5- صخور على الشاطىء
كانت فرنسيس تصعد الصخور الحادة بصعوبة وتتوقف بين حين وآخر لتشاهد جمال الطبيعة الخلاب , الساعة التاسعة والنصف في الصباح , لا يزال الوقت مبكرا وستفعل اليوم ما يحلو لها , لقد حملت في حقيبتها بعض الفاكهة والساندويشات ومناشف وثياب البحر , تركت قرية بادستو خلفها ووجهتها الشاطىء المشرف على قرية تيوكواي.
ركبت شاحنة في السابعة صباحا بعد أن طلبت من سائقها أن ينقلها بطريقه , وكان السائق مسرورا لرفقتها الودية وهي الشابة الفاتنة التي تضج صحة وحيوية ونشاطا وجمالا , لقد أمضت ثمانية أسابيع في كورنوال مما زادها نشاطا وحيوية , وأكتسبت سمرة ذهبية محببة , كانت تستعمل الدراجة في تنقلاتها من مركز سكنها الى مركز عملها مما أكسبها ليونة ومرونة , لقد تركت اليوم الدراجة في المزرعة حيث تسكن لأنها رغبت في رياضة المشي على الشاطىء , بحريّة تامة.
بعد أن نزلت من الشاحنة في المفرق المؤدي الى قرية بادستو فردت خريطة المنطقة ودرست طريقها وما تبقى لها من الرحلة , وبعد ذلك ركبت جرارا يملكه أحد المزارعين هناك أوصلها مسافة قريبة من الشاطىء , ركضت مسرعة وهي ترى البحر أمامها قاب قوسين أو أدنى ....... ووصلت اليه بعد ساعة من المشي الحثيث.
أخذت نفسا عميقا وجالت ببصرها في الشاطىء الممتد أمامها , وعادت بذاكرتها عبر الماضي البعيد ...... وتذكرت موت والديها وخسارتها لحنانهما الدافىء.
قررت فرنسيس أن ترتاح قليلا , جلست على الأرض وأخرجت تفاحة وبدأت تقضمها وهي تحدق في البحر الواسع أمامها... ماذا لو ركبت زورقا ورحلت به بعيدا بعيدا؟ حتى تصل الى الطرف الآخر من اليابسة , ولكن الرحلات البحرية ستجرها الى التفكير بالرحلة الى كورفو .... والى الرجل الذي دعاها لمشاركته هذه الرحلة , لا.... يمكنها أن تفكر في عملها , ألقت بقايا التفاحة وأستلقت على ظهرها..... عملها جيد والطقس جميل , حزيران شهر دفىء , لم يبق عليهم سوى ثلاث مشاهد وينتهي المسلسل وينتهي العمل , وبعد أسبوع ستعود الى لندن , جلست وتنهدت قائلة في نفسها: كل شيء جميل ينتهي بسرعة... وقفت من جديد تنفض عنها الرمال العالقة بها , كان عليها أن ترتدي بنطلونا من الجينز بدل هذا البنطلون القصير ...زز بدأت تفكر بالتصوير الذي سيتم في الغد , عليهم أن يصوروا مشهد المركب , هي تخاف هذا المشهد , ربما من الأفضل لها لو تطلب من فيلكس أن يدع بديلتها تقوم عنها بتمثيله ... لا , غير ممكن , ربما سيعتقد أنها تخاف البحر والصخور .... وخاصة بعدما حصل معها البارحة , تذكّرت:
كان فيلكس غاضبا ساخطا وهو يلاقيها في أعلى الصخرة , لقد خالفت أوامر المخرج وسلكت طريقا وعرة محفوفة بالمخاطر وهي ترتقي الصخور , طلب منها فيلكس أن لا تسلك ذلك الطريق لوعورته وخطورته , ولكنها في النهاية خالفت أوامره وسلكت الطريق الوعرة ولم يعد أحد يستطيع أن يوقفها والمشهد يصوّر ... لقد أربكتها تنورتها الطويلة في التسلق وكادت أن تقع أكثر من مرة ولكنها وصلت القمة أخيرا , ونظرت اليه تنتظر أطراءه ومديحه ولكنها سمعت توبيخه وصراخه , لقد أسمعها قارص الكلام : عنيدة , مجنونة....وكلمات غيرها أشد قسوة جعلتها تدرك بأنه في قمة غضبه وحنقه , سرت لأن فريق التصوير كان بعيدا نسبيا ولم يتسنّ له سماع الوصف الدقيق , ولكنهم شاهدوا بأم أعينهم الأنفعالات جلية واضحة.
وفي المساء أخبرها ريك كبير المصورين بالتفصيل , لقد ألتقته في المقهى حين دخلت برفقة جوليان لتناول بعض الشراب المنعش , كان فيلكس يجلس في زاوية المقهى وقد تجاهل وجودها حين دخلت , ربما لا يزال حانقا عليها.....
لوح ريك بيده يحييها ومشت اليه مبتسمة , المصورون والتقنيون كانوا يحبون العمل معها لشعورها بالمسؤولية ولتواضعها ولبرودة أعصابها ولطفها , وعندما كان يطلب منها تكرار التصوير أكثر من مرة كانت تنفذ الأوامر دون تذمر أو تأفف أو توتر أعصاب أو ما يشبه ذلك.
" هل تشاركيننا الشراب يا فرنسيس؟".
" شكرا , أنني برفقة جوليان وسيحضر لي بعض العصير".
" ما هو شعورك وأنت تتسلقين الصخور الوعرة ؟".
ريك في الخمسين من عمره , شعره رمادي ووجهه بشوش , لقد أحضر عائلته معه الى كورنوال وكانت فرنسيس تمضي سهرات لطيفة برفقتهم :" كان من الممكن أن تؤذي نفسك , في لحظة ما ظننت أنك قد علقت وكدت أن تفقدي توازنك وتسقطي".
" لم أشعر بخطر مميت , كنت مرتاحة وأنا أتسلق الصخور , لقد أمضيت طفولتي وأنا أتسلقها , لا حاجة للرعب".
صفر ريك وهو رأسه متعجبا وقال:
" كان المخرج مرعوبا وهو يراقبك , صرخ عدة مرات ولحسن حظك لم تسمعي صراخه وشتائمه , بعض كلماته منتقاة ولم أسمعها من قبل... أعتقد أنك ستسقطين وستتمزقين أربا فوق الصخور , وعندما رآك تصلين الى القمة سالمة ركض خلفك مسرعا......مما ساعده على كبت غيظه وأخماد ثورته".