بعد دقائق , وبينما كانت المرأتان تنزلان السلم الخشبي , تقدم الرجل لملاقاتهما وركز على هيلين عينين زرقاوين:
" آنسة كاربنتر , بيل أنز".
وصافحها بيدين ضخمتين يغطيهما شعر كثيف , ثم أستدار الى مارشا.
" هل نوصلك الى البيت؟".
" كم أنت لطيف يا بيل, شكرا , سأحضر حقائبي".
وبينما كانت تستدير لتذهب , نظر بيل الى هيلين وغمز بعينيه:
" سنخلصك من هذه الحرارة قريبا , أختي حضّرت لنا العشاء , ستأتين الى بيتنا , طبعا".
كان متحمسا جدا فأبتسمت له هيلين.
" شكرا يا سيد أنز , لطفا منك أن تأتي لملاقاتي".
" لا تسمني السيد أنز , أنا بيل وأنت هيلين , لا رسميات على هذه الجزيرة , أرجوك , أنه أقل ما يمكنني فعله , فأنت غريبة هنا كما وأن جيك........".
وتوقف بيل عن الكلام فجأة لأن مارشا وصلت تلك اللحظة , تساءلت هيلين في نفسها عما كان يريد قوله , لكنها لم تتمكن من التفكير بوضوح فالحرارة كانت لا تطاق لدرجة لدرجة أحست معها وكأن ثوبها الأبيض الخفيف مصنوع من الفرو السميك , أحست هيلين بالأرض الرملية تهتز وتتراقص تحت أقدامها وهم في الطريق الى سيارة اللاندوفر المتوقفة خلف السقيفة يتبعهم الصبي الأسود حاملا الحقائب , السماء كانت شديدة الزرقة بلمعان معدني غريب قطعته فراشة وأندفعت في الهواء وأخذت تدور في ألق ذهبي وأحمر.
منتديات ليلاس
تنفست هيلين بعمق وقالت:
" لم أتصور أبدا شيئا كهذا , أنه مكان جميل.....".
" لكنك ما رأيت شيئا بعد , أنتظري لتري الجزيرة بكاملها , عندها ستقولين ما أجملها بحق".
بيل فخور بجزيرة الشمس : رأت هيلين ذلك بوضوح , كما رأته مارشا , التي تطلعت الى هيلين وأبتسمت.
صعدوا الى اللاندروفر وأنطلقوا على طريق وعرة , خلفهم بدا المسافرون الآخرون وكأنهم نقطة صغيرة تبتعد شيئا فشيئا والى جانبهم على الطريق أندفعت سيارة أجرة كبيرة وقديمة بشكل واضح.
أذن هذا هو المكان , هنا عاش الرجل الذي ما عرفته هيلين , وما عرفت عنه شيئا , هنا عاش تسعة عشر عاما , فكّرت هيلين بأمتعاض وربما بحزن بأمها التي تقضي عطلتها الآن في برمودا , هيلينا كار الممثلة المشهورة عالميا , والتي تزوجت عدة مرات , ولسبب لا يعرفه غيرها , أخبرت هيلين أن والدها ميت , هيلينا التي تقضي الآن شهر عسل مع زوجها الخامس , الآخر على اللائحة , لا تعرف أين هي أبنتها في هذا الوقت , وربما هي لا تهتم , أنها متألقة وجميلة , لا تعترف بأن عمرها أكثر من واحد وثلاثين عاما , وتتحاشى أن يعرف أحد أن لها بنتا عمرها عشرون سنة لذلك نادرا ما أجتمعتا.
تطلعت هيلين بسرعة من النافذة , أنقبض وجهها وأحست أنها من دون معين , عندما كانت طفلة حصلت هيلين على كل ما يتمناه الأطفال , عدا الشيء الوحيد المهم , بل ربما الأهم من كل الأشياء الأخرى في الحياة: الحب , الأجازات التي كانت تأخذها من المدارس الداخلية المترفة كانت تقضيها كلها مع الأقرباء , ( لأن أمها مشغولة كثيرا) , بلعت هيلين ريقها بصعوبة , الخال فيليب هو من أحبته أكثر من الجميع , أستدارت الى بيل متذكرة قائلة:
" يجب أن أرسل برقية الى أحد الأقرباء".
" سنتوقف عند مكتب البريد , لن يأخذ الأمر أكثر من دقيقة".
كانت الأشجار كثيفة على جانبي الطريق الأصفر المغبر , لم تمر بهم أية سيارة غير سيارة الأجرة القديمة , وصبي على دراجته يتبعه كلب يسيران بتراخ شديد , هناك رقعة برتقالية اللون جذبت أنتباه هيلين , فتطلعت لترى شجيرات صغيرة ذات ورق قاتم كثيف تحمل ثمر البرتقال , برتقال! هذه أول مرة ترى فيها البرتقال على الشجر , من قبل رأته فقط ملفوفا بالورق مصفوفا في دكان البقالة , فجأة توضحت الأشياء في عيني هيلين , أنها حقا هنا , على هذه الجزيرة الأستوائية قرب الشاطىء البرازيلي , بعيدة آلاف الأميال عن بيتها , بيتها! هل عرفت بيتا في حياتها ؟ هل سيكون لها بيت يوما ما ؟ بيت تذهب اليه لتجد فيه من يحبها وينتظر عودتها؟ من أين لها أن تعرف! طبعا كان الخال فيليب دائما يرحب بها عندما يكون دوره في أستقبالها , الخال فيليب شقيق أمها الأكبر , كم كان محبا! عكس أخته , وكم قضت معه هيلين أوقاتا سعيدة , ومنذ أن كبرت وهي تلتجىء اليه للنصح لا لأنها التي ما عرفتها جيدا .
" ها هو بيتك يا مارشا , جاهزة؟".
" نعم ,شكرا يا بيل , ما رأيك في النزول لتناول بعض الشراب؟".
" لا , شكرا , من الأفضل أن لا نتوقف , هانا تنتظرنا وقد حضّرت العشاء , وأنت تعرفين....".
فقالت مارشا ضاحكة:
" أعرف".
وبدأت اللاندروفر تبطىء وسط تلك الأشجار , ثم توقفت كليا مما أتاح لهيلين أن تلقي نظرة سريعة على البناء الأبيض المنخفض بكل تلك الخضرة." هل هناك بيوت أخرى؟".
سألت هيلين مندهشة:
" بضع عشرات , لكن عليك أولا أن تجدي طريقك وسط الأشجار لتصلي أليها".
أجابها بيل:
" مع السلامة , مارشا ".
" مع السلامة , شكرا لتوصيلي , أنا سعيدة بمعرفتك يا هيلين , أرجو أن تقومي بزيارتي قريبا".
" شكرا , سأفعل".