صمت بضع لحظات , وكأنه ينتظر منها تعليقا على كلامه ,ولكن الدهشة التي أصابتها, لدى سماعها هذه الأقوال عن أناس تعرفهم طوال حياتها , عقدت لسانها وشلت تفكيرها
أضاف بيار قائلا:
" أعتقد أن خالك حاول جاهدا أنقاذ زواجنا ,وذلك عن طريق الكتابة اليك وتقديم الأرشادات والنصائح ,ولكنك قررت تجاهل نصيحته ورفضها , فأحس بأنزعاج فائق , قد لا تدركين أهمية هذه النقطة بالذات ,ولكن الطاعنين في السن ينقلبون أحيانا ضد الذين يجرحون مشاعرهم ,وعليه , فقد تكونين على حق فيما يتعلق بأحتمال تغييره وصيته.... مع فارق بسيط ,وهو أن التغيير سيكون لمصلحتي أنا".
ثم أبتسم بسخرية ,ومضى الى القول :
" أذا أخذت هذه المسألة بعين الأعتبار , فسوف تجدين أن التعديل الذي أجرته والدتي على نص رسالتك لا يناسب طموحاتي أطلاقا , وبأختصار , فأصرارك على عدم أجراء مصالحة فيما بيننا سينفعني أكثر بكثير مما سيضرني".
منتديات ليلاس
أذهلتها كلماته وبرودة أعصابه , فظلت صامتة لا تعرف ماذا تقول...أو تفعل , حدقت بهذا الرجل الأسمر القاسي الذي يقف أمامها بقامته الطويلة وكتفيه العريضتين ,وكأنه مجرم شرير أرسلته عصابة لمعاقبتها وتعذيبها , أذا أصرت على موقفها الحالي بالنسبة للأنفصال , فسوف تدفع الثمن غاليا ... ستخسر شامبورتن! أقترب منها ,وقال لها بلهجة رقيقة ناعمة توحي بأستعداده للمصالحة:
" بما أنك الآن هنا , فقد نتمكن من التوصل الى بعض الترتيبات ".
خافت من أحتمال أقترابه منها الى درجة تسمح له بملامستها أو ضمها اليه , فصرخت قائلة:
" لا , لا , لا يمكنني ! لا أريد!".
أستدارت بسرعة وركضت نحو سيارته التي ترك مفتاحها فيها , أذا وصلت اليها قبله فقد تتمكن من أدارة محركها وقيادتها الى القرية , زلت قدمها على أوراق الشجر الجافة , فهوت الى الأرض وأرتطمت ركبتها بحجر كبير , تألمت كثيرا , ولكن جرح الكبرياء كان أعمق وأشد أيلاما , همت بالنهوض , فأحست بيد قوية تمسك بذراعها وترفعها , حاولت التخلص منه , فلم تفلح
قالت له بحدة بالغة:
"أتركني ! لا تلمسني!".
ضغط على ذراعها بعنف أوجعها , فكررت محاولاتها اليائسة للتخلص من قبضته الفولاذية....ولكن دون جدولى , جذبها نحوه فجأة وبشكل مؤلم للغاية , فأحست بأن ذراعها تكاد تنفصل عن كتفها , أمسك بذراعها الأخرى وضمها اليه , فنظرت اليه بتمرد واضح عبر خصلات الشعر التي غطت معظم وجهها
قال لها بعصبية شديدة:
" حان الوقت , أيتها الجبانة الأنانية الصغيرة , للتوقف عن التهرب من مسؤولياتك , لقد تحسنت حالة خالك النفسية والمعنوية بشكل ملفت للنظر ,منذ أن أبلغته أمي عن مصالحتنا المحتملة .... وهو يتطلع الآن قدما لرؤيتك ,فأذا أقتحمت غرفته وقلت له أن المصالحة مستحيلة , فسوف يصاب بصدمة قوية تعجل في وفاته ,هذا هو السبب الوحيد الذي حملني على التحدث اليك ,وتحذيرك ".
سيطرت بعض الشيء على أرتجاف جسمها ,وقالت له بصوت منخفض يشتعل غضبا وأنفعالا:
" لا تزعج نفسك بمثل هذه الأيضاحات التي لا ضرورة لها, فأنا مدركة تماما لما تريد قوله ,ولكنني لم أحضر الى شامبوتن لمصالحتك , أو الأتفاق معك على أمور معينة , أريد الطلاق , وما من شيء من الدنيا سيجعلني أغير رأيي ... بما في ذلك أحتمال خسارتي حق الوراثة".
منتديات ليلاس
ثم هزت رأسها بعنف , وصرخت بوجهه قائلة:
" ألا تلاحظ أنني أكرهك؟".
" لا ألاحظ ألا شيئا واحدا ,وهو أنني أثير فيك مشاعر العنف... التي أفضلها على اللامبالاة,ولكنني لم أكن أنوي أن أقترح تغيير رأيك بالنسبة الي".
تنهدت أيلاين بعصبية وحاولت مرة أخرى التملص من قبضته .... ولكن دون جدوى , بدأت حرارته تصل الى أعماقها , وأخذت يداه القويتان اللتان تتحركان على ذراعيها تثيران عواطفها الكامنة , أحست برغبة خفية في مغازلته ... لأيقاظ البركان النائم في داخله ,ولنفخ الرماد عن الجمر! أبعدت وجهها عنه وأبقت على تصلب جسمها , بهدف مقاومة الرغبة والأغراء
قالت له متمتمة:
" ماذا كنت ستقترح أذن؟".
" التظاهر بأننا تصالحنا".
"التظاهر؟".
"نعم , يمكننا التظاهر بذلك لفترة قصيرة , لأجل الرجل العجوز الراقد على فراش الموت .... الذي بذل أقصى جهده لأسعادنا , والذي أحبك وعاملك كأبنة له وليس كالحفيدة الوحيدة لشقيقته الكبرى".
تركها بيار فجأة
ثم أبتعد عنها خطوتين وسألها:
" هل أطالبك بالكثير , أذا أقترحت عليك الأقدام على هذا الأمر لأجل أرمون ؟ ألا يمكنك وضع مشاعرك جانبا لبعض الوقت ,وأخذ مشاعره بعين الأعتبار؟".
لا , ليست أنانية .... أو على الأقل فهي لا تتعمد التصرف بأنانية ! لقد أحبت أرمون الطيب منذ صغرها ... أرمون الرقيق القلب والأحاسيس الذي علمها الرسم والموسيقى وأطلعها الى حد ما على التاريخ الحافل لهذه المنطقة المجيدة , أحست بأن رد فعلها الأول على أقتراح بيار ألا يكون سلبيا , وأنه يتحتم عليها القبول بصورة فورية , ولكن الخطوة الأندفاعية التي أقدمت عليها قبل حوالي سنة , أدت الى مصاعب ومشاكل كانت بغنى عنها ,ترددت في أعطاء الجواب ,وراحت تتأمل وجهه علها تقرأ في ملامحه ما يلقي بعض الضوء على شعوره الحقيقي بالنسبة لهذه المسألة.
منتديات ليلاس
لماذا قدّم اليها مثل هذا الأقتراح ؟ هل سيتمكن من تحقيق أي أنجاز , أذا تظاهرا بالمصالحة والوفاق؟ أنه رجل عملي جدا بطبيعته , وعليه فليس من المعقول أبدا أن يكون أقتراحه مجردا تماما من الأنانية أو المصلحة الذاتية , لن يحرمها أرمون من كل شيء... كل ما في الأمر أن الأمور ستعود الى سابق عهدها... سيصبح بيار مجددا شريكها في وراثة شامبورتن , كما كان يشاركها في وقت من الأوقات حياتها ...
قالت له:
" لا , أنك تطلب مني أكثر بكثير مما يمكنني القبول به, لن أفعل ذلك يا بيار".
لم تكد تنتهي من جملتها , حتى أحست بموجة من الخجل العارم تتفاعل في نفسها وقلبها, كان بيار محقا في قوله... فها هي الآن ترفض التضحية ولو قليلا , لأجل رجل طاعن في السن عاملها دائما بكل محبة وحنان , أزداد خجلها حتى كادت الدماء تتفجر من وجنتيها , فغطت وجهها لحمايته من نظرات التأنيب والأزدراء التي تلمع في عينيه السوداوين.
خيم الصمت ثوان طويلة , فأعدت أيلاين نفسها لمواجهة غضبه العارم وكلماته الجارحة , ولكنه أكتفى بهز كتفيه
ثم أستدار نحو السيارة قائلا لها بصوت يوحي باللامبالاة والأحتقار والسخرية:
" لم تعد ثمة حاجة للأستمرار في هذا الحديث , هل تريدين الذهاب الآن الى البيت , أم تفضلين العودة الى القرية؟ يمكنك أنتظار مارسيل لأستعادة سيارتك , ثم تفرين مجددا الى لندن.... متخلية مرة أخرى عن مسؤولياتك وواجباتك".
أثارت كلماته مخاوف جديدة في نفسها , أليس محتملا أنه لا يريد عودتها الى القصر ؟ هل يأمل في أقدامها على الهرب ثانية , ليخلو الجو له ويصبح سيد شامبورتن دون منازع؟
قالت له بهدوء بالغ:
" أريد الذهاب الى القصر , فقد وعدت أرمون بالمجيء".
هز كتفيه الثابتة بتلك اللامبالاة المزعجة , التي تشير الى أنه غير مهتم على الأطلاق بأي من قراراتها
ثم قال ببرودة جافة:
" أذن , هيا بنا".
نهاية الفصل الاول