وبما أن جنون قلمي انتهى قبل غياب الشمس, فقد أحببت أن أنزل الجزء طازجا ومن الفرن لكم, أرجو بأن تتلذذوا بقراءته, على أمل اللقاء بكم بجزء جديد غدا
* (( القيد الخامس )) *
بعينان فاحصتان أخذت تنظر نحو انعكاس نفسها على المرآة الشامخة على جدار الحمام
لحقت بعيناها يدها اليمن وهي تلمس ذلك الوجه باهت اللون
كانت تنظر نحوه كأنها ترى وجهها لأول مرة
وفي نفس الوقت, كانت تقلب كلام أختها القادمة من العاصمة في عقلها التائه في دهاليز الصدمة
(( ريم ... حبيبتي .. ليشت سوين بنفسك كذيه؟!! ليش تعاقبين نفسك على خطأ حميد النذل ؟!! حرام عليك حابسه عمرك في الغرفة ولا تأكلين إلا إذا دخلوا الأكل في ثمك بالقوة, والله حرام, شوفي شكلك كيف صار, رحم أهل المساكين إلي خايفين عليك تروحين من بين يديهم, شوفي إلي إنتِ قاعدة تعاقبين نفسك عشانه, عايش حياته ولا كأنه سوى شيء, ما كأنه هو إلي طلقك بدون سبب, ودمر حياتك قبل عرسك بأسبوع, كان يلعب بك بس يا ريم, أصحي كان يلعب بك, أصحي...أصحي... أصحي ))
" أصحي "
هذه الكلمة ظلت يتردد صداها في ثنايا عقلها
أخذ يتقزم صدى هذه الكلمة
أمام فوج تساؤلاتها اللاوعيية
(( وين حميد؟!! مو لازم يكون معايه الحين, يضمني بحب وحنان!!!! وأنا ... ويني ؟!! ( أين أنا ) مو لازم أكون في مكان ثاني!!!! لكن .. لكن حميد مو هني, وأنا ... وأنا في بيت أهلنا ... ليش؟!!! ليش ؟!!! ))
لتعود تلك الصرخة من وراء جبال الصدمة
تهزها بعنف
" أصحــــــــــــــــــــــي "
وهي لا تزال تحدق ببقايا أنثى من على المرآة
هنا
جاءت صفعت الصحو من متاهة الصدمة التي دامت أسبوعا كاملا تدور فيها بدون أن تجد مخرجا
لقد ذبحها حميد
طعنها في قلبها الذي أسكنته فيه
ورحل
دون أن تاهتز له شعرة
لقد تلاعب بها
حتى أسقطها في شراكه
ومن ثم رماها عظما
لا أحد يكترث بها
ويجرؤ على التقرب منها
لقد أنها حياتها وهي في بدايتها
لقد انتهت
انتهت
انتهت
وضعت كلتا يديها على فمها
وعيناها تكادان تخرجان من بيتهما من شدة قوة ضربة الواقع المريرة
التي كطعم الحنظل
الذي تكاد تتذوقه بطرف لسانها
صرختُ الوجع تسري بكل ركن من جسدها
متوجهة نحو فمها
لتعلن بداية التحرر من صدمة الإنكار
وبدأ عزاء القلب الجريح
أو بالأصح
القلب المغدور
الذي مات بطعن الحبيب
أبعدت حاجز يديها عن بوابة الصرخة المتقدة في جوفها
وأطلقتها
لتهز كيانها المحطم
ظلت تصرخ وتصرخ وتصرخ
والدمع يهطل بغزارة من عيناها المكبلة بالحزن
فقد كبتت تلك الدموع كثيرا
وآن لها الآن المجال للخروج للعلن
وتحرير ولو جزء بسيط من وجع الروح المحتضرة
____
دخلت على غرفة أختها
لتجدها منهمكة في التقليب أصابعها على أزرار هاتفها النقال, والحزن يشوه قسمات وجهها
وقالت متسائلة:
- من قاعدة تتصلين؟!!
نظرت نحوها وقد أجفلها صوتها الذي قتل الصمت المحيط بغرفتها, وقالت:
- بسم الله, كم مرة قلت لك اليازيه دقي الباب قبل لا تدخليني؟
لتقول معتذرة والخجل يكسو خديها الذي ينافس الحليب في لونه بالحمرة:
- آسفة, بس لقيت الباب مفتوح.
وأشارت بسبابها الأيمن نحو الباب المشرع.
لتقول هند:
- مو مشكلة ها المرة بعديها, بس حتى لو كان الباب مفتوحة بعد دقي عليه, أوكي.
ليتهلل وجهها بالفرحة على مرور الأزمة على خير, فهي لا تريد أن تغضب أختها, خاصة وهي في حاجة ماسة لخدمة منها, وقال من فورها:
- أزين بدق .. بدق, بس ما قلتِ لي بمن تتصلن؟
ليأتيها الرد على جوابها تنهيدة طويلة
وحزن أكثر يعتصر وجهها
وهي تقول:
- أتصل بريم.
شعرت هي الأخرى بشلل الحزن يسري في عروق وجهها, وهي تقول:
- ما ردت عليك, صح ؟
هزت رأسها بوجع المهزوم
وقالت بمرارة :
- وشكلها ما بترد, لي أسبوع أحاول, بلا فايدة.
ورمت هاتفها على سريرها معلنتا استسلامها
شعرت بأن عليها بأن تواسي أختها
فريم هي الصديقة الوحيدة المقربة لأختها هند
منذ أيام الجامعة
أي أن عمر صداقتهما يمتد لعشر سنوات
أي أنها هي و ريم عشرة عمر
لا يمكن أن تنساها بليلة وضحاها
شرعت اليازية با المشيي نحو أختها
لتجلس بالقرب منها على سريرها
وقالت محاولة بأن تعيدها إلى طريق الأمل من جديد, وتفجر أساريرها:
- حبيبتي هند, خليها فترة شويت ( بعض ) علين تهدأ الأمور, ويندمل جرحها, ترانه توه في بدايته, وأنا متأكدة أنه ريم بعدين بترد عليك, هو الموضوع بس يحتاج شويت ( بعض ) وقت حتى تهدأ النفوس, شويه , فتحملي.
ووضعت يدها على كف أختها
الملقاة بعشوائية على فخدها
لتبتسم هند باقتضاب, وهي تقول بعد أن أطلقت تنهيدة :
- إن شاء الله يكون كلامك صح.
لتسبق كلماتها ابتسامة عريضة من الأمل, وتقول بحماس تريد أن تغرسه في روح أختها المستسلمة:
- إن شاء الله كلاميي بيكون صح, وبترد الأمور مثل قبل وأحسن, بس أنت لا تتضايقين وتتكدرين, ترانه البيت كله بيتضايق ويتكدر, فأنتِ شيطانة ها البيت, بدونك ما نعرف نضحك.
لتنجح اليازي في سرقة ضحكة من هند, التي انفجرت أساريرها
وتقول من بين قهقهاتها:
- أنا الحين شيطانة البيت, عيل أنتِ وش تكونين؟!!
وضربتها ضربتا خفيفة على يدها المغلفة يدها الأخرى
لتقول اليازية :
- أنا وش ( ماذا ) أيي قدامك يا معلمتي؟
أخت هند تحدق بأختها بتفحص
وقد سرت ابتسامة طرفية على فمها
وقالت:
- أيوه فهمت, ما ييني ها الكلام إلا وراه مقابل, يلا يبي من الآخر يا اليازي, وش تردين؟
فتقمصت اليازية دور الكسيرة وهي تقول:
- الله يسامحك دوم ظالمتني.
لتفتح هند عيناها على مصراعيهما
ومن ثم تقول بدهاء يفوق دهاء أختها الصغيرة:
- خلاص عيل, ما دام أنا ظالمتك, الله يسامحني, ويلا وريني عرض كتافك, بنامل لي ساعة علين يأذن المغرب.
وأخذت تربت على ظهرها, وتأمرها بالانصراف:
- يلا .. يلا ...
لترد على أختها والارتباك جلي عليها:
- هاااااااا.. بس . .. لحظة ... كنت أمزح يا هندوه ... ما تعرفيني... مستحيل إنتِ تظلميني, إنت أصلا أقرب أختي لقلبي.
لتبتر هند كلمات أختها بنفاذ الصبر, وتقول:
- بدينا .. بدينا مقدمات, أخلصي يا اليازيه, وش( ماذا ) تبين ( تريدي ) ؟
لتخنق يد أختهها وهي تقول بفجع الحاجة:
- بس ميتين ( مئتين ) بس.
لتسحب يدها من قيد يد أختها
وتقول وقد قطبت حاجبيها:
- ما عطيتك من أسبوعين خمس مية ( مئة ), وين طارن؟!!
لتعود اليازية تنغمس في الارتباك, هي تبتلع رقها, مستنجدة بفكرة تنجيها
ليعود صوت هند يعلو :
- ها .. ما سمعت ردك.
لتقول اليازيه:
- والله بروجكتات ها الجامعة إلي فلسني, والله أنا وش أبا بها الفلوس, تعرفين الحين فترة تسليم ها المشاريع, وحن المسكينات نخلص من هذا يطلع لنا هذا, فلسونا الله يغربلهم, حتى روح شوفي كبتي, حليلي من زمان ما خيطت لي عباية مثل الخلق والناس.
لتنهي جملتها بتنكيس عيناها
لِتستميل عطف أختها
تأففت هند قبل أن تقول:
- تعرفين يا اليازي بأنه الحين آخر الشهر, وأنا كالعادة مفلسة, لهذا روحي لأخوك العزيز, والله حتى عنا بيتخلا.
لحظتها تخلت اليازية عن دور المتمسكنة
وباتت أكثر جدية وهي تقول بوجع:
- كأنك ما تعرفين أخوك حميد, من صار إلي صار, ونحن ما نشوفه, كيف بطلب منه؟ قول لي, كيف؟!!!
بدأ الغضب يمد أصابعه على وجهها
وهي تقول :
- تعرفين ليش يتهرب منا؟ لأنه عارف أنه غلطان, وأجرم بحق ريم المسكينة, وخايف يواجهنا.
ومن ثم, وبدون ساب إنذار وقفت بسرعة البرق, وقد أحتل وجهها الغضب أخيرا, وغرص جمراته في حروفها الناطقة بها:
- إلين هني وبس, سكتناله وايد ( كثيرا), لازم نواجه, ونعرف ليشي طلق ريم, ليشششششش؟!! فأقل شيء لازم يخبرها سبب طلقه لها, فهذا أقل شيء يسويه ( يعمله ) بحقها ها المسكينة.
___
أنقضت على درج مكتبها
وانتشلت صندوقا صغيرا منه
وقالت بثورة موج يصفع الرمال الراكدة:
- هذه الساعة, هديته لي يوم الملكة, ما أريدهـــــــــــــــــــــــــــــا.
ورمتها بكل ما أوتيت من قوة نحو الأرض المسكينة التي بدأ عذابها لتُ
ثم وهي في قمة غضبها الجارف
سقطت عيناها على ضحية جدية تنام بهدوء وسكينة على ظهر سريرها
فهجمت عليه بدون تأخير
وباغتته بيدها الماسكة له
وألقت به إلى مثواه الأخير
وقالت صارخة:
- وهذا بعد البلاك بري إلي هداني إياه عشان أكلمه, ما أريده ... أريده ..
لم تنبس بحرف واحد
ولم تبدر منها أي فعل
فأخيرا
فجرت أختها ذلك الغضب
التي ضلت أسبوعا كاملا
تكتمه وتقيده بداخلها
لهذا آثرت الصمت والسكون
ولعب دور المتفرج
واقتناص الفرصة المناسبة للتدخل
لم تركد ريم بعد
فالغضب لازال يقودها إلى جنون الانتقام
ولو كان ضحيت هذا الانتقام جمادات لا حول لهن ولا قوة
لكنهن يمثلنه بنسبة لها
والموت هو أنسب حكم في حقهن
صوبت سهام عيناها نحو خزانة ملابسها
وبخطى واسعة اتجهت نحوه
وفتحته على مصراعيه
ليكشف عن ثوب ناصع البياض
يبهر الناظرين له
بجمال تصميمه
ويسر من تقع عيناه عليه
فهو مثل للفرح والبهجة
ليس كما تراه الآن ريم بعينان يتقد فيهما الكراهة
فأمسكت به
وخنقته بين أناملها
وقالت بصوت لم يتحرر من نبرة الغضب المتأجج:
- وهذا بعد, ما له مكان في حياتي, بقطعه, مثل ما قطع قلبي حميد, بقطعه.. بقطعه, وين المقص؟ وين المقص؟
نظرت ناحية أختها الواقفة بدون حراك في وسط غرفة الإعدام
وعاودت سؤالها:
- رحمة ... وين المقص؟ يبي ( أحظري ) لي المقص؟ .. لازم أقتله .. لازم ... لازم.
بنات بوادر الدمع على عيناها التين تأبيان سكبهما
تنهدت رحمة بروح الوجع التي تخنقها عبرة الألم على حال أختها الصغرى
لكن رغم ذلك تمالكت نفسها
فالانهيار لن يساعد أختها
بل سوف زيد وجعها
فذهبت حيث لمحت المقص شامخا بكل كبرياء في كأس مملوء بكومة أقلام على مكتب ريم
وتقدمت نحو ريم وهي محملة بالمقص
أو بأداة الإعدام
وناولته أختها
المتقدة بنيران الغضب المتغذية على حطب الكراهية التي زودها بها قتل قلبها
ما إن أخذته من يد أختها
حتى شرعت بقص الفستان المسكين
الراضخ بكل طواعية لحكمة الجائر
ضلت تقص
وتقص
وتقص
حتى خارت قواها
و
نفثت جزء بسيط من كأس غضبها الناضح بالكراهية
وانهارت على الأرض جاثية
فدموعها المثقلة بالأحزان
زادت من وزن وجعها
فهوت بضعف قد دب في أوصالها
بعد جرف غضب لم تعشه من قبل
عصف بها وهي غضت
فما قوى جسدها عليه أكثر من ذلك
فاستسلمت لدمعها الذي لم يتركها لحالها
والذي آثر على الخروج
بدون إذن منها
هنا
حان وقت التدخل
حسب ضن أختها
التي من فورها
جثت بالقرب من أختها المنهارة
وأحاطتها بذراعيها
وقالت بحنو الأخت الكبيرة:
- أبكي... ولا تخلي شيء في داخلك ... أبكي يا ريم أبكي ..
وضمتها أكثر إلى صدرها
كأن كلمات أختها كانت بمثابة إذن الموافقة لعيناها بإفراز المزيد من الدموع المكبوتة
وضعت رأسها على كتف أختها بخنوع المستسلم لدموعه
وقالت بين شهقاتها الباكية:
- أكرهه يا رحمة, أكرهه, ليش يسوي ( يعمل ) بي كذيه ( هكذا ) ليش؟!! ليش ؟!! وش سويت به عشان يعاقبني ها العقاب؟!!! جاوبيني رحمة, ريحيني وجاوبيني, أرجوك, جاوبيني.
وأمسكت بثوب أختها
لتترجم بمسكتها هذه رجاءها
وتطلعها لجواب يهدأ نفسها الحائرة الضائعة بدون جواب يشفيها
ويضع حد لتساؤلاته التي لا تنتهي
وضعت رحمة ذقنها على رأس أختها المتوسد كتفها
وقالت بصوت نقيض للدمع المسكوب بداخلها :
- إنتِ ما سويت شيء له, ما سويت إلا كل شيء زين, هو الغلطان , هو السبب لأنه تخلا عن جوهرة مثلك, حبيبتي ريم, لا تعورين قلبك على واحد مثله, ما يستاهلكِ.
لتغرس ريم نفسها أكثر في حضن أختها المستقبلة لها بكل رحابة صدر
فلم يعد للكلمات وجود
في حضور الدمع المهيب
____
دخلت الصالة, ونيران الغضب تقدح من عيناها
وزجرت أخوتها
المنغمسين باللعب
والذين لا يعون ما يصير من حولهم
ولم يستشعروا بالموج الهائج الذي يريد أن ينقض عليهم
فزجرتهم قائلة:
- هي أنتم, صدعتوبي ( أزعجتماني) ترانكم بهذا البليس تشين, ما خليتون ( جعلتموني) أعرف أنام.
ليتصدى لرد عليها المدعو حمدان بقوله ببرود ينافس الثلج به:
- والله يا فطوم عندك غرفة وعندك باب, سكري على نفسك الباب, وما بتسمعينا.
ليثرها رده الهادئ وترد عليها بغضب أكبر:
- هي أنت جب ( اصمت ) تراني لا يك أعطيك كف الحين, ويلا بندو ( أغلقوا ) ها الزبالة الحين, يلا.
ليتكفل الأخرى لتصد لرد عليها هذه المرة
,وهو المدعى بحامد:
- تبين تستخدمين أسلوب التهديد, طيب, أنا وحمدان بعد بانستخدمه معاك, الحين بروح ليدوه ( جدتي ) وبقولها إنك ما تخلينا نلعب, وإنك أنت يوم تصدعينا بالأغاني ما نقول شيء.
وابتسم ابتسامة نصر
وينظر إلى أخيه الجالس بجواره
ويمده بتلك الابتسامة
ومن ثم عاد كلهما ينظران نحوها والبسمة لم تتركهما
فضخم فعلهما هذا من حنقها
فصرخت:
- أووووووووووووووووووووووووف, ما يكفيني واحد منك, ما أرد على واحد, إلا نقز ( قفز ) عليه الثاني بلسان أطول عن الأول, أفففففففف , تكفين والله نسخة وحده منك, تكفيني...
وقبل أن تكمل كلامها
على صوت جرس الباب
ليعلن عن قدوم ضيف
ليسابق حمدان بقوله:
- يلا فطوم, روحي فتحي الباب, يلا بسرعة.
لتلقي عليه نظرت تعجب, ما لبثت أن تحولت إلى شرر:
- وش قتل حضرتك, روح أنت أفتح الباب, مو أنت رجال البيت مثل ما تقول؟
ليرد عليها الآخر مدافعا كعادته:
- وبما أنه ريال البيت, فمو لازم يفتح الباب, أنتِ الحريم لازم تسونه الشيء, يلا بلا تأخير الناس ينتظرون بره, يلا بسرعة روحي.
بدأت تحك أسنانها ببعضهما البعض
وهي تحاول أن تتمالك أعصابها المنفجرة بداخلها منهما
وأخذت تقول من وراء أسنانها:
- طيب يا حمدان وحامد, خلوني ( أجعلوني ) بس أشوف من بره, ويذلف ( ويذهب) وبعدين بوريكم دواكم ( عقابكم الذي تستحقونه ).
ابتسما عليها باستهزاء
وعاودا الانهماك في اللعب بدون اكتراث لتهديدها
طوال طريقها نحو الباب الرئيسي
كانت تسب وتشتم أخويها الذين لا يعطيانها أي قيمة
ودائما يتجاهلان كلامها
كأنهما هما الأكبر سنا منها
أخيرا وصلت الباب الأسود المعدني
وقالت وسألت بصوت جهوري:
- من في الباب؟
ليرد عليها ثقيل الوزن والطبائع:
- هذا أنا أبو أحمد, صالح, من يكلمني؟
لتتأفف فاطمة بضيق, وتقول بينها وبين نفسها:
(( هذا إلي ناقص, عشان اليوم يكمل, كيف بفتك ( أتخلص ) منه هذا الحين ؟!! ))
ليعود صوته البغيض يسم أذنيها:
- ها .. ما جاوبةِ من معايه, لا يكون عروسنا؟!!
ودوت ضحكته من وراء حاجز الباب
جحظت عينها عندما تسلل سؤاله الأخير إلى طبلتي أذنيها
وقالت والدهشة المحاطة بأسوار الاستغراب تتكفل برسم تعابير وجهها:
- عروسنا ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
_____
بظلمة طوقت بعباءتها المكان
وبهدوء ينذر بريح هوجاء
دخل غرفته ليبعث بعض خيوط الضوء التواقة لقتل الظلمة في غرفة
كان منهك القوة
بالكاد يقوى على المشي
فدورانه بدون هدى هربا من أعيون أمه وأخواته المستنكرات بفعله في شوارع المدينة الغناء
أرهقه
دخل وهو يريد أن يغلق أجفانه لساعات طوال
ويعيد الحلوية لجسده المتهالك من شدة التعب
والمرض الذي لا يرحم
ما إن خطى أول خطوة نحو سريره الوفير
حتى هج على عيناه الناعسات
حشود الضوء
المنبثقة من لمبة غرفته المتدلية من السقف
وضع أصابعه بردت فعل لا أراديه على عيناه التين لم تتوقعا هذا الهجوم المباغت لضوء
لكن هذا لم يكون الهجوم الأخير
بل جاءه هجم أشد وأمر منه
يغرس في طبلتي أذنيه:
- وأخيرا شرفت, إذا ما جيت أحسن.
أبعد أصابعه ببطء عن عيناه
لينكشف من وراء ستارها
أخته
واقفة
تنظر إليه بغضب يلهب عيناه أكثر من الضوء
فأبعد عيناه التين انصهرتا من نظراتها النارية نحو الأرض
وقال بصوت واهي, مسلوب القوى:
- كيف تدخلين غرفتي بدون أذني؟
حدقت به بتعجب شد محياها
وقالت:
- من متى أنت كنت تطلب منا نستأذن عشان ندخل غرفتك, أنت دايما كنت تقول غرفتي مفتوحة لكم في أي وقت.
وأكملت قائلة وقد شكلت ابتسامة ساخرة:
- وألا هذا كلام كنت تضحك علينا به, مثل ما ضحكت على ريم؟ والله كل شي جائز منك ها الأيام.
وعادت تضربه بسياط عيناها
نظر نحوها بطرف عيناه
ومن ثم طأطأ رأسه
وهو يحاول تمالك نفسه المحطمة
الراجية له بأن يقول الحقيقة
ويرحها
لكن
لم يصغي لها
كتم صوتها بقول, وهو يعاود النظر نحو أخته
بصقيع يجمد وجهه
وقال:
- والله هذا مو من شأنك, يلا أطلع, أنا تعبان وأريد أنام.
وأومأ لها برحيل
هنا لم تعد تتمالك نفسها أكثر
فالغضب بات يزلزل داخلها بعنف
ويحطم كل المشاعر الجميلة التي تكونها نحو أخيها
فهبت نحوه كعاصفة هوجاء
وقالت بصوت هز من في الغرفة :
- أنت وش فيك؟ وش غيرك؟ قبل أسبوع ما كانت كذيه, قولي وش غيرك, وخلاك تصير ها الشخص الوسخ الأناني (وأخذت تحدق به باشمئزاز وهي مسترسلة في حديثها) إلي ما يفكر إلا بنفسه بس؟
نظراتها كلماتها كانت بمثابة الضربة القاضية التي أودت بحياة قلبه
ضل ينظر نحوها بدون أن ينطق بحر ولا يفعل شيئا
فالوجع فاض من داخله
لم يعد جسده يتحمل
كمياته الكثيرة
التي لا تفتأ
تجيء
بدون توقف
أما هي فلم تخرج ما في جعبتها بعد
فعاد تصرخ به:
- أزين لا تجاوبني أنا, جاوب ذيك ( تلك ) المسكينة ريم, إلي ما سوت لك إلا كل خير, وأنت بكل بساطة تي لها قبل كمن يوم عن العرس وتقول لها أنتِ طالق, طب ليششششششششش, ليشششششششششش؟!! أنا لو كنت مكانها, ما بهتم بطلاق, بهتم بسبب الطلاق, بيقتلن القهر والحسرة لأني ما عرفت الجواب عن هالسؤال, خاصة إني ما أسأت لها الشخص, وأنا متأكدة بأن ها الشيء إلي يصير الحين لريم.
صمتت لبرهة فصوتها بدأ يبهت لون غضبه
أمام تحاشد دموعها في عيناها
لا رد شافي منه
فالكلمات خذلته
واللسان استسلم لمرارة الألم
والجسد هلك من طعنات المحب لهم
قبل أن يهلكه الخبيث
صمته جلجل الغضب فيها
فغرست أصابع يديها في قبة ( كندورته ) وصرخت به والدمع يسبق كلماتها القاضية عليه:
- ليش؟!! رد .. ليش ساكت ؟!! ريح الريم قبل لا ترحني أنا وأمي واليازية والعنود, ريح ذك المسكينة إلي ما تكن لك إلا كل حب, ريحها وريحنا, أرجوك ..أرجوك ...يا حميد , ريحها...ريح...
وخارت قوى الغضب
فقد كنت حرقة الحزن أقوى منها
وسيول الدمع أجرف منها
فهوت برأسها في صدره
وحررت ( كندورته ) من سيوف أصابعها
لكن لم تتركه لحالة
فهي تريد أن تعاقبه كما يعاقبهن على ذنب لم يرتكبنه
فأطلقت عليه
سلسلة ضربات بكلتا قبضتي يديها
وهي تكرر بنبرة شوهها البكاء:
- ليش .. قولي .. ليش ؟؟؟ ليششششششش ...ليششششش؟!!
لم يتخيل يوما
بأنه سوف يكون الجزار الذي يذبح من يحب
كان دوما اليد الحنون
والصدر الآمن
الذي يضمهم وبقوة
حيث يسكنون في قلبه
إحساسه الآن لم يعد يوصف بالوجع أو الألم أو حتى الحزن..
كلا
هو أكبر من ذلك بكثيـــــــــــــــــــــــــــــــر
رفع يده
فغريزة الأخوة تدفعه لضمها
والتخفيف من حزنها
فهو لا يقوى على رؤية أخته هند والدمع يحرق عيناها ويصهر جلد وجنتيها..
لكن يده تجمدت بين السماء والأرض
ولم تصل لوجهتها
وهو يستجيب لخاطرة مرة على باله
" فوجع الكراهية أخف بكثير من وجع الفراق"
فعصر عييناه
وعض على شفته السفلى
ليمتص ذلك الشيء الذي يسري في جميع خلاياه
والذي لا يوجد كلمة في القاموس
تصفه
ومن ثم
غير وجهت يده
ودفع بها بعيدا عنه
وصرخ بها بصوت هزه قبل أن يهز أخته:
- بس خلاص, لا أنتِ ولا أحد له دخل بي, أنا حر, أعيش حياتي مثل ما أريد, وعشان أريحكم وأرتاح منك, ها أنا بأهج ( أرحل ) من ها البيت النكد, إلي ما فيه حرية.
وبالفعل هم بتنفيذ ما نطق به لسانه
بدون تفكير منه
فجسده هذه الأيام بات تحت رحمة شخص آخر
يتحكم به كيف يشاء
رغما عنه
أما هند
فالصدمة لردت فعل أخيها أجفلتها
و جعلتها لا تعي ما الذي يصير من حولها
فما كان منها إلا النظر إليه بعينان مشرعتان أبوابها على مصراعيهما
_____
عندما أصبح خارج جدران منزله
نظر إلى خلفه حيث الباب قد أغلق
فشعر بصاعقة تضرب رأسه
وتوعيه لفعله
فق كانت مقودا في الدقائق الماضية
سأل نفسه وقد باتت أنفاسه تهرب من حواجز رئتيه:
- وش سويت؟!!!
وجه بصره على الذي يثقل يده اليمنى
ليجد حقبة الرحيل تقيدها بأثقالها
لقد فعلها
لقد خطى الخطوة التي كان يحيد عنها طوال الأيام الماضية
بدون أن يهيئ نفسه
ولا حتى
ولا حتى يودع أحبته
رفع رأسه نحو السماء المتزينة بملك الألوان
والمرصعة بلآلئ
وناج خالقه بخشوع قلب مضرج بالأحزان:
- يارب أعني, يا رب.
انزل بصره نحو الباب المانع لدخوله
والذي في العادة يفتح أبوابه مرحبا به
أما الليلة
يغلق
مانعا له لدخول
فهو بات شخصا غير مرحب به في هذا البيت
وقال بأنين يدمي القلب:
- وحميهم يا رب, أرجوك أحميهم يا رب.
وخطى بتثاقل الجريح نحو الصفحة الجديدة والأخيرة في سيرة حياته ...
_______
كانت تسير يمنتا ويسارا
والضيق ينحت تجاعيد وجهها, فيزيد من عمرها أعواما أخرى
كانت ينظر إليها والحيرة تخرم رأسه
ولما وجد أن صبره طال
قرر إنهاء عذابه
وسؤالها:
- وش فيك يا حرمة تتحرقصين كذيه؟!! دوختيني ( أصبتني بدوار ) وأنت تروحين( تذهبين ) يمين ويسار لك ربع ساعة.
نظرت جهته وقد أختل وجهها معالم الدهشة, وقالت بصوت لا يقل عن ما يكسو وجهها:
- تسألني بكل برود وش صار؟!! كأنك ما سمعت كلام أبو عمر؟!!!
هز رأسه وهو قد أدرك سبب ضيقها
ومن ثم قال مبتسما:
- عشان هذا السبب قاعد لك ربع ساعة تدورين مثل المينونة ( المجنونة ), الريال وش قال؟ قل الكلام الصحيح, وإلي إذا ما يي اليوم وقاله لي, أنا كنت بروح بنفسي وأقوله محمد ما يستاهل بنتك.
بعينان ضيقتان قالت, وهي تعصر يديها من الغضب القابع بداخلها:
- تعرف مرات تقهرني بتصرفاتك, وش هالكلام؟!! كأنه محمد مو ولدك من لحمك ودمك!!!
قلب فنجان القهوة الساكن بين أنامله
ومن ثم رد عليها بعد أن ارتشف رشفة منه
ورفع مزاجه به:
- والله للأسف هو ولدي, ولو كان بيدي لتبريت منه, بس ما أقدر, حرام.
وعاد يشرب المزيد من القهوة
غير آبه بالغضب الذي أشعله في جوف زوجته
قبل أن تنفث نار الغضب من حلقها نحوه
سابقها بقوله, وهو يمسك بركبته الممتدة أمامه, والمتوسدة الأرضية:
- خليك يا صبحة من ولدك ومن مشاكله إلي ما تخلص, وتعالي همزي ( دلكي ) لي ركبتي, اليوم من قمت من النوم وهي تعورني.
أخذت تضرب كفيها بقلة حيلة, وقالت:
- تعرف أنت ما ينفع فيك الكلام, الأحسن أروح ( أذهب ) لذك المسكين, إلي ما يدري وش سوى به ها الأبو عمر.
وهبت في المسير
لينادي عليها بصوت عالي:
- وركبتي من بيهمزها؟!!!
لكن لا جواب يرد على صدى صوته
فتبسم ضاحكا وقال:
- خلي ها الخديه ينفعك, رايحه تراكضين له, وهو مو معبرنك, ولا سائل عنك حتى.
وعاد يبل ريقه بآخر قطرة من جوف فنجان القهوة
______
أقبلت عليها تحيها بالأنف قبل الكلمات
ومن ثم قالت وابتسامة تشرق من شفاهها المندسة خلف حجاب البرقع:
- أش حالك ( كيف حالك ) شمسة؟ وأخبار مريوم ؟
لترد عليها بابتسامة نادرا ما تعانق شفاهها المكبلة بالأحزان, وتتبعها بكلماتها:
- كلنا بخير الحمد لله, أش حالكم أنتِ عمتي وعمي والعيال؟!!
قالتها وشوق الأمومة ينسج محياها
لترد عليها بعيون باسمة:
- يسرك الحال, كلنا بخير وسهاله, نسأل عنكم بس.
لتعود تسألها بشغف لرؤية أولادها الذي طال بعدها عنهم:
- ما يبت العيال عندك عمتي؟
لترد وقد مسحت من عيناها البسمة وهي تشعر بأنها سوف تخيب أمل شمسة التواقة لرؤية أبناؤها:
- لا والله, تعرفين ما أقدر أخلي ( أترك ) عمك لوحده, وألا هم حليلهم كانوا يريدون ييون ( يأتون ) معايه عشان يشوفونك إنتِ ومريم.
لمحت نظرت الخيبة في عيون شمسة
فحاولت أن تمسحها عن عيناها بقولها:
- لكن إن شاء الله المرة اليايه بدبر أحد يقعد عند عمك, وأبيبهم ( وأحضرهم ), بس إنت لا تتضايقين.
وأخت تمسح على كتف شمسه
التي غلفت يد عمتها التي خلفت السنون عليها علاماتها
وقالت وهي تغتصب طيف ابتسامة على شفتيها :
- إن شاء الله, يلا تفضل عمتي, قربي استريحي.
وأشارت لها برأسها بالجلوس.
لتعود البسمة من جديد تطبع على عيناها المحاطتان بخيوط العمر, قالت:
- قبل لا أقعد وين مريوم, أبا أشوفها, اشتقتُ لها وايد.
وأخذت تقلب الغرفة الطاغي عليها البياض بعينيها بحثاً عن مريم
لتخط شمسة ابتسامة لم تدم في ثنايا شفاهها المتشققة
ومن ثم قالت:
- لا تتعبين عمرك عمتي بتدوير ( بالبحث ) مريم في الحمام تتسبح ( تستحم ), ما طاعتني ( ما وافقت ) أسبحها, تقول أنها كبيرة الحين, كل ما أحول أشوفها تصرخ في ويهي وتقول أطلعي, أنا أعرف أتسبح لعمري ( بنفسي ).
فابتسمت ضحاكة وهي تعيد شريط وجه مريم الغاضب في خلدها
ولتضحك أيضا عمتها لفعل حفيدتها, وتردف قائلة:
- تقولك كبرت ها, ها الشيطانة عليها حركات.
ومن ثم ما دلفت أن قالت وقد فرغت من قهقهاتها
- على العموم يوم مريم في الحمام, فأعتقد هذا أنسب وقت أقولك الخبر المهم إلي عندي, وإلي أهو السبب الثاني لييتي ( لحضوري ).
قوست شمسه حاجبيها السميكان للأعلى وهي تقول والعجب لغة لكلماتها:
- خير وش هناك يا عمتي؟!!
+++ يتبع غدا +++
للي حاب يحرك مخه معايه
ويختبر ذكاءه
فا ليشاركني بتوقعاته للجزء القادم
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
في شوق لقراءة توقعاتكم