فتطلعت ونظرت في عينيه , فأذا هما تقدحان شررا كما رأتهما في ليلة عرسها , ولما حاولت أن تتراجع لم يمانع في ذلك , ولكن البريق ترك عينيه , والأبتسامة فارقت شفتيه , والى أن بلغت الأسطوانة نهايتها , كان يطوقها كما لو كان يراقص أمرأة لا صلة حميمة له بها وفي نهاية السهرة , وهما يودعان روس وزوجته فاني , قالت هذه الأخيرة لأنطونيا:
" تعالي الى زيارتي وحدك أذا شئت , قد تشعرين بالوحشة في بادىء الأمر لوجودك في بلاد لا تعرفينها جيدا , ولكن حين تجدين بيتا خاصا بك , فلن تجدي الوقت الكافي لتدبير شؤونه , كم سترين ذلك ممتعا , وأنني أرى من ثيابك التي ترتدينها أن لك ذوقا رفيعا ".
وألتفتت الى كال وتابعت كلامها قائلة:
" وجدت كنزا ثمينا يا عزيزي كال...... وأنت تستحقه".
وأنحنى كال وقبلها على خدها , وفيما هو يغادر المنزل مع أنطونيا وضع يده على كتفها , ثم فتح لها باب السيارة حين وصلا اليها , وفي طريقهما الى حيث يقيمان لزم كال الصمت ولم يشأ أن يحدثها عن السهرة , وقالت له أنطونيا:
" آسفة لأنني أغظتك ونحن نرقص".
فلم يجب , مما أثار غضبها وجعلها تنوي أن لا تتفوه بكلمة تلك الليلة , وكان بودها دخول البيت وحدها , فلا تنتظر عودته من الكاراج , ولكنها أكتشفت أن المفتاح لم يكن معها ولم تشأ أن تدق جرس الباب لتوقظ الخدم من النوم , ولما عاد وفتح لها الباب وأدخلها قبله كالعادة , أسرعت الى صعود السلم الداخلي الى غرفة النوم فناداها وطلب منها ألا تفعل , فتوقفت عند أسفل درجات السلم وألتفتت اليه بعينين متسائلتين , ولما أقترب منها , تذكرت المرة الأولى التي ألتقته فيها عل الطريق قرب المنزل الريفي في أسبانيا , وقال لها:
" أنت لم تثيري غضبي يا أنطونيا , بل جعلتني أرغب بأن تحبيني وهذه لعبة خطرة , فأياك أن تلعبيها معي , من الآن فصاعدا , ألا أذا كنت على أستعداد لتحمل العاقبة , وأذا كنت في مرة مقبلة ستستجيبين لمداعبتي لك أثناء الرقص , سأفهم من ذلك أنك ترغبينني , والآن , طابت ليتك".
وأدار ظهره وتوجه الى غرفة الجلوس وأغلق الباب وراءه , وفيما هي تصعد السلم , وجدت نفسها ترتجف من الخوف الممزوج بالأسى والغيظ , ذلك أن كال أراها جانبا من شخصيته كانت لا تشك في وجوده أحيانا , ولكنها لم تكن متأكدة منه , وهو الجانب الشرس العنيد الكامن وراء مظاهر التهذيب واللياقة فيه , فهو حين أسمعها ذلك الكلام أنما أراد أن يجعلها تدرك أنه لم يكن زوجها فحسب , بل سيدها أيضا , وأنه يقدر أن يفعل ما يشاء بها.
أولم يسألها طوم أثناء السهرة قائلا:
" هل علمت أنه متعصب لجنسه , قبل أن تتزوجيه . يا أنطونيا ؟".
كان هذا السؤال في معرض المزاح , ولكن حين قال كال عن الرجل أنه يأمر ليطاع , فأنه كان جادا في قوله لا مازحا , ولذلك خيّل لها أنها أذا طلبت منه أن يتركها وشأنها , لا يرفض فحسب , بل لا يتورع عن أخذها بالقوة المجردة , وأنما بنوع ما من أنواع العنف , مع أن أنطونيا لم تكن تجتمع كثيرا بكال ألا في الليالي , لأنشغاله بالأجتماعات والمؤتمرات , فأنه كرس يوما في الأسبوع للتجول معها في البلاد لتزداد معرفتها بها , وفي بعض الأحيان حين كان يطير الى سفرة بعيدة ليتفقد عملا من الأعمال , كان يصطحبها , ولكن كان عليها أن تسلّي نفسها أثناء أنصرافه الى قضاء مهمته , وكان كال قادرا على قيادة الطائرة بنفسه , ولكنّه قلّما فعل , مفضلا أن يقضي الوقت في مطالعة التقارير , وكانت أنطونيا تتمتع كثيرا بهذه الرحلات , لأن الطائرة كانت تطير على أرتفاع يسمح لها بأن ترى الحقول والغابات , وكانا , عند وصولهما الى المكان الذي يقصدانه , يجدان سائقا ينتظرهما مع سيارته , وكانت تنزل من السيارة في أقرب مدينة في المكان الذي كان يعمل فيه كال , وكان كال يلاقيها بعض الأحيان في مطعم ما لتناول طعام الغداء , ولكنه غالبا ما كان يتناوله في عمله , وعندئذ كانت أنطونيا تأكل طعامها وحدها في أحد المقاهي.
وكان من عادته ألا يتركها تتجول في مكان دون أن يعرف ما يستحق الأهتمام وأين يوجد , فيزودها بجميع المعلومات الخاصة بهذا الشأن , ومع أن جهازه الأداري كان يتحضيرها لها حرص على كتابتها بخط يده البارز الواضح.
وبهذه الطريقة أتيح لأنطونيا أن تشاهد في كافتنري الكاتدرائية الحديثة ذات الحجارة الوردية والسجادة التي صممها الفنان غراهام سوزرلاند ثم حيكت في فرنسا .