فهمت هيلين وقررت أن تحاول رؤية ذلك الرجل الذي سبّب كل هذا الهرج بين العارضات , أنتظرت حتى جاء دورها ثم أخذت نفسا عميقا , رفعت ذقنها الى أعلى , وأبتسمت الأبتسامة الضرورية عند العرض , وبدأت مشيتها الأنيقة المتعالية بين مقاعد المتفرجين.منتديات ليلاس
سمعت هيلين المعلن يقول:
" هيلين تلبس أحد أجمل...".
ولم تأبه لبقية الكلام , فالعارضة تنتظر سماع أسمها فقط , كانت قد بدأت تقترب من الوسط.... بضعة خطوات أنيقة, وقفة في الوسط مع حركة مثيرة ونظرة متعالية , ثم السير في الممر الطويل وهمسات الأعجاب تتعالى , بالطبع هيلين معتادة على كل ذلك , تجيب عليه بأبتسامة دافئة , مدروسة , لا تعني شيئا , فقط تمرّن على تحريك عضلات الوجه , وبدأت بالعودة , في اللحظة التي أستدارت بها حاولت أن تحوي الصالة كلها بلمحة سريعة , وكادت تهوي الى الأرض , غير معقول! مستحيل! الرجل هو جيك لوغان.
كيف عادت هيلين الى غرفة الثياب , ماذا فعلت بعد ذلك , لم تكن تعي شيئا مما حصل .
رأت المسؤولة , الآنسة وجه هيلين الشاحب , فقالت :
" أجلسي يا عزيزتي , هل بك شيء؟".
وسكبت لها بعض الماء لتشرب.
" شعرت بالدوار , هذا كل شيء دقيقة واحدة وأكون بخير".
ترى هل تخيّلت ذلك؟ لكن الفتيات رأينه وتهامسن عنه! وهي رأته بوضوح شديد , كان يلبس بذة فاتحة اللون وقميصا أبيض يظهر لونه البرونزي , أنه رائع خصوصا هنا في جو لندن الضبابي , ما كان أجمله , السيكار في يده , وعيناه على المسرح.
لكن غريب! لميظهر عليه أنه عرف هيلين , وأخذ توترها يشتد وهي تلبس ثوبا رماديا من الحرير البارد وتعود الى الصالة , كم تمنت لو تأخذ عارضة أخرى مكانها لكن العدد المحدود لم يكن يسمح بذلك , في الصالة لم تستطع هيلين مقاومة رغبتها في التطلع بأتجاه جيك , كان المقعد خاليا , جيك لوغان قد ذهب , فقط دخان سيكاره ورائحته كأنما ليقولا لهيلين أن الأمر لم يكن حلما.
لحظة أنتهاء العرض , حملت هيلين حقيبتها وخرجت مسرعة غير مبالية بنظرات التعجب على وجوه زميلاتها , كانت تقصد مكتب خالها فيليب في الطابق الأعلى , أنه الوحيد الذي تستطيع التكلم اليه الآن.
سكرتيرة الخال فيليب , أمرأة في أواسط عمرها لم تفقد الأمل بعد في أن يطلب الخال فيليب يدها للزواج ,حاولت منع هيلين من الدخول قائلة أنه مشغول , لم تعرها هيلين أي أهتمام وأندفعت الى داخل المكتب دون أن تقرع الباب.
جيك لوغان كان يجلس في الكرسي الكبير المريح يشعل السيكار للخال فيليب بكل راحة , لحظة دخول هيلين تطلع الأثنان بأتجاهها ثم وقفا , الكثير الذي كان لدى هيلين لتقوله أختفى , ولم تعد تقوى على الكلام.
أقترب منها الخال فيليب بأهتمام :
" هيلين كنت أريد....".
لكن هيلين لم تكن تستمع له , أستدارت الى جيك مستفسرة :
" ماذا تفعل هنا؟".
أقترب جيك , وقال بهدوء:
" جئت لأراك , هل نستطيع الذهاب الى أي مكان لنتحدث؟".
" لا".
ورفعت ذقنها الى أعلى بكبرياء .
" ليس هناك ما نتحدث عنه".
ثن قالت موجهة الحديث الى خالها:
" آسفة لدخولي عليك هكذا وبدون أستئذان , لم أكن أعرف أنك مشغول , سأذهب الى البيت الآن....".
جيك أقترب منها وأمسك ذراعها بلطف لكن بحزم:
" لا , لن تذهبي ألا أذا ذهبت أنا معك".
أعماها الخوف والغضب :
" خال فيليب , هل ستترك هذا الرجل......".
" أظن عليك الأستماع الى ما لديه , فالرجل قطع آلاف الأميال ليأتي ويراك , ألا تظنين.....؟".
عرفت هيلين أنها لن تلقى المساعدة هنا , سحبت ذراعها من يد لوغان:
" أخبرتك من قبل , لا أحب أن تلمسني".
تنفست بصعوبة :
" وأنا أعني ما أقول".
كانت عيناها تلمعان غضبا , وكانت أجمل من أي وقت مضى , كان ذلك واضحا في عيني جيك ونظراته المليئة , لكن هيلين لم تر شيئا من ذلك , بل أندفعت خارجة من المكتب , في طريقها الى الخارج سمعت بضع كلمات وججها خالها الى ضيفه:
" أتركها الآن يا جيك...".
كانت هيلين مستلقية على سريرها في بيت الخال فيليب , عندما عاد لها رجع كلمات خالها الأخيرة , ناداه جيك... جيك فقط بدون كلفة وكأنه يعرفه جيدا , وأنتفضت جالسة , أنها لا تفهم شيئا مما يدور حولها , ثم ماذا يفعل جيك لوغان هنا , في لندن؟ وللحظة أحست هيلين بقرصة ندم لتركها المكتب بتلك السرعة , ربما كان عليها التروي وأخبار هذا الرجل برأيها الكامل فيه , وحش كريه ! لكن لا ! ... هذا ليس صحيحا , وبرغم كل عواطفها الخارجية وأنفعالاتها , عرفت هيلين أن تلك الرجفة في ركبتيها والخفقان المتزايد الذي داهمها عند رؤيته , لم يكونا سوى مؤشر لأحاسيسها الحقيقية الدفينة , أنها تحبه ! أجل تحبه!
قامت عن السرير .... لقد جاء كل تلك المسافة وماذا فعلت هي؟ أعطته الأنطباع بأنه من أكره الرجال في العالم كله , أحست بالخوف , ماذا لو أختفى هكذا .... فجأة ... تماما كما ظهر , ماذا لو لم تره ثانية!
خضّت الفكرة هيلين فجمدت في مكانها , يم ببطء ذهبت الى الباب وفتحته , على الأقل لتذهب وتعتذر من خالها... وربما تسأله أن كان...
بينما كانت تنزل الدرجات المؤدية الى الصالون فتح الباب الخارجي ودخل منه رجلان.
ألتقت عينا جيك بعينيها ورأى مشاعرها الحقيقية على وجهها , لم يحاول أخفاء أحاسيسه رغم وجود الخال فيليب الذي أحس بضرورة الأنسحاب , وقبل أن يغلق باب الممر المؤدي الى المطبخ , أسترق الخال فيليب نظرة أخيرة ليرى هيلين تكمل نزول الدرج بأتجاه جيك الذي كان مادا يده وكأنما ليأخذ يدها , رأى الخال شيئا لا يوصف ولا يعبر عنه بكلمات يجري بين الأثنين أبتسم لنفسه أبتسامة سرّية صغيرة وأغلق الباب خلفه بأحكام.