صرخت يائسة وهي تفكر أن ما حصل لها الآن هو القشة التي قصمت ظهر البعير , كان رفيقها في المصعد يقرأ تعليمات الطوارىء الملصقة على الحائط بالقرب من لافتة الأرقام , سألته:
" هل علقنا ؟".
كانت تعرف أن سؤالها لا معنى له ولكنها كانت ترغب في الكلام , هز رأسه موافقا.
نظر اليها متفحصا , على الأقل يعترف بوجودها معه , لفترة كانت تظن أنها غير مرئية بالنسبة اليه , حدق بها بشكل متعجرف ووقح , بدأت فرنسيس تنزعج من نظراته ولكنها كانت هي أيضا تحدق به بطريقة غرية , تحدق في عينيه الساحرتين .... عينان لم تر جمالهما من قبل , لونهما يميل الى الأصفرار مع بريق لامع يأخذ الأبصار , كعيني قطة وحشية تشعان وسط الظلام , لهما بريق الأحجار الكريمة , قال بأيجاز:
" نحن عالقان".
مد بده يضغط بأصبعه على بعض الأزرار ثم ضغط على زر الأنذار وبقي صامتا هادئا.
" هل يتكرر أنقطاع المصعد في الأستوديو؟".
مد الشاب يده يعاود ضغط زر الأنذار من جديد وقال بأقتضاب:
" لا أعتقد ذلك".
ران الصمت من جديد , مالت فرنسيس بثقلها من رجل الى رجل وقد بدا عليها التذمر من شريكها في المصعد , هي لا تتوقع منه معاملة مميزة ولكنه يستطيع أن يخفف من حدة الموقف ببعض الجمل المريحة.... وهما عالقان في فخ واحد وربما كلاهما في وضع مؤسف , نظرت اليه وقرأت تعابير الأستياء والقرف بادية على وجهه كأنها ستطلب منه قرضا , فكرت في نفسها : ربما ستضطر لطلب القرض عاجلا أذا لم توفق بعمل ما وبسرعة , ولكنها حتما لن تطلب من هذا الشخص المتشامخ المتعالي , أنه متكبر ومتحفظ ويجيب عن أسئلتها بصبر نافذ , هنا الكثيرون لا يحتملون البقاء في مكان ضيق ومغلق ويصابون بهستيريا ونوع من النرفزة والجنون , كم كان سناسبه أن يعلق مع شخص مريض بالكلوسترفوبيا ( عدم أحتمال الأماكن المغلقة والمقفلة) , تنهدت بعمق وهي تريد أن تلفت نظره الى وجودها , رمته بنظرة ثاقبة وهي تفكر أنه شاب يتستر تحت ستار الهدوء.... سمعته يقطع عليها تفكيرها ويقول:
" لا تخافي, صدقيني , أنا لست هاربا من السجن أو مجرما".
وكأنه قرأ أفكارها , تنهدت مرة ثانية بصوت مسموع وقالت:
" يسرني معرفة ذلك , هل تعتقد أنهم عرفوا بأمرنا داخل المصعد؟".
" ثقي بجرس الأنذار.......".
كأنه يقول لها أخرسي وكفي عن الثرثرة , كم يناسبه لو يغمى عليها بين يديه , وحتى لو أغمي عليها وسقطت مغشيا عليها تحت قدميه فلن يتحرك لمساعدتها بل يتركها وشأنها , ربما عليها أن تبرهن له خوفها الشديد , وحين عيل صبرها ركزت أهتمامها على شخصه , هل قالت من قبل أنه شاب طبيعي؟ أهذا غير مقبول , أنه رجل غير طبيعي.... وهو في الثلاثين من عمره , وجهه قاس وصارم وفيهتصميم وجدية واضحة , ربما يبتسم أحيانا... ونادرا , أنفه قاس وشعره بني غامق يعلو جبهته العريضة , سمرته ليست سمرة طبيعية بل ربما أكتسبها من أسفاره خارج أنكلترا خلال الصيف المنصرم , يرتدي بنطلونا وكنزة عادية ولكن ثيابه باهظة الثمن ومن شارع نايتس بريدج , قوي العضلات كأنه لاعب رياضة متمرن , شكله يوحي بأنه يمارس رياضة كرة المضرب , صوته دافىء ووقعه مطرب , يحمل تحت أبطه مخطوطة لتمثيلية... لا بد وأنه ممثل تلفزيوني , شكله محيّر ... ولكن عينيه تلفتان النظر , مع أنه لم ينظر الى عينيها ألا القليل , لونهما عسلي أو خليط من اللون البني والأصفر , لونهما غريب جدانظر اليها نظرة ثانية ولكنه بقي على صمته, ربما هو يكره النساء عامة ... لا نظراته الساحرة تؤكد لها عكس ذلك تماما , أنه كامل الرجولة ولكنه يتعمد أهمالها , شعرت بأن عليها أن تستفزه ووسوس لها الشيطان بأن تتحداه بروجها المرحة , لا يمكن لأي أمرأة أن تقبل أهمال الرجل لها , قالت:
" الى... متى نستطيع أن... نتنفس الأوكسجين .... برأيك؟".
كانت تعلم أنها لن تخدعه بكلامها , نظر اليها بأهتمام ونظر الى نافذة التهوئة في سقف المصعد ثم نظر اليها من جديد:
" أتمنى أن لا تصابي بالهستيريا أو الجنون؟".
" لا لن أصاب بالهستيريا على ما أعتقد , ولكن الأمر متوقف على.... الى متى سنبقى على هذا الحال؟ هل شكلي يوحي بالمرأة الهستيرية؟".
نظر اليها نظرة فاحصة قبل أن يجيبها عن سؤالها , كانت فرنسيس معتادة على النظرات الفاحصة التي يلقيها المخرجون والمسرحيون عليها من حين الى آخر , ولكن نظراته اليها كانت وقحة مما أخجلها وشعرت بالدماء الحارة تكسو وجهها بينما وقف هو مسرورا بنتائج نظرته , أنها بلهاء بسؤالها ... ماذا سيعتقد الآن؟ لا بد وأنه سيعتقدها أمرأة ثرثارة في منتصف العقد العشرين من عمرها , طويلة ومتناسقة الأعضاء ترتدي سترة من الفراء مع تنورة صوفية وجزمة ترتفع للركبة , وجهها مستدير وبشرتها بيضاء ناعمة ويعلو أنفها , وجهها مستدير وبشرتها بيضاء ناعمة ويعلو أنفها القليل من النمش , فمها مستدير وأبتسامتها العريضة تنفرج عن أسنان متناسقة بيضاء , عيناها زرقاوان حادتان , رنة صوتها متناغمة. شعرها أحجية كبيرة لأنها ضمته كتلة واحدة تحت قبعة كبيرة خوفا من عبث الرياح الشديدة في ذلك اليوم ... لو أنها لم تكن ترتدي تلك القبعة , أنها تخفي أجمل ما فيها... شعرها , هذا الشاب الواقف أمامها رجل خطير للغاية , أنه شديد الوسامة والجاذبية وهو لا يريد أن يشاركها الحديث مهما أستفزته.