الفصل الخامس
5-عرض من السماء
-لا... انتظر!
وحاول السيد واربي أن يرفع نفسه عن الأريكة, و لكنه سرعان ما وقع على الوسادة.
-لا أعرف من أنت, ولكن عرضك كحبل يرمى إلى غريق. خذ لورين إلى الغرفة الأخرى و تحدث معها ما تشاء...
وتوقف و جاهد ليتنفس.
-أعطني قرص دواء أولا يا لورين. ثم اتركيني!
و أطاعت لورين والدها, وتفكيرها مخدر تقريبا, و جلبت له الدواء وكأسا من الماء, ثم قالت:
-نستطيع التحدث في غرفة الطعام, إنها.. إنها ليست مرتبة تماما.
و أزاحت ابتسامته بعضا من ارتباكها. و سارت امامه, نحو غرفة الطعام.
-أرجوك أن تجلس, سنيور.
-شكرا لك, والآن أريدك أن تخبريني بكل شيء.
-سنيور, لست أرى سببا لتحملك كل هذه المشاكل؟
-لم تكوني موجودة مع خطيبك في حفلة الأمس, وسألتك عما إذا كنت و خطيبك قد انتهيتما...
-لم ينته شيء, لذا أرجوك أن لا تأخذ فكرة خاطئة.
-أخبريني عن شقيقتك.
و قال لها هذا بلهجة آمرة, و دون أي اعتراض أعادت له ما حدث. و بعد ما أنهت حديثها, مرت فترة صمت, وبدا على وجهه أن يراجع أمرا في ذهنه له أهميته, و بعد قليل ظهر الهدوء عليه و قال:
-ألم تطلبي المال من خطيبك؟
-بلى... إنما المبلغ كان عشرين ألفا في البداية وهذا مبلغ كبير لأطلبه منه.
-مبلغ كبير؟ أعتقد أنه لن يفقد مثل هذا الملبلغ.
-إنه مبلغ كبير فعلا.
-وهل هو كثير كثير على سعادتك وراحة بالك سنيوريتا؟
واصبح صوته مرتجفا, و عيناه تلمعان, ونظر إلى البعيد و كأنه قد شاهد شيئا أثار غضبه.
-لا أريد أن أتناقش معك حول خطيبي سنيور. واضح أن عندك الشيء الكثير لتقوله لي, لذا أرجوك أن تقول..
ورفعت عينيها الجميلتين وتطلعت إليه. وحدق بهما, في العمق الأزرق الدخاني, ورأت أن تعبيراته قد تغيرت. فماذا يريد منها مقابل ما ينوي تقديمه؟
-لقد عرفت الآن لماذا لم تكوني مع خطيبك الليلة الماضية, لقد كان عندي أمل بأنكما تشاجرتما و فسختما الخطوبة.
-سنتزوج كما هو مقرر, سنيور.
-هل أنت متأكدة؟
ولم تجب على سؤاله وكلنها سألته عما كان يعنيه عندما قال إن مال الفدية متوفر. و أضافت:
-هناك شروط؟
وكان هذا بمثابة تأكيد أكثر منه بسؤال.و أحنى الدون رأسه ورد عليها دون تردد بأن تخمينها في محله: فهناك شروط!
-تريدني أن أتزوجك؟
-وأحست بالجفاف يتصاعد إلى حلقها, وفكرت بفيليس, وارتعدت متسائلة عما إذا كان سيطلق سراحها أبدا... وعما إذا كانت سترى والدها و شقيقتها ثانية. من الملح أن المال يجب ان يسلم دون تاخير. وقال دون رامون:
-أريدك أن تتزوجيني.
-ومقابل ذلك, تعطيني المال؟
-هذ ما انويه, سنيوريتا.
فقالت و اليأس يغمرها.
-لا أستطيع ان احبك... لأنني احب روجر.
وصمت أمام قولها فترة:
-قد تهتمين بي قليلا, يوما ما.
ولكن لورين هزت رأسها مؤكدة, فاستطرد الدون دون أن تتمكن من الرد.
-لقد قلك لك أنك لا تحبين هذا الرجل.
-سأتزوجك.
قالت هذا بكل هدوء و بساطة. بعد ذلك وبسبب قلة النوم, مجتمعة مع الضغط الهائل على أعصابها في اليومين الماضيين, والدمار التام الذي أصابها من جراء إضرارها لفسخ خطوبتها مع الرجل الذي تحبه, دفنت وجهها بين يديها وانفجرت بنوبة مفاجئة من النحيب.
-إنها ليست بداية تبشر بالخير. لن يكون الأمر سيئا كما تتصورين يا لورين فأنا لست ((غول)). على الرغم من أنك ربما تنظرين إلي الآن هكذا.
-لا, أنا لا... أنت لطيف سنيور... لطيف جدا, لتقديمك المال اللازم لإطلاق شقيقتي.
وتحول صوتها, الذي كان يرتجف من البكاء بين حين و آخر, إلى الصمت عندما شاهدت التقطيبة المفاجئة التي استقرت جبهته, وشده على شفته السفلى بين أسنانه, وسألته بقلق:
-هل هناك ما يزعجك؟ هل ندمت على عرضك؟
-بالطبع لا...
وأخذ يدها ليوقفها على قدميها, وقربها منه, و أخرج منديلا من إحدى جيوبه ليجفف دموعها.
-لا تبكي يا صغيرتي, فلا شيء في الدنيا يستأهل بكائك.
صوته الناعم, الجذاب بلكنته, أعاد لها الطمأنينة, واستطاعت أن تضع ظل ابتسامة على شفتيها, ولكن التنهيدات كانت لا تزال تهزها, ومضى بعض الوقت قبل أن تعود إلى هدوئها.
-المال... إنه مطلوب عند العاشرة غدا.
-سيكون حاضرا.
-لا أدري كيف أشكرك.
ولكنها كانت خائفة, خائفة جدا, بسبب ذكرى تسلطه عليها وسيطرته السهلة القادرة على تحطيم إرادتها, و تساءلت عن سبب انجذابها إليه, فهو لم يذكر الحب, فلماذا هو مصمم على الزواج منها؟ هل يهتم بها؟ و إذا كان كذلك, فإن هذا الحب كان سريع النمو لأن يستمر طويلا. ولكن ماذا يهم؟
وهمست لنفسها (( روجر , لماذا يا حبيبي لم تقدم أنت المال بنفسك؟)) و سألها رامون:
-بماذا تفكرين؟ روجر.
-نعم. فمن المستحيل أن أتخلى عنه دون وخز ضمير, سنيور.
-انسيه, لو أنه كان يحبك حقيقة, لدفع الفدية.
-لا أسمح لك بالتحدث عنه باستخفاف هكذا.
-لن نذكره بعد الآن.
-ولكن يجب ان أراه... أنت تفهم هذا؟
واصبحت لهجتها قلقة, و ادركت أنها قد أصبحت خاضعة منذ الآن لهذا الرجل الذي ستصبح زوجة له عما قريب.
-بالطبع يا لورين, يجب أن تذهبي إليه و أن تكوني صادقة معه.
-إذا غير رأيه حول المال, سأبقى معه عندئذ.
وعلمت وهي تتكلم أنها لن تطلب المال مرة أخرى من روجر أبدا. فرد عليها بإقتناع ثابت:
-لن يغير رأيه.
-هل تحدثت معه الليلة الماضية؟
-قليلا.
-واكتسبت أنت.. نوعا من الانطباع؟
-لقد سبق و قلت لك يا لورين أنا اجيد قراءة شخصية الناس.
-اجل.. أذكر هذا. لقد قلت أشياء رهيبة عن شقيقتي, أرجو أن تكون الآن آسفا لرؤية أنها في محنة صعبة. آه.. كم اتمنى لو اننا نستطيع إطلاقها فورا, في هذه اللحظة. لا أستطيع تحمل التفكير بها وهي جالسة في غرفة ضيقة, تنتظر بخوف أن ترى ماذا سيحدث لها.
ولدهشتها رفع الدون يده ليكتم تثاؤبا. لقد كان من دون قلب, وهزت كتفيها دون اكتراث. فيليس لا تعني له شيئا, وهذا ما أدركته. وهكذا تقبلت واقع أنه لا يظهر أي اهتمام بما قد تكون تعانيه. فيليس بالنسبة له ليست سوى وسيلة تمكنه من تحقيق رغباته. وسألته:
-متى تريد أن نتزوج؟
-فورا.
-أتعني...؟
-بموجب الترخيص الخاص, يجب أن أعود إلى إسبانيا عند نهاية الأسبوع.
-و المال؟ متى ستعطيني إياه؟
-سأذهب انت و أنا لندفعه.
-لنفترض أنهم أخذوا المبلغ ولم ... لم.
وانهارت, غير قادرة على إكمال ما كانت ستقوله, لقد كانت تفكر بإمكانية أن يأخذ الخاطفون المال, ولا يطلقوا سراح فيليس. و بما أن المال قد أصبح الآن متوفرا, فقد عاودتها الفكرة بقوة, وامتلأت عيناها فجأة بالدموع. ولكن الدون كان يهز رأسه بثقة, كانت تثبت أن شيئا لن يحدث. و قال بنعومة:
-فيليس ستعود, لست بحاجة لأن تخافي, يا عزيزتي.
منتديات ليلاس
وكان على حق, ففي الصباح التالي, ذهبت معه إلى الشجرة و أودعا المبلغ, وخلال بضع ساعات, دخلت فيليس إلى منزلها, دون ان يبدوا عليها أي سوء من التجربة التي مرت بها. وأجابت على تساؤلات والدها:
-لم يكن الأمر سيئا بالمرة, فقد عاملوني جيدا.
و سألتها لورين, وقد تذكرت بأنها شعرت بأن شيئا ما لم يكن ملائما حول هذا الوضع.
-ألم تكوني خائفة؟ يجب ان تكوني بالطبع؟
-كنت خائفة. ولكنهم كانوا متعقلين بحيث شعرت أنهم لن يأذوني أبدا. لقد كان قصدهم أنت, طبعا تعرفين ذلك. أشكري روجر لأنه دفع المبلغ, ألن تفعلي؟ هل كان غاضبا؟ ماذا حدث بالضبط؟ أعلم أنه لم يدفع من البداية, عندما أرادوا مبلغ العشرين ألف.
ولسبب ما لم تقدر لورين أن ترد عليها. وتوجهت نحو الباب وقالت:
-تحدثي مع أبي, سيقول لك ماذا حدث.
وتجاهلت النظرة المتسائلة التي انتشرت على وجه شقيقتها واستدارت و غادرت الغرفة. وبعد أقل من عشر دقائق كانت فيليس تقف على باب غرفة نوم لورين, وواجهت الأختان بعضهما بصمت لفترة طويلة قبل أن تتكلم فيليس.
-لماذا تركتينا؟
-هناك سبب. لم استطع شرحه, ولا أستطيع شرحه الآن.
-لقد تغيرت يا لورين.
-أنا تغيرت؟ أنت التي تغيرت يا فيليس.
-بأية طريقة؟
-لا أستطيع فهم الطريقة التي عدت بها.
-الطريقة التي عدت بها؟
-و كأنما لم يحدث شيء فظيع.
-ماذا كنت تتوقعين؟
-لا أعرف بالضبط يا فيليس, ماذا حدث بالضبط عندما أطلقوا سراحك؟
-لقد أنزلوني عند نهاية الشارع هنا, و أتيت إلى المنزل, وبما أن الباب كان مفتوحا دخلت. هل توقعت منى أن أقرع الباب و أنتظر لتسمحوا لي بالدخول؟
-لقد تغيرت. فأنت لم تظهري أية مشاعر عندما دخلت من الباب....
-آه... فهمت! إذا أردت مني أن ألقي بنفسي بين ذراعيك و أبكي لاجتماع شملنا, هل هذا صحيح؟
وبدت السخرية في كلماتها, ولكن لورين أجابتها, ووجهها الجميل مرهق وشاحب, وأفكراها مليئة بالكارثة التي حلت عليها و أجبرتها على ترك الرجل الذي أحبته و ألزمتها بحياة تقرب من البؤس مع غريب أصبحت الآن موعودة له.
-لا أظن أنني توقعت أي شيء درامي كهذا يا فيليس. ولكني توقعت أن تظهري بعض المشاعر. فقد عانينا انا ووالدك الكثير, كما تعلمين. لقد تخيلتك متكورة على نفسك في غرفة صغيرة مظلمة, ترتجفين من البرد و الخوف, خائفة مما سيحدث لك إذا لم ندفع الفدية... أظن أن الوقت الآن غير مناسب لهذه الذكرى, ولكن, كما قلت لك, توقعت أن أرى بعض المشاعر.
-ربما توقعت مني أن أرمي نفسي عليك و أتمتم بالشكر و عرفان الجميل...
-لا, ليس هذا, أنت تعلمين أن عرفان الجميل آخر شيء أريده منك.
-أتمنى هذا, لأنني أرى انها غلطتك على كل الأحوال, يبدو أنك نسيت ان هذا لم يكن ليحدث بالمرة لو لم تخطبي لروجر.
-فيليس, لم أستطع نسيان الأمر, فوالدي دفعني بالتأكيد لأن لا أنسى.
-أظن أنك تشعرين أنك شهيدة في هذه اللحظات؟
-لقد اتخذت القرار الوحيد الممكن يا فيليس, و اعتقد أنك كنت ستفعلين الشيء نفسه لأجلي.
-طبعا كنت سأفعل. ولكنك الآن ستتزوجين مليونيرا؟.
-أعتقد أنه مليونير نعم.
-لقد كان في حفلة خطوبتك, لقد كان معي ورقص معي ثلاث مرات.
-ما دخل هذا بذاك؟
-تعالي إلى المرآة يا لورين.
-ولم؟
-تعالي إلى المرآة.
و أطاعتها لورين, ونظرت الفتاتان إلى نفسيهما في المرآة المثبتة إلى الجدار. و سألتها لورين.
-حسنا؟
-ماذا تملكين, و لا أملكه أنا؟
واتسعت عينا لورين بالدهشة. وعاودتها لمحات من الذكرى لتأكيدات ذلك الأسباني أن شقيقتها تغار منها.
-أنا لا أفهم؟
-بل تفهمين, مرتين امتلكت فيهما رجلا ثريا, بينما أنا, التي أملك كل الصفات الجسدية التي تملكين, لا ينظر إلي أحد, أقول لك مرة أخرى أن دون رامون كان معي, ولو كان يبحث عن زوجة, فلماذا اختارك أنت, المخطوبة لشخص آخر؟ ماذا جعله لا ينظر إلي؟ فأنا جذابة مثلك تماما!
-بالنسبة لي, كان من الممكن أن تحصلي على دون رامون. يبدوا أنك لم تستوعبي بعد واقع أنني تخليت عن رجل أحبه لأجلك!
-ولكن لتحصلي على رجل أفضل.. ما هذا الحظ؟
وخرجت الكلمات من فيليس قبل أن تتمكن من منعها. وعندما استدارت عن المرآة لتواجه شقيقتها لورين رأت دموع الغضب والاحتقار في عينيها. إذا الإسباني كان على حق. لقد تكلم بالحقيقة عندما أكد لها أن فيليس تغار منها.
-إذا لم يكن لديك شيء آخر لتقوليه لي يا فيليس, فاتركيني لوحدي من فضلك.
وعضت فيليس شفتها.
-لقد آذيتك, أليس كذلك؟
-للمرة الأولى يا فيليس ... للمرة الأولى في حياتنا!
منتديات ليلاس
وخيم صمت طويل, و الفتاتان تشعران بازدياد قلة الراحة. ثم استدارت فيليس دون أية كلمة أخرى و غادرت الغرفة. وراقبت لورين الباب وهو يغلق خلف شقيقتها, وفي مدى لحظات انهمرت الدموع من عينيها. ماذا حدث للسعادة التي كانت منذ بضعة أسابيع؟ فقد كانتا رفيقتين, تحسدهما الشقيقات الأخريات اللواتي لم يقدرن على الوفاق. و أدوين كان يزور منزلهما بانتظام لمدة سنة و أصبح عضوا مرحبا به في العائلة. وقالت لنفسها " أجل كل شيء كان سببه أنني خطبت لروجر" و استدارت لتأخذ منديلا من أحد الجوارير, وجففت عيناها من الدموع. ماذا تنفعها الدموع الآن؟ ووضعت المنديل على الطاولة, و دخلت إلى الحمام. وبعد أن استحمت لفت نفسها بمنشفة و عادت إلى غرفة النوم. وبعد نصف ساعة اتصلت بروجر. وقالت له قبل أن يتكلم:
-لقد عادت فيليس إلى المنزل. وصلت قبل ساعة.
-دون أذى؟
-أجل, دون أذى.
هل كان هذا صوتها؟ الخالي من التعبير, و دون حياة.
-كم هذا مريح! أنت تشعرين بالراحة بالتأكيد!
-أشعر بالراحة لعودتها.
-لقد تركوها دون دفع الفدية بالطبع.
-لقد دفعت الفدية.
-دفعتها؟ و لكن من دفعها؟
-سأقول لك كل شيء عندما أراك يا روجر. سآتي لمقابلتك فورا.
-ولكن لورين, ماذا حدث؟ أنت تبدين ... حسنا... مريضة ... أو شيء آخر.
-سأكون معك بعد ساعة تقريبا, هذا يعتمد على الباصات....
-حبيبتي, سآتي إليك أنا...
-لا... أفضل أن آتي إليك. هناك عزلة في بيتك أكثر من بيتي.
-لورين.
-نعم؟
-هناك شيء رهيب في لهجتك. ماذا حدث؟
-لا أريد التحدث بالهاتف, روجر أرجوك احتفظ بفضولك لساعة أخرى.
-إذا هناك شيء ... هل هو شيء خطير؟
-بالخطورة التي يمكن أن يكون بها. سأضع السماعة الآن....
-لا!
ولكنها وضعت السماعة مكانها, وارتدت معطفها, وحيت والدها بينما تمر امامه في غرفة الجلوس, وغادرت المنزل.
وكان روجر ينتظرها على الشرفة عندما وصلت, وركض لملاقاتها وبلحظة سعيدة سماوية كانت بين ذراعيه. فتعلقت به و كأنها لا تريد تركه أبدا, و عيناها مليئتان بالدموع. وفمها يرتجف, ثم أدارت وجهها عنه.
-حبيبتي... ماذا هناك؟ أنت مريضة....
-لست مريضة جسديا يا روجر...
و تطلعت حولها. و أحبت أن تجلس في عريشة كانت غالبا تجلس فيها معه, و لكن الوقت الآن ليس مثل هذا. و سألته " هل نستطيع الذهاب إلى مكتبك؟ " ودون أية كلمة قادها إلى المنزل و عبر الممر الطويل إلى مكتبته الخاصة. وجذب لها كرسيا و جلس معها.
-يا حبيبتي , ماذا هناك؟
وبدأت تتحدث, و على الرغم من أن صوتها تهدج عدة مرات, إلا أنها كانت مندهشة من الوضوح الذي روت فيه كل ما تريد قوله. وراقبت روجر, ورأت التغيير في تعبيرات وجهه وهي تتفوه بكلماتها, و عندما علم أنها ستتزوج الرجل الذي دفع الفدية.
-دون رامون؟ ... لورين كيف بإمكانك أن تتزوجي رجلا كهذا؟
-كهذا ؟ ماذا تعني؟
-أجنبي؟
-العديد من الناس يتزوجون أجانب في هذه الأيام.
-تبدين هادئة حول الأمر كله!
-ليس من داخلي يا روجر, ليس من الداخل!
-ستتزوجينه, و أنت تحبيني بهذا القدر؟
-ليس لدي خيار آخر يا روجر, كان علي أن أعده.....
-هذا ابتزاز, على كل, لا يعرفك بعد تماما... ليلة خطوبتنا أحدهم مازحني حول الطريقة التي كان ينظر بها إليك. تذكرت.. لقد كنت غائبة في نفس الوقت الذي كان هو غائبا فيه. لاحظت ذلك لأن بول كان يبحث عنه وقلت له إنني أبحث عنك أيضا! لقد كنت في الحديقة! هل كان في الحديقة أيضا؟
-لقد كنت معه في الحديقة.
-كنت معه ....و ماذا كنتما تفعلان؟ إذا, لقد استسلمت له!
-روجر... هذا لا يهم الآن... أنا مجبرة للزواج بهذا الرجل...
-يبدو لي... أنك تريدين فعلا الزواج منه!
-أنت على خطأ... و كما قلت لك, الأمر لم يعد مهم الآن. جئت لأودعك و ...و لـ... لأقول لك أنني أحبك و ... وسأحبط دائما... أحبك . ولن أحب سواك.
كانت لهجتها هادئة و صادقة رغم حاجتها للحياة و التعبير. وتطلع روجر إليها و تصورت أنها سمعت تعبيرا عن التعاسة يخرج من مكان ما في أعماقه. وقال لها بصوت عال:
-لو أنني أحضرت المال لما حدث كل هذا!
منتديات ليلاس
ولم تقل شيئا حتى و لا أن الخاطفين قبلوا في النهاية خمسة عشر ألفا. و تكلم ثانية ربما سبب له الغضب أن يقول شيئا تعلم أنه سيندم عليه في النهاية. ولكنها أخيرا استطاعت الخروج, ولم يعرض عليها إيصالها بل ودعها وداعا مختصرا و تركها دون كلمة أخرى.
كانت الساعة السابعة, و لورين تنتظر وصول دون رامون الذي كان سيأخذها لتناول العشاء في أكثر الفنادق كلفة في البلد. واعدا إياها بالاحتفال لإطلاق سراح فيليس.. الاحتفال... وتساءلت بحرارة بماذا تحتفل.. أتحتفل بالتوقعات المظلمة لحياتها مع رجل لا تستطيع أن تحبه أبدا؟ و دخلت فيليس إلى الغرفة و نظرت لورين إليها و سألتها:
-متى سيأتي ادوين ؟ هل اتصلت به؟
-لقد افترقنا.
-افترقتما؟ ولكن هذا مستحيل! لقد كان أدوين كثير القلق عليك!
-قلق أم لا, لقد تخلى عني. لقد اكتشفنا أننا لا نناسب بعضنا.
-لا أصدق هذا, فيليس, لم تخبريني بكل شيء. هل اتصلت به لتبلغيه أنك ستصلين إلى المنزل؟
واستدارت فيليس ثانية, والتقطت زهرة لتقطعها بين أصابعها وقالت:
-لقد علم أنني عدت, نعم!
-هل رأيته؟
و بشكل غريزي حملتها أفكارها إلى تصرفات ادوين عندما علم أن فيليس مخطوفة, إذ بدا مضطربا, ولكن ليس كما تتوقع لورين منه.
-لقد رأيته.
-فيليس... ما الأمر؟ لماذا لا تنظرين إلي؟
واستدارت شقيقتها و التقت عيناهما. و أحست لورين بعدم الراحة. وتذكرت شعورا مماثلا مرت به من قبل.
-ليس هناك من شيء يا لورين! لقد قررنا الافتراق و هذا كل شيء. وهذا الأمر كان مشتركا.
-لقد قلت لتوك ان ادوين تخلى عنك. يبدو ان الوقت قد فات لكي يتخلى عنك يا فيليس, في اللحظة التي خرجت فيها من محنة قاسية....
-أوه... لأجل السماء كفي عن الضرب على وتر محنتي! ألا ترين أنها شيء لا أريد أن أتذكره؟ أليس لديك مشاعر؟
وتوقفت فيليس عندما دق جرس الباب. ووقفت لورين وجهها مبيض و عيناها تنظران بحيرة غامة إلى شقيقتها.
-منذ البداية كان هناك شيء لم أستطع أن أفهمه. وأنت لم تذكري أي شيء حتى عن الاختطاف نفسه.
-لقد ألقوني داخل سيارة بينما كنت أغادر المكتب. لقد قلت لك, لا أريد التحدث حول الأمر.
وأدارت رأسها بينما كان دون رامون يدخل الغرفة.
-لقد انفتح الباب و أنا أقرع الجرس, و هكذا دخلت...
و توقف عن الكلام لحظة و التفت نحو الفتاة التي سيتزوجها.
-يبدو أنني قاطعت شيئا ما؟ أكنت تتشاجرين مع شقيقتك؟
-أنا مستعدة, سنيور.
والتقطت حقيبتها عن الكرسي.
-كنتما تتشاجران. حول ماذا؟
-لم نكن نتشاجر فعليا. ولكن فيليس كانت غاضبة من تحدثي عن تجربتها القاسية.
-هذا معقول..
-نعم أعتقد ذلك, ومع هذا...
-مع هذا, ماذا؟
-لماذا تكون غاضبة؟ من الطبيعي أن أتكلم حول الأمر.
-ماذا قلت لها بالضبط؟
-لقد سألتها عن الاختطاف الفعلي نفسه. ولكنها تحدثت عن فصل آخر من الاختطاف.
-الاختطاف الفعل.. هل شرحت شيئا حول الاختطاف؟
-لقد ذكرت فقك أنها القيت داخل سيارة بينما كانت تغادر المكتب.
-لا أكثر ... ولا أقل.
وبدا للورين أن دون رامون بنفسه يتصرف بشكل شاذ حيال المسألة. وقالت له وهي تتساءل عن نوع ردة الفعل الذي سيسببه له قولها:
-ادوين تخلى عن فيليس.
-لم يكونا مناسبين لبعضهما, ولا بأية طرية بالمرة.
-كانا مناسبين, فأنا أعلم ذلك أكثر منك, سنيور...
-ألا تظنين إن الوقت قد حان لتناديني رامون, فأصدقائي ينادوني به, لذلك من الطبيعي أن تناديني زوجتي هكذا.
-زوجتك...
والتفت إليها برأسه الأسمر بسرعة, ولكنها استدارت ولم يستطع أن يرى التعبير على وجهها.
-أنت لا تحبين إمكانية أن تصبحي زوجتي. يبدو أن لديك أفكار عني بأنني شيء " كالغول ". ولكن طالما تعامليني باحترام و تتصرفين بلباقة كسنيورا إسبانية, سننجح في زواجنا. أعدك بذلك!
-سأعاملك باحترام, و لكنني أعترض على استخدامك لكلمة " تصرف لائق".
-للأسف, لأنني سأستخدمها ثانية.
-يبدو أنك لا تمانع بأن لا يكون هناك أي حب بيننا أبدا.
وساد صمت, و كأنما لم تتكلم بالحقيقة الكاملة, ومرة أخرى وجدت نفسها تتساءل عما إذا كان يهتم بها.
-لن نخوض بهذا الأمر. هل تبدو أختك متكدرة من تصرف أدوين؟
-لا أعرف. هناك شيء غريب غير عادي بأمرها.
-شقيقتك غريبة الأطوار.
-هل حضرت الترتيبات اللازمة لزواجنا؟
-طبعا. أخبرتك عما انويه هذا الصباح.
هذا الصباح... كم بدا هذا اليوم طويلا ! وكم حدث فيه الكثير! وها هي الآن تتناول العشاء مع الرجل الذي سيحملها بعد أيام إلى قصره في إسبانيا!
وعندما عادا إلى المنزل, ودعها دون أن يقول كلمة عن الزواج. كان والدها في فراشه, و فيليس في غرفة الجلوس تستمع إلى الموسيقى و سألتها فيليس:
-هل قضيت وقتا ممتعا؟
-كان وقتا مسليا.
-مليونير, و تتصرفين هكذا؟
-يبدو أنك نسيت إنني لا أحبه.
-إنه أكثر الرجال وسامة ممن قابلتهم, ومن السهل الوقوع في حبه.
-لا تهمني المظاهر.
-ليس المظاهر وحدها, و لكن عندما تجتمع مع المال الذي يملكه دون رامون... ألم نعد أنت و أنا صديقتين يا لورين.
-لقد انتهت صداقتنا, و هذه ليست غلطتي. لست أفهم ما حدث . لقد كنا سعيدتين منذ وقت قصير.
-أنا ذاهبة إلى النوم.
ودون كلمة أخرى غادرت فيليس الغرفة و تركت لورين واقفة هناك, وشعرت بثقل في قلبها حتى أنها وضعت يدها عليه. ماذا تبقى لها لتعيش من أجله الآن؟ هل من الممكن أن تهتم بدون رامون مستقبلا؟ لا, لن تستطيع لأنها تحب روجر, و ستستمر بحبه. ووجدت نفسها تبحث في هذه الإمكانية حتى بعد أن انزلقت بين أغطية الفراش ووضعت رأسها على الوسادة. و قررت أن تتحدث مع فيليس, فهي تريد أن تستمر صداقتهما. لأنها كانت تأمل بأن تحصل على زيارة من شقيقتها و والدها حيث ستعيش في إسبانيا.