" تسرني زيارتك , وجه جديد شاب يضفي على روتين حياتي طعما جديدا , أنا أرملة منذ عشر سنوات , أفراد عائلتي يزورونني حسب ما تسمح به ظروفهم ولكن حياتي مؤخرا أصبحت هادئة باردة وأنا مريضة".
" ألا تشعرين بتحسن؟".
" أنا ممتازة صحيا بالنسبة لعمري يا عزيزتي , لقد أعتدت العيش مع آلامي وأوجاعي , أحيانا أبدو كأمرأة مجنونة... ولو لم أحظ بمساعدتك في ذلك اليوم لكانت النتيجة مميتة , حسب رأيي طبيبي الخاص , وعدته أن أتقيد بتعليماته في المستقبل ". أبتسمت أبتسامتها الودودة:
" أنا لست على أستعداد لمغادرة هذه الفانية بعد... لا يزال لدي بعض الأعمال لتصريفها ". أشارت الى صحن الكعك :
" خذي بعضا من هذه الحلوى يا عزيزتي , أنها لذيذة , أريد فنجانا آخر من الشاي أرجوك ".
أنحنت فرنسيس وصبت لها فنجانا :
" أخبريني ماذا تعملين بالأضافة الى مساعدة المسنات في محنتهن؟".
" أنا ممثلة , أعمل في المسرح".
" هذا مثير , عائلتي على علاقة وثيقة بالمسرح والتمثيل , عمتي أشتهرت بالتمثيل على المسارح ولكن أفراد العائلة المحافظين قطعوا علاقتهم بها , أنا شخصيا كنت آمل أن أصبح عازفة بيانو , درست عدة سنوات وتمرنت قبل زواجي".
" وهل لا زلت تعزفين؟".
" فقط لأتسلى , لقد أصبح ذلك نادرا جدا , روحي تتوق لذلك ولكن جسمي لا يساعدني وهذا ما يكدرني , أكتفي الآن بالأستماع الى الموسيقى التي أهوى , أنت أذن ممثلة , وماذا تمثلين في هذه الأيام ؟".
" لقد أنهيت لتوي بعض الأعمال المسرحية في الموسم الماضي وسأبدأ التدريب على مسلسل تلفزيوني قريبا جدا".
حاولت أن تبدو غير متحمسة .
" التلفزيون ؟ حقيقة؟ هل شاهدتك في برنامج ما؟".
ضحكت فرنسيس وهزت رأسها نفيا:
" أبدا , هذا هو أول عمل تلفزيوني أقوم به".
" ماذا سيكون؟ تمثيلية؟".
" نعم , أنه مسلسل من عدة حلقات , ما يثير حماسي هو أن المسلسل تجري أحداثه في الجنوب.... في كورنوال حيث أمضيت طفولتي , أتوق شوقا للذهاب الى هناك من أجل التصوير الخارجي ".
" هذا يثيرني أيضا لأنني أعرف كورنوال جيدا وأحب المنطقة , هل يسمح لي بمعرفة أسم المسلسل لأتأكد من مشاهدتك في المستقبل حين يعرض؟".
منتديات ليلاس
" بتروت , ولكنه لن يعرض قبل شهر , ربما في نهاية السنة , هم يخططون مسبقا لهذه المسلسلات".
أكملت فرنسيس حديثها مع الليدي وأخبرتها تفاصيل حياتها السابقة ... موت والديها وهي في الخامسة عشرة من عمرها ....ثم لقاءها صديقتها زوي في معهد التمثيل ومشاركتها شقتها منذ ذلك الوقت.
نهضت فرنسيس لتودع الليدي قبل مغادرتها وقالت مبتسمة:
" آمل أن لا أكون قد أضجرتك كثيرا , لقد أطلت زيارتي كما يبدو".
هزت الليدي رأسها وهي تبتسم :
" أبدا يا عزيزتي , كانت زيارتك لي مفاجأة لذيذة , أتمنى أن تزوريني دائما , كرم منك أن تمنحيني وقتك". ترددت وهي تنظر اليها بسرور وقالت :
" أرغب في دعوتك لحفلة عشاء صغيرة ستقام هنا مساء الغد , الدعوة متأخرة ولكنني أريدك أن تنضمي الينا أذا كان وقتك يسمح بذلك , هل أنت حرة؟". نظرت بسرعة الى أصبعها ورفعت حاجبيها:
" لا خاتم خطوبة ولا صديق أدعوه لمرافقتك؟". أبتسمت فرنسيس وهزت رأسها نفيا :
" لا أفهم أين الشباب ؟ كيف يتركون شابة فاتنة بجمالك دون أرتباط ؟ ستحضرين؟".
شعرت فرنسيس أن الليدي تريد أن تشكرها على مساعدتها ورأت أن من اللياقة أن تقبل دعوتها ولو أتت متأخرة:
" شكرا , ولكن .... ألست متطفلة ؟ لا يوجد لدي مواعيد , أنا شاكرة لك دعوتك الكريمة".
" عظيم , سأنتظرك لأعرفك الى أفراد عائلتي.... الموجود منهم ". مدت يدها بطريقة أرستقراطية وصافحتها مودعة:
" أنت فتاة طيبة وقد أبديت حنانا وعطفا على سيدة مسنة في محنتها , هذا شيء نادر في هذه الأيام , اناس يتراكضون ولا يهتمون لما يدور حولهم , لقد أدخلت السرور الى قلبي في زيارتك لي اليوم".
" وأنا سررت بلقائك ".
أحمرت وجنتاها.... لقد سرّت بصدق الليدي وأبتهاجها الحقيقي :
" أنا لم أفعل أي شيء .... وسأحضر يوم السبت الى العشاء , متى؟".
" في الثامنة مساء , مع السلامة يا فرنسيس , أنتظرك يوم السبت".
تركت فرنسيس المنزل وهي مبهورة , الليدي أمرأة مدهشة , تحسن الحديث وقوية الشخصية وساحرة الحضور , لقد دربت نفسها على تقبل مرضها بشكل مرض , عيناها تنبئان بالمزيد من المفاجأت .
العشاء المرتقب ولقاء أشخاص لأول مرة لم يكن ليضايقها في السابق ... وهي تتقن أستعمال الشوكة والسكين والتصرف بلياقة في عشاء رسمي ... ولكن شعورا غريبا غمرها وأربكها , تكريم الليدي لها وقد غمرتها بلطفها .... وقالت في نفسها : حفلة عشاء وتتهي .... تنتهي علاقتها بالليدي ولن تراها بعد.
كانت ردة فعل زوي غريبة , صمتت قليلا وهي تفكر ثم أنفجرت ضاحكة:
" يا ألهي يا فرنسيس , الليدي أرملة فاض وتقولين أنها أرستقراطية المحتد ... من سيكون معك على العشاء؟ عليك أن تحسني التصرف وترتدي أفخر الثياب لتليق بالمناسبة".
" لم أفكر بعد في ثيابي , لا زلت أستغرب وجودي في هذه الحفلة الخاصة".
ذهبت زوي مع فرنسيس الى خزانة الثياب وساعدتها في أنتقاء الثوب الملائم.
" أرتدي هذا الثوب الأزرق بلون عينيك , نعم يا سيدتي المحترمة".
وفي مساء اليوم التالي وقفت فرنسيس أمام المرآة تلقي نظرة أخيرة على شكلها , كانت تشعر ببعض الأنقباض والأرتباك , هناك بعض الوجع في معدتها كما يحصل معها عادة قبل ظهورها على خشبة المسرح.
ثوبها الأزرق ذو قصات بسيطة وفنية , أكمامه ضيقة ويظهر تناسق تقاطيعها , القبة واسعة مع عدة ثنيات حول الأكتاف , أخرجت فرنسيس ساعتها الذهبية ووضعتها بتأن حول معصمها كما تزينت بالقرطين الذهبيين , أعادت ترتيب شعرها من جديد وأبتسمت لنفسها أبتسامة الرضى وحملت معطف صديقتها الواسع ووضعته على أكتافها ونزلت الى المدخل تنتظر وصول سيارة الأجرة التي ستقلها الى حفلة العشاء.
وصلت الى القصر وتنبهت الى وجود سيارات عديدة متوقفة أمام المدخل الرئيسي , صعدت الدرجات الحجرية القليلة وقرعت الجرس بحذر , كانت تشعر بأن القدر قد خبأ لها سهرة مثيرة وبأنها ستتذكر هذا العشاء في المستقبل , أملها وتفاؤلها شجعاها على دخول المنزل حين فتح لها الخادم سيمكن الباب وحمل لها معطفها وقادها الى قاعة الأستقبال ذات اللون الأخضر , وحين دخلت وجدت أن هناك ما يقارب الأثني عشر شخصا من المدعوين قد سبقوها , شعرت بأن المدعوين صمتوا قليلا وهم ينظرون اليها بفضول وهي تتقدم من الليدي رافنسكار لتسلم عليها.
" مساء الخير يا سيدة رافنسكار".
كانت الليدي ترتدي ثوبا أسود من القماش اللامع وقد زينت أذنيها بقرطين من الماس ووضعت في جيدها عقدا من اللؤلؤ بينما زينت أصابعها بأكثر من خاتم ثمين من الحجارة الكريمة , وعقصت شعرها الأملس وجعلته كالتاج فوق رأسها وقد وضعت قليلا من مساحيق التجميل على وجهها وشفتيها.
" فرنسيس , أنا سعيدة أن أراك مرة ثانية , كيف حالك يا عزيزتي؟".
" أشكرك , أنا بخير , أتمنى أن لا أكون قد تأخرت عليك...ولكن التاكسي.........".
" لا , لم تتأخري , لا زلنا ننتظر شخصا متأخرا غيرك , تعالي لأعرفك على المدعوين , لن تتذكري الأسماء لكن لا بأس".
أبتسمت فرنسيس لكل شخص تعرفت اليه , كانت الليدي تعرفهم عليها بقولها:
" أنها الفتاة التي أنقذت حياتي يوم داهمتني نوبة قلبية في شارع ريجنت ... لقد أثقلت على فرنسيس ولكنها لا تحب أن تتباهى بمساعدتها , ولكن الطبيب غاريت سيؤكد لكم كلامي ". نظرت الى الطبيب وقالت:
" غاريت , سأترك فرنسيس بين يديك لترعاها وتسليها".
هز غاريت رأسه موافقا وتقدم منها مبتسما مسرورا بهذه المهمة السعيدة وقال:
" وليام غاريت وليام".
كان الطبيب في الأربعين من عمره , ذكي التعابير ودافىء الصوت , واثق من نفسه ومترفع في تصرفاته.
" أهلا وسهلا , تشرفت بمعرفتك , هل ترغبين في بعض الشراب يا آنسة هارون؟".
" شراب الكرز , شكرا".
" سأؤكد ما قالته مارغريت , أهنئك على سرعتك وأنتباهك لحالتها".
" كان والدي طبيب وقد أكتسبت منه بعض الخبرة في هذا المضمار , أنا سعيدة لأنني أستطعت أن أساعدها وقت الحاجة , ولكنني أتمنى لو تكف الليدي عن شكري أمام المدعوين... أن ذلك يربكني".
" لا يمكننا مناقشة الليدي , ولكنها فهمت خطورة وضعها كمريضة... أخيرا , لمست أن شفاءها لا يتم.... فأنا كطبيب لا أصنع المعجزات بل أنصحها وأرشدها لما فيه خيرها , ولقد تركت لها أمر العناية بنفسها, وبعدما حصل لها مؤخرا أصبحت أكثر حرصا على أتباع أرشاداتي".
شعرت فرنسيس بصدق عاطفة مرافقها لمريضته , وأحست برابطة الصداقة المتينة التي تربطه بأفراد العائلة , كرر لها أسماء المدعوين مع شرح بسيط لكل واحد منهم , معظمهم من الأقارب وأثنان فقط من الأصدقاء القدامى , كانت فرنسيس أصغر المدعوين.
نهضت اللييدي فجأة من مجلسها وقالت بلهجة آمرة:
" علينا أن نبدأ في تناول العشاء , لا نعرف متى سيصل أبني , لا أريد أن يفسد الطعام ونحن ننتظره , ربما حصل ما أعاقه عن موعدنا , هيا بنا يا براترام تقدم الى غرفة الطعام ونحن نلحق بك ".
برترام هو شقيق زوجها , وهو رجل عسكري أعتاد الأنضباط والنظام , لقد أمضى حياته في الخدمة العسكرية , وقال:
" لا يمكننا أن نفسد عليك حفلة عيد ميلادك".
قالت فرنسيس:
" لم أكن أعرف أن احفلة هي حفلة عيد ميلادك يا ليدي رافنسكار".
" وكيف تعرفين ذلك يا صغيرتي؟ لو أخبرتك لشعرت أن من واجبك أن تحضري لي معك هدية ... وأنا رغبت في وجودك معنا ليس ألا".
أمسكت الليدي بذراع فرنسيس ومشت معها الى غرفة الطعام , وبعد قليل تذكرت الليدي حقيبة يدها وطلبت من فرنسيس أن تحضرها لها , وحين عادت فرنسيس أكتشفت أن الشخص المتأخر قد وصل أخيرا... وقفت مترددة , لا تريد الأزعاج , وهي ترى الليدي تسلم على القادم بحرارة ودفء وهي تقول:
" لقد وصلت يا عزيزي , عرفت أنك ستحضر ولو متأخرا , لقد ضجر عمك برترام من الأنتظار وكدنا أن نتعشى بدونك".
خلع الشاب القادم معطفه وناوله الى سيمكن وبعد ذلك أخذ الليدي بين ذراعيه بحنان ظاهر وهو يقول:
" أنا آسف جدا يا أماه , لقد أخرتني عنك بعض الأعمال الملحة , حاولت أن أتهرب منها ولكنني لم أفلح ". نظر اليها مادحا:
" تبدين جميلة وصحتك ممتازة وأصغر سنا.... ميلاد سعيد يا حبيبتي".
" أشكرك يا بني على هديتك , لقد أرتديت خاتمك ". فتحت يدها لتريه الخاتم في أصبعها:
" أنها هدية جميلة للغاية ".
لمح فرنسيس وهي تتلكأ في مؤخرة الغرفة , لمحته والدته ينظر اليها , أضافت بسرعة:
" آه فرنسيس يا عزيزتي , لقد عدت بالحقيبة , شكرا , يمكنني الآن أن أعرّفك الى أبني فيلكس ... فيلكس هذه هي فرنسيس هارون".
كانت الليدي تنظر اليها بأعتزاز وفخر وتستطلع رأي أبنها بفرنسيس من تعابير وجهه وقد ظهر على وجهها طيف أبتسامة حقيقية.
تسمر فيلكس في مكانه من الدهشة , تعجبت فرنسيس وهي تردد في نفسها : فيلكس هو أبن البيدي رافنسكار ....لباسه الآن يختلف كثيرا عما رأته من قبل , أنه أكثر وسامة في لباس السهرة الأنيق , قميصه الناصع البياض ورأسه المتعالي وطريقته الأرسنقراطية ونبرته الآمرة... لون عينيه الساحرتين يحيرها ....ولقد ظهر الغضب بوضوح فيهما ومد يده ليصافحها وقد أرتدى قناعا مبهما على وجهه.
قالت الليدي:
" هيا بنا ندخل غرفة الطعام ... لقد حضر برترام خلفنا , سأسبقكما مع برترام , فيلكس أهتم بقرنسيس....".
بدأت فرنسيس تتحرك نحو غرفة الطعام ولكن فيلكس أمسك بذراعها بقسوة وأوقفها قائلا:
" أنتظري لحظة , أريد أن أكلمك , ماذا تفعلين هنا بحق السماء؟".
حدقت فرنسيس به يائسة وقد أرتبك شعورها وأختلط عليها الأمر , حاولت أن تبقي على رباطة جأشها ما أمكنها , كل شيء يسير بسرعة حولها , وهذا الرجل غاضب لسبب تجهله كليا ولكن جام غضبه قد صبه فوق رأسها.....
" ما الأمر؟ أنا لا أفهم.....".
" من دعاك الى هنا؟".
هزها بقسوة , تعثرت , وكادت تسقط , أبتعدت عنه مسرعة , حضر سيمكن وقال:
" سيقدم طعام العشاء فورا يا سيد فيلكس...".
" شكرا يا سيمكن , سندخل بعد لحظة واحدة".
مشى الخادم وهو يحمل صينية الطعام , أنتظرت فرنسيس حتى أختفى وقالت ببرودة:
" لقد دعتني والدتك....".
ومشت دون أن تنتظر جوابه , حاول فيلكس أخفاء غضبه بجهد جهيد وهو يلحق بها.
سمعا ضحكات تتصاعد من غرفة الطعام قبل أن يدخلاها , بدأ فيلكس يتمتم غاضبا ثم قال لها:
" سأتحدث معك فيما بعد.... الحديث غير ممكن الآن".
" من قال لك أنني أرغب في الحديث معك يا سيدي؟ ".
نظرت الى يده الممسكة بذراعها بخشونة وأفلتتها على الفور وأكملت:
" لو لم يكن ذهابي الآن يسيء الى والدتك ويسبب لها بعض الكآبة في عيد ميلادها لغادرت الحفلة على الفور .... سأحاول أن أتغاضى عن طريقتك البربرية الجلفة غير المهذبة ... أتمنى لو تبقي يديك لنفسك وكذلك تصرفاتك غير اللائقة".
تركته ومشت ال غرفة الطعام.
3- دور رئيسي في الحياة
بعد أن أنتهى صنف الطعام الأول بدأت الليدي تدير الحديث في الوجهة التي تريد... سألت أبنها ببراءة خادعة:
" أعتقد أنك فوجئت بوجود فرنسيس معنا هنا في هذه السهرة".
نظر اليها فزعا ثم حدق بسرعة في فرنسيس التي كانت تجلس قربه ثم نظر الى والدته من جديد وقال:
" نعم لقد فوجئت بوجودها".
كانت فرنسيس تود لو تضحك وتنسى ما حصل , ولكنها كانت غضبى ومرتبكة وهي ترى جميع المدعوين يراقبون الحديث بأهتمام كلي وخاصة غاريت الذي قال مستوضحا:
" هل لك يا مرغريت أن توضحي لنا الأمر؟ لقد سررنا جميعا بوجود فرنسيس معنا ولكن لماذا تعتبرين وجودها مفاجأة لفيلكس؟".
قالت الليدي :
" لأن فرنسيس هب الشابة التي أنقذت حياتي وساعدتني يوم مرضت في السوق وحملتني الى بيتي".
حاول فيلكس أن يتحكم بأعصابه , شد كثيرا على أسنانه وأيقنت فرنسيس أن براعته في حقل التمثيل ساعدته في السيطرة على نفسه وقال:
" أنت مسرورة جدا يا أماه بمفاجأتك". ألتفت الى فرنسيس وأكمل كلامه:
" دعيني أضيف شكري وأمتناني لمساعدتك القيمة في أنقاذ والدتي في ذلك اليوم".
كان صادقا في قوله , سرها تواضعه وأعترافه بفضلها وأحست بأنتصارها عليه في هذه المعركة , نظرت اليه نظرة مؤنبة جريئة ثم أكملت طعامها وهي مبتهجة.
قال برترام :
" أين الصدفة في ذلك ؟ أنا لا أفهم المفاجأة , هل لك أن تشرحي لي؟".
" فرنسيس تعمل ممثلة يا برترام وقد أسند اليها مؤخرا دور البطولة في المسلسل التلفزيوني الجديد....".
أبتسمت فرنسيس وهي ترى كل العيون تنظر اليها وخاصة عيني فيلكس الجالس عن يمينها:
" وفيلكس هو مخرج المسلسل".
أختنقت فرنسيس يطعامها من المفاجأة , نظرت الى زجاجة الماء وقام فيلكس يملأ لها كأسها , وبعد أن أستعادت تنفسها الطبيعي نظرت اليه متسائلة وهي لا تستطيع أن تخفي رغبتها وفزعها , رفع فيلكس حاجبيه متسائلا وهي تسأله متمتمة:
" أنت؟ أنت.... مخرج ... بنروت؟".
" نعم , ألم تعرفي؟".
" وكيف أعرف؟ لم يخبرني أحد".
أكملت فرنسيس تناول طعامها الذي أصبح دون طعم , أنتابها شعور غريب وهي تعود بذاكرتها الى يوم آداء التجربة علّها تجد ما يشير الى هذه الحقيقة التي كانت تجهلها ... ما الذي جعله كمخرج يتقمص البطل أمامها ويظهر كأنه ممثل؟ أنها تكرهه.... لم يخبرها بأي شيء حول هذا الموضوع , لقد أرتبكت كل الأمور في عقلها ... هو مديرها المباشر , هو مخرج المسلسل , المتكبر المتعالي ... هو الذي يثيرها ويثير غضبها و.......
منتديات ليلاس
لاحظت فرنسيس أن فيلكس بدأ يجيب عن الأسئلة التي توجه اليه حول المسلسل الجديد.
قالت الليدي :
" كنت أرغب في مفاجأتك ولكنك أفسدت كل خططي بتأخرك ". نظرت الى فرنسيس وأكملت:
" سامحيني يا صغيرتي , عندما أخبرتني عن قيامك بدور البطولة في هذا المسلسل كنت أعرف أن فيلكس هو المخرج وأردت أن أفاجئكما معا بهذه الحقيقة".
" ولقد نجحت يا أماه".
أبتسم لها أبتسامته العريضة الساخرة.
ودار الحديث حول طاولة الطعام عاديا بعد ذلك .
ألتفت فيلكس الى جارته وتمتم بصوت خفيض:
" سيبدو الأمر غريبا لو تفاديت الحديث معي طوال السهرة , حاولي يا فتاتي أن تتغاضي عما حصل , أنت طيبة القلب.... أعملي قصارى جهدك".
بدأت فرنسيس تقول في نفسها : أنه مديرك ... وستعملين تحت أمرته فترة عشرة أسابيع مقبلة......
" لم يعد لدي أي حديث لائق ومهذب معك".
" أذن حاولي حديثا غير مهذب وأنا واثق بأنك لن تجدي صعوبة.....".
سحبت نفسا عميقا وقالت في نفسها: هي لا تحبه وهو أيضا لا يحبها , الشعور بينهما متبادل , حاولت الهجوم بدل الدفاع وقالت محتدة:
" ما سبب غضبك هذا المساء؟".
" ظننت أنك تستغلين والدتي من أجل مقابلتي".
كان تفسيره صاعقا , لم تنتظر هذا التبرير المخجل.
" أنا لم أربطك بالليدي بأي شكل.... وكيف يمكنني ذلك وأنا أجهل أسم عائلتك كليا..... لو سمعت الأسم لم يكن ليعني بالنسبة الي أي شيء".
" أنت تتعمدين تجريحي وتقللين من شأني مما يجرح كبريائي". قال ساخرا:
" هل أساعدك ببعض الشراب المهضم؟".
" ظننتك ممثلا".
" كنت ممثلا , عملت في المسرح فترة طويلة , بدأت التمثيل ثم ألتزمت الأخراج حين سنحت لي الفرصة , ونجحت على ما يبدو في الأخراج التلفزيوني , كان التلفزيون في بداية عهده ويحتاجون للعديد من المتخصصين , طلب مني البقاء وبقيت , والآن وبعد أن توسع العمل التلفزيوني وتشعب ونضجت صناعته وأينعت توصلت أنا بجهدي الى هذا المركز المرموق , ولحسن حظي أنني دخلت في حينه لأن الأمر أصبح أكثر تعقيدا الآن والمنافسة على أشدها .
حين يترك فيلكس سخريته وعجرفته يصبح شخصا مسليا ومحدثا لبقا يجيد فن الكلام وتوزيع الحديث.
" هل ظننت أنني بعد أن وقعت عليك وبقيت معك دقائق معدودة في داخل المصعد وقعت صريعة حبك , وحاولت بطريقة ماكرة أن أجعل نفسي مدعوة الى العشاء في بيت والدتك هذه الليلة ؟". رفعت حاجبيها ساخرة :
" يا سيد افنسكار , أنا واثقة أنك على علم تام بجاذبيتك ولكنك تحمل الأمور أكثر مما ينبغي ".
مر الخادم يحمل صحنا من الخضار للمدعوين وبعد أن تناولا حاجتهما أجابها:
" تتعجبين أذا أخبرتك ما تقوم به الممثلات من أعمال جريئة للحصول على أدوار مختلفة ". قال ساخرا وهو ينظر اليها:
" كنت واثقا من أن مركزي ونفوذي هما اللذان جذباك الي وليس جاذبيتي".
" حقيقة؟ لا بأس ولكنني أؤكد لك أن هذا التصرف ليس من طبعي... لماذا لم تخبرني عن نفسك عندما طلبت منك مساعدتي لمقابلة توم ديفريل؟".
" لم أكن مخرج المسلسل بل كان توم هو المخرج".
أبتسمت له أبتسامة بلهاء كأنها تشفق عليه وقالت:
" أنا لست غبية , أنا واثقة بأنه بحث معك أختيار الممثلات ". ونظرت اليه بفضول وأكملت:
" وأنا لا أعرف كيف حصلت على الدور , لقد شعرت شعورا أكيدا بأنك لا تحبني ولا توافق على أختياري يا أستاذ رافنسكار".
" أنا لا أدع شعوري الشخصي يتدخل في عملي يا آنسة هارون , دور ماريت ترويت كان متأرجحا بين أثنتين ولقد فزت أنت , لقد أعجب توم ديفريل بسحر شعرك ولونه".
" وهو ليس بفعل الصباغ كما قلت له".
قالت ذلك وأستدارت لتتحدث مع الطبيب غاريت الذي كان يجلس عن شمالها وقد سره أشراكها في الحديث الذي كان يدور حول رواية نزلت حديثا الى السوق وبيعت بكميات كبيرة.
أبدت فرنسيس رأيها حول الموضوع المثار بكفاءة , كانت تحس بوجود فيلكس عن يمينها بالرغم من تجاهلها له , من الواضح أنه يثيرها بل يزعجها , كانت ترى أبتسامة الليدي نحوهما وهي تراقبهما راضية.
كان فيلكس بالنسبة لليدي رافنسكار هو قرة عينيها وأغلى ما عندها , قالت فرنسيس في نفسها : ربما كنت أشاطرها شعورها نحوه لو تقابلنا في ظروف مغايرة , ربما سيخيب أمل الليدي لو فهمت حقيقة شعورها نحو وحيدها.
أنه حتما يجذبها ... دفعت شعرها بيدها وهي تقنع نفسها قائلة:
" هناك آلاف الرجال لهم جاذبيته ووسامته ... لهم صوت دافىء يدخل القلوب , تسر عشرتهم وأذكياء مثله.
بعد مغادرة غرفة الطعام جلست فرنسيس بالقرب من الطبيب غاريت الذي تناول في حديثه عملها وقال:
" أنت شديدة الحظ في عملك تحت أشراف مخرج ممتاز مثل فيلكس".
" هذا يشجعني وأنتظر أن يساعدني في عملي , أنا أعرف مخرجين يعملون في المسرح".
" فيلكس في مركز متسلط في التلفزيون , فريق العمل التقني يسعدهم العمل تحت أمرته .... أنهم الحاكم العادل على كفاءته, فالتقنيون يفضلون العمل مع الأفضل ". أبتسم وهمس في أذنها:
" لا تنزعجي من تدخل الليدي في تدبيرها , أنها فخورة بأبنها وهو جدير بفخرها , أنه شاب ناجح يجيد عمله , أعرفه حق المعرفة كما أعرف شقيقته جاسيكا منذ سنين عديدة".
" أنت محام بارع أكثر منك طبيبا للعائلة".
مشى غاريت نحو فيلكس الذي كان يقف قرب المكتبة , راقبتهما فرنسيس , كلاهما أسمر ولكن فيلكس أطول ويتحرك ببطء أكثر , بينما غاريت في حركة دائمة يشع بالحيوية والنشاط وهو يتكلم بيديه وعينيه السوداوين المعبرتين.
طلبت الليدي من أبنها أن يعزف لهم ولكنه قال:
" أعتقد أن السيدة التي تحتفل بعيد ميلادها هي التي ستعزف لنا , أنها أفضل عازفة بيننا".
" لا يا فيلكس , لن أعزف هذه الليلة , أنا أحتفل بعيد ميلادي وعليكم تسليتي وأدخال السرور الى قلبي".
وقام غاريت ودفع فيلكس نحو البيانو قائلا:
"بما أنني الطبيب فأنني أقترح عليك أن تعزف لتدخل السرور الى قلب الليدي العظيمة".
" حاضر".
مشى غاريت بعد ذلك وجلس على الأريكة بالقرب من فرنسيس , سألته:
" وهل تعزف أنت أيضا يا دكتور؟".
هز رأسه نفيا وقال:
" لا , لا وقت لدي ولا موهبة ". نظر الى فيلكس وأكمل حديثه قائلا:
" كان بأمكانه أن يصبح عازفا لو تابع دراسة الموسيقى".
صمت الجميع بينما أنسابت موسيقى شوبان وملأت الغرفة .
جلس فيلكس يعزف بأتقان ومهارة , أغمضت فرنسيس عينيها وتركت للموسيقى أن تدخل كيانها , وبعد أنتهائه نال تصفيقا حادا من الجميع وبدأ غاريت يغني أغنيات معروفة يتابعه فيلكس في العزف على البيانو , وأشترك الجميع بعد ذلك في الغناء , سرت فرنسيس بما يدور حولها وشعرت بسعادة حقيقية وألفة وود.
أنتهت السهرة ومشت فرنسيس لوداع الليدي التي طلبت اليها أن تكرر زياراتها في أقرب فرصة وهي تقول:
" أعرف أن المسلسل يحتاج لبعض الوقت ولكنني أريد أن أعرف كل شيء عنه وعن كورنوال ... أريد أن أعرف رأيك بفيلكس المخرج".
قال فيلكس معترضا:
" أماه , لن تقول الآنسة لك الحقيقة ". عاد يحمل معطف فرنسيس بعد أن أرتدى معطفه :
" وأنت لن تصدقي ألا المديح عني".
" أوه لماذا؟ وأنا أعرف كل أخطائك ".
" مساء الخير يا أماه , أنتبهي لنفسك ولصحتك".
عانقها مودعا:
" هل ستوصل فرنسيس الى منزلها في طريقك؟".
ساعد فرنسيس في أرتداء معطفها وأمسك بشعرها يبعده عن قبة المعطف:
" طبعا".
" ألا توافق يا فيلكس أن شعرها جميل!".
" بلى , وأؤكد لك أن لونه طبيعي وليس بفعل الصباغ".
نظرت الليدي اليه فزعة مما قال وعلقت:
" أعرف ذلك ولكن لماذا تؤكد لي؟".
لم يجبها بل أمسك بذراع فرنسيس وقادها نحو الباب مسرعا بالخروج , وقفت الليدي مسرورة جدا وهي تودعهما وتحيك في رأسها قصصا , وتمني نفسها بنجاح خطتها في جمعهما في قصة حب من نسج خيالها.
لم تتكلم فرنسيس في طريق العودة , لقد قال لها أنه سيتكلم معها في وقت لاحق... ولا بد أنه سيتكلم متى يرى ذلك مناسبا , جلست قربه في سيارته اللانسيا السوداء الفخمة والمريحة , ونظرت خلفها الى المنزل الذي الذي غادرته وتذكرت ساعة وصولها وشعورها بأن القدر يخبىء لها مفاجأة في هذا المنزل...
والآن بعد أن عرفت أن قدرها مرتبط بهذا الرجل أرتباط عمل وثيق شعرت ببعض الأمتعاض والغيظ.
" آنسة هارون.... أين تقطنين؟".
" منطقة لامبث".
قيادته سلسة ومريحة وقد شعرت بأمان وهي معه وتلاشى غضبها تدريجيا , السهرة ممتعة ولولا بدايتها السيئة معه .... قالت في نفسها: من الجنون أن تبدأ معه علاقة متوترة أذا كان عملها يرتبط به مباشرة , من الجنون أن لا تتوصل معه الى هدنة أو تسوية.
" الى الشمال أو الجنوب؟".
" الى الجنوب بالقرب من مركز البلدية".
" حسنا , أعرف المكان ". قاد السيارة بمهارة وأكمل بعد قليل:
" عرفت الآن أنك تأخرت عن آداء التجربة في موعدها بسبب مساعدتك لوالدتي".
" نعم".
" هذا يجعلني سعيدا لأنني أفسحت لك المجال لآداء التجربة متأخرة , فلولا مساعدتك لما كنا نحتفل اليوم بعيد ميلادها , كنت تعرفين أنك بمعاونتك لها ستخسرين فرصة كبيرة في عملك , ومع ذلك لم تتأخري عن مد يد المساعدة لها .... قليلون يفعلون ذلك ويتخلون عن أنانيتهم ومنفعتهم الخاصة".
كان كلامه مديحا لكن لهجته مزعجة كمن يعترف بذنب أقترفه , نظرت فرنسيس عبر النافذة الى نهر التيمس والأنوار التي تنعكس على سطح الماء وقالت:
" ولحسن حظي أنك لم تكن تعرف هذه الحقيقة وألا لكنت ظننت أنني حصلت على هذا الدور جزاء عملي".
" عندما تتعرفين اليّ عن كثب يا آنسة هارون تعرفين أنني لا أمنح الدور لأحد ألا عن جدارة وأستحقاق".
سرّها سماع أقواله , ولكنها لم تصدقه لعلمها ما تفعله بعض الممثلات من أمور رهيبة مخجلة لقاء حصولهن على دور.
وحين وصل الى منزلها قالت له مترددة:
" شكرا لتوصيلك لي , لقد شكرت والدتك على هذه السهرة الممتعة , أرجوك أن تكرر شكري لها.........".
" أعتذر منك عن تصرفاتي الشائنة ساعة تقابلنا هذا المساء , كانت تصرفاتي غير لائقة دون سبب واضح , أسرعت في أستنتاجي الخاطىء... وقد أنزعجت وفقدت السيطرة على رباطة جأشي لأسباب واهية...".
بقيت فرنسيس تستمع اليه صامتى دون تعليق , لقد حيّرها , أنه لغز , شخص متوازن مثله بدا غضبه غير مقبول أطلاقا , أكمل فيلكس حديثه دون أن يلمس أي تجاوب منها:
" كنت دائما أجيب من يسألني عن أسباب نجاح المخرج .... وأقول : أنه الرجل الأهم والمحور الذي يرتكز عليه البرنامج التلفزيوني الناجح , المخرج الناجح يحتاج لحكم عادل ويستطيع التعامل مع جميع فئات الناس , الشخص الذي يوحي بالثقة والحماس , يحسن التخطيط والتنظيم ويستطيع أن يوكل ببعض أعماله الى مساعديه بكفاءة , هو المسؤول الأول أمام الجميع , يستطيع أن يتقبل النصح أو يرفضه ويبقى على رباطة جأشه تحت وطأة ضغوط العمل وملابساته ".
ضحك ضحكة باهتة وأستدار لينظر اليها وأكمل :
" ولا يستطيع أي رجل أن يكون مثاليا مهما حاول , الضغوط أحيانا لا تحتمل , عملي متشعب الأقسام وأنا المسؤول الأول يا آنسة هارون , وأنا أتحمل مسؤولياتي بشجاعة ومقدرة وحين أفشل في تحملها سأتنحى عن عملي فورا .... قبل ساعة من حضوري لحفلة عيد ميلاد والدتي طرأ طارىء عمل مفاجىء لم يكن في الحسبان , كان علي تنظيم أجتماع عمل مع مجموعة من المندوبين في كورنوال ...المشروع يحتاج لآلآف الجنيهات الأسترلينية وهذه الحقيقة تتطلب دراسة كافية وتخطيطا لأن كل تأخير في برنامج العمل الموضوع يكبد الميزانية مئات الجنيهات وربما الألوف ".
نظر اليها مستطلعا أدراكها لما أخبرها وأكمل:
" ربما ضغط ذلك الأجتماع كان أكثر مما أحتمل , وجاءت ردة الفعل الكريهة عندما ألتقيتك.....".
" فهمت..........".
رفع حاجبيه متسائلا وقال بخبث:
" طريقتي في مقابلتك أغضبتك وربما أفسدت عليك السهرة لو لم يكن غاريت جارك على طاولة الطعام الذي أحاطك بأعجابه وأنتباهه, لقد تجاهلت وجودي المزعج قربك فترة طويلة.. ربما ساعد الطعام الجيد في تبديد تجهمك أليس كذلك؟".
نظرت اليه لا تصدق ما تسمع , ولكنه تابع تحديقه فيها يراقب ردة فعلها التلقائية على أقواله.
قالت بعصبية:
" أنك شخص لا يحتمل يا أستاذ رافنسكار , أنت تعرف جيدا أنني سأسامحك".
" أتمنى ذلك من كل قلبي , يبدو أنك أنسانة كريمة متسامحة ولطيفة".
" هل صادفك مرة في حياتك لغز محيّر لم تستطع أن تحل رموزه ؟".
فغر فمه عن أبتسامة باهتة ثم لمعت شرارة في عينيه وقال متشدقا :
" لا أعتقد ذلك , الحمد لله".
" ليكن الله بعون الذين يتعاملون معك يوم يحصل مثل هذا الأمر معك".
بدأت تحاول الخروج من السيارة بحماس ظاهر.
" أرجوك أن تبقي قليلا......هناك أمر آخر أريد أن أبحثه معك".
تسمرت في جلستها وبدا الجد على محياها , بقي فيلكس صامتا فترة ينظر عبر النافذة وهو يفكر كيف سيبدأ حديثه معها , وأخيرا بدأ....
" والدتي معجبة كثيرا بك , لقد أحبتك يا آنسة هارون .... وهذا طبيعي لأنها تعتبر أنك أنقذت حياتها".
" هراء , لا أريدها أن تعتقد أن ذلك حقيقة".
" وهي ترغب في مكافأتك بما يناسب ,لديها بعض الأماني التي أصبحت أكثر وضوحا بالنسبة اليها , أمنيتها في تزويجي وبسرعة..... بعد أن شارفت على نهاية عمرها , وقد قررت أن الفتاة ذات العينين الزرقاوين والشعر الأحمر تنسجم وتناسب مخططها , وهذا يفرحها ويبهجها كثيرا لترى في أحفادها عينين زرقاوين......".
" أعتقد أنك تثرثر كالمحموم ولا معنى لما تقول , أنك تتكلم زيادة ". ضحكت كثيرا:
" لقد قابلتها البارحة فقط وهي لا تعرف عني أي شيء.......".
" لقد قامت بتحرياتها عنك أكثر مما حاولت أنت أن تعرفي عن عائلتنا , فقد أطلب منك أن لا تدعي أفكار سيدة عجوز تخدعك يا آنسة هارون , وأؤكد لك أنها بالرغم من مرضها فهي سيدة قوية الشكيمة وأذا صممت على أمر لا تتوانى عن تنفيذه .... وحين عرفت أنك ستمثلين في المسلسل الذي سأخرجه بدأت تنسج خيوط تمثيلية حقيقية تقومين فيها بدور رئيسي في حياتي ومنزلي....".
" لا زلت أعتقد أنها تمزح".
" أنا في السادسة والثلاثين من عمري....... وبالنسبة لتفكير والدتي كان علي أن أتزوج منذ فترة بعيدة , لقد عاشت لترى زواج شقيقتي جاسيكا وهي مصممة أن تعيش طويلا لتتأكد من زواجي وأستقراري بأمان قبل أن ترتاح وتغادر هذه الدنيا..... وأنا أشك في هذا الأمر كليا , وهي الآن تشعر أنها مدينة لك وكونها أمرأة كريمة سمحة ستهبك هدية غالية جدا , وأغلى ما عندها في هذه الحياة...... أبنها ووحيدها , لا يهمها أبدا أن تعرف أنني لست هدية ممكنة لأي أمرأة.....".
" هذا غير صحيح".
" أتمنى ذلك , لقد مررت بمناسبات عديدة مماثلة من قبل وكنت أنجح في الهروب ... ولكنني أشك الآن بمقدرتي".
"ولكنك أن أستطعت التملص سابقا ستتمكن من ذلك الآن".
" أتمنى ذلك........ وأصر عليه , أردت فقط أن أتأكد من فهمك لهذا الموضوع".
تنهدت وسحبت نفسا عميقا ثم علّقت قائلة:
" أنك شاب مغرور يا أستاذ رافنسكار.....".
أبتسم فيلكس أبتسامة ساخرة باهتة وأكمل:
" يا فتاتي العزيزة..... والدتي لديها من الغرور ما يكفينا كلينا....... ورغبتها أوامر".
" أفهم الأمر جيدا , وأشكرك على توضيح الموضوع بهذه البساطة , أفهم الآن جيدا أن ليس في نيتك الأرتباط بروابط زواج مع أية فتاة , وملاحظاتك الساخرة حول مؤسسة الزواج لم تخف علي".
" هذا صحيح يا آنسة هارون , أنني وجودي وأؤمن بالواقعية.... وما خبرته عن مؤسسة الزواج لا يشجعني على تذوق ملذاته وجناته".
" ولكن هناك زواجا سعيدا ودائما".
" لكل قاعدة أستثناء ... الزواج السعيد الدائم هو الأستثناء ".
فتش في جيوبه وأخرج مفكرة صغيرة وقلب صفحاتها بسرعة وقال:
" هل ترغبين في جولة في أستديو التلفزيون يوم الأربعاء المقبل ؟ سنبدأ التمارين يوم الأربعاء المقبل وأقترح زيارة الأستوديو صباح الثلاثاء في العاشرة والنصف , ما رأيك؟".
حدقت فرنسيس به متعجبة وقالت:
" ظننت أن الفكرة تتلخص في الأبتعاد عني حتى لا تفسح أي مجال لتفكير والدتك الوردي بشأننا .... ألست تعالج الموضوع بطريقة معاكسة للواقع؟".
" أبدا , لا أريد أن أهشم أمانيها دفعة واحدة , وأريد أن أفسح لك المجال لتتعرفي الى ما ينتظرك في المستقبل قبل أن نبدأ التصوير...... في المستقبل".
ران صمت مريع , كان كل منهما ينظر الى الآخر وهو يحاول فهم ما يدور في رأسه , وأخيرا تكلمت فرنسيس بعناد واضح وتحد:
" أنت خسيس". ضحكت ضحكة قصيرة:
" لا بأس , أقبل مرافقتك فقط لأنني أريد رؤية الأستوديو فمستقبل عملي يتوقف على ذلك..... وأستطيع أن أؤكد لك بأن بأستطاعتي أيضا أن أكون خسيسة مثلك وأكثر".
" لا أصدقك........ وألا لما كنت عرضت فرصة آداء التجربة للضياع من أجل مساعدة أمرأة مسنة في محنتها ".
أغلق مفكرته وأعادها الى جيب سترته:
" أذن نلتقي سباح الثلاثاء , سأمر عليك لأصطحابك حوالي العاشرة أذا سمحت!".
نظرت فرنسيس اليه ضاحكة وقالت:
" وكيف لا أسمح؟ أنت أنسان قليل الخيال ... هل كنت تنتظر أن أرفض من يوصلني بسيارة فاخرة مريحة وأختار الذهاب في الباص أو القطار وزحمة المواصلات؟ يسرني جدا أن أقبل عرضك اللطيف والساعة العاشرة تناسبني ".
أضافت بعد ذلك بلهجة ساخرة:
" أنت تقول أنك لا تفتش في الوقت الحاضر عن زوجة ... ولكن ما أدراك أنني لا أفتش عن زوج؟ ثم أذا تضافرت جهودي مع جهود والدتك فربما نبرهن لك أننا أقوى منك .... ونغلبك".
بدأت تحاول فتح الباب لتخرج ...... عبثا , ضحكت وقد بدت عصبية:
" هذا ليس عدلا!".
بدأت دموعها تنحدر على خديها رغما , وقالت يائسة:
" كنت أريد أن أتركك بعد جملتي الأخيرة لكنك أفسدت كل شيء......".
ساعدها في الضغط على زر الباب ليفتح , رفعت رأسها متحدية:
" كنت أمزح.... لا تأخذ قولي مأخذ الجد , أنا أيضا لا أحب الرجل الأسمر كما أنك لا تحب الفتاة ذات الشعر الأحمر , كلانا بأمان.....".
" جملتك هذه ربما هي للتحدي......".
" لا , أنني لا أتحداك , أؤكد لك ذلك " "
"هل صحيح أنك تفتشين عن زوج المستقبل يا آنسة هارون؟".
" مثل كل فتاة في هذا العالم , أفتش عن زوج معين , أفتش بتدقيق وتمحيص.. أؤمن أن الزواج رباط دائم لا تنفصم عراها مع الأيام".
عبس فيلكس وأغلق عينيه كأنه لا يحتمل ما يسمع وقال :
" بحق السماء!".
" كأنك لا تصدقني؟".
" يمكنك أن تقنعيني بذلك يا آنسة هارون".
خرج من مجلسه وفتح لها باب السيارة وأنتظرها لتصل الى مدخل البناية ثم أضاف:
" أعتقد أنك الآن بخير".
" نعم , شكرا , عمت مستء يا سيد رافنسكار , أشكرك لتوصيلي".
" يسرني ذلك , عمت مساء يا آنسة هارون".
بقي ينتظر دخولها ثم ذهب , صعدت الى منزلها وهي تفكر بأمور عديدة تدور في خلدها كأنها ألغاز , دخلت وبدأت تجهز نفسها للنوم بهدوء حتى لا تزعج صديقتها زوي , أفكارها جميعها تتركز حول فيلكس رافنسكار.
لا يهم أن كان شعورها نحوه شعور محبة أو كراهية فهو قوة هائلةلا يستهان بها , أنه لغز لا يفهم بسهولة .... وبالتالي سيكون العمل معه صعبا مرهقا , أقفلت ضوء الحمام ومشت الى غرفتها مثقلة بالهموم , توقفت قرب النافذة وهي تفكر : من حسن حظها أنه لن يمثل دور البطولة أمامها ... وألا ... لاحظت صديقتها تقف قربها ونمظر من النافذة.
منتديات ليلاس
" زوي لقد أخفتني.... لماذا تقفين هكذا والنور مطفئا؟".
" آسفة يا صديقتي ولكنني تسمرت في مكاني وأنا أراك تعودين بسيارة فاخرة كما تعود النجمات الشهيرات .... ما بك؟ هل أنت متوترة الأعصاب؟".
" لا , أيقظتك من نومك؟".
" لا , أنا عدت منذ قليل ورغبت في أنتظار عودتك لأسمع أنباء السهرة الغامضة منك ... لقد أصبحت من سيدات المجتمع الراقيات..... هيا أخبريني عن السهرة ... أياك أن تنامي قبل أن تفعلي ".
جلست زوي على طرف سرير فرنسيس.
" لن أنام , أقفلت عين لأريحهما فقط ... هل يمكنك أن تحزري من كان معنا على العشاء؟".
" من ؟ حتما تمتعت بوقت طيب لأنك عدت في الثالثة صباحا".
" يا ألهي , كيف مر الوقت بسرعة.. زوي , صدفة غريبة جدا , لقد حضر فيلكس رافنسكار..".
" حسنا , ولكن من هو فيلكس؟".
تنهدت رنسيس وأكملت توضح لها بسرعة فائقة:
" أنه رجل المصعد".
" يا ألهي! الشاب الأسمر الساخر ...... الممثل".
" أنه هو...... فيلكس هو أبن الليدي رافنسكار , أنه ليس ممثلا بل مخرجا تلفزيونيا , سيخرج مسلسل بنروت".
" أوه , أوه , هيا أخبريني كل شيء".
أخبرتها فرنسيس أكثر تفاصيل السهرة وبأختصار. ثم أنهت حديثها بدعوته لها لزيارة الأستوديو يوم الثلاثاء المقبل , أهملت الحديث عن اللقاء الأول بينهما وعن غضبه لوجودها في السهرة , وكذلك أهملت أطلاعها على أمنية الليدي في تزويج فيلكس.
" كانت أمسية لا تنسى , فيلكس هذا لقطة وعلي أن أعرف المزيد عنه".
" هل بأمكانك التحري عن فيلكس من مصادرك الموثوقة؟".
" طبعا , بخصوص غاريت وليام الذي يقطن في شارع هارلي , ربما أستطيع أن أتدير أمري معه.... هل هو شاب وسيم؟".
" جدا , لقد وعدني أن يتصل بي هاتفيا ليصحبني الى حضور مسرحية في وقت قريب".
" حسنا".