فأبتسم قائلا:
" لم أقع في غرامك... عبارة كهذه تجعلني أشعر بأنها تنطوي على قفزة في المجهول , قد ينجم عنها نتائج وخيمة , ولذلك أؤثر أن أنمو في حبي لك , خصوصا وأننا نحب الأشياء ذاتها ونشعر بالميل واحدنا نحو الآخر".
وأحنى كال رأسه الى الأمام وعانقها عناقا سريعا , وحين عاد الى جلسته السابقة كانت عيناه الزرقاوان قد أزدادتا بريقا , وقال لها:
" هل أزعجك ذلك؟".
" كلا!".
" كنت أنوي أن أقترح عليك الزواج هذه الليلة , ولكنني لم أستطع الأنتظار , وبما أنني كنت واثقا مما عزمت عليه , رأيت أن أقدم من دون أبطاء , غير أنني لا أتوقع أن تجاوبيني اليوم , فأمامك وقت للتفكير في الأمر".
وأدار محرك السيارة وأستأنف السير وهو غارق في الصمت , وما أن وصلا الى مدخل المنزل حتى كادت تزول الهزة التي أحدثتها المفاجأة , وفيما هي تفرغ أشياءها من الحقيبة في غرفة نومها , أخذت تفكر في كل ما يقدمه لها كال , وأحست بأن الغد قد لا يكون متجهما كما كانت تتخوف.
كان عليها فقط أن تقبل به زوجا لها , فتحتفظ بالمنزل الريفي وتذهب للسكن في أنكلترا بعيدا عن تيا أنجلا , حيث تتصرف كما يحلو لها , بمنأى عن أنتقاداتها ومداخلاتها , فلو كان حبه لها عشقا وولها , لشعرت أن من الخطأ الزواج به وهي تعلم حبها له لن يتعدى المودة الخالصة , أما وأن له , على ما يبدو , نظرة واقعية الى الزواج , فلا داعي لأن تساورها المخاوف في هذا الشأن , ودخلت والدتها الغرفة وسألتها قائلة:
"هل أعجبتك الرحلة مع السيد برنارد , يا عزيزتي؟".
منتديات ليلاس
وجهت اليها هذا السؤال وعلى وجهها ما يدل على أنها أدركت السبب الذي حمل كال على طلب السماح له بالعودة الى المنزل ترافقه أنطونيا .
فقالت لها أنطونيا:
" طلبني للزواج يا أماه!".
" هذا ما تمنيته , فهو أهل لك يا أبنتي , وأنا أعتقد أنك ستكونين أسعد حالا مع زوج أنكليزي, فأنت تشبهين والدك , ولا تشبهينني ألا قليلا... سأفتقدك كثيرا , ولكنك لا ريب ستقضين وقتا طويلا هنا بعد زواجك".
" يبدو لي أنك واثقة من قبولي طلبه".
" بالطبع , فمن الجنون ألا تفعلي , فهو يتمتع بجميع الصفات التي تؤهله للزواج بك , حسن منظره , غناه , شبابه , ولا شك عندي أن والدك كان يوافق عليه.... ولكن لو كنت مكانك لتركته ينتظر جوابك بعض الوقت".
" هل أخبره بقضية باكو؟".
" وماذا يفيد ذلك؟ الماضي لا محل له في المستقبل , السيد برنارد لن يخبرك عن النساء اللواتي تعلق بهن في حياته!".
وفي مساء اليوم التالي ردت أنطونيا الجواب الى كال وهما يتمشيان على ساحل البحر عند موريرا , وهو ميناء صغير لصيادي السمك , قالت له:
" فكرت في ما أقترحته البارحة , أنا لست مغرمة بك , وأنما أحبك وأظن , كما قلت أنت البارحة , أن ذلك أفضل أساس يقوم عليه الزواج ".
وهنا أخرج كال من جيبه خاتما من الماس وقال لها:
" أذن , هل تسمحين لي بأن ألبسك الخاتم؟".
" نعم , يا له من خاتم رائع الجمال , هل هو خاتم تتوارثه العائلة؟".
" كلا , لا شيء كهذا تتوارثه عائلتنا , يمكن لك أبداله أذا كان لا يعجبك , فهو من الزمرد , كما قيل لي".
" لن أبدله , فهو يعجبني جدا... وهل كنت واثقا بأنني سأجيب على طلبك بالأيجاب؟".
" لم أكن واثقا على الأطلاق , وكيف لي ذلك؟".
وقبّل كال يدها قائلا:
" سأبذل جهدي في سبيل أسعادك , يا أنطونيا".
" وأنا كذلك".
منتديات ليلاس
وفي ذلك المساء , حين تركهما خالها ووالدتها بعد العشاء , توقعت منه أن يضمها اليه كما جرت العادة بين خطيبين , ولكن كم كانت دهشتها حين لم يغتنم كال الفرصة لتقبيلها , وأنما قال:
" سألتني قبلا أذا كان الخاتم تتوارثه عائلتنا , فأجبتك كلا , والآن أظن أنه يجب أن أوضح أن خلفيتي العائلية تختلف كثيرا عن خلفيتك العائلية , كان جدي يشتغل في المناجم , وولدي أخترع آلة جنى منها أرباحا طائلة فأنفق في سبيل تعليمي , وهو الآن يسكن بعد موت أمي في منزل ريفي في لرايتون مع أمرأة تدعى مايزي لي كانت تعمل في أحد مقاهي لندن , أما أنا فأسكن في شقة بلندن , لأن هذا يلائمني حتى الآن , ولا شيء مثل هذا ينتظرك في أنكلترا , لأننا حينما نذهب الى هناك , علينا أن نبحث عن مسكن وأترك لك أمر أختيار أثاثه".
ولم يثبط ذلك من عزيمة أنطونيا , بل شعرت بأن لا شيء تفضله عليه.