5- وداعا يا حبيبي
وفي مساء ذلك اليوم , أطلعت أنطونيا على تفاصيل خطف الطائرة وعلى المقابلات الصحافية التي أجريت مع المخطوفين العائدين الى لندن , وتوقعت أن يخاطبها كال بالتلفون مرة أخرى , ولكنه لم يفعل فشعرت بالحرج والضيق.
وفي اليوم التالي نشرت الصحف قائمة بأسماء المسافرين على تلك الطائرة المخطوفة , فلم يتوقف التلفون عن الرنين للسؤال عن صحة كال , خصوصا لأنهم , وهم أصدقاؤه ومعارفه , لم يشاهدوا وجهه على شاشة التلفزيون في الليلة الفائتة.
وألى ذلك الحين لم يخاطبها كال بالتلفون , فقالت لنفسها قد يكون السبب أنشغال الخطوط التلفونية لكثرة المكالمات , وهو لا بد أن يخبرها متى ستحط به الطائرة في مطار لندن يوم الجمعة لتكون في أستقباله!
وكان شعورها بأنها تحب رجلا حيا , لا رجلا ميتا , قد بعث في نفسها الأرتياح , فهي منذ وقت طويل شعرت بأن قلبها مات مع باكو ولن يعود الى الحياة , ولكن المستقبل الآن تحوّل الى أفق لا حدود له من الأمكانات والأحتمالات , بعد أن كان في نظرها خاليا كسطح القمر.
منتديات ليلاس
فأن تصبح ملأى بالحياة مرة أخرى بعث فيها أحساسا غريبا , سيمضي وقت طويل قبل أن تتعود عليه , وأدركت أن خالتها وأمها كانتا على صواب , فعاطفتها نحو باكو , بالقياس الى حبها لزوجها , لم تكن سوى نزعة جامحة لا أكثر.
وحين أسترجعت تلك العلاقة مع باكو أدركت أنها كانت هي الشريك المسيطر , فلو كان كال محل باكو , لكان هو الذي أقترح ونظم عملية الهروب للزواج بها , أو لكان رفض القيام بها , كان كال رجلا بكل معنى الكلمة , وأما باكو فكان شابا ضعيف الشخصية قد يشتد عوده مع الأيام على أنها لا تستطيع ألا الشعور بالحنان نحوه وأن تلوم نفسها لأنها السبب في موته المبكر , وأن كانت وقعت في غرامه , فلأنه كان وسيما.
غير أن كال هو الآخر , يحوز على أعجابها , ولكن بطريقة أخرى , كان صلبا , واثقا من نفسه , مما جعله موضع ثقة وأطمئنان , فلا يمكن لأمرأة أن تسيطر عليه , ولكنه أذا أحب أمرأة فلا حدود للتساهل والتسامح معها.
خطرت هذه الأفكار ببال أنطونيا وهي تنتظر رجوع كال من رحلته , حتى توصلت في آخر الأمر الى التساؤل أذا كان حب زوجها لها بقي كما كان يوم عرض عليها فكرة الزواج به.
ففي ذلك الحين قال لها: ما أن أنطر اليك حتى أريدك , وهذا قول ينم عن رغبة فقط لا عن حب بالمعنى الصحيح.
ثم أنها في بادىء الأمر أعتقدت أن الحب شيء لم يختبره , مكتفيا بالعلاقات العابرة , أما الآن , فعلمت مما قالته لها لورا أن هناك أمرأة تمنى أن يقيم معها علاقة أبعد من ذلك .
وخيل اليها أن ديانا وبستر تناسبه من كل الوجوه , فهي ذكية , مستقلة الرأي , قادرة على النجاح في حقل لا يزال يسيطر فيه الرجال , وأذن , فكيف لها , هي أنطونيا , أن تنافس أمرأة كهذه من الناحية العقلية؟ بل كيف لها أيضا , حتى في الأنوثة , أن تتطاول عليها وهي لا تقل عنها جمالا وذوقا في المسلك واللبس؟
منتديات ليلاس
على أن الجمال , في آخر الأمر مسألة ذوق , ولعل كال يؤثر أن يرى عند الصباح رأس أمرأة شقراء لا سمراء.
وجاء يوم الجمعة بعد طول أنتظار , ولكن بدون أن تعرف بالتحديد متى يصل كال الى البيت , ولولا أنهماكها في التطريز كل تلك المدة لأنهارت أعصابها من فروغ الصبر , وبعد أن تناولت طعام الفطور لبست وتزينت بمنتهى العناية , على الرغم من أنها كانت على يقين أن كال لن يحضر قبل وقت العصر.
وبدت لها ساعات بعد الظهر لا تنتهي , وأسفت , وهي تصنع آخر قطبة في غطاء المخدة الذي تطرزه , أنها لم تشتر وجه مخدة آخر حين مرت البارحة أمام حانوت مختص ببيع مواد التطريز.
وحاولت أنطونيا أن تركز على المطالعة , فلما وجدت ذلك مستحيلا دخلت المطبخ لتتحدث الى روشيو التي كانت تهيء العشاء أحتفاء بعود كال .
وجلست أنطونيا على كرسي مرتفع وراحت تراقب روشيو في عملها , قالت لها روشيو:
" ليس هنا مكانك الآن يا سيدتي , فرائحة البصل تفسد ثيابك وشعرك".
" لا بأس , زوجي يحب رائحة البصل".
" أنني أتساءل ماذا ستكون هديته لك هذه المرة".
" هو لا يحمل لي هدية حين يعود من رحلاته".
" هل نسيت؟ اليوم ذكرى مرور شهرين على زواجكما , فحين مرّ شهر واحد أهداك ذلك العقد الرائع , ولعله بعد مرور شهرين يهديك أسوارة تنسجم مع العقد , فهو لا ينسى التواريخ يا سيدتي , حتى لو نسيتها أنت وكان عليّ أن أذكرك بها.......".