تتسلى بالنظر الى وجه فيلكس الذي كان يجلس على المقعد المقابل ويفصل بينهما قفص الحمام الذي وضع في الممر الضيق بين المقاعد, حيث الهديل يختلط بالضحات والصرخات.
كان فيلكس يبتسم لها أبتسامة أصيلة وسّرها أنه عرف سرّها بعد أن باحت له بحبها , أنها سعيدة لأنه عرف حقيقة مشاعرها نحوه , ولا تحتاج أن تتظاهر بغير ذلك من الآن فصاعدا.
فيلكس وسيم للغاية في ثياب العيد البيضاء , وقد لف حول عنقه منديلا ملونا , كل شيء حولها غير حقيقي....شكلها غريب في ثوبها الفلكلوري اللون , تكلم فيلكس معها , أبتسمت له وهزت رأسها ....... رفع حاجبيه بعد أن تأكد له أنها لم تسمع ما قاله لها , أنحنى فوق قفص الحمام وصرخ بصوت مرتفع:
" فرنسيس , هل تتزوجينني؟".
بدأت صوفيا تضحك وتترجم ما قاله الى اليونانية , تحولت أنظار من في الباص اليها , نظر اليها فيلكس ينتظر جوابها وأكمل:
" أحبك كثيرا".
صمتت فرنسيس تفكر , هذا هو فيلكس المخرج .... يصطحب فتاة الى رحلة مشبوهة ويتقدم بطلب يدها وسط باص مزدحم بالناس , أنه جريء ولكن حبه واضح في عينيه.......