لم تعد قادرة على تحمل هذا الشعور الخانق , وأحست برغبة للتحدث مع ... مع أي أنسان يمكنه تفهم وضعها ومساعدتها على التخفيف من آلامها , هذا هو الوقت المناسب للأتصال بجيرالد ,لأبلاغه عن أضطرارها للحصول على أجازة طويلة , صبت فنجانا آخر من القهوة ثم حملته الى المكتب الخشبي الأنيق ,ووضعته قرب جهاز الهاتف , لتشربه أثناء أنتظارها المكالمة مع لندن , أتصلت بمركز الهاتف , وأعطت أحدى العاملات فيه رقم الهاتف في شقة جيرالد .
أوصلها المركز بعد دقائق معدودة بالرقم المطلوب , فوضعت فنجانها على الطاولة وأنتظرت سماع صوت جيرالك بين لحظة وأخرى , ولكن عاملة الهاتف الفرنسية نصحتها بعد فترة معينة بمحاولة الأتصال في وقت لاحق , لأن ما من أحد على ما يبدو سيرد على المكالمة الحالية , جيرالد أيضا موجود خارج بيته! لم لا؟ فيوم غد هو عطلة أسبوعية وهذه الليلة مخصصة للسهرات ! ربما ذهب لزيارة بعض الأصدقاء أو لحضور حفلة موسيقية , أو ربما يكون الآن مع أمرأة أخرى .... مثلما يفعل بيار!
حوّلت أيلاين أفكارها فجأة , وبصورة متعمدة , عن المسار الذي أنطلقت فيه ... رأفة بقلبها وبمشاعرها , طلبت من موظفة الهاتف رقما آخر في لندن
وما هي ألا دقائق قليلة حتى أجري الأتصال بشقة أبن عمها تشارلز وسمعت بأرتياح صوتا ناعما يقول:
" جيني كوبر".
منتديات ليلاس
" مرحبا, يا جيني , هل تعرفين من يتحدث معك؟".
" أوه, أيلاين , كيف حالك أيتها الحبيبة ؟ وكيف حال الخال أرمون؟".
" أنا بخير , والحمد لله ,ولكن الخال أرمون ليس على ما يرام , أعتقد أنه لن يتمكن من مقاومة المرض والشيخوخة فترة طويلة ".
" آسفة لسماع ذلك... فهو رجل طيب للغاية".
" جيني , لن أتمكن من العودة في الوقت الراهن , وعدت بالبقاء حتى النهاية ... وهي لن تطول كثيرا على ما أعتقد , أنت تتفهمين الوضع على حقيقته ,أليس كذلك؟".
" طبعا , يا حبيبتي , سأنقل رسالتك الى تشارلز , ليبلغهم في المكتب أنك لن تحضري الى العمل صباح الأثنين".
" شكرا , حاولت الأتصال بجيرالد لأبلاغه المعلومات ذاتها , ولكنه لم يكن في شقته ".
" صحيح , فقد أخذ أجازة لبضعة أيام وذهب في رحلة بحرية , أعتقد أنه أتخذ قراره بصورة مفاجئة , وفي اللحظة الأخيرة , قال أنه قد يذهب الى فرنسا ,ولكنني لا أعرف ما أذا كانت لوسي ستوافقه على هذا الرأي".
هل بدأ جيرالد يغازل لوسي , شقيقة جيني الصغرى, التي تكبرها بعام واحد؟ تمتمت أيلاين ببضع كلمات عادية تعليقا على كلام جيني , فمضت الأخرى الى القول:
" أتصور أنهما قررا القيام بهذه الرحلة البحرية , لأن الطقس رائع للغاية ,كيف حال الطقس عندكم؟".
" حار وجاف جدا".
" هذا الطقس بالذات يناسب كروم العنب.... الأمر الذي يذكرني ببيار, كيف حاله هذه الأيام؟".
" بخير , شكرا".
" هل من أمل في أعادة الأوضاع بينكما الى سابق عهده؟".
" أوه , جيني , لا يمكن بحث مثل هذا الموضوع الجدي أثناء مكالمة هاتفية!".
" حسنا , يا حبيبتي , سنبحثه في وقت لاحق , كنت أتمنى فقط أن تتم المصالحة بينكما , وتتمكنا من العيش معا بوفاق ومحبة , على أي حال , ستكتبين لنا أو تتصلين بنا لأطلاعنا على التطورات الصحية لخالك , أتصور أن وفاته ستحدث ضجة كبيرة عندكم ,بما أنه ليس لديه أي وريث مباشر".
" سيحدث ذلك بالتأكيد , وداعا يا جيني".
" وداعا يا حبيبتي".
, وأهتمي بنفسك".
عادت أيلاين الى مقعدها ,وهي تشعر بوحدة أكثر أيلاما من قبل , جاك وزوجته في طريقهما الآن لحضور مسرحية فكاهية .... الخادمة الحلوة ماري موجودة مع صديقتها , أو على الأقل مع رفيقاتها , وجيرالد على ظهر سفينة سياحية فخمة , أو في ناد على الساحل الفرنسي مع بعض الأصدقاء ..... ولوسي.
نعم , لقد لاحظت أكثر من مرة أهتمام لوسي بجيرالد , لو لم تحضر الى شامبورتن , لكان جيرالد دعاها هي على الأرجح لمرافقته في هذه الرحلة الرائعة , أوه, ليس هذا الأمر هاما على الأطلاق! فالشيء الذي يؤديها كثيرا ويجرح شعورها , هو جلوسها هنا على أنفراد في حين يمضي بيار السهرة الأسبوعية , وبقية الليل , مع سولانج.
يا لسخرية الأقدار وظلمها! لو كانت تعيش هنا مع بيار وحده , وبالوفاق التام الذي تتمناه من صميم قلبها , لما كان القصر موحشا الى هذه الدرجة المذهلة , لو كان ذلك الأمر ممكنا , لكان أولادهما يسرحون ويمرحون مع بعضهم ومع الأصدقاء الكثر .... فيما تقيم هي وزوجها الحفلات والمآدب والسهرات.
وضعت يديها على رأسها وضغطت بقوة , لكي تتمكن ولو قليلا من تخفيف الصداع الحاد الذي بدأ يزعجها ويقلقها , اللعنة! ها هي تغرق مجددا في بحر من العواطف الرقيقة , وتحاول التعلق بتمنيات ليست أكثر من مجرد أضغاث أحلام , لن تقدر على الوفاء بوعدها لخالها أرمون , لأن الظروف الحالية لا تسمح لها بتاتا بالبقاء في شامبورتن بعد وفاته والعيش مع بيار ... كزوجة!
سمعت ساعة الحائط تدق تسع مرات ,فأستفاقت من ذهولها , ستذهب الى غرفتها , حتى في هذا الوقت المبكر , فالقصر غارق في صمت كئيب , ورائحة المرض ,وربما الموت , تعبق بين جدرانه وفي قاعاته وممراته.
أستحمت للمرة الثانية وتعمدت البقاء فترة طويلة في الماء الساخن ,لتريح جسمها وأعصابها بعض الشيء , أرتدت ثياب النوم الرقيقة الشفافة ,وسرحت شعرها وتعطرت ....ثم ضحكت , لماذا هذا الأغراء كله , وهي ستنام وحدها... فيما سينام الرجل الذي تحبه مع المرأة التي يحبها؟
أطفأت نور الغرفة بعصبية , وذهبت الى النافذة المفتوحة , ضوء القمر الساطع , صفاء السماء ودفء الجو, هدوء الليل , عطر الورود الفواح... وعصفور يغني ! ليلة صيف رائعة ومثالية ...ليلة من الظلم والأجحاف تمضيتها على أنفراد! أين العدل والأنصاف؟ أنها ليلة للحب .. للمحبين والعاشقين ,وليست للعزلة والوحدة!
منتديات ليلاس
تأوهت بحزن وألم , وركضت بسرعة نحو سريرها , أستلقت علىظهرها وراحت تحدق بسقف الغرفة , علها تتمكن من طرد تلك الأفكار الحزينة والموجعة من رأسها , وفجأة , أنهمرت الدموع بغزارة من عينيها وأخذت تبكي بمرارة لم تشعر بمثلها من قبل , سيساعدها البكاء على النوم ... وسينقذ عواطفها المنهكة من براثن الأنهيار .
سمعت صوت باب يغلق بهدوء , فلم تتحرك من مكانها أو ترفع رأسها عن الوسادة المبللة بدموعها , ربما نامت لحظة وحلمت ... ربما تخيلت أنها سمعت ذلك الصوت , أستدارت نحو الباب... فشاهدت ظلا يتحرك في الغرفة! كادت تصرخ من شدة الفزع , ولكنها سيطرت على أعصابها قليلا وقالت بصوت مرتعش هامس:
" من هنا؟".
" أنا بيار".
جلست في سريرها , وسألته بشيء من الحدة والأنفعال:
" ماذا تفعل هنا؟".