تلاعب النسيم المنعش القادم من الشرق بخصلات شعرها يبدو أن تفكيرها بعملها كان يسرق منها
فرحة التمتع بنزهتها على الشاطئ، وما أن استدارت عائدة إلى المنزل حتى فوجئت بسماع ضحكه
أنثوية قادمة من خلف أشجار النخيل المروحي ،الممتد على طول الجدار الواقي من الريح قرب الكابينة
تساءلت عن هوية الدخيلة ، ثم ألقت نظره خاطفة إلى ما وراء حافة الحاجز الحجري...
فأدهشها أن ترى شابة تعانق بن .
أحمرت أليدا حرجاً .. و استدارت لتنسحب .. ولكن كتفها أصطدم بغصن نخلة فأدحث صوتاً جعل
الاثنين ينتبهان إلى وجودها .
لحقها بن بخطوتين سريعتين .. ولف يده حول ذراعها ..ثم جذبها قريباً من الجدار الواقي وهتف بها :
_مهلك لحظة.
قالت متلعثمة
_ آسفة للتطفل .. لم أكن أتوقع ..
راقب بن ارتباكها الذي أرضاه على ما يبدو ، ثم قال مقطباً حاجبيه :
_أنا واثق أنك ما تتوقعي ذلك.. على أي حال، وبما أنك هنا ، دعيني أعرفك بتايثي ..
تايثي أوبيرت كاولي ..هذه أليدا
كانت تايثي واحده من النساء الأكثر جاذبية اللواتي شاهدتهن أليدا في حياتها ..
لفت نظرها شعرها الأحمر البني الطويل الملوح بأشعة الشمس ، مع ان لونه لم يكن طبيعياً
وملابسها كانت تنم عن ذوق رفيع وأناقة كاملة ، أما عينيها الخضراوان ففيهما وميض يضفي على وجهها
الأسمر سحراً أخاذاً ، ولولا فتهورهما لكانتا أكثر جمالاً .
رمقتها صاحبة تلك العينين بنظرات عدوانية من رأسها حتى أخمص قدميها ، نظرات أن دلت على شيء
فعلى أنها لا قيمة لها بنظرها ، كسر بن الصمت حين قال بلهجة لم تخفي كراهيته:
_أليدا تعيش الآن في "زانادو" تساعد مايس على تقييم محتويات المنزل .
تثاءبت تايثي : إنه لأمر مثير .
تراجعت أليدا خطوه وقالت بصوت منخفض :
_هلا أعذرتماني ..فلدي عمل أقوم به .
منتديات ليلاس
رفعت تايثي يدها محييه بحركة تفتقر إلى التهذيب دلالة على عدم اكتراثها بها ..وانصرفت أليدا مسرعة نحو المنزل .
لقاؤها ببن وتايثي تركها حزينة جداً وجعل من الصعب عليها التركيز في عملها , وانساقت تقران نفسها بها ،
كان من أسهل أن تدرك أنهما من عالمين مختلفين ..فتايثي إنسانة مادية تعقد أن المال يصنع كل شيء.
إنها فتاة لا تفكر سوى بقضاء يومها تتنعم بأشعة الشمس ، وحضور حفلات الأغنياء والمشاهير ليلاً..
أما بن فيبدو شاباً غبياً رغم أنه غني ، وأخلاقه سيئة .
صاحت توبخ نفسها : توقفي عن هذا ! ثم تنهدت بعد أن قررت التوقف عن العمل اليوم.. وبدأ أنه وقت
مناسب للبدء في استكشاف الأراضي التابعة للقصر .."زانادو" أملاك تحتوي على خمسة عشر فندناً ،
هي تعرف من قراءانها أن العناية بالأرضي المحيطة بالقصر لا تقل أبدا عن العناية به.
خرجت عبر باب جانبي صغير لتجد نفسها تسير عبر مشتل أزهار مخفي تحيط به أشجار
النخيل الخضراء .
سارت أليدا في ممر حجري بارد مابين شجرتي تين بنغالي متشابكتين، ووصلت إلى مرج أخضر يحده
من الجانبين نخيل ملكي.. يتوج المرج بركة سباحه مرصوفة ببلاط متعددة الألوان .
وقفت تتأمل المنظر ويدها تحمي عينيها من حدة شمس المغيب.
لمحت شخصاً يعتني بمشتل من ورود "الببتوتبا" البيضاء..رأت خلفه سياجاً مرتفعاً قدرت أنه ملعب التنس .
رآها الرجل الصغير الجسم فبادرها قائلاً:
_مساء الخير..أنت الآنسة برايس أن مل أكن مخطئاً.. أنا كالب ماكنلي ، زوج مارغريت.
ارتاحت أليدا على الفور لهذا الرجل غير أنها دهشت لكون هذا الرجل الصغير الجسم زوجاً لمارغريت السمينة.
قالت له:
_كنت أتعرف للحديقة .
_آه.. أنها جميلة.. أليست كذلك؟ لكن يا للأسف .. فحين يبدأون ببناء المجمع السياحي سيزول هذا الجمال كله
ليقام مكانه مرآب للسيارات .
ارتعبت أليدا:
_أوه... لا ! بالتأكيد لن يسمح أحد بذلك ! كل هذا الجمال وخانها صوتها وهي تنظر إلى الواحة الخضراء.
هز كالب رأسه:
_ أجل .. أخشى أن يكون الأمر كذلك .. ما أن يتم تقييم الأثريات وتصنيفها ونقلها .. سيتحرك البولدوزر ليزيل
بدقائق ما تطلب سنوات لإنشائه .
سارا جنباً إلى جنب يرشدها كالب إلى نباتات استوائيه غير مألوفة .. أخيراً سألته أليدا عن السنوات
التي عاشها في "زانادو".. فرد متفاخراً:
_منذ خمس وثلاثون سنة ، ومارغريت كذلك . نحن عيش هنا بشكل دائم ..فيما مضى كانت السيدة راولي
تستقبل العديد من الضيوف في موسم السياحة .وكنا نضطر لاستخدام عمال أكثر ، أما الآن فلا يوجد سواي
ومساعد أطلبه في بعض الأوقات .
أشار إلى مشتل فارغ للزهور :
_ كنا نبدل الأزهار كل أسبوعين بناء على رغبة السيدة راولي بالتجديد. حمداً لله أنها ماتت قبل ان ترى المصير
الذي آل إليه "زانادو".
ألح كالب عليها لتنضم إليه وزوجته على العشاء في شقتهما الجميلة خلف المطبخ الرئيسي حيث تناولوا السمك المشوي .
شربوا بعدها القهوة في غرفة جلوس صغيرة ، وراحا يقصان عليها حكايات المشاهير الذين زاروا القصر . وهي تصغي باهتمام بالغ.. أحست أليدا بحنين إلى أيام مضت ونمت لو أنها شاهدت "زانادو" في ذلك الوقت .
عادت أليدا إلى غرفتها تراودها رغبة ملحه في السباحة .. ارتدت ألبكيني ولفت نفسها بروب أبيض ثم اتجهت
إلى بركة السباحة .
كان القمر قد لامس البركة بشعاع فضي جعل ماءها يأسر النجمات المتلألئة فوقها ويحتفظ بها فوق سطحها الساكن ..
ارتجفت أليدا من الإحساس الذي تركه الروب وهو ينسدل عند قدميها .. ثم رفعت ذراعيها فوق
رأسها وغطست ..سبحت إلى الجهة الأخرى من البركة ، لكنها ارتعبت وهي عائده لسماعها صوتاً بقربها
تجمدت في مكانها لا تكاد قدماها تلامسان أرض البركة .
إنه بن دون ريب.. سباحته البطيئة المتزنة أوصلته إلى أخر البركة.
ورجع بسهولة وخبرة عالية إليها ، قالت:
_لقد أخفتني .
قال ساخراً:
_أوه؟ أردت فقط أن أرى ما إذا كنتِ تجيدين السباحة حقاً.
كرهت سخريته :
_بن.. لماذا لا تدعني وشأني ؟واضح أننا لا نتفق..وأنني لا أعجبك..فالأفضل لكلينا أن نتجنب بعضنا البعض.
اشتعلت عيناه في وجهه وكأنها نيران متقدة.، اقترب منها قائلاً :
_بالعكس .. أليدا برايس .. أنتِ تعجبيني جداً.
ردت بلؤم :
_لديك طرق عجيبة في إظهار إعجابك ..ولقد بدأ مؤكداً بعد ظهر اليوم أن إعجابك لا حدود له .
_سأظهر لكِ ما يعجبني .
وشدها إليه بحركة خاطفة ... أرادت أن تنسحب لكنها لسبب ما لم تفعل ، بل وجدت نفسها تستجيب له بحرارة
لم تشعر بمثلها نحو أحد من قبل .
كانت تلهث بين يديه مقطوعة الأنفاس حين تركها ، فتمايلت مبتعدة . غاصت عميقاً في الماء ، ثم سحبت بقوه
نحو السلم في نهاية البركة.
لكن بن وصل إلى السلم قبلها ، ووقف مغموراً بالمياه حتى خصره ينظر إليها بنصف ابتسامه مرحه ثم علق :
_ تبدين جميلة جداً وأشعة القمر تتسلل من بين خصلات شعرك .
مد يده إلى خصلات شعرها المبللة يعبث بها .. أحست أليدا بوجدوه الرجولي القوي ، لكنها تمالكت نفسها
ونظرت إليه بحدة وهي تدفع يده عنها ، ثم تسلقت السلم إلى حافة البركة .. وبحركة سريعة انحنت والتقطت
الروب تلف جسمها به، ثم جرت بصمت فوق العشب المرج لتهرب من بن ومن مخاوفها التي لا تجد لها تفسيراً
لها.
نظرت إلى الخلف نظرة خاطفة فوجدته واقفاً قرب البركة ، يحدق إليها وذراعاه متمسكتان بالسياج ،
وظنت أنها رأت لمعان أسنانه البيضاء وهو يبتسم !
انتهى الجزء
***