" عظيم! على أي حال , لن يستغرق اللقاء طويلا لأن شركة شامبورتن تملك الآن كل شيء تقريبا ... عفوا؟ هل قلت شيئا يا سيدتي؟".
" سألتك عما أذا كانت الشركة تملك القصر أيضا؟".
" نعم, مع أن هذا الأمر ليس معروفا ألا على نطاق ضيق جدا ,لم يكن السيد سان فيران يحب الكشف عن مدى تدهور أوضاعه المادية, وعن أنه لم يعد قادرا حتى على الأحتفاظ بملكية القصر , سمحت له الشركة بالأقامة في القصر للأهتمام به والمحافظة عليه , لأنه بالطبع مثال رائع على الهندسة المعمارية القديمة ذات الطابع التاريخي والحضاري ,ولكن أرتباك خال والدك ومرضه في الآونة الأخيرة , جعلاه يظن أنه لا يزال مالك القصر , أصر كثيرا علىيّ في الأشهر الماضية كي أضيف بندا الى وصيته , ينص على تحويل القصر الى أولادكما ... أنت والسيد دوروشيه".
" هل تعني أن هذا البند لم يضف الى الوصية؟".
" تماما , يا سيدتي , لم يكن هذا البند ضروريا أطلاقا , لأنه فقد ملكية القصر منذ فترة من الزمن , لم يترك خالك شيئا يا سيدتي ,بأستثناء بعض الأسهم القليلة في الشركة وقطع معينة من الأثاث وأشياء أخرى مماثلة , سوف تطّلعين على كافة التفاصيل غدا , بأذن الله, الى اللقاء , يا سيدة دوروشيه".
" الى اللقاء".
وضعت أيلاين سماعة الهاتف في مكانها , ثم أخفت وجهها بين يديها وتذكرت كلام مارجريت عن الوضع المالي المتدهور لأرمون , أحست فجأة برغبة قوية في التحدث مع بيار , ففتحت الكتيب الصغير الذي يضم أسماء الأقرباء والأصدقاء وأرقام الهاتف في منازلهم أو مكاتبهم... ولكنها لم تجد رقما لبلفين , بحثت في دليل الهاتف المحلي عن أسم دوروشيه , فلم تجد بلفين بين العناوين المسجلة فيه, من ستسأل؟ الأفضل لها ألا تزعج مارجريت... أوه ستحصل على المعلومات المطلوبة من جاك.
كان مستلقيا على مقعد خشبي قديم في باحة القصر , يغط في نوم عميق ,نادته بأسمه , فرفع الصحيفة التي كان يغطي بها وجهه وعينيه وهب واقفا ... ثم قال:
" نعم , يا سيدتي".
منتديات ليلاس
" هل يمكنك أعطائي رقم الهاتف في بلفين؟".
" آسف يا سيدتي , أذ لا يوجد أي هاتف هناك.... مع أن السيد بيار يحاول منذ بعض الوقت تأميت خط خاص به".
" أوه , يا لها من مشكلة مزعجة! أنا مضطرة جدا للأتصال به, لأن المحامي لوجيه يتوقع رؤيته هنا في الحادية عشرة من صباح غد".
" هل لي أن أقترح عليك , أذن, التوجه الى بلفين بسيارة السيد سان فيران؟ مفاتيحها موجودة في المطبخ".
" ولكنني لا أعرف الطريق الى بلفين".
" أتبعي الطريق المؤدية الى القرية , ثم أنحرفي يسارا قبل وصولك الى الجسر , وأنطلقي على الطريق الترابية المحاذية للنهر , ستكون رحلة شاقة الى حد ما , ولكنها أفضل بكثير من التوجه الى الطريق الرئيسية ثم التحول جنوبا مرة أخرى , تصلين بعد بضعة كيلومترات الى طريق ضيقة تبعدك عن النهر , وتؤدي بك الى بلفين عبر قرية بليك".
" وكيف سأتمكن من معرفة بلفين؟".
" ستجدين بيتا جميلا أبيض الجدران , وسط مجموعة من أشجار السرو تبعد قليلا عن الطريق , وأعتقد أن أسم دوروشيه مسجل على علبة البريد , الموضوعة في بداية الممر المؤدي الى البيت , هلأحضر لك المفاتيح , يا سيدتي؟".
" نعم , شكرا".
استقلت أيلاين سيارة البيجو الزرقاء ذاتها , التي أستخدمتها العام الماضي في التوجه الى بواتيه , وأحست مرة أخرى كأنها تفر هاربة , ولكن ثمة فرقا شاسعا بين المرتين والشعورين... فهي تهرب الآن الى زوجها ,وليس منه! سوف تتعرف الى بيته... والى طرقة حياته , عندما يكون بعيدا عنها وعن أمه , وقد تتمكن أيضا من التحدث معه بأسلوب مختلف تماما , بعد أكتشافها أنه ليس طامعا بقصر أو ممتلكات , من يدري , فلربما ستسمع أجابات كافية ووافية عن بعض الأسئلة التي تقض مضجعها وترهق أعصابها!
أذا كان يعلم بأنه لن يرث معها سوى حصة ضئيلة تافهة في شركة سان فيران , فلماذا تزوجها؟ كيف قالت لها سولانج أذن أنه تزوجها سعيا وراء تحسين أوضاعه المالية , طالما أنه مطلع على سوء الأحوال المالية لخالها أرمون؟ وهل يطمع ببعض المفروشات القليلة , هو الذي تمكن من شراء نصف ممتلكاته وأراضيه الحالية بعرق جبينه ومن ماله الخاص؟
ولكن, لماذا ستصدق سولانج بعد الآن؟ ألم تثبت لها الوقائع والمعلومات , التي أطلعت عليها منذ وصولها أول أمس , عدم صحة تلك المزاعم كلها؟ أخطأت سولانج في حديثها عن مارجريت... وعن ملكية شامبورتن.... وربما أيضا عن سبب زواج بيار منها.
لاحظت أيلاين فجأة أنها أصبحت على مقربة من الجسر , فأوقفت السيارة بسرعة وتطلعت حولها بحثا عن الطريق الترابية , أوه , لقد تاوزتها ببضعة أمتار! عادت تلك المسافة القصيرة الى الوراء , ثم تحولت الى تلك الطريق الضيقة التي لا تكاد تتسع لأكثر من سيارة واحدة , وصلت بعد دقائق معدودة الى تقاطع الطرق الذي أخبرها عنه جاك , فأنطلقت على تلك الطريق المستقيمة بين حقول القمح وكروم العنب ,وبمجرد تجاوزها قرية بليك الصغيرة , خففت أيلاين من سرعة السيارة وأخذت عيناها تبحثان بشوق عن علبة بريد تحمل أسم دوروشيه.
أوه ! ما هذه الأصوات الغريبة التي تسمعها , ولماذا تهتز بها السيارة على هذا النحو المزعج وكأنها تحتضر , توقفت... قفزت مترين الى الأمام , وتوقفت مرة أخرى , فيما أصبح صوت المحرك أشبه بالحشرجة , تطلعت بسرعة الى مؤشر الوقود , فتبين لها فورا مدى الجفاف الذي يعاني منه المحرك , أستخدمت القطرات القليلة الباقية في الأنابيب , التي تنقل الوقود من الخزان الى المحرك ,ووضعت السيارة الى جانب الطريق.
منتديات ليلاس
ضحكت بصوت عال, وهي تضع المفاتيح في جيبها وتهم بالخروج من السيارة , لماذا التسرع يا أيلاين؟ ولماذا لم تتأكدي قبل أنطلاقك من شامبورتن , من أن كمية الوقود كافية لمثل هذه الرحلة الطويلة؟ ألا يقال أن في العجلة الندامة , وفي التأني السلامة؟ لا شك في أن أقرب محطة للوقود لن تكون ألا في بليك , التي تبعد عنها الآن أكثر من كيلومترين ,ولكن بلفين ستكون أقرب اليها من بليك , وعليه, فالتوجه اليها سيرا أفضل من العودة الى تلك القرية الصغيرة وأضاعة المزيد من الوقت.
لم تشعر أيلاين بالتبدل المفاجيء في الطقس , ألا بعدما خرجت من السيارة وأقفلت بابها , تحولت سحب الصيف الرمادية الخفيفة , التي شاهدتها قبل بعض الوقت , الى غيوم كثيفة سوداء تحجب نور الشمس عن معظم تلك المنطقة , آه من هذا الحر الشديد , ومن هذه الرطوبة المرهقة! لا بأس , ستمشي ببطء كيلا ترهق نفسها كثيرا ... وستحاول الأحتماء قدر الأمكان بظلال الأشجار القريبة , وفجأة... لمع البرق وهدر الرعد , فبدا وكأن عاصفة هوجاء ستهب بين لحظة وأخرى.
أسرعت الخطى بأتجاه بلفين, على أمل الوصول اليها قبل هبوب العاصفة , وما أن وصلت الى بداية الممر وشاهدت علبة البريد الخشبية الخضراء التي تحمل أسم دوروشيه , حتى أرعدت السماء مرة أخرى.... وأنهمر المطر , ركضت بأتجاه البيت الأبيض , الذي بدا أمامها كقلعة صغيرة على بعد مئات من الأمتار , كانت الطريق اليه صعودا , فأضطرت أيلاين للتوقف عن الركض مرات عديدة بهدف ألتقاط أنفاسها , وفي أثناء ذلك , تواصل البرق والرعد وهطول الأمطار الغزيرة ... وكأنما السماء تصب جام غضبها عليها وحدها.