وقال لها كال بلهجة لها مغزاها:
" ما رأيك هل نرسل أولادنا , يوما ما الى هذه الجامعة؟".
" هل في مقدورنا أن نفعل ذلك ؟ حسبت أن أولاد الطبقة الأرستقراطية وحدهم يحق لهم الألتحاق بهذه الجامعة!".
" كان ذلك فيما مضى , لا في هذه الأيام التي أصبح فيها للمال قيمة تفوق قيمة الحسب والنسب".
تعجبت للهجته الأنتقادية , فلاحظ ذلك وقال لها:
" أنا عضو في مجلس أمناء مدرستي , وما ذلك على الأكثر ألا لأنهم ينتظرون مني مساهمة مالية لبناء مختبر جديد لو لتعزيز قسم الرياضة البدنية".
" ما رأيك في مدرستك؟".
" كانت على أيمي معهدا راقيا جدا , يتولى أموره رئيس ومعلمون في غاية الأهلية والكفاءة , يعنون بتربية شخصية الطالب لا تلقينه المعارف فقط , فقد تعلمت من المبادىء الرقيقة والقيم الخالدة , وأنا أشرب الشاي مع معلمي وزوجاتهم, أكثر مما تعلمت على مقعد الدراسة , ولكن مستوى تلك المدرسة , مع الأسف , أنحدر مع الأيام , فالرئيس القديم توفي , وخلفه آخر لا كفاءة له...".
" هل خضعت للتأديب بالعصا؟".
" نعم , عدة مرات , لم يلحقني من جراء ذلك أي أذى , ولم أمتعص منه لأنني كنت أستحق التأديب".
" وهل كنت تدخن في تلك الأيام؟".
" نعم ,ولسنوات من بعد , الى أن أتضح لي جليا أن التدخين مضر بالصحة , وأنا أحب الحياة كثيرا , فلا أريد أن أضع عقبة في طريقها , وأنت هل جربت التدخين مرة؟".
" دخنت سيكارة واحدة , فلم ترق لي".
" الأنسان عادة لا يتمتع بالسيكارة الأولى , ولكن لا يطول الوقت حتى يصبح مدمنا على التدخين , وفضلا عن الضرر , فتالدخين يعيق التمتع بلذائذ أخرى......".
" هل تقصد تسلق الجبال والغوص في مياه البحر , وما ألى ذلك؟ ".
" نعم , ولكنني كنت أفكر بشيء آخر , فأنا لا أبالي بطعم أحمر الشفاه , ولكنني أتضايق من نكهة التبغ .......".
فأحرجها هذا الكلام , فمالت لتنظر الى واجهة حانوت فيه أشياء أثرية , وأظهرت أعجابها حين شاهدت كرسيا خشبيا قديما وعليه طراحة حريرية ذات لون أخضر فاتح.
فسألها كال قائلا:
" هل تريدينها ؟".
" نعم , فهي جميلة جدا , ولكن.....".
فلم يدعها تكمل جملتها , أذ سرعان ما أدخلها الى الحانوت وأشترى لها الكرسي , وقد تبيّن أن الكرسي من عهد الملك لويس السادس عشر , وحين علمت أنطونيا بثمنها , شهقت لفخامته.
وقال لها:
" هذه الكرسي أول قطعة من أثاث بيتنا العتيد... وهي تليق بغرفة نومنا".
ولم يخف ضمير الجمع في كلمة ( نومنا ) على أنطونيا.
منتديات ليلاس
وفي تلك الليلة , وأنطونيا مستلقية في فراشها ,تذكرت زيارة لورا لها وما أخبرتها عن كال وديانا وبستر , من أن كال قضى في عشرتها ستة أشهر , فهل هذا يعني أن ديانا عاشت معه تحت سقف واحد؟ أم أنهما أقتصرا في علاقتهما على الحب كلما أتيحت لهما الفرصة؟
وأقرت أنطونيا أن ماضي كال لا شأن لها فيه , وأن لا حق لها أن تغار , وفي الواقع فهي لم تكن تشعر بالغيرة ألا شعورا أعتياديا , ذلك لأنه كان منزها عن البغض , كل ما في الأمر أنها شعرت بالأنزعاج من كون ديانا هي المرأة الثانية التي وقع عليها أختيار كال, وأنا لم تكن متزوجة من أحد وهي لا تزال تميل الى كال ولو لم تقبل به زوجا .
وتساءلت أنطونيا أذا كان كال أحب ديانا ولا يزال يحبها , كما تساءلت أذا كانت هي أيضا أحبته ولا تزال تحبه , وتعجبت أنطوني كيف أنها رفضت الزواج به أذا كانت أحبته حقا!
وفي الصباح التالي , حين جاءت روشيو بصينية طعام الفطور الى أنطونيا وهي في الفراش , كان على الصينية رزمة صغيرة , وكانت روشيو برفقة ماركوس الذي كان يحمل أناء زهور بيضاء.
فقالت أنطونيا متعجبة:
" ولكن اليوم ليس ذكرى مولدي , فلماذا هذه الزهور؟".
فأجابتها روشيو مبتسمة:
" السيد برنارد مغرم بك أكثر مما أنت مغرمة به , سيدتي أنطونيا , هذا اليوم ذكرى مرور شهر على زواجكما , والليلة ستحتفلان بهذه الذكرى السعيدة , لأن السيد ترك تعليمات بأن تشتري لك ثوبا جديدا , وستذهبان معا الى المسرح , ثم تعودان الى هنا لتناول عشاء خاص بالمناسبة".
وخرج ماركوس من الغرفة بعدما وضع أناء الزهور على الطاولة , ولكن روشيو تأخرت عن الخروج لترى ماذا في الرزمة.
وفتحت أنطونيا الرزمة , فصرخت المرأتان من الدهشة عندما وقعت أعينهما على عقد من الماس في علبة من المخمل الأزرق , وكان شكل العقد غاية في البساطة وقد نقش على الماسة التي تتوسط العقد الحرف ( أ).
وأسرعت روشيو الى طاولة التزيين وجلبت لأنطونيا مرآة اليد وقالت لها:
" جربيه يا سنيورا! يا لها من هدية رائعة ... آه , كم هو يحبك!".