ونظر اليها بأرتباك وأجاب:
" أرى أنك لم تأخذي وقتا طويلا حتى تتغلبي عل حبك لي ..... رأيت صورا لحفلة زواجك في أحدى المجلات , يبدو أن زوجك رجل ثري جدا... وأنا لم يكن في أستطاعتي أن أهديك خاتما ثمينا كهذا".
وأشار الى الخاتم الذي في أصبعها , فقالت له:
" المرأة لا تحتاج الى خواتم وممتلكات لتكون سعيدة , بل تحتاج الى رجل بكل معنى الكلمة , وقعت في حب زوجي لأنه مثل هذا الرجل , وسيدوم حبي له الى الأبد , كان بأمكانك أن تملأ قلبي بحبك يا باكو , ولكنك لم تملأ ألا زاوية صغيرة منه , وما ذلك ألا لأن حبنا كان عاطفة عابرة كتلك التي تجتاح المراهقين المفتقرين الى الخبرة والتعقل, ويؤسفني أنه جيء بي الى هنا من غير فائدة ولا ضرورة.. ولكن والدتك , على الأقل , ستفرح بلقائك بعض الوقت , الآن وداعا".
ولم تمد أنطونيا يدها لمصافحته , لأنها لم تشأ أن تلامس يده الناعمة الضيقة بأظافرها الطويلة , وكل ما أرادته تلك اللحظة هو أن تداعب يد كال العريضة الخشنة التي تنم عن رجولة حقة.
منتديات ليلاس
وحالما خرجت من المقهى وجدت تاكسي تنقلها الى حيث ينتظرها كال , ومع أن المسافة لم تكن تزيد على عشرة كيلومترات ألا أنها بدت لأنطونيا أطول من ذلك بكثير , وذلك لنفاذ صبرها وشوقها الى الأرتماء في أحضان زوجها والقول له أنها لم تكن مستعدة لقبول حبه فحسب , بل لمنحه منتهى الحب أيضا.
ولكن عندما وصلت التاكسي الى الفندق حيث ستلتقي كال , لم تجد سيارته متوقفة هناك مع سائر السيارات , وقال لها البواب وهو يناولها مفتاح الغرفة:
" لا , لم يعد السيد برنارد بعد!".
وراحت أنطونيا تفكر أين يمكن أن يذهب , وتساءلت متى سيعود؟ وصعدت مسرعة الى الغرفة وهي تميل الى الظن أنه ربما ذهب لمقابلة خالها تيو يواكين , وأخذت تصيح بصوت خافت : أوه , أين أنت يا كال , أين أنت يا حبيبي!".
وبعد ساعة سمعت طرقا على الباب , فهبت مسرعة الى فتحه فأذا بها تجد الخادمة وقد جاءت لترتيب الغرفة , وبدأت أنطونيا الآن تتخوّف من أنيكون أصيب بمكروه , ولكنها صرفت عنها هذه الفكرة وحاولت أقناع نفسها بأن كال لا بد أنه في أحد المقاهي على شاطىء البحر يقتل الوقت , ريثما تنتهي من مقابلتها لباكو.
ولما لم تستطع الأنتظار أطول مما أنتظرت , نزلت الى الطابق الأرضي وخرجت من الفندق لتروح عن نفسها بالسير في المدخل ذهابا وأيابا الى أن يحضر.
وفيما هي كذلك لمحت سيارته فأسرعت الى لقائه وقالت له وهو ينزل من السيارة:
" ظننت أنك لن تعود .... فأين كنت؟".
فأجابها قائلا:
" كنت بجانب البحيرة , لم أنتظر عودتك بهذه السرعة!".
" عدت من زمن طويل!".
وفيما هو يقفل باب السيارة ويضع المفاتيح في جيبه , مالت اليه وقالت ملتمسة:
" أرجو أن تخبرني ماذا كنت تقول لي قبل أن تفارقني؟ هل قلت أنك تحبني؟ كال , كال ....... خذني بين ذراعيك ...... خذني!".
وتعانقا لمدة طولة , وكانت تطول الى الأبد لو لم يقطعها صوت رجل أسباني بالأنكليزية يقول:
" آسف لأزعاجكما , ولكنني لا أقدر أن أدخل الى سيارتي ألا من هذه الجهة , فعفوا!".
فأفلتها كال من بين ذراعيه وأعتذر للرجل...... فقال الرجل مبتسما:
"يبدو لي أنكما في شهر العسل......".
أجابه كال وهو يبتسم ويحدق الى أنطونيا:
" نعم , نحن في شهر العسل بعد طول أنتظار!".
وسار كال وأنطونيا الى الغرفة , وكان كال سيمر لأخذ مفتاحها , ولكن أنطونيا بادرته بقولها:
" المفتاح معي.........".
ودخلا المصعد , فعانقها كال برفق مرة أخرى , وقبل أن يتوقف المصعد بدأت أنطونيا تشعر بقلبها يكاد يتوقف.
وفي الغرفة , أغلق كال الباب وقفله, وهكذا أصبح هو وأنطونيا وحيدين لا يقطع عليهما أحد حبل خلوتهما التي طالما أنتظراها بفارغ صبر.
وقالت له أنطونيا:
" كنت تعيسة جدا , لأنني كنت أظن أنك لا تزال تحب ديانا , وأنك لن تحبني أنا".
فعبس وصاح بها:
" أنا؟ أتعنين ديانا وبستر؟".
" نعم!".
" وكيف تظين ذلك؟ أي أنسان وضع هذه الفكرة الخاطئة في رأسك؟".
" أنت , فحين عرفتني عليها أدركت أن علاقتك بها لم تكن علاقة عابرة , وفيما بعد أخبرتني أختك أردت مرة أن تتزوجها , وأختك لم تخبرني بالأمر عن سوء نية".
" شائعة كهذه تسيء وتضيع الحقيقة , لم أشأ في أية مرحلة من علاقتي بها أن أتزوجها...... كل ما في الأمر أننا كنا نرافق بعضنا ".
منتديات ليلاس
" لعلها أعتبرت أن علاقتكما جدية أكثر مما أعتبرتها أنت , وفي تلك السهرة التي تقابلنا فيها , بدت كأنها تخبرك أنها غيّرت رأيها بشأن الزواج وأصبحت مستعدة لتصبح زوجتك أذا كنت لا تزال تريدها.......".
" هل يعقل هذا بحضور زوجتي ؟ زوجتي التي لم يمض على زواجي بها أسابيع معدودة؟ كيف يكون ذلك؟ ديانا أمرأة وقحة وجريئة ولكن ليست الى هذا الحد .... فالواقع أنك تركت مخيلتك تجمح بك بعيدا جدا".
" الأنسان تجمح به مخيلته حين لا يعلم أين موقعه بالضبط..... ألم تقل لي أنت أن زواجنا لم يكن نتيجة حب......".
" هل قلت لك هذا الكلام؟ متى؟".
" دائما! هكذا كان أنطباعي".
" أذن , فأنت على خطأ , وقعت في غرامك كفتى في العشرين , والشهران المنصرمان كانا لي كالجحيم لأنني كنت أشعر أن مجرد ملامستي لك تزعجك..... آه , كم كنت أرغب في أن أضمك بين ذراعي طويلا!".
" آه يا حبيبي .....هل تعني بالفعل ما تقول؟".
" سأريك ذلك بالفعل لا بالقول........".
وعندما أستفاقت في الصباح وجدت رأسها على كتف كال , فيما ذراعه تطوق خصرها , وشعرت كأنها فراشة خرجت أخيرا من شرنقتها وأخذت تجفف جناحها للطيران في وجه الشمس.
وكان كال لا يزال راقدا , فلم توقظه بل أضطجعت بهدوء بين ذراعيه وهي تتلذذ بالتفكير أنها أصبحت في آخر الأمر أمرأته وزوجته!
وبعد حين لاحظت أن جفونه بدأت تنفتح وأن وجهه أخذ يطفح بالسرور والبهجة عندما وعى أنها الى جانبه.
وقال لها:
" صباح الخير...... هل نمت نوما هانئا؟".
" على غيمة من السعادة.........".
فتمطى وأندفع خارجا من الفراش قائلا:
" دعينا نستحم...".
" معا؟".
" نعم , ولم لا؟ الزواج هو منتهى الأتحاد!".
وبعد نحو ساعة , عندما جلسا حول المائدة لتناول طعام الفطور في غرفة الطعام , شعرت بسعادة أمرأة خرجت لتوها من بين ذراع حبيبها الذي هو , في الوقت ذاته زوجها.
وقالت له:
" هل تعلم ماذا يقال عن الزوجة في أسبانيا؟".
" كلا , ماذا؟".
" يقال عنها أنها نصف الرجل الضائع .... فهل تعتقد أنت أنك وجدته الآن؟".
فنظر اليها بعينيه الزرقاوين المليئتين بالحب والحنان وأجاب :
" نعم , أعرف جيدا أنني وجدته حين وجدتك!".
تمت