أفزعتها كلماته عن المعدات الضرورية , فخرجت بسرعة لتفقد السيارة الصغيرة ومعرفة مدى الأضرار التي لحقت بها , بدت الرينو الحمراء سليمة تماما , ولكن حافة القناة مرتفعة بشكل يحول دون أخراج السيارة بالوسائل العادية ,أنه على حق , فلا بد من الأستعانة برافعة! سمعته يقفل باب السيارة ويتوجه نحو صندوقها
فأحست بأستياء بالغ وسألته بأنفعال شديد:
" ماذا تفعل؟".
أجابها بهدوء مثير للأعصاب, وهو ينفذ ما يقول:
" أخرج حقيبتك من الصندوق ,لأنك لست قادرة على الأستغناء عنها".
" أتركها في مكانها! لا يحق لك أبدا التصرف معي على هذا النحو, أو التحدث الي بهذا الشكل الآمر".
منتديات ليلاس
وضع الحقيبة على الأرض ثم أقفل صندوق السيارة الصغيرة بعصبية , قبل أن يوجه اليها نظرة ساخرة ويقول لها ببرودة مزعجة:
" العكس هو الصحيح ,يا عزيزتي, فلي كل الحق في الأعتناء بك وبأمتعتك , وفي أصدار أي تعليمات أعتبرها هامة وضروروية , أنت .... زوجتي , أيتها الحبيبة".
قفز فوق قناة الري الجافة بخفة ونشاط , على الرغم من وجود حقيبتها في يده, لحقت به أيلاين بصعوبة ,وهي تنزلق حينا وتكاد تهوي حينا آخر , وعندما وصلت الى المكان الذي أوقف فيه سيارته , لاحظت أن حقيبتها أصبحت داخل الصندوق المغلق
قال لها بلهجة حازمة ,وهو يتوجه لفتح باه:
" هيا بنا!".
" أنتظر فحقيبة يدي لا تزال في الرينو".
ركضت بسرعة نحو السيارة الصغيرة, فتزحلقت على العشب الجاف ولم يتوقف ألا عندما أرتطمت رجلها بأحدى العجلتين الخلفيتين , قامت لتفتح الباب , فكادت تدوس على المفاتيح التي رماها بيار في تلك اللحظة بالذات , أخذت حقيبتها الصغيرة وأقفلت باب السيارة مجددا , ثم بدأت الصعود ثانية وهي تتمنى لو أنها كانت مرتدية ثيابا أخرى تناسب هذه المناطق الريفية ... عوضا عن الفستان الحريري الأخضر الذي يليق بعاصمة الأزياء نفسها .
كان بيار جالسا وراء مقود السيارة ,وقد أدار محركها أستعدادا للأنطلاق , فتحت الباب ودخلت بهدوء لتجلس قربه ,ولم تكد تغلق الباب وراءها , حتى أنطلقت السيتروين بسرعة جنونية , وكأنما صاحبها يريد الوصول الى وجهته في أقل وقت ممكن
قال لها بعد لحظات:
" سنتوقف في محطة الوقود الموجودة على هذا الجانب من القرية , لأبلاغ مارسيل عما حدث , لديه شاحنة مزودة برافعة , وأنا متأكد من أنه سيهب للمساعدة ... أكراما لعينيك , أنه يسألني دائما عنك , وعن موعد عودتك الى شامبورتن".
أدارت وجهها عنه بسرعة ,وركزت نظرها على تلك القرية الجميلة التي بدأت تلوح كالسراب وسط السهول الخضراء المحيطة بها من كل جانب , ها هي القرية التي تزوجت فيها , وها هو واحد على الأقل من أبنائها الطيبين يسأل عنها ! شعرت بتأثر شديد لم تكن تتوقعه, أحست أن شامبورتن بدأت تمارس ضغوطا نفسية عليها...لأقناعها بأنها جزء من هذه القرية الساحرة ,وبأنها أرتكبت خطأ فادحا عند مغادرتها.
لا , يجب ألا يحدث ذلك أبدا! ستقاوم كافة محاولات الأقناع والأغراء , الهادفة الى أيقاعها في الشرك ,وأهم من ذلك كله , أنها ستكافح بقوة أي محاولة قد يقوم بها الرجل الجالس قربها لأعادة تلك العلاقة التي تحولت خلال فترة وجيزة الى ألم ومرارة وعذاب ,ولذا , فأنها لم تنزل من السيارة عندما أوقفها بيار أمام المرآب الذي يعمل فيه مارسيل دوديه كلود, فضلت البقاء في السيارة وتحمل حرارة الشمس القوية والجو الخانق , كيلا تضطر لمواجهة هذين الشخصين اللذين سيفتحان بالتأكيد جراحاتكاد تنجح في تضميدها .
منتديات ليلاس
أستفاقت فجأة من أحلام اليقظة ... وأستعادة بعض الذكريات , عندما سمعت قهقهات بيار ومارسيل وهما يتطلعان نحوها , لا شك أنهما يضحكان عليها , بعدما أخبر بيار جاره .... وبشيء من المبالغة ... تفاصيل الحادث الذي تعرضت له , أبعدت وجهها عنهما دامعة العينين ومتوترة الأعصاب , لأن بيار لا يهتم بها أطلاقا.... بحيث أنه لا يتوانى عن التندر بمشاكلها أمام أي كان , رفعت رأسها قليلا , فشاهدت مارسيل قرب بابها , يبتسم لها ويحييها بطريقته المحببة المعتادة ,لم يعد بأمكانها تجنبه ... ولم يعد من اللائق تجاهله, أنزلت زجاج النافذة للتحدث معه
فبادر الى القول مرحبا:
" طاب نهارك , يا آنستي.... أوه , عفوا, سيدتي , أنا سعيد برؤيتك ثانية".
رفعت لهجته الودودة الصادقة معنوياتها بعض الشيء
فأبتسمت له وقالت بعفوية فوجئت بها:
" أسعد الله يومك , يا سيد دوديه .أنا مسرورة بوجودي هنا , وبمقابلة الناس الطيبين أمثالك , أرجو أن تعتني جيدا بالسيارة المستأجرة , وتحضرها الى القصر في أسرع وقت ممكن".