وبعد مرور نحو نصف ساعة من الزمن , فوجئت بالباب ينفتح ويدخل منه رجل عرفت في الحال أنه صاحب الدعو , فخاطبها قائلا:
" مرحبا بك , من أنت؟".
وكانت أنطونيا نزعت حذاءها وتربعت على قدميها , فلما رأته حاولت النهوض , فبادرها الرجل قائلا:
" لا , لا تتحركي".
ولكنها لم تسمع له , بل نهضت وهو مقبل نحوها ولبست حذاءها وقالت له:
" أنا أنطونيا برنارد , يا سيد لانكستر , يجب أن أعتذر لك للمجيء الى هنا من دون أستئذان ولكن ألا ترى......".
فقاطعها قائلا:
" السهرة تضجرك , هذا لا يدهشني , فهي تضجرني أيضا , من جاء بك الى هنا؟".
" لورا...... لورا كارتر".
" أوه , لورا؟".
قال ذلك وهو يبدي علامات التعجب , كان بخلاف كال متوسط القامة , ممشوق القوام , في العشرينات من عمرع , بحيث ظهرت ثيابه الحديث الزي أكثر لياقة عليه مما على الرجل الآخر باري .
وقال لها:
"أذن أنت صديقة للورا , ما كان هذا يخطر ببالي لو لم تخبريني , فلا يبدو لي أن هنالك ما يجمع بينكما".
" أخوها يجمع بيننا".
" هل هو صديقك؟".
" كلا , زوجي".
فرفع السيد لانكستر حاجبيه , وكانا سوداوان كشعر رأسه , مما جعله يبدو كأنه من الأسبان , وقال لها:
" ماذا يشغله عنك , كي تذهبي برفقة لورا الى حضور الحفلات الساهرة؟".
" هو مسافر الى خارج البلاد الآن , وهذه أول سهرة أحضرها برفقة لورا وستكون الأخيرة..... لا أقصد أهانة أحد , ولكن مثل هذه السهرات لا تروق لي".
" ولا تروق لي أنا أيضا , وأنني أتساءل أحيانا من أين يأتي هذا الصنف من الناس , ولماذا أتحملهم ؟ هل تناولت طعام العشاء؟".
" كلا , لست جائعة , شكرا".
" هذا لا يجوز , يجب أن تسندي جوعك بشيء من الطعام".
ونهض ليدعو الخادم, ثم قال:
" أين تسكنين في لندن؟".
" نعم".
" دعينا نأكل بعض الطعام , ثم أوصلك بسيارتي الى بيتك – أو ألى أي مكان تشائين".
" وماذا عن سائر ضيوفك؟".
" هم هنا للأكل والشرب , لا للتمتع بصحتي , ولذلك فهم لا ينتقدونني على الأطلاق!".
وهنا دخل الغرفة رجل قصير القامة , فأمره رودي بأن يأتي اليه بزجاجة من الشراب , فأحنى الرجل رأسه وغادر الغرفة.
وقال لها رودي:
" لو كنت زوجتي لأصطحبتك دائما في سفري .. فأنت من الجمال بحيث يجب ألا تتركي وحدك حتى لبضعة أيام".
" هل أنت متزوج , يا سيد لانكستر؟".
" ناديني رودي , أرجوك .... كلا , لست متزوجا ولن أتزوج ألا حين أتقاعد عن العمل وهذا يأخذ وقتا طويلا .... نساء الكثيرين من سائقي السباق يهلكن من شدة التوتر والقلق ... وأنا الآن على علاقات مؤقتة مع النساء .. وأنت , هل تحبين زوجك؟".
فلما ترددت في الجواب قال لها:
" كلا , وألا لما كنت هنا , قد لا تكونين في طلب مغامرة كمعظم هؤلاء النساء , ولكنك ولا شك تطلبين شيئا ما , فهل بأمكاني توفيره لك؟".
فقفزت أنطونيا واقفة على قدميها قائلة:
" أنت مخطىء يا سيد لانكستر , أنا لا أطلب شيئا من هذا , جئت الى هنا لأن لورا أقنعتني أن هذه السهرة هي من النوع الذي يصح لأمرأة متزوجة أن تحضرها من دون زوجها .. ولم يمض بعد على زواجي سوى شهرين , والنساء عادة لا يتعبن من أزواجهن بمثل هذه السرعة , حتى في العالم الذي نعيش فيه!".
" هذا يتوقف على ما للزوج من العمر..... فأنا أعرف زيجات ضجرت منها الزوجة حتى قبل حفلة عرسها وتمنت أن تصبح أرملة ثرية.......".
منتديات ليلاس
ربما , ولكن زواجي غير ذلك , فزوجي ليس متقدما في السن".
وهنا دخل الخادم وهو يقود عجلة عليها مختلف أنواع الطعام والشراب , فأدركت أنطونيا أنها كانت جائعة من دون أن تحس , وبعدما خرج الخادم قال رودي:
" لا تظني بي سوءا , قفلت الباب حتى لا يزعجنا أحد يبحث عن خلوة مع رفيقته , مع أن الوقت لا يزال مبكرا".
قال ذلك ووضع في الصحن شريحة من اللحك المشوي وبضعة أنواع من سلطة الخضار , ثم أخذ فوطة وفرشها على ركبتي أنطونيا قبل أن يناولها الصحن.
وكان في هذه الأثناء علم منها أنها نشأت في أسبانيا , فقال لها:
" أعرف القارة الأوروبية جيدا , ولكنني لم أزر من أسبانيا سوى برشلونة وينيدروم".
" بنيدروم لا تمثل أسبانيا... كانت مدينة جميلة قبل أن تبنى فيها تلك الفنادق الكثيرة فتشوهها وتفسد روعتها".