وألقى كال المعطف على أحد الكراسي , ووضع يديه على كتفيها قائلا:
" كان على حق في وصف عينيك , فالحدقتان كالعسب الغامق الصافي , ولكنه نسي أن يصف فمك , وأذنيك وعنقك الرائع وكنت أتأمل في هذا كله عندما كنا في المسرح".
وكان ظهره الى القنديل , فلم تستطع أنطونيا أن تتبيّن ملامح وجهه في العتمة , غير أن نبرة صوته أثارت شعورا غريبا في أحشائها ... فقالت له:
" قلت لي أنك أعجبت بالمسرحية".
" نعم , ولكنني كنت أجد النظر اليك من حين الى آخر , أجمل من متابعتها".
ورفع يديه عن كتفيها , من دون أن يتراجع الى الوراء وقال:
" وعدتك ألا أغازلك , ولكنني لم أعدك بألا أتغزل بك , وأنني أنوي أن أفعل ذلك ما أستطعت , على أمل أن يأتي يوم لا يعود فيه الكلام كافيا لك , وحين يأتي ذلك اليوم , فسأحلق ذقني وأستحم في الليل , أما الآن فسأستمر على عادتي , فأفعل ذلك في الصباح .... أعطني عشر دقائق لأبدل ثيابي وأستعد للنوم , قبل أن أضع الغرفة كلها تحت تصرفك".
وكانت لا تزال في الحمام , حين ناداها قائلا:
" تصبحين على خير يا أنطونيا".
ولم تستسلم أنطونيا الى النوم بسهولة , وعندما أفاقت في الصباح شعرت بالراحة والأنشراح , فنهضت من فراشها وفتحت الباب بهدوء.
منتديات ليلاس
كان لا يزال نائما , وكان منبطحا على بطنه ويده مطوية تحت صدره , فرأت أنطونيا وجهه , ولما أخذت تتأمل ملامحه وجدت أنه وهو نائم أكثر دعة منه وهو في حال اليقظة , وكانت الساعة بلغت الثامنة , وهو الوقت الذي يستفيق فيه عادة , فأنحنت عليه قائلة بصوت خافت:
" كال..... حان وقت نهوضك ... كال.... كال".
فتحرك كال على ندائها وأخرج من فمه صوتا يدل على تضايقه , فقالت له:
" الساعة الثامنة يا كال!".
فأخذ كال يتقلب في فراشه دون أن يفتح عينيه وقال:
" عودي الى فراشك وأهدأي يا أمرأة!".
ومد ذراعا نحوها , ولو لم تكن قد أنتصبت واقفة لطوق خصرها , ولكن ذراعه الآن لم تستطع الوصول ألا الى ركبتيها , فشدّها اليه حتى وقعت فوقه , فمد ذراعه الأخرى وأحتضنها فصاحت به:
" كال....... أنا أنطونيا....".
ففتح كال عينيه , ولما رآها أرخى ذراعه وتركها تقف على قدميها وتسرع راجعة الى غرفة النوم , وفيما هي تستحم وتتجمّل وتتزيّن , كان كال لبس ثيابه وتهيأ لتناول طعام الفطور , وحين خرجت من غرفة النوم الى غرفة الجلوس , أستقبلها كال بترحاب وأجلسها الى المائدة وهو يحييها تحية الصباح.
وكان كال طلب نسخة من جريدة الصباح , فأعطاها القسم الذي تهتم بقراءته النساء , وأحتفظ بالقسم الآخر , ولكن أنطونيا لم تكن قادرة في ذلك الصباح على حصر أفكارها , وتساءلت أذا كان كال يتمتع بالقراءة كما يتظاهر , ونظر اليها كال من فوق صفحات الجريدة وسألها أذا كانت تتلذذ بطعامها , فأجابته بالأيجاب , ولما عاد الى متابعة القراءة , وجدت نفسها تسأله فجأة:
" من ظننت أنها توقظك هذا الصباح؟".
فنظر اليها متأملا قبل أن يجيبها قائلا:
"لا يمكنك أن تظني أن رجلا في مثل سني لم تكن له علاقة حميمة ".
" كلا , أعرف ذلك , ولكن بدا لي أنك تحب تلك التي حسبتني أنها هي".
فأجابها ببطء:
" لا , لا أحبها , سعدنا بمعاشرة واحدنا للآخر وقتا من الزمن , ولكن لا مبرر لشعورك بالغيرة منها , فيجب أن تتأكدي أنني لم أعشق أمرأة واحدة في حياتي , مثلما أعشقك يا حبيبتي".
وبعد تناول طعام الفطور أخبرها أن عليه القيام بعدة مخابرات تلفونية , وأقترح عليها أن تذهب الى السوق وحدها , وكان كال أعطاها بعض المال وأخبرها أنه بعد وقت قليل سيفتح لها حسابا خاصا في المحلات التجارية الكبرى , ولكنها , في الواقع , لم تشتر سوى أشياء بسيطة , ففكرة أنفاق أموال كال , حين لم تكن أمرأته بالفعل , جعلها تشعر بالضيق والكآبة.
منتديات ليلاس
ولذلك , فعندما رجعت الى الفندق قال لها كال:
" حسبت أنك سترجعين بأكوام من العلب, ماذا جرى؟".
" لم أجد أنني بحاجة الى شيء الآن".
ثم قال لها عندما كانا يتغديان في المطعم:
" آسف أنني أهملك بعض الشيء , ولكن هل تعتقدين أن بأمكانك تسلية نفسك اليوم بعد الظهر ؟ فلدي مشكلة مستعجلة فوجئت بها , ومن الضرورة أن أهتم بها بنفسي".
" كيف لا ؟ فبأمكاني التجول في المدينة وقتا من الزمن , ثم أعود الى الفندق".
وركبا في التاكسي معا الى سوق المدينة , حيث أفترقا على أن يلتقيا في أحد الفنادق القريبة من شارع بوندستريت وقال لها كال:
" قد تجدين من الصعوبة الحصول على تاكسي في ذلك الوقت من النهار".
فأجابت:
" ألا يمكنني أن أستقل قطار تحت الأرض؟".
" أفضل ألا تفعلي ذلك , فهو غير نظيف ومزدحم بالركاب وفيه بعض الأحيان أناس غير مرغوب فيهم".
" أنا لست طفلة يا كال , ثم أنني أتكلم الأنكليزية".
" وأن يكن , من الأفضل أن تبقي فوق الأرض!".