ـوقفا على عتبة الباب المفتوح بينما سيارة أبيه تتوقف اسفل الدرجات المؤدية الى الشرفة الارضية. كانت جين اول من خرج من السيارة، فاسرعت الآن تدور حولها لتفتح الباب لأبيه. مدت اليه يد المساعدة فاستند اليها شاكرا قبل ان يتناول عصا محولا ثقله عليها.
قال بحرارة ظاهرة: "شكراً يا عزيزتي"
ثم رأى ابنه فهتف: "ديميتري"
واذا باريادن التي كانت تجلس في المقعد الخلفي ترفع راسها غير مصدقة، وتصرخ متجاهلة جين واباه: "حبيبي".
ركضت اليه تمسك بذراعه ثم وقفت على رؤوس اصابعها لتطبع قبلة على خده وهو تقول: "ها قد عدت!"
ـ ها قد لاحظت!
كان صوته متزنا فيما هو يراقب زوجته واباه يصعدان الدرجات بحذر ثم شتم في سره، ووضع حقيبة اوراقه على الارض وتقدم ليساعدهما، تاركا اريادن ولانت تتبادلان نظرة بعبدة عن المودة.
قال الاب بضيق: يمكنني ان اتدبر امري"
القت جين على زوجها نظرة ازدراء وقالت: "اتريد ان تؤثر في حبيبتيك؟"
واستحالت الابتسامة التي منحتها لأبيه الى ابتسامة حقد وهي تنظر اليه فاجاب بحدة: "حسنا، يبدو انني لا اؤثر فيك. وصدقي او لا تصدقي لم اكن اعرف انها قادمة الى هنا اليوم".
قال هذا متجاهلا احتجاج ابيه الذي كان ملقيا كل ثقله على كتفه.
قالت غير صادقة تماما: "هذا لا يهمني"
وركزت اهتمامها على الرجل العجوز مضيفة: "لم تعد المسافة طويلة امامك يا ليو".
هز الرجل العجوز راسه: "هذا ما اراه لكنني لست عاجزا كما ترين"
قال ديميتري بجفاء بعد ان وصلوا الى الشرفة الارضية: "انت لم تتعود صعود الدرجات".
ثم ترك ذراع ابيه مضيفا: ها انت تعتمد على نفسك"
فقال ليو باقتضاب: "شكرا"
منتديات ليلاس
لكنه عندما راى ملامح لانت القلقة. رق صوته وقال لها: "مرحبا، يا صغيرة الى اين تذهبين مع ديميتري؟"
فاجابه ديميتري، وغيظه يتصاعد مع كل كلمة يقولها ابوه: "لسنا ذاهبين الى اي مكان"
لكن لانت قالت بتوتر: "انا ذاهبة لأرى ثيو. يقول ديميتري انه يعيش في الكوخ".
فاومأ الرجل العجوز: "وهل توافق امك على هذا؟"
قال ديميتري غاضبا: "ساء قبلت امها ام لم تقبل، فهذا غير مهم"
نظر اليه ابوه محذراً، وهو يقول: انت تفعل ما تريد، لكن لا تتوقع السلوك نفسه من كل شخص آخر"
ثم التفت حوله يبحث عن جين قبل ان يردف: "تعالي يا عزيزتي هل لك ان تعطيني ذراعك؟"
بدا على جين عدم الارتياح. وهذا ما عليها ان تشعر به، كما خطر لديميتري غاضبا فهو لم يحضرها الى هنا لتدق اسفينا بينه وبين ابيه. تباً! لقد نال من هذا كفايته تقريباً.
قال متجاهلا عدم موافقة اريادن: "اريد ان اتحدث الى زوجتي، اذا امكن الاستغناء عنها خمس دقائق".
فقال الاب بنفاذ صبر: "الا يمكن ارجاء هذا با فتى؟"
وكانت هذه هي القشة الاخيرة فاجاب ديميتري بفتور: "لا غير ممكن جين ، هل لك ان تأتي الى غرفة المكتبة؟ يمكننا ان نتكلم هناك"
نظرت جين حولها من اليأس لكنها علمت انها لن تجد اي عون سواء من اريادن او لانت. هز ليو كتفيه باستسلام، وسار على الارض الرخامية الناعمة، مثبتاُ انه لا يريد معونتها.
اجابته في النهاية مذعنة: "اظن ذلك".
وتقابلت عيناها مع عيني لانت القلقتين، فقالت لها: "لا تقلقي، لن احجزه طويلا"
ـ آه بالله عليك.
وامسك ديميتري بذراعها وقادها بحزم نحو الممر الذي يؤدي الى الجناح الغربي من الفيلا بعدئذ، نظر خلفه وكانه شعر ببعض الندم لمعاملته تلك لاريادن واضاف: "ساراك على مائدة العشاء، يا آري سنمضي الليلة كلها معا. اعدك بذلك".
لان وجه اريادن: "لا بأس"
وزمت شفتيها الورديتين: "احبك"
منتديات ليلاس
لم يجب ديميتري لكنه ادرك ان جين علمت تماما ما قالته اريادن. اذ تصلبت ذارعها، ولو استطاعت ان تنتزع ذراعها من يده لفعلت. لكنه قادها الى غرفة المكتبة المليئة بالكتب ثم صفق الباب الثقيل خلفهما.
عندئذ فقط تركها فابتعدت عنه قليلا وسارت لتنظر من النافذة التي تطل على شلال من الازهار والنباتات. بدا البحر بعيدا خلف اراض شاسعة مشجرة ترسم حدود املاك سوفاكيس لكن المنظر الخلفي كان ساحرا فلون البحر يزداد دكنة ليتحول لونه من الفيروزي الى الياقوت الازرق.
وامتد الصمت. اما جين التي صممت على الا تكون البادئة بالكلام فوجدت اعصابها تزداد توتراً.تملكها القلق من ان يكون قد عرف، بشكل ما بامر الطفل ولكن لو عرف بذلك لعلمت هذا قبل الآن.
سمعت صوت اوراق فاضطرت لان تلتفت اليه شبه متوقعة منه ان يكون ممسكا برسالة خاصة من طبيبها. لكن هذا مضحك ولم تستطع ان تصدق حتى انها فكرت فيه، ثم هدأت قليلا عندما اكتشفت انه يبحث بين اوراق ابيه. ارتجفت سخطا وهتفت: "ما الذي تفعله؟ تدعوني الى هنا ثم تبدأ بقراءة بريد والدك؟ اذا كانت هذه لعبة لتظهر سلطتك فانس هذا".
بقي ديميتري منحنياً على المكتب، لكنه نظر اليها من خلال اهدابه: "هذه ليست لعبة لاظهار السلطة"
قال هذا وعاد الى مهمته ثم اضاف رغما عنه: "يبدو انك طوقت ابي بسحرك".
سهقت: "وهل هذا ما اردت ان تخبرني به؟"
ـ لا.
واخيرا، انتصب في جلسته وقذف بالرسالة كان يتفحصها جانبا: "اردت ان اسألك ان كنت تسلمت اوراق الطلاق من كارل جيرارد.كان يفترض ان تتسلميها منذ اسبوع، قبل ان تغادري وطنك الى الجزيرة"
انتفخت خياشيم جين وردت عليه بحدة: "حسنا، هذا لم بحدث"
قطب ديميتري وسألها: "هل انت واثقة من ذلك؟"
فسألته ببراءة: "واثقة من ان الاوراق لم تصل منذ اسبوع؟ نعم انا واثقة تماما".
دار ديميتري حول الكتب، ثم استند اليه وهو ينظر اليها بامعان: "هذا غريب جدا. عندما تحدثت اليه هذا الصباح اكد لي ان الاوراق قد ارسلت".
قالت بعفوية وهي تتحول ناحية الباب: "اللوم على مكتب البريد اذن"
وصمتت لحظة ثم اردفت: "اما الآن، فاذا سمحت، احب ان اذهب لارتاح"
ـ ليس الآن
لم يتحرك لكنها كانت واثقة من انه لن يدعها تذهب قبل ان ينتهي وقال بنعومة: "اخبريني. متى تريدين ان تعودي الى لندن؟"
شبكت ذراعيها فوق صدرها: "اتريد ان تتخلص مني؟
توترت شفتا ديميتري: "اريد فقط اعلم ما قلته لأبي".
ـ لم نتحدث عن موعد رحيلي. لا تقلق يا ديميتري. لن اخبر احدا عما حدث في شقتي.
انتفخت خياشيم ديميتري: "انت تقولين هذا وكانه تهديد".
ـ لا. انا اطمئنك فقط الى ان ليس هناك ما تخافه مني.
ـ اخاف؟ ولماذا اخاف منك يا جين؟ انا واثق من ان اريادن لن تهتم بما تقولينه.
بدا مصمما على الجدل فقالت: "اتعني انها لن تصدقني؟ يا لها من حمقاء!"
فأظلم وجهه: "اتريدين ان تقولي انك ندمت على ما حدث؟"
فغرت فاها: "هل تمزح؟ طبعا ندمت"
فقال بشي من الاحتقار : "لماذا؟ الم يكن هذا جيداً؟ تبعا لما تقوله مخدومتك، انت وعشيقك تمضيان كثيرا من الاوقات في شقتك".
ـ هذا غير صحيح
لم تشأ ان تدعه يفلت بهذه التهمة، متمنية، وليس لأول مرة، ان تبعد اولغا انفها عن شؤونها الخاصة.
ـ ولماذا علي ان اصدقك؟
ـ لأن اليكس لم يدخل شقتي قط. لا تحكم على الاخرين بمقياسك الخاص يا ديميتري، فانا لا اعاشر احد.
ضاقت عيناه: : "وماذا تفعلان معا اذن؟"
ـ هذا ليس من شأنك.
ـ اسعديني.
ضاقت به ذرعا فردت: "كلا انا لا اسألك عنا تفعلانه معا انت واريادن. لا يهمني ذلك ما دام لا يتعلق بي. لا اصدق انني سألتك مرة عما فعلته مع لانت".
وبللت شفتيها مردفة: "لست مضطرة الى ذلك، فقد كنت أعلم".