تطلعت أيلاين مرة أخرى نحو النهر , وهي تحاول أيجاد الشجاعة الكافية لتوجيه السؤال التالي
تنهدت بصوت منخفض وقالت لها:
"خالتي مارجريت , أعذريني على هذا السؤال الشخصي جدا ... ولكنني أريد معرفة الجواب بصراحة , حسب وجهة نظرك عن الحب , هل تحبين أيضا خالي أرمون؟".
" بالتأكيد يا عزيزتي , وهل أسهر على راحته وأعتني به على هذا النحو لو لم أكن أحبه؟".
"لا... لا أعتقد ذلك ,ولكن... هل كنت تحبينه قبل جان ؟".
تأملتها مارجريت بهدوء وجدية , ثم قالت لها:
" أحضري كرسيا وأجلسي قربي , فقد حان الوقت على ما يبدو للتحدث اليك بصراحة , "ولأزالة بعض الأشكالات العالقة في ذهنك ربما بسبب جدتك".
"لا, لا , كنت أعني شخصا آخر , لم تقل لي جدتي أي شيء عنك , وقد سمعت هذه الأقوال من شخص ألتقيته بعد زواجي من بيار".
أحضرت كرسيا وجلست قرب السيدة المسنة
ثم مضت الى القول:
" أنا لا أعرف ألا القليل القليل عنك, يا خالتي , كنت طفلة صغيرة لا تعرف الكثير عن الناس ,وفي الصيف الماضي....".
منتديات ليلاس
توقفت عن متابعة جملتها , لأنها أمضت طوال الصيف والخريف الماضيين غارقة في الحب حتى أذنيها .... صماء عمياء عما يدور حولها , قالت لها مارجريت بنعومة:
" يبدو أنني مضطرة لأطلاعك على كل شيء منذ البداية , عندما عملت لفترة كممرضة في أحد المستشفيات في بواتيه , ألتقيت أرمون أثناء تلك الفترة , حيث أمضى بعض الوقت في قسم الجراحة الذي كنت أعمل فيه , توطدت بينننا عرى الصداقة , ودعاني لدى مغادرته المستشفى بعد عمليته الجراحية الى زيارته في شامبورتن , سمعت الكثير قبل ذلك عن القصر والعائلة العريقة التي تتوارثه جيلا بعد جيل , فشعرت بأعتزاز كبير وسعادة فائقة , ولكن أبي وأمي تضايقا كثيرا , لأن أرمون كان عازبا يقيم بمفرده.... ويكبرني بسنوات عدة ... ولأننا أيضا من طائفتين مختلفتين"
وتابعت:
" أتيت مرة الى القصر , فألتقيت ألانور وزوجها البريطاني وأبنها الصغير ... والدك , شعرت على الفور أنها ليست موافقة على صداقتنا , ولما حضرت في المرة التالية , أوضحت لي أنني شابة غير مرغوب فيها بالنسبة الى عائلة سان فيران ... نظرا للفوارق والطائفية , تأثرت الى حد ما , بحيث أنني رفضت الدعوة التي وجهها أرمون لي خلال الأسبوع ذاته ... والدعوات اللاحقة , وفيما كنت أغادر المستشفى ظهر أحد الأيام , فوجئت به ينتظرني في سيارته ,طلب مني مرافقته في نزهة قصيرة , فلم أمانع , وعندما علي الزواج , رفضت".
" أوه ! لماذا؟".
" تعرفت خلال فترة الأنقطاع عن زيارته على شخص آخر أعجبني أكثر من أرمون , لأنه كان مختلفا عنه.... أقوى منه.... أكثر حيوية".
"جان دوروشيه؟".
" نعم , كان جان الأبن الأصغر لرجل يملك مساحات لابأس بها من الحقول والبساتين , ولكنها أصغر بكثير منة شامبورتن , كان أفراد عائلة دوروشيه معروفين بحيويتهم ونشاطهم , وبخبرتهم الواسعة في المجالات الزراعية , طلب مني جان بعد فترة معينة الزواج منه , فقبلت دون تردد وعقد قراننا في بلدتي... قبل أربعين عاما تماما".
" وماذا فعل خالي أرمون؟".
" بعث لنا هدية عرس رائعة ,ولكنه لم يقل شيئا لبعض الوقت , كان يواجه مصاعب جمة في كرومه وبساتينه , لأنه لم يكن نشيطا أو متمرسا بما فيه الكفاية لأدارة أعماله بنفسه, بدأ مستوى الأنتاج والنوعية يتدنى بسرعة كبيرة , بحيث بدا أن المستوى العالمي الذي توصلت اليه عائلته منذ حوالي مئتي عام سينهار الى الحضيض, وعند ذلك , أتصل أرمون بجان وطلب منه تولي أدارة شامبورتن".
" هل شعرت بالسرور نتيجة لذلك؟".
"نعم , لأجل جان , كان ذلك أعترافا واضحا بقدراته , وتحولا جذريا في أوضاعه المالية , فمع أنه ورث نصف ممتلكات والده , ألا أن المساحة كلها لم تكن كافية لسد أحتياجات عائلتين كبيرتين , أحتفظ بنصيبه من بساتين دوروشيه , وأنتقل الى شامبورتن للعمل فيها , خصص لنا أرمون بيتا صغيرا , حيث ولد بيار وشقيقتاه ,وبعد مرور بضع سنين على أقامتنا هنا , طلب مني أرمون أن أعمل كمدبرة لمنزله , وفي السنة الخامسة والعشرين لزواجنا , توفي جان غرقا .... كما تعلمين , لم أترك عملي هنا .... ولما عرض علي الزواج منه بعد أنقضاء ثلاثة أعوام على وفاة جان , ترددت قليلا ثم وافقت , ظل مخلصا لي طوال الوقت , حتى بعد زواجي من رجل آخر , لم يحب أحدا غيري خلال تلك الفترة التي أمتدت أكثر من ربع قرن , وشعرت بالتالي أن علي منحه بعض السعادة مقابل هذا الوفاء الرائع والنادر".
تأثرت أيلاين بهذه القصة العاطفية الرقيقة , وبأخلاص خالها المتفاني للمرأة التي أحبها منذ البداية , قالت لمارجريت بصوت رقيق ناعم:
" أشكرك كثيرا على أبلاغي هذه التفاصيل كلها , فالشخص الذي أطلعني على القصة كان مخطئا تماما.... قالت لي أنك تزوجت جان لتكوني قرب أرمون ,ولكن هذا الكلام ليس صحيحا , لأن جان لم يكن يعلم هنا عندما تزوجتما...".
" العكس هو الصحيح , يا حببتي , فمن بين الأسباب التي حدت بأرمون ليطلب من جان الأنتقال الى شامبورتن وتولي أدارة أعمالها , رغبته في رؤيتي بين الحين والآخر , لم أعرف هذه الحقيقة ألا عندما أخبرني أياها أرمون بنفسه , بعد مضي سنوات على أنتقالنا الى هنا , فالتي أخبرتك خلاف ذلك , لا بد أنها تعمدت الكذب لتشويه سمعتي والحط من قدري وكرامتي أمامك".
عصف الأحمرار بوجنتي أيلاين الشاحبتين , لأنها لم تتمكن من أخفاء ردود فعلها على تلك الملاحظة الصحيحة والذكية , أحنت رأسها خجلا
فضحكت مارجريت فجأة وقالت:
" كم أتمنى معرفة السبب الذي حمل تلك المخلوقة على الألاء بهذه المعلومات الكاذبة والمضللة , لد تأكد لي منذ بداية حديثنا , أن الشخص المقصود هو أمرأة تسعى الى الأنتقام ... لأنها تعرضت للأنتقاد, للتأنيب, وأكثر من ذلك كله ... للرفض".
منتديات ليلاس
ضحكت مارجريت ثانية عندما شاهدت الدهشة والأستغراب في عيني أيلاين , ومضت الى القول:
" لا تقلقي , يا عزيزتي , فأنا لست عالمة بأمور الغيب أو قادرة على قراءة أفكار الآخرين ,كل ما في الأمر أنني خبيرة الى حد ما بعقلية الناس وتصرفاتهم , ألم تكن سولانج بورجيه هي التي حدثتك عني؟".
هزت أيرأسها أيلاين بذهول بالغ, ولم تتمكن للمرة الثالثة على التوالي من الرد أو التعليق على كلام مارجريت , لم تضحك السيدة الهادئة هذه المرة , ولكنها تنهدت بأنقباض وقالت:
" كنت أخشى ذلك, وكان من واجبي تحذيرك منها في حينه أقلقتني محاولاتها للتقرب منك ومصادقتك , ولكنك بدوت سعيدة مع بيار... وتصورت أن الحب سيحميك منها".
ظهر الأرهاق بجلاء في وجه مارجريت وعينيها , فأحست أيلاين بوخز الضمير أتجاه حماتها... وبرغبة قوية في التفكير بعض الشيء عن التفكير بها بمثل تلك الطريقة المشينة
قالت لها بصدق وأخلاص:
" أنت متعبة جدا , يا خالتي مارجريت , لماذا لا تأخذين الآن قسطا وافرا من الراحة , فيما أذهب أنا للجلوس في غرفة الخال أرمون , أخبريني فقط عن الخطوات المطلوبة , أذا أستيقظ وأراد شيئا".
" شكرا لك يا أيلاين , على هذا الأقتراح الكريم, أنا حقا منهكة الجسم والأعصاب , بسبب سهري طوال اللليلة الفائتة وسأقبل أقتراحك بكل سرور , أذا وعدتني بأيقاظي في حال حدوث أي تطورات غيرعادية".
" أعدك بذلك".
" أذا أستيقظ , أجلسي على حافة سريره ... أصغي اليه... أمسكي يده... أظهري له أنك مهتمة به وتحبينه , أبلغيني فورا أذا شعرت بأنه متألم , أو على الأقل أطلعي الممرضة الأخرى التي تنام الآن في الغرفة المجاورة , سأطلب من جاك أحضار طعامك الى غرفة أرمون, أوه, أيلاين, ستشعرين بالضجر والملل وأنت جالسة لا تفعلين شيئا .... ساعة بعد ساعة".