وأبعدها عنه تاركا يديه على كتفيها , وقال:
" هل حقا تعنين ما تقولين ؟ هل أنت واثقة من ذلك؟ لماذا اليوم؟ لماذا لم يكن ذلك البارحة؟".
" لا أعلم.... لا أعلم , يجب أن نقول وداعا الآن يا.......حبيبي!".
وحين سمع منها كلمة ( حبيبي ) لأول مرة ثار الدم في عروقه وصاح:
" ليت هذه الرحلة لم تكن .. كيف يمكنني أن أحصر أهتمامي بالمهمة التي أنا ذاهب لأجلها , حين..".
فقاطعته قائلة:
" لا , أرجوك , أريدك أن تسافر , أفضل ألا نبدأ حيا
نا الجديدة هنا في لندن , بل هناك في منزلنا الريفي حيث كنت دائما أشعر بالهناء والسعادة".
وهنا لم يجد بدا من الأنصياع لأرادتها , فودعها وسار في طريقه الى الطائرة.
كان شعورها غريبا حين عادت الى فالنسيا لتجد نفسها كأنها أجنبية في المدينة التي كانت لزمن طويل محل سكناها.
وكما توقعت , فقد أعطيت أجمل الغرف المخصصة للضيوف , وهي كناية عن غرفة جلوس , وغرفتي حمام , وغرفة نوم وتوابعها.
منتديات ليلاس
وعندما تذكرت آخر مرة أشتركت فيها مع كال في غرفة ذات سرير مزدوج , شعرت بالدم يجري حارا في عروقها عند التفكير في أنها ستعيد التجربة ذاتها.
وأول مرة أنفقت على شيء خاص بها كان شراء قميص نوم من الحرير الأخضر الفاقع , وهو أفخر من القميص الأبيض الشفاف الذي أرتدته ليلة عرسها..
ومرت أيام الأنتظار ببطء , ومع أن كال قال لها أنه لن يخاطبها بالتلفون , ألا أنها أعتقدت أن طريقة الوداع قد تحمله على تغيير رأيه هذا , ولذلك خاب أملها حين كاد يمضي الوقت من دون أن يتلفن اليها من أميركا.
وفي اليوم الثالث لوجودها في أسبانيا ذهبت الى المزين مع والدتها وهناك أخذت تقلب صفحات أحدى المجلات , فجذبت نظرها صورة بعض الناس يهبطون سلم الطائرة وكم كانت دهشتها شديدة حين عرفت من بينهم ديانا وبستر!
وحين قرأت في أسفل الصورة أن الطائرة هبطت في مطار نيويورك , شعرت بأنزعاج شديد , صحيح أن المجلة صادرة حديثا , ألا أن الصورة قد تكون أخذت منذ زمن , فهل ديانا وبستر لا تزال في نيويورك؟ وهل لهذا السبب ذهب كال الى هناك ؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه مصادفة؟
وفكرت أنها كانت غبية حين رفضت أن يقلع عن رحلته ويبقى معها , قد لا يكون خطط لملاقاة ديانا في نيويورك , ولكنه قد يصادفها في مكان ما , وأذا فعل فلا بد أنها ستحاول أغراءه وأثارة عواطفه لها.
وفي تلك الليلة قالت لها أمها ألينا:
" أنت تفتقدين زوجك كثيرا , عندما وصلت الى هنا كنت سعيدة ومليئة بالحيوية , والآن أراك مستوحشة في غيابه , عليك بالصبر , فلا يزال أمامك بضعة أيام من الأنتظار ... لماذا لا تطلبينه بالتلفون؟".
" أنه يقضي معظم وقته خارج الفندق يا أماه , فأذا تركت له رسالة قد يظن أن مكروها أصابني ... وكما قلت , فليس أمامي سوى بضعة أيام من الأنتظار...".
وفي الواقع لم يمض يومان حتى قيل لها , وهي راجعة من زيارة لها في الريف , أن كال وصل في غيابها.
فصاحت وقلبها يكاد يطير من شدة الخفقان:
" أين هو؟".
ولما علمت أنه مع أمها ألينا , صعدت السلم راكضة ودخلت غرفة أمها كالسهم وهي تصيح:
" كال.... كال هل عدت؟".
وألقت نفسها بيم ذراعيه , فضمها اليه , ولكنها حين نظرت الى وجهه ورأته متجهما خاليا من الأبتسامة , أدركت أن في الأمر سوءا.
وفيما هي تتراجع أنحنى وقبلها على خديها كما لو كان يقبل أمها ألينا , أو خالتها تيا أنجلا.
وقالت ألينا:
" سأترككما وحدكما..... فالسفر في الطائرة هذه الأيام متعب جدا ..... فلعلك يا كال تحب أن تستريح قليلا قبل العشاء".
وحين خرجت من الغرفة , أرتمى كال المقعد وقال:
" نعم , أشعر بالأرهاق الشديد , فالقيام بعمل يستغرق أسبوعا كاملا في أربعة أيام أمر مرهق حقا... كيف قضيت الوقت مدة غيابي؟".
" كالعادة , تحدثت مع أمي , وقمت بزيارة بعض الأصدقاء , آسفة لأنني لم أكن هنا عند وصولك".
" لا يهم , لم أتوقع أن أجدك هنا بأنتظاري , فالطقس حار جدا , سنستأنف حديثنا بعد أن أستحم.... أتسمحين؟".
" نعم بكل تأكيد , سأريك الغرفة التي خصصت لأقامتنا ".
وقادته في الممر , وعقلها يسبح في بحر من الرعب , فهذا لم يكن اللقاء الذي أنتظرته بقلق الشوق , وبدا لها أن ما حدث في مطار لندن لم يكن سوى حلم لا أساس له من الواقع.
وفي غرفة النوم ألتفتت اليه وبادرته بالقول:
" أفتقدتك كثيرا , تلك الأيام القليلة بدت لي كأنها أسابيع!".
فأجابها بتحفظ ظاهر:
" تمنيت عبثا أن آخذ قسطي من النوم وأنا في الطائرة , ولذلك فلا أظن أنني سأكون حلو المعشر قبل أن أرتاح ساعة على الأقل , آسف لذلك , والآن سأستحم وأنام قليلا , ثم ألقاك على مائدة العشاء....".
فلم يكن أمامها ألا القول:
" نعم ,كما تريد".
وفكرت أنطونيا أنه ربما كان صادقا في شعوره بالأرهاق بعد سفر أجتاز فيه الأطلسي مرتين , ولكنها في الوقت نفسه أحست أن ذلك لم يكن السبب الوحيد لتصرفه ذلك التصرف.
فمنذ أفتراقهما , لا بد أن يكون طرأ ما غيّر مزاجه نحوها , فماذا يمكن أن يطرأ في نيويورك ويكون له تأثير على زواجهما غير لقائه ديانا؟