الفصل الرابع
4-خيبة أمل
قال لها والدها على الفور:
-حسنا؟ لا.. لقد رفض أن يدفع أليس كذلك؟
وابتلعت ريقها وهزت رأسها بالإيجاب.
-هذا ما كنت خائفة منه يا أبي.
-حتى ولو كنت أنت, فلن يدفع.. بسرعة على ما أعتقد!
مثل هذه المرارة لم تتوقعها أبدا من والدها. حتى هي نفسها شعرت في تلك اللحظة بطعم المرارة, لأنها لم تقدر على إيجاد عذر لتصرف خطيبها لعدم مبالاته بالمأساة التي حلت بزوجة المستقبل ووالدها. صحيح أنه لم يحب أبدا والدها, فعليها أن تعترف صادقة أن عدم الود بينهما لم يكن بسبب روجر, ولكن هذا ليس عذرا ولا بطريقة ما لرفض روجر المساعدة في هذه الحالة الرهيبة. وتكلم أبوها ثانية, وقفزت عند سماع أول كلمة.
-لقد دفعوا برسالة أخرى من تحت الباب. لقد اعترفوا أنهم خطفوا الفتاة بالغلط, ولكنهم يصرون على الدفع. الدفع يا لورين أو....
وتوقف, للحظة مرعبة ظنت أن النوبة ستعاوده, وانهار صوته و لم تعد لورين بحاجة لتعرف الباقي,, كان وجهها قد تحول إلى البياض حتى شفتيها, عندما استدارت لتنظر إلى وجه ادوين. كان يقف قرب النافذة و يتطلع بالظلام, واستدار إليها وفي عينيه نظرة توقع, ولكنها ماتت فورا بعد ان لاحظ التعبيرات التي على وجهها. و حدقت به. فقال:
-ماذا نستطيع أن نفعل؟
واستدارت لورين لوالدها.
-هذه الرسالة ... أين هي؟
-مع ادوين.
واستدارت نحو ادوين مرة أخرى.
-أحب أن أراها.
-إنها هناك على الطاولة.
والتقطتها, ورأت أنها تحتوي على كل ما قاله والدها, لقد كانت مكتوبة بأحرف كبيرة مطبوعة على ورق رخيص. ولسبب ما رفعتها إلى أنفها ولكن لم يكن عالقا بها أية رائحة. وكان ادوين يراقبها عن كثب. ولاحظت ذلك و شعرت بشيء ما يمر خلال عمودها الفقري.
-هل القيت عبر صندوق الرسائل؟
-بالطبع, هل هناك مكان آخر؟
-آسفة. إنهم جريئون أليس كذلك؟
قالت هذا وهي تدرك أن هناك شيء محير حول القصة كلها؟
-من المخاطرة أن يأتوا إلى المنزل بهذا الشكل, و خاصة في هذا الوقت بالذات و كلنا متيقظون.
ولم يتكلم أي من الرجلين. فأضافت:
-ألم تسمعا شيئا...؟.
-من الواضح أننا لم نسمع شيئا, هل كنت تتوقعين أن يقرعوا الجرس؟
-أظن بأننا ليس أمامنا بديل سوى الاتصال بالبوليس.
وصرخ ادوين بقوة:
-لا! لقد قالوا إنهم سيقتلونها؟...
فقالت وقد لاحظت أن تعبيرات والدها قد تغيرت فجأة.
-اصمت... فأنا سأتولى المسألة يا ادوين, و أنا أنوي أن أجلب البوليس فورا.
قاطعها والدها.
-لن تفعلي هذا!
وكان العرق ينضح من جبهته. والتقطت لورين أنفاسها, وقد أرعبتها إمكانية أن يؤذي نفسه بارتفاع تأثره و غضبه.
-أنا المسؤول هنا! ولن أتركك تستدعين البوليس, هل تفهمين؟
-ولكن يا أبي, لا نستطيع أن نجلس هكذا ولا نفعل شيئا.
وكانت الساعة جاوزت الحادية عشر ولم تكن قادرة على إبعاد تفكيرها عن تصور شقيقتها جالسة في مكان ما في سجن صغير, وكل دقيقة تمر كالعمر. و همست لنفسها (( لا أستطيع تحمل هذا. يجب أن أفعل شيئا)).
-قلت إن روجر سيدفع!
-لقد نصحنا بالاتصال بالبوليس!
ولم تتابع كلامها. فذكر البوليس كان مؤذيا لحالة والدها بوضوح. وحدقت بادوين.
-حسنا؟ هل لديك اقتراحات؟
-فقط أن نجد المال يا لورين. يجب إيجاده!
و بدا عليه الضيق, و لكن لورين شعرت بأن عدم الراحة بدت لا علاقة لها أبدا بالوضع.
-أين يمكن إيجاد المال؟
وهز رأسه.
-إذا لم يتحرك روجر.. أعني إذا لم يرغب روجر أن يساعد...
و هز كتفيه بيأس و استدار نحو النافذة, يحدق إلى الظلام في الخارج, ويداه غارقتان في جيب سترته. و قالت لورين بعد صمت طويل:
-أبي , أتظن أنك قادر على الصعود إلى فراشك؟
-الفراش؟ هل تعنين أنك تنوين الذهاب إلى الفراش, و كأن شيئا لم يحدث؟
-لا يا حبيبي... و لكن يجب أن ترتاح.. لا.. لا تقاطعني أرجوك حتى أنهي ما أقوله. أعرف أنك لن تستطيع النوم, أكثر مني, و لكن ستكون مرتاحا أكثر في الفراش. سنساعدك أنا و ادوين على الصعود.
و اقتنع أخيرا, و ساعداه على الصعود, وبعد أن أعطته حليبا ساخنا, نزلت مع أدوين ليجلسا في غرفة الجلوس لما بعد منتصف الليل.
-أتمنى لو أنك لم تقابلي هذا الرجل ! لقد كنا سعداء حتى أصبحت مخطوبة له.
و قطبت و قالت:
-أودين.. هل هناك شيء لا أعرفه؟
-تعرفين كل شيء يا لورين.
-لا ازال أظن أننا يجب أن نتصل بالبوليس. فلو كان أمامنا فرصة للحصول على المال لاختلف الأمر, ولكن كما هو الأمر الآن.. لا إن الأمر فيه مخاطرة. أليس كذلك؟ والدي محق بقراره لعدم الإتصال بالبوليس.
-كنت أتمنى أن يدفع روجر, مع أنني شعرت منذ البداية أنه لن يدفع... منذ البداية... لن يدفع...
و عضت على شفتيها بإنزعاج, محاولة صرف فكرة بأن هناك بعض الغموض هنا. لأن إعادة النظر بالوضع يشير إلى ذلك. شخص ما بكل بساطة يحاول الحصول على بعض المال دون تعب, فخطف الفتاة التي ظن أنها لورين. و لكنه حصل على توامها. ولكنه لا يزال يطالب بالفدية معتقدا أن شقيقتها ستؤثر على خطيبها ليدفع. كل شيء تم ببساطة و لكن فجأة و دون سب بالمرة, تصاعد أمام عيناها صورة الوجه اللاتيني لذلك الإسباني. و سألت نفسها, لماذا يتطفل هكذا عليها في وقت كهذا؟
منتديات ليلاس
بعد ليلة من عدم النوم وصلت أعصاب لورين إلى حافة الانهيار. لقد لازمت أبيها في غرفته, حتى الثانية و النصف صباحا. و كل ما فعله هو ترديد قوله بأن فيليس هي في هذا الوضع الآن لأن لورين خطبت لرجل ثري. و بعد الثانية و النصف كان يغط بالنوم, و تركت الغرفة بصمت, و نزلت لتصنع لنفسها فنجان شاي. و تمددت على الأريكة دون أن تستطيع النوم.
رن جرس الهاتف عند السابعة و النصف صباحا؛ و هرعت نحو الردهة لترد و سمعت صوتا متكتما يقول:
-لا تنسي.. المال عند الساعة العاشرة هذا الصباح, في غابة (( فيدلر)) عند شجرة السنديان قرب البحيرة الجافة.
-انتظر .. أنا.. نحن لم نستطع الحصول على المال ...
و اوشكت على البكاء, فقد انقطع الخط. و أنى صوت والدها من غرفته وهو يصرخ:
-لورين!..
ووضعت السماعة وصعدت إلى غرفته.
-تركتيهم يقطعون الخط؟ لماذا لم تحاولي استبقاءهم...
-لقد أقفلوا الخط يا أبي, لم يكن لدي فرصة لأقول شيئا.
-وهل ستذهبين إلى المكان المحدد؟
-سأذهب يا عزيزي لقد قلت هذا عدة مرات, سأذهب و أترك لهم رسالة.
-سيغضبون كثيرا. و سوف يلحقون الأذى فورا يابنتي الحبيبة!
-لا تنظر إلى الناحية المظلمة, إلى أن نرى ما نتيجة الرسالة, فقد يفرجون عنها.
-لن يفعلوا!
و صعدت يده إلى قلبه, وبدا أن تنفسه قد انقطع فجأة وهزها الذعر و انحنت فوقه.
-هل تأخذ حبة دواء يا حبي؟
-لم يحن وقت الدواء بعد ولكنني مشرف على النهاية يا لورين. لا أهتم إذا مت, فلو ماتت فيليس لن يكون عندي أحد أعيش من أجله. فلن ترغبين بي عندما تتزوجين و تصبحين سيدة ثرية ذات قلب.
-هذا هراء و أنت تعلم هذا.
-روجر لم يأت إلى هنا حتى في هذه الظروف. إذا فمن غير المحتمل أن يأتي فيما بعد, عندما تتزوجان, و إذا لم يأت فلن تأتي أنت أيضا.
-بل سيأتي يا أبي, و تستطيع زيارتي متى شئت.
-لست مرحبا بي في ذلك المنزل.
و أسرعت لورين لإحضار الدواء و كأس ماء وقال بعد أن ابتلع الدواء:
-لم أستطع حضور حفلة خطوبتك.
-كان بمقدورك أن تأتي. فقد كنت مذعورا يا أبي.
و أغمض عيناه, وارتعدت لمنظر دمعتين انحدرتا من تحت رموشه وانحنت لتقلبه وقالت بنعومة:
-لو كنت أعلم ماذا سيحدث, لما أصبحت خطيبة لورجر.
و أثر به هذا الكلام بطريقة أدهشتها. و قال وهو ينظر إلى وجهها:
-أمامك حياتك لتعيشيها لورين, ولا يجب على أحد أن ينقم عليك لسعادتك.
و بدا عليه مرة أخرى شعور بالذب, و انحنت لتقبله.
-حاول أن تستريح يا عزيزي, لا تستطيع فعل شيء حتى أوصل تلك الرسالة. و نرى عندها ما سيحدث.
-ستكتبينها بحذر أليس كذلك؟
-سأكون متذللة جدا, سأتوسل إليهم أن يرسلوا لنا فيليس سالمة.
وصلت إلى المكان المحدد عند العاشرة إلا ربع, ووقفت هناك دقائق طويلة من الصمت تتطلع من حولها. كانت الغابة موحشة. كانت تلعب هناك مع فيليس عندما كانتا طفلتين و كانت السنديانة قرب البحيرة الجافة شجرتهما المفضلة ليتسلقاها, ومن سخرية الأقدار أن المكان هذا هو المختار لوضع المال, في ثقب عادة يكون عشا للعصافير في الربيع. ولم تسمع لورين صوتا سوى حفيف الأوراق, وصوت عصفورين على غصن في شجرة السنديان. ووضعت الرسالة في الثقب, و ابتعدت متسائلة عما إذا كانت هناك عيون تراقبها.
و انتظرت باقي ذلك اليوم وهي قلقة لتسمع رنين الهاتف. واتصل روجر مرتين, ولكنها في المرة الثانية طلبت منه أن لا يتصل وستتصل هي به. قد يضعون رسالة أخرى في صندوق البريد, و لكنهم على ألارجح سيخافون الإقتراب من المنزل. و ذكرته أثناء حديثهما أن يعتذر لأصدقائه لعدم حضورها إلى الحفلة, فقال لها:
-سأجد عذرا مناسبا.. اتذكرين ذلك الوسيم دون رامون الذي كان في حفلة خطوبتنا؟
منتديات ليلاس
ودون أن يترك لها فرصة للجواب تابع ليقول أنه مدعو أيضا لحفلة العشاء الليلة مع بول.
-دون رامون ذاهب إلى الحفلة...؟ لقد توقعت أن يكون قد عاد إلى إسبانيا.
-أوه لا, من أعطاك هذه الفكرة؟ إنه سيمكث هنا شهرا, إنه يمضي جزءا من وقته مع بول و زوجته و الجزء الثاني في فندق سافوي في لندن. إنه هنا ليعقد صفقة عمل كبيرة.
كان من المفترض أن تراه أيضا لولا هذه المأساة.
-إذا ستراه هذه الليلة.
-هذا صحيح, و سأبلغه تحياتك.
-لن تقول شيئا عما حدث يا روجر؟
-تعلمين أنني لن أفعل يا عزيزتي. على كل الأحوال فيما لو لم أستطع الاتصال أقول لك, تصبحين على خير.
و تنهدت لورين. . أفكارها كانت مع الإسباني, في وقت يجب أن تكون مع روجر. و علقت السماعة و فكرها مرتبك من تصرفاته, فقد بدا أنه أصبح بعيدا عنها, ولكن من الأفضل أن تعزو ذلك إلى شعوره بالذنب, فهو قادر على تقديم مال الفدية, وهو يعلم تماما أن لورين تعرف ذلك.
وقالت لنفسها:
-لست أدري, فربما كنت غير منطقية إذ توقعت منه دفع المال لإطلاق سراح فيليس. كم أتمنى لو أنني أستطيع أن انظر إلى الموقف من وجهة نظره.
ودق جرس الهاتف بعد الساعة التاسعة مساء, و سمعت نفس الصوت المتكتم, وكان صوت رجل, و قال:
-رسالتك وصلت. و لكن المال يجب أن يدفع. لقد أعطيناك مهلة أربعة و عشرين ساعة أخرى. فيليس لا تزال سليمة في الوقت الحاضر, و لكن إنقاذ حياتها هو بين يديك...
وتوقف الصوت, و ضغطت لورين السماعة على أذنها و ركزت سمعها كما لو تفعل من قبل في حياتها. و بدأ شخص ما بالهمس حتى قبل أن يتوقف الصوت المتكتم و سمعته لورين يقول خمسة عشر وقال الصوت:
-سنقبل خمسة عشر ألفا. و لكن هذا أقل مبلغ نقبل به.
فقالت له لورين وهي تتكلم بسرعة مضيفة بعض اليأس إلى لهجتها:
-ولكن هذا مستحيل, أرجوك لا تقفل الخط...
وتوقفت وقد لاحظت الصوت الهامس مرة أخرى. هل هو صوت امرأة؟ و بطريقة ما لم تتصور أن امرأة قد تكون متورطة في جريمة كهذه.
-خمسة عشر ألفا, آخر كلمة لدينا. شقيقتك في خطر مميت!
وانقطع الخط, ووقفت لورين وهي تحمل السماعة, وقد ضاقت عيناها, وحاجباها مقطبان وقالت لنفسها:
-ذلك الصوت... متستر... متنكر ذلك واضح.. أتخيل أن امرأة لها يد في هذا الأمر.
ووصل ادوين بعد برهة, و سأل عما استجد. و لدهشة لورين لاحظت أنه غير قادر على ملاقاة نظرتها إليه, و قال غاضبا:
-أين سنجد خمسة عشر ألفا بحق السماء. يا إلهي كم أتمنى لو أنني استطيع فعل شيء. ما هذه الورطة الملعونة!
و توصلت لورين إلى حل.
-سأذهب إلى أحد الممولين, لست أهتم في أن أرهن حياتي لأحصل على المال!
-إلى مقرض مال؟
قال والدها هذا ثم هز رأسه بالموافقة, على الرغم من الاحتقار الذي برز في عينيه, و تابع:
-أجل اذهبي, اول شيء تفعلينه في الصباح.
وصرخ ادوين باضطراب:
-لا... لا تستطيعين فعل هذا يا لورين! لا تستطيعين رهن حياتك هكذا, على كل الأحوال ماذا سيقول روجر حول هذا الأمر؟
-لن أقول له.
وأصبح وجهها مبيضا ومرهقا, ولكن في عينيها الجميلتين تمثل العزم و التصميم.
-سأحصل على حصة من المال عندما أتزوج, سأدفعها كلها من أصل الدين.
و خرج ادوين من الغرفة, و لاحقته نظرات لورين فقال لها:
-سأصنع كوبا من الشاي, أم تفضلين القهوة؟
-الشاي أفضل.
منتديات ليلاس
و في الصباح التالي, اتصلت برئيسها لتقول له إنها لا تزال مريضة, ثم خرجت لزيارة الممول شاهدت دعاية له في صحيفة محلية. وكانت النتيجة سلبية, وما عرفته أن أي ممول سيطلب نوعا من الضمانة. سندات المنزل ولكنها أخبرته أن المنزل ليس ملكا لهم. مجوهرات؟ ولم تهتم حتى بالرد عليه. ولم تشعر أبدا في كل حياتها يمثل هذا الإذلال.
عند عودتها كان والدها نائما, وبينما ارتاحت لعدم اضطرارها لأن تقول له أن ليس هناك إمكانية لاقتراض المال, فمن ناحية أخرى كانت تفضل أن تبلغه و ينتهي الأمر.
و دق جرس الهاتف عند الظهر, والتقطت لورين السماعة, ثم أعطت رقم الهاتف و اسمها. و جاءتها اللكنة الناعمة الصوت و كأنما يأتي من بعيد.
-سنيوريتا.....
هل هي تحلم؟ و شعرت بقلبها يخفق بجنون.
-لورين... أريد أن أراك. هل تتعشين معي هذا المساء؟
وخرجت منها كلمة قصيرة و كأنها تخرج بكل عنفها.
-لا! لا يا سنيور! اذهب عني!
-لم تكوني مع خطيبك مساء الأمس. سنيوريتا. هل افترقتما؟
-بالتأكيد لا...
و قطع كلامها صوت أبيها المنخفض.
-لورين, من المتكلم؟
ولاحظت لونه الممتقع, فوضعت السماعة, و هي تشعر أنها يجب أن تكون مستعدة لإلتقاطه قبل أن يقع. ولم تلاحظ أنها أخطأت الهاتف و انزلقت السماعة على الطاولة.
-إنه رقم غلط, يا عزيزي.
-هذا الصباح, ذلك المقرض للمال؟ هل نجحت في الحصول على المال لإطلاق سراح ابنتي؟
-لا يا أبي. لا يقرضون المال دون ضمان.
-إذا قضي الأمر! فتاتي... ابنتي المحبوبة... قتلت!
وصرخت وهي تمسك به وهو يترنح.
-لا! سنجد طريقة ما, أبي. يا حبيبي أنت مريض جدا!
-سأموت.
-تعالى, سأضعك على الأريكة...
-سيقتلون حبيبتي فيليس!
وبدأ بالصراخ, و خافت أن يضر بنفسه, و طلبت منه مرة أخرى بلهجة لطيفة ومقتنعة أن يدعها تأخذه إلى غرفة الجلوس حيث يستطيع الإستلقاء على الأريكة.
-كل هذا من أجل خمسة عشر ألف جنيه. لقد ذهبت حياة طفلتي.. بكل بساطة لأننا لا نستطيع إيجاد خمسة عشر ألف جنيه لأجل الفدية ! يجب أن يكون هناك شخص يرغب في إقراضنا!
-يجب أن نلجأ إلى البوليس يا حبيبي...
وصرخ و ذراعه تطير في الهواء.
-لا.. لن تفعلي هذا.. لا ..لا!
و بدأ يترنح, و اصطدم بالطاولة ووقع الهاتف على الأرض و تحطم. و ارتعدت و امسكته بقوة, و سحبته إلى الأمام, و أخيرا هدأ قليلا واستطاعت أن تضعه على الأريكة. ثم عادت إلى الردهة و التقطت الهاتف و اتصلب بالطبيب, ورد عليها مساعده و أبلغها أن الطبيب قد خرج في جولته المعتادة على المرضى. فأعطته اسمها و عنوانها و طلبت منه أن يزور والدها في أسرع وقت ممكن.
و أعدت لوالدها شرابا ساخنا, ثم صعدت لتجلب له وسادة ومرت في طريقها بغرفة شقيقتها, وتوقفت. كم تبدو الفرغة فارغة و قاتمة! فليس.. لو حدث لها شيء, تعرف لورين أنها لن تتغلب على المحنة أبدا. و أنها لو لم يخطبها روجر لما حدث لشقيقتها شيء... لا ... لا يجب أن تموت! من الممكن فعل شيء ما! و عادت بالوسادة إلى أبيها و قالت:
-سيحضر الطبيب قريبا.
ولكنه هز رأسه بيأس وقال:
-لا أريده يا لورين, أريد فقط أن أموت!
ودق جرس الباب.
-إنه هنا.. مع أنني لا أعرف كيف استطاع الحضور بهذه السرعة!
ودق جرس الباب مرة أخرى, وركضت نحو الباب لتفتحه.
-أنت!
وتراجعت خطوة إلى الخلف بشكل آلي, مبتعدة عن الرجل الطويل الذي يقف على السلم.
-سنيوريتا...
و تطلع إلى خلفها نحو عتمة الردهة الصغيرة و قال:
-ألن تدعيني إلى الدخول؟
-نعم... لا...! أذهب عني!
و لكنه دخل مستفيدا من الفراغ الذي احدثته أثناء تراجعها إلى الوراء.
-إنك في ورطة رهيبة, سنيوريتا.
-وكيف عرفت بهذا؟
-لدي طرقي لاكتشاف الأشياء. والدك ليس على ما يرام كما اعتقد؟
وقطبت لورين في وجهه باستغراب:
-كيف عرفت؟
-يجب أن تقولي لي عن متاعبك سنيوريتا.
ودون انتظار دعوتها للدخول, ذهب من الردهة إلى غرفة الجلوس, وعندما شاهد والدها قال محنيا رأسه بالتحية:
-سنيور أنا هنا لأقدم لكم المساعدة في محنتكم.
و تطلع السيد واربي بابنته بسرعة قائلا:
-المساعدة ؟ من هذا الرجل؟
وابلغته لورين أنه صديق لبول التقته ليلة حفلة خطوبتها فسألها والدها:
-ولكن كيف علم بمشاكلنا؟
ولم تستطع لورين إلا أن تعترف بأنها لا تعرف. وقال الدون بلهجة غير مبالية قدر ما استطاع:
-اعتقد, انكم بحاجة إلى خمسة عشر ألف جنيه؟
و اصبحت عينا لورين كعيني الساحرة.
-لقد تحدثت مع... مع...
و لكنها صمتت, مقتنعة أن روجر لن يحل بالوعد الذي قطعه بأن يبقى الأمر سرا.
-لم أتحدث مع أي شخص كان. هل استطيع الجلوس سنيوريتا؟
ودون أن تتفوه بكلمة, هزت رأسها بالإيجاب. لقد كانت في شبه غيبوبة... و لكن عبرها شعاع من الضوء جعلها ترغب في الغناء بفرح. و قالت عندما استطاعت في النهاية أن تسترجع صوتها:
-أنا لا أفهم ... أنت... لقد قلت أنك هنا لتقديم المساعدة؟
-صحيح.. اعتقد أن شقيقتك مخطوفة؟ أخبريني سنيوريتا كيف حدث هذا؟
-سأقول لك بالطبع, ولكن قبل كل شيء, سنيور, يجب أن تقول لي كيف لك أن تعرف كل هذا؟
ومد يده باتجاه الردهة وقال:
-لقد فشلت في وضع السماعة في مكانها, إنه قصر نظر قد يؤدي يا عزيزتي غي بعض الأحيان إلى الخطر.
-هل سمعت؟ أجل, لقد فهمت الآن سنيور.
و أراد والدها أن يعلم ما في الأمر و كان صوته عاليا وهو يقول:
-ما الأمر؟ فسروا لي هذا, واحد منكما, في الحال!
ونظر الدون إليه و عبس.
-كل ما تحتاج لمعرفته سنيور أنه لا لزوم لك لتقلق حول ابنتك, فيليس. سيكون مبلغ الفدية الخمسة عشر ألف جنيه متوفرا.
واستدار نحو لورين.
-والآن سنيوريتا, سنتحدث أنت وأنا على انفراد.
ولكن والدها اعترض, قائلا إن بحث أي شيء يعنيه يجب أن يكون في حضوره. وأمام هذه الخطبة السيئة الطبع الصغيرة وقف دون رامون على قدميه بخيلاء, ونفض بقعة خيالية عن سترته النظيفة واستدار إلى لورين وقال بنعومة, ولكن بنبرة كان يقصد إيصالها إلى والدها:
-لقد غيرت رأيي, سنيوريتا, إذا لم نتكلم على انفراد فلن نتكلم أبدا. أتمنى لك يوما طيبا, سنيور, و آمل ان تكتسب المال اللازم لإطلاق سراح ابنتك. سنيوريتا, يسرني أن ترافقيني في طريقي إلى الخارج!