بعد قليل خرجت من بين الأشجار الكثيفة الى منظر جعلها تشهق , يا ألهي ما هذا الجمال! منطقة واسعة يملأها العشب الكثيف وكل أنواع وألوان الأزهار , في نهايتها جدار صخري , تنساب فوقه مياه نبع.... أيكون هذا سرابا؟ مياه النبع تنزل من بين الصخور لترتاح في حوض طبيعي في حوض طبيعي من الحجر , والأزهار التي تحيط به من كل جانب , الأزهار الغريبة الملونة , جمدت هيلين في مكانها وأحست بالدموع في عينيها , رباه ما أجمل هذا كله , لو كان لها بيت هنا لعاشت بسعادة الى الأبد , جمدت , لم ترد أن تتحرك خوفا من أن يختفي كل ذلك السحر.
سارت ببطء نحو النبع , وضعت وجهها في مياهه الباردة وشربت , كم كانت محظوظة حين أتت الى هنا وحدها , أي شخص آخر كان سيشوه أكتشافها هذا , خاصة هو , أخذت تحلم ببيت هنا , كادت ترى حجارته البيضاء وسقفه الأحمر , كادت ترى بابه المفتوح.
" وجدته أذن".
كان ذلك صوت جيك لوغان بقامته الطويلة المعتدة , يحمل كيسه المليء وينظر اليها.
قالت , كم أرادت لو تخبره عن أحلامها ببناء بيت هنا , عن روعة المكان وسحره , لكن لن تفعل , لن تخبره هو أبدا , قامت من مكانها معربة عن رغبتها في العودة , تركته يسير أمامها فهو يعرف الطريق , عندما وصلا داخل القارب أخرج من الكيس أشكالا غريبة من الفاكهة .... أشكالا وألوانا لم ترها في حياتها من قبل , أحضر جيك سكينا وقشر لها أحداها , كان ألذ مانغا ذاقتها في حياتها.
بعد ذلك أخبرها برغبته في البدء بالعمل, عرضت عليه المساعدة , فنظر اليها نظرة فاحصة من أعلى الى أسفل قائلا:
" أنت؟".
منتديات ليلاس
أغضبها ذلك:
"أنا قوية كثيرا , سترى".
ولحقت به الى الخارج , بدأ ينشر الجذع الذي وجده على الجزيرة , كان للمنشار قبضتان , أحداهما كانت من نصيبها , لم يمض وقت طويل حتى بدأ العرق يتصبب فوق جبينها , وبدأت ذراعها تؤلمها , لن تدعه يعرف , ستستمر بالعمل , لن تتحمل نظرته المتهكمة , كم تكره تلك النظرة , مع كل ذلك هناك حرارة الشمس , والوجع في أصابعها , وبدأت هيلين تفقد توازنها:
" ما بك؟ هل تعبت؟".
" لا... أبدا فقط أعدل وقفتي".
ما العمل , أنه قوي ومعتاد على ذلك , أما هي , وبدأت قدماها تخذلانها .
" هيا , أجلسي عملت ما فيه الكفاية".
قلت :
" عطشانة فقط".
" أنا أيضا , النبع قريب من هنا , العمل ينتظر , هيا".
وسبقها الى النبع , شرب وغسل وجهه وذراعيه ثم أستدار عائدا:
" النبع كله لك..... خذي وقتك".
شربت هيلين الماء البارد بنهم , رشت وجهها وشعرها وذراعيها , كان الألم يسري في جسدها كله , لم تستطع الوقوف. جلست بضع دقائق , ثم تحاملت على نفسها وعادت اليه.
" لن تعملي أكثر , أخذت كفايتك".
قال بحزم , حاولت الأحتجاج لكنه رفض بأصرار , جلست تراقبه , ما أوسمه , كم هو متقن عمله , لم تتوقف عن مراقبته الى أن قال :
" يكفي هذا الآن , هل بأمكانك حمل بعض بعض القطع الى المركب؟".
" بالطبع".
قالت وأخذت ثلاثة قطع , كم هي ثقيلة!
كانت تريد أن تسأله كم من الوقت يستغرق أصلاح القارب , لكنها لم تجرؤ , ربما أستطاعت معرفة ذلك هذه الليلة عندما يكمل بيل عبر اللاسلكي , فجأة وبدون أي سبب واضح أحست بتعاسة كبيرة تملأها.
بعد أن وصلا المركب أخبرها أنه ذاهب يتصيّد السمك للعشاء , وأنه بأمكانها غسل الصحون في غيابه , ثم أختفى.
" هكذا أذن!".
قالت هيلين لنفسها بصوت مسموع:
" سأذهب لأحضر الطعام – أغسلي الصحون أنت , أنا طرزان وأنت جين".
وأبتسمت بمرارة , فجأة طافت برأسها فكرة غريبة , ماذا لو أضطرا للبقاء هنا مدى الحياة؟ بالطبع لن يحدث ذلك , أن حدث سيكون هو المسؤول وسيوفر لهما كل شيء , أنه قادر ومحنك , لن يجوعا ولن يعطشا , لكن هل سيتغير , هل سيصبح أكثر أنسانية ؟ أمر صعب عليه بدون شك.
بدأت هيلين تغسل الصحون وتفكر , لو يتغير كل شيء سيتغير , ألم تره في لحظات أنسانيته؟ كم يكون رقيقا وجذابا , عندما يرغب في ذلك , لكنه لا يرغب .... ليس معها... أبدا.
" كم أكرهك".
قالت بصوت مسموع وهي تغسل القدح الذي شرب منه القهوة.
" أكرهك".
وضغطت بكل قوتها على القدح حتى كادت تكسره وحتى آلمتها يدها , كانت تعرف أن ما قالته ليس صحيحا تماما .