الفصل السابع
7-عينان حزينتان
دخلا قصر الحمراء المبني في القرن الرابع عشر, عبر بوابة تدعى " بوابة العدالة" , وبعد أن اشترى رامون التذاكر رفض أن يرافقهما دليل. و تجولا في قاعة مفتوحة مزخرفة بأبهة إلى أخرى, و لورين تبدي إعجابها و تعلق على جمال الجدران المخرمة كالدانتيلا و القاعات التي تزينها النوافير الجميلة, التي يبدو ماؤها يلتمع تحت أشعة الشمس, مرسلا شعاعا كقوس القزح ليزيد الفتنة و الجو الرومانسي إلى ذلك المنظر الساحر. و كسرت لورين الصمت الطويل لتسأله وهي تدير رأسها بابتسامة:
-ماهي هذه النقوس العربية؟
-أكثرها يدور حل نفس الكلام " الله وحده الغالب ".
-أتساءل عما كانت الحال هنا عندما كان السلاطين يسكنون فيها؟ و كم كرهوا واقع هزيمتهم في النهاية!
-إنه تاريخ مثير... فرديناند و إزابيلا تركا طابعهما على إسبانيا.
-هما مدفونان هنا, بالطبع؟
منتديات ليلاس
و هز رأسه بالإيجاب, ولكنه قال إن افراد هاتين العائلتين المشهورتين كانوا يفضلون أن يبقوا في مدافنهم البسيطة, ولكن أحفادهم رغبوا في نقل رفاتهم إلى هذه المدافن التي بنيت خصيصا لهم.
للمرة الأولى منذ قدومها إلى إسبانيا شعرت بالراحة التامة. و كان من حولها مجموعات من السواح يستمعون إلى المرشدين الرسميين يشرحون لهم التاريخ كالببغاوات.
-هذه الموسيقى التي تنبعث من صوت الماء يجب أن تكون أحد الأسباب لما أشعر به....
-صوت موسيقى الماء.... النوافير دائما تعطي موسيقى لا نهاية لها..
-و هل هناك موسيقى أجمل من صوت الماء الجاري؟
-إنها... مريحة.
-و هل أنت بحاجة للراحة؟
-أحب أن أشعر بالراحة. هذا طبيعي.
-الراحة... كلنا نحب الراحة يا لورين. إنها حالة فكرية تعطينا الرضى في حياتنا.
-و لكنني غير راضية في حياتي, أظن أن " قصر الحمراء " يكتنف بعض الحزن.
-كل القصور التي عرفت الفخامة في ماضيها, ثم خسرته, تبدو حزينة لي. أنت نفسك تبدين حزينة يا عزيزتي, وهكذا فعيناك تجدان الحزن في كل ما حولك... ربما كان يجب أن لا آتي بك إلى هنا...
-آه... لا ... كان يجب أن تحضرني. كان سيفوتني زيارتها. أحب أن أشاهد كل روائع إسبانيا, لأنني قرأت عنها و أعرف أنها جديرة بالزيارة.
-كان من الممكن أن تأتي إلى هنا في وقت آخر, و مع شخص آخر.
-شخص آخر.
-سيكون لك أصدقاء, آمل ذلك. يوم الجمعة القادم سأقيم حفلة عشاء لبعض الأصدقاء, ذلك لأجل أن تلتقي بزوجاتهم, و بناتهم. و أنا متفائل بأن تحبي بعضا منهن ليصبحن صديقات لك.
و حدقت به, مندهشة من انزعاجه حول حاجتها لأصدقاء في هذا البلد الذي جلبها إليه.
-هذا لطف منك... لا أحب أن أزور أي مكان مع أي كان غيرك, رامون. أريدك أن تأخذني أنت إلى مثل هذه الأماكن.
-في هذه الحالة يا عزيزتي, أنا دوما في خدمتك,
-رامون أنت تتكلم مع زوجتك.
-أنت لا تشيرين غالبا إلى كونك زوجتي.
و كانا ينتقلان وقد اقتربا من جناح " الملكة بودوار " و أضاف عندما لم يسمع منها ردا.
-أليس لديك تعليق على ما قلته؟
-لم يمض زمن على زواجنا بعد.
-هذه حجة. فأنا دائما أفكر بنفسي كزوج لك.
-و لكنك أنت أردت الزواج مني. و لم يكن الأمر هكذا بالنسبة لي.
-هل يجب أن تستمري في ذكر ظروف زواجنا يا لورين؟
-لا, فهذا لا يجدي نفعا, كما قلت أنت عدة مرات.
-قلت أنني أردت الزواج منك. و لكنك لم تزعجي نفسك أبدا بالتساؤل عن السبب في رغبتي هذه.
و التفتت إليه بسرعة, وقد لاحظت شيئا في لهجته لم تفهمه و تفحصت وجهه للتفتيش عن الحقيقة, وقالت:
-أعتقد أن السبب هو رغبتك بي و ... ذلك العرض... أعني أول عرض...كان من الواضح يومها أن اهتمامك بي كان فكرته لساعة من التسلية.
-أعترف بذلك, و لكن خلال تلك السهرة, بدأت أفكر بك كزوجة لي, و عندما خرجنا إلى الحديقة في المرة الثانية, كنت قد صممت رأيي على أنك المرأة الوحيدة في العالم التي تناسبني.
-و لكنك لم تشعر بالحب... الرغبة فقط.
-لقد كان هناك انجذاب بيني و بينك يا لورين. وكلانا يعرف ذلك. و كما قلت يومها, كان مقدرا لنا أن نلتقي, و أن نتزوج. إنها " القسمة ".
-كيف يعيش الناس بدون حب؟ الرغبة الجسدية قد تجذبنا و لكن لفترة قصيرة و لكن ماذا بعد ذلك؟
-هذه المرة الأولى التي تعترفين بها أن رغبتك بي هي بنفس قوة رغبتي بك.
-من غير المجدي أن أنكر. لنتابع سيرنا, هناك الكثير لنشاهده بعد.
وهكذا تغير الموضوع, ولم يعد شخصيا. و جولا في " قاعة الأسد " التي كانت في تلك الأيام المكان الخاص لحريم السلطان.
بعد مغادرتهما قصر الحمراء عبر " القيصرية " التي شرح لها رامون أنها قرية بنيت على الطراز " الموري " في قلب " غرناطة " كسوق عام. توقفت عدة مرات عند محال صغيرة فيها بعض الفنون " النبيكو " و الرسومات التي جذبت انتباهها. و اشترت بعض الانتيكات كتذكار لإرسالها إلى بعض الأصدقاء. وعندما بدأت الشمس بالمغيب قال رامون:
-حسنا, هل اكتفيت؟ لنعد ادراجنا إلى المنزل.
و ركبا السيارة عائدين على نفس الطريق التي أتيا منها.
بدأ الظلام يهبط خلف قمم جبال عالية, أشار إليها رامون على أنها ملك له. و أشارت إلى قرية بعيدة .
-ولكن هذه القرية هي في التلال.
فقال رامون :
-إنها أيضا ملك لآل كابريرا.
-و هل تملك كل هذا إضافة إلى ممتلكاتك الأخرى؟
-نعم.
-و شاطئ البحر؟
-أملك إحدى عشر ميلا منها. و أنا أنوي أن أستثمرها عما قريب. سآخذك هناك يوما يا لورين. ففيها بعض المباني الجذابة ذات قباب مكسوة بخشب الأبنوس صنعت من مراكب متحطمة. بعض أثاثها صنع من الحطام أيضا, و لكن كله حاليا موجود في مستودعات القصر, و أنا أفكر بإنشاء مركز سياحي هناك, فيها فندق من أكثر بإنشاء مركز سياحي هناك, فيها فندق من أكثر الفنادق جاذبية و امتيازا. مع ميناء لليخوت. الشاطئ هناك هو من أكثر الشطآن الرملية جمالا, رماله ذهبية, لا تشبه تلك الرمال الرمادية إلى الشرق منه.
منتديات ليلاس
و ادارت رأسها إليه, و هي مذهولة بالتغيير المفاجئ, وغير القابل للتصديق من التصرف الجامد البارد لدون إسباني إلى ما يشابه اللهفة الطفولية لرجل على وشك الدخول في ما يشبه المغامرة الجديدة, و المشوقة. فقالت:
-تبدو و كأنك إنكليزي التفكير.
-طبعا, لهذا اخترت فتاة انكليزية كزوجة لي.
ليلة العشاء الذي كان يقيمه رامون لأصدقائه, وقفت لورين تتأمل فخامة غرفة الطعام ذات السقوف العالية وهي تلتمع بالكريستال و الفضة و البورسلان المرسوم يدويا. و المفارش مشغولة بالحرير على خلفية من أفضل الأقمشة, مفروشة على الطاولة الكبيرة. و جعلها صوت زوجها تقفز و قد جذبها عن تفكيرها قائلا:
-لقد حان الوقت لتلبسي يا عزيزتي. أحب أن اراك في ذلك الثوب من الحرير الصيني المطرز هذه الليلة.
-كنت أنوي أن ألبس ثوب الدانتيلا الأبيض...
-بل الحرير الصيني, أريدك أن تظهري أنيقة بشكل خاص و أن تبدي شابة صغيرة.
و هكذا ظهرت بعد ثلاثة أرباع الساعة, أنيقة الجمال في الثوب الطويل ذو الياقة و الأكمام البرتقالية اللون. و على شعرها وضعت شريطا فضيا عقدته فوق أحد أذنيها, وعلى عنقها عقد ماسي كان رامون قدمه لها هدية الزفاف.
-أنت تبدين ... جميلة بشكل لا يصدق! أنت بهية الطلعة حتى أنني قد لا أسمح لك بأن تستديري مبتعدة عني يا لورين.
-أشعر أنني مرتعدة الأعصاب.
و نظرت إلى الساعة و أدركت أنه خلال أقل من ربع ساعة سيحضر أول الضيوف.
-هل قلت ماركيز و كونتيسه ؟ لن أعرف كيف أخاطبهما.
-ستستعملين أسماءهم الأولى في وقت قصير. لا تخافي يا لورين, فلن تخذلينا.
-طالما لن أخذلك.
-احترام الانسان لنفسه هو أكثر ممتلكاته الشخصية, تذكري هذا!
أول الضيوف وصل كان دون دياغو دو غواردينا, الذي فور وقوع عينيه على لورين أصدر صيحة تعجب خفيفة و نظر إليها لعدة لحظات و كأنما الدهشة منعته من الكلام. ثم انحنى ليقبل يدها وهو يقول:
-و لكن... أنت جميلة جدا. رامون لم تحضرني لمفاجأة كهذه.
-لم تطلب مني وصف زوجتي يا دياغو.
-في الحقيقة أنا مسرور أنني لم أفعل! فما هو أكثر سعادة لأن اكتشف جمال مضيفتي بنفسي؟
بعد استكمال عقد الضيوف, ولم تكن لورين قد ارتكبت أي خطأ في استقبالهم. جلسوا يتناولون العشاء, و كانت تعامل ضيوفها و كأنها تعرفهم منذ أشهر بدلا من ساعتين أو ثلاثة.
منتديات ليلاس
الماركيز فالغا و زوجته لولينا, كانا زوجين رائعين يعملان في السياحة. و الكونتيسه اليني مانزاريز, أرملة منتج أفلام, كانت مرحة و كثيرة الزينة, و السيدة الجالسة على يمين رامون, دونا ماريا لوزانو, التي تعمل مع زوجها و ابنتها في تسويق نوع من الشراب الإسباني. و زوجها دون جوزيه لوزانو, ينحدر من أسرة مشهورة بصنع ذلك الشراب الذي يعتبر انتاجه من أفضل الإنتاج في البلاد.. وابنتهما تيريزا وهي في التاسعة عشر تقريبا, كانت جميلة القسمات ورائعة الشخصية, وبدا لرامون بعد وقت قصير أنها و لورين ستصبحان صديقتين.
و كان على يمين لورين الدون دياغو, الذي اجبرت نظراته المنحصرة بمضيفته على جذب انتباه زوجها, وعندما كانت تتكلم مع دون دياغو في حديث مطول, نظرت لترى عينا رامون مركزتان عليها. و بدا و كأنه سيظهر بعض التوبيخ, و لكنه ادرك عجزها عن منع العازب الوسيم من التحدث معها, و لكن بعد أن غادر آخر الضيوف كان عليها أن تسمع التوبيخ و كان الوقت بعد منتصف الليل, وحاولت أن تتهرب منه بإعلانها أنها ستذهب إلى الفراش. فقال لها:
-هناك شيء أريد قوله أولا, اجلسي يا لورين. إنه حول دون دياغو.
-لا لزوم لأن تقول لي عن هذا, أعرف.
-تعرفين؟ إذا ربما تفسرين لماذا سمحت له باحتكارك هكذا؟
-وكيف أستطيع منعه؟
-كان على شمالك شخص آخر, و في مقابلك أشخاص آخرون. و كضيوف عندك يتوقعون أن تقدمي لهم بعض الاهتمام. يبدو لي لي لورين أنك بحاجة لأن تتعلمي أكثر عن أداب الضيافة.
-أشعر يا رامون إنني تصرفت بشكل لائق جدا هذه الليلة.
-بشكل إجمالي, نعم, و لكنك سمحت لنفسك أن تعطي الكثير من الاهتمام لدون دياغو.
-لا أعترف بهذا!
-لقد قلتِ ...
-عنيت أنني عرفت طبيعة انتقاداتك.
-لن نتفاهم... دعينا ننسى الأمر هذه الليلة.
و صعدا إلى غرفة النوم. و بعد عشرين دقيقة من انتهائها من خلع ملابسها و ارتداء ثياب النوم, و هي على وشك دخول الفراش, دخل عليها رامون بمظهره الجذاب حتى أنها التقطت أنفاسها.
-كنت تبدين جميلة جدا, هذه الليلة, تعالي إلي. أنت ترغبين بي و تعرفين ذلك.
-أتساءل إذا كنت تدرك تماما أنك كثير الوثوق بأرائك يا رامون؟
-أنا صادق على الأقل, أما أنت فلا, أنت حتى غير صادقة مع نفسك يا لورين.
-الوقت متأخر.
و بأربع خطوات سريعة أصبح قربها, و أحاطها بذراعيه.
-أنا متعبة يا رامون, أرجوك إذهب! أنت تطلب المستحيل! أنت تملك بعض المخيلة بالتأكيد! و تستطيع أن تلاحظ أنني أفضل...
-تفضلين أن تكوني بين ذراعيه بدلا مني! أليس هذا ما كنت ستقوليه؟
-من الطبيعي أن أرغب في أن أكون مع الرجل الذي أحبه بدلا من الرجل الذي أرغمت على الزواج به.
-في ذلك الوقت, كنت سعيدة بالمساعدة التي قدمتها لك, و دخلت في المساومة دون تردد, دون أن تتحدثي....
-دعنا من ترديد هذا. نعم أنا من بدأت هذا الحديث, ولكني أرغب الآن في نسيانه.
ونظرت إلى يدي زوجها, كانتا مقفلتين و ممدودتين إلى جانبه فقالت بلهجة باردة و متعلقة:
-أرجوك, اذهب يا رامون, قلت لك انني تعبة. لقد كانت أمسية متعبة... إنها أول حفلة عشاء لي...
كان واقفا دون حراك, و ظهره إلى النافذة, و عيناه ثابتتان على وجهها.
-أنا باق يا لورين.
و قطبت و هزت رأسها, ولكن لم يكن لديها الوقت لتتكلم فقد حملها بحركة سريعة غير توقعة. و أحست بالصدمة من دقات قلبها الصاخبة بينما كانت تتحول الغرفة أمام عيناها إلى الظلام.