6- غيوم السعادة
وتركت أنطونيا غرفة النوم وجلست مدة ساعتين في الغرفة التي أحتلتها منذ أن كانت طفلة , ومر الوقت ببطء لم تختبر مثل بطئه من قبل , الى أن لم يبق الى وقت طعام العشاء سوى خمس وأربعين دقيقة , فرجعت الى غرفة النوم حيث كان زوجها مستلقيا في الفراش.
وكان ظهره الى الباب , فحين دخلت وسارت بخطى هادئة نحو السرير , رأت عينيه مغلقتين , ولكنها لم تعتقد أنه كان غافيا.
وكانت قد رأته نائما في الصباح التالي لزواجهما , فتذكرت بوضوح كيف كانت ملامح وجهه آنذاك , فهي تختلف عما كانت عليه الآن , ومع أنه فتح عينيه وبدا كأنه أستيقظ , فأنها مالت الى الأعتقاد أنه لم ينم منذ أن فارقته.
فسألته وهي تجلس الى جانبه:
" هل أنت أحسن حالا الآن؟".
فأجابها وهو ينظر الى الساعة قرب السرير:
" نعم , شكرا , لدي وقت كاف لأستحم مرة أخرى قبل العشاء , هل تستحمين أنت أيضا؟".
" نعم , ولكن هناك غرفة حمام أخرى , فليس عليك أن تنتظرني ريثما أنتهي".
وأخذ كال وقتا أطول للأستحمام مما أخذته أنطونيا , وعندما خرج من الغرفة كان يرتدي سروالا رماديا , بينما بقي نصفه الأعلى عاريا.
وكانت أنطونيا جالسة أمام المرآة تتكحل وهي , عن سابق تصور وتصميم , لم تكمل أرتداء ملابسها.
ولمحت كال ينظر اليها , ثم سار نحو خزانة الثياب , وكان أكتفى بأخذ حقيبة واحدة للثياب معه الى نيويورك ولكن أنطونيا جلبت له معها حقيبة أخرى ملأتها بالثياب وراقبته وهو يرتدي قميصا بأزرار ويدخله تحت سرواله , وفي لندن لم يكن يلبس سترة وربطة عنق لتناول طعام العشاء في البيت , ولكنه فعل ذلك الآن , لعلمه أن خالها يواكين يرتدي دائما ثيابه الرسمية في فالنسيا.
وما أن أنهت تجميل وجهها , كان كال مستعدا للنزول الى الطبقة السفلى , وكانت الساعة تشير الى أقتراب الوقت المعين لتناول طعام العشاء.
ونهضت أنطونيا من مكانها وتناولت ثوبا من الحرير الشفاف وقبل أن ترتديه قالت له:
" ليتك تساعدني على تزريره من الوراء!".
" نعم , بكل سرور!".
غير أن عينيه لم تنظرا الى جسمها , ثم أن السرعة التي زرر فيها الثوب هي من شأن الزوج القديم العهد بالزواج , لا العريس الذي لم يمض على زواجه ألا أسابيع قليلة.
منتديات ليلاس
وكانت أنطونيا قررت كيف تجابه هذا المأزق الجديد , ففي أثناء أستراحة كال , تذكرت حديثا قصيرا جرى بين والدتها ووالدة أمبارو , كانتا تبحثان قضية صديقة وقع زوجها في غرام أمرأة أخرى , فأتفقتا على أنه خير لهذه الصديقة ألا تظهر تعاستها , بل أن تكتمها وتتظاهر بأنها لا تعلم بخيانة زوجها لها , على أن تبذل كل جهدها في أن تكون ساحرة جذابة في نظره.
وهذا ما نوت أنطونيا أن تفعله في تلك الحالة....... كال تزوجها وجعلها تقع في غرامه , وفي هذه الليلة سيجد فيها زوجة مشتاقة الى الأستجابة له.
أثناء تناول الطعام , تصرف كال تصرفا أعتياديا , حتى أنها شعرت أن لا أحد من الحاضرين شك في وجود ما يعكر صفو العلاقة القائمة بينهما.
وقبل الفراغ من تناول الطعام بقليل , بدأ الرجلان يتحدثان في الشؤون السياسية , فأنسحبت تيا أنجلا وأختها وسائر النساء الى الغرفة المجاورة , وبعد نحو نصف ساعة أستأذنت أنطونيا للذهاب الى فراشها , فقبلت خالتها وأمها , ثم عبرت الغرفة الى حيث جلس خالها وكال وقالت:
" طابت ليلتكما... أرجو ألا يطول سهرك يا كال.. رغم قيلولتك , فلا بد أنك لا تزال مرهقا من التعب".
فأجابها خالها :
" لا تقلقي , لن أدعه يتكلم طويلا يا عزيزتي , عشر دقائق لا أكثر , أعدك بذلك!".
فقالت أنطونيا لكال:
" أرى أنه يجب عليك أن تنام باكرا بعد هذه السفرة الشاقة , خصوصا أذا كنت تنوي الذهاب غدا في الصباح فأذا أبقاك خالي ساهرا مدة طويلة , فسآتي وأنقذك منه , فأنا أعرف حماسه حين يتحدث في السياسة".
وفي طريقها الى الطبقة العليا , صادفت بنافيز أحدى خادمات خالتها اللواتي خدمن العائلة منذ صغرهن ,فقالت لها:
" ماذا جرى لسيدي زوجك ؟ أمنذ وقت طويل يشكو من أنفه ؟".
فأجابتها بحسرة:
" من أنفه؟".
" أنه يشخر كثيرا , ولكي لا يزعجك أمرني أن أهيء له فراشا في غرفة الملابس , عليك أن تجعليه يستشير طبيبا يا سيدتي , فالرجال يهملون أوجاعهم , كما تعلمين.....".
قالت بنافيز هذا الكلام وتابعت سيرها.
هذا التحول في مجرى الأمور لم تحسب له حسابا ,على أن الغرفة التي سينام فيها لم تكن تتصل مباشرة بالحمام , فكان على كال أن يمر بغرفة نومها.