ثم ودعها منصرفا , بعد أن قبّل يدها , وسارت أنطونيا الى محلات مارك أندسبنسر الشهيرة , فدخلتها وسط جمهور الزبائن وأخذت تتفرج على البضائع , غير أن أفكارها كانت مع كال وهو في طريقه الى المدينة.
وفجأة سمعت وسط وابل من اللغات حديثا باللغة الأسبانية , فعاودها الحنين الى مسقط رأسها , ولكن لا الى المكان الذي تعيش فيه خالتها , بل الى أماكن أخرى في فالنسيا , حيث كانت تلتقي باكو وتنعم برفقته , فهل يتلاشى حبها له مع الأيام , كما تنبأ كال , فلا يعود ذكره يثير فيها الألم؟
وخرجت من محلات مارك أندسبنسر وأخذت تتجول في الشارع الى أن أحست بالتعب , فجلست في مقهى على الرصيف نحو نصف ساعة , تناولت خلالها فنجانا م القهوة وفكرت مليت بزواجها وبالنساء اللواتي مررن في حياة زوجها , وسألت نفسها من يا ترى تكون تلك المرأة التي أمرها كال , وهو نصف نائم , بأن تعود الى الفراش وتلزم الهدوء؟
وفجأة سمعت صوت أمرأة تقول لها:
" لا تقلقي يا عزيزتي , فكل شيء يزول بالغسيل!".
ولما أمتلكت كامل وعيها أدركت أن تلك المرأة كانت تقاسمها الطاولة , وهي أمرأة بدينة كانت تتسوق , كما بدا جليا من العلب الكثيرة المكوّمة على الكرسي قربها , وكانت المرأة تهوى الثرثرة , فلم ينقض وقت طويل حتى سردت لأنطونيا نصف سيرة حياتها , وحين ألتقى كال وأنطونيا في الموعد المحدد , أخبرته بحادث المرأة فقال لها:
" وجهك عليه ملامح الرقة والعطف , وألا لما تحدثت اليك تلك المرأة بشؤونها الخاصة".
وأدركت أنطونيا أنه كان عليها أن تبدأ بسؤاله عن المشكلة التي ذهبت لمعالجتها , فأستدركت قائلة:
" هل أنهيت معالجة المشكلة؟".
" المشكلة؟ آوه , نعم , نعم , كل شيء صار على ما يرام... هل ترغبين في مزيد من الطعام؟".
" كلا , شكرا".
ومرّ ببالها ألا يكون هنالك مشكلة على الأطلاق , ولكنه أختلقها ليخلو الى نفسه بعض الوقت , أو ليجتمع بأمرأة أخرى , من يدري؟
وكان هذا الخاطر غير أعتيادي لفتاة في اليوم الثالث من زواجها , ولكن زواجها لم يكن أعتياديا , أضف الى ذلك أنها ترعرت في مجتمع لا تزال العذرية فيه ذات شأن , وهو أمر يسري على الأناث دون الذكور , وقال لها كال:
" ما بال سحنتك تغيّرت هكذا؟".
فأجابت بدهشة:
" تغيّرت؟".
" نعم , تغيّرت كمن يشم رائحة كريهة!".
" يا للغرابة! كنت أفكر في ثوب رأيته في أحد الحوانيت".
" أذا كان أعجبك , فلماذا لم تشتريه؟".
" لم يكن يلائمني".
وفي ذلك المساء ذهبا الى حضور مسرحية أخرى وكانت أنطونيا هي التي أخذت هذه المرة , نرمق بنظراتها جانب وجه كال الذي كان جالسا الى جانبها.
ولاحظ كال ذلك فأبتسم ومدّ يده الى يدها , فأمسكها وأحتفظ بها في يده , وبعد حين أخذ يداعب أناملها وهو منصرف الى مشاهدة المسرحية , حتى خيّل الى أنطونيا أنه يداعبها من دون أن يعي ذلك ,وأدركت أنه من السخف أن تنصرف عن مشاهدة المسرحية الى مثل هذه المداعبة التافهة من زوجها.
وأستمر كال في تحريك أصابعه في كف يدها , وكم كانت دهشتها شديدة حين شعرت في أحشائها بالرجفة ذاتها التي شعرت بها في الليلة الفائتة , كان كال في أعتقادها يعي تماما ما يفعل, ويعرف ما كان يثيره ذلك في أحشاءها.
وهمت أنطونيا بأنتزاع يدها في يده , ولكن الستارة أسدلت على الفصل الثاني من المسرحية , فكان على كال أن يفلت يدها ليشارك المشاهدين في التصفيق.
وأقترح كال أن يخرجا ال مقهى المسرح لناول كوب من الشراب , وسمحت له بأن يذهب وحده أذا شاء , فقال لها:
" لا رغبة لي أنا أيضا في شيء.... هل تروق لك المسرحية؟".
عرفت أنطونيا ماذا يعني, فهو لا يعني المسرحية وأنما مداعبته لها , فتجاهلت الأمر وأجابت:
" نعم , أنها مسلية وممتعة , ألا ترى ذلك؟".
وفيما بعد لم تتذكر تماما ماذا جرى خلال عرض الفصل الثالث من المسرحية , لأنها كانت خائفة من أنه سيعود الى مداعبتها كما فعل من قبل , فهي لم تكن تألف هذا النوع من المداعبة بالأصابع , وأعتبرته مزعجا ثم أنها لم تنظر بعين الرضى الى رجل يعلم أنها لا تحبه , ومع ذلك يحاول أن يثير فيها شعورا تخجل به لأنه لم يكن جزءا من شعورها الكامل بالحب , وتذكرت كيف أنه سألها عندما ينتظران قدوم والده وشقيقته في مطار فالنسيا , أذا كان هنالك نار تحت الثلج , وكيف أنها في ذلك الوقت فكرت بأنه من يستطيع أطفاء اللهيب الذي أشعله باكو في قلبها , وبعد أن تناولا طعام العشاء توقف التاكسي بهما خارج الفندق , حيث كان هناك رجل في منتصف العمر مع رفيقته الحسناء , وعندما نزل كال من التاكسي عرفه الرجل وصاح به:
" كال برنارد , كيف حالك ؟ وصلت اليوم بالطائرة ,وكنت سأتصل بك غدا".