أغمضت أليدا عينيها محاولة للتخفيف من توترها..وفكرت جدوى أخبار قصتها بالتفصيل : كيف جاءت إلى بالم سبرنغ مع والدها الخبير بالأنتيكات ،وكيف خططت لتساعد في جرد محتويات "كزانادو" وبيعها.. ذلك القصر الشهير في بالم بيتش المقرر إزالته لإقامة ناطحة سحاب مكانه.
كان والدها أعلن بحماس:
_ستكون عطلة حقيقية ما ان ننتهي من "كزانادو" حتى نأخذ عطله طويلة نقضيها في أحدى جزر "فلوريداكيز" أو ربما في الباهاماس ، فنحن نستحقها .
ما أن وصلا إلى الفندق حتى وأصيب والدها نوبة قلبية أودت بحياته، وكان صعب عليها القيام بإجراءات الدفن . وهي تدرك أن الأمر سيكون أكثر إيلاماً عندما تعود إلى شقتها في شيكاغو لتجد نفسها وحيده .
أخيراً استسلمت أليدا للنوم بعد الإجهاد الذي تعرضت له .. عندما استيقظت من غفوتها كن لون السماء تبدل من اللون الرمادي إلى ألازرق ، حتى أنها كانت ترى النجوم بوضوح تام . غير أن بن لم يكن موجوداً بقربها. اتكأت على مرفقها وراحت تتفحص ما يحيط بها..
كانت الكابينة منزلاً صغيراً يقع عند طرف الشاطئ . تمر من خلفه الطريق الساحلية ..أما من الداخل فكانت النوافذ واسعة تبرز منظراً شاملاً للمحيط، وحول النوافذ ركبت ستائر لماعة مزهرة . قرب أحدى الجدران وضعت طاولة مرتفعه / وفي الجهة المقابلة لها كانت توجد مدفأة تجاورها صخره مصنوعة من الصدف ذي اللون الأصفر .رأت أليدا من خلال باب له فظهرت غرفة تستخدم لتناول الطعام مع أنها لم تستخدم لهذه الغاية،
منتديات ليلاس
فيها طاولة واحده عليها عدة زجاجات وأنابيب ، لكن ما لفت نظرها وجود لوحات عدة لم يكتمل رسمها بعد بالإضافة إلى منحوتة خشبية كبيرة لم تكتمل هي الأخرى..
سمعت أليدا برادأ يفتح ويغلق في المطبخ الصغير إلى يسارها ..وسرعان ما برز بن و قدم لها السندويشات
كانت جدً جائعة ..فالتهمت سندوتشين قبل أن تعي أن بن يراقبها ..كان يميل فوق الطاولة وهو يضع أحدى قدميه على المقعد الخشبي والأخرى على الأرض.
قالت بعد أن ضاقت ذرعاً بطريقة تفرسه فيها :
_لماذا تحدق إلى بهذه الطريقة ؟
_أنا أتأملك فقط..على أية حال ..إن إنقاذي لحياتك يعطيني الحق في أن أحدق إليك ساعة أشاء ،و بطريقة التي أوريدها .. ثم انظري إلى نفسك ، فمع انك تبدين أفضل حالاً مما سبق ، إلا انك ما زلتي شاحبة الوجه ،وشعرك خشن الملمس ينقصه التصفيف ، أنتِ لا تعجبينني .
قالت بلهجة ساخرة:
_لقد اكتفيت من انتقاداتك .. أرجوك ..ساعدني للوصول إلى الفندقي فتريحك نفسك من عناء الاهتمام بي ..
_لا.. لا يبغي أن تكوني وحدك بعد ان كدتِ تغرقين ..يجب ان تبقي تحت عناية شخص ما.. ويبدو أن المهمة وقعت تحت عاتقي.
تصرف بن راولي أشعرها بالعجز والغيظ في آن معاً ..شدت قبضتها بغضب.. واضح أن بن على حق.. فهي ليست قويه بما يكفى لتذهب وحدها إلى شقتها ..
كان الملح قد جف على وجهها وجسدها ..والتصق شعرها بفروه رأسها ،كانت مترددة لا تدري ماذا تفعل ولابد إن ارتباكها كان واضحاً لبن.، فقد دخل مسرعاً إلى الغرفة المجاورة ..وما لبثت أن سمعت بعدها خرير الماء.
عاد بن متهجم الوجه يلف منشفة سميكة حول عنفه، تقدم نحوها دون أن ينبس ببنت شفة ورفعها فوق ذراعيه بخفه .
صاحت به وهي تضرب صدره بقبضتها:
_أنزلني! ما لذي تفعله؟
_سأمتعك بدش ساخن لطيف..لقد اغتسلت وأنتَ نائمة..وصدقيني .. هذا يسعرك براحه تامة ..توقفي عن الاحتجاج .
_لا يمكنك إن تحممني! .. لن أسمح لك بذك أنزلني!
_ اهدأي..لا أنوي أن أحممك مع أن الفكرة مغرية ..سأحملك فقط إلى الحمام ..ولأن كوني فتاة عاقلة ،وتوقفي عن التلوي.
أدخلها إلى غرفة صغيرة تنعدم فيها الرؤية لكثافة البخار المتصاعد فيها ، بالرغم من استيائها من تلك معاملة التي لم ترى فيها لباقة أحست أليدا بالهدوء والانتعاش تحت المياه الساخنة..أبقت رأسها تحت الماء المتدفق لفترة طويلة ليزيل عن شعرها ما تعلق به من الملح، كان بن صادقاً في وعده فقد تركها بسلام ما أن تأكد إنها قوية بما يكفي لتستطيع الاعتماد على نفسها .
نشفت نفسها بمنشفة كبيرة ولفتها حولها ،وفي هذه الأثناء عاد بن يحمل ثوباً حريرياً. لاحظ نظرتها المتسائلة لكنه لم يعطيها تفسيراً لوجود الثوب الأنثوي وتركها وحدها لترتدي الفستان .
وقفت أمام المرآة تتأمل صورتها ..ما عدا الخدش في ذقنها ..لم تكن تبدو سيئة الحال بالنسبة لتجربتها المرعبة .. كان شعرها الأسود يتأرجح فوق كتفيها ..ركزت نظرها على وجها البيضاوي وتلمست الخدش في ذقنها بحذر ، وطمأنت انه سرعان ما سيشفى ..إنها محظوظة لكونها مازالت على قيد الحياة ، ولم تتعرض سوى الإصابة طفيفة.
كان بن يجثو أمام النار ،يضيف إليها الحطب استدار ينظر إليها بإمعان وهز رأسه :
_ تبدين أفضل حالاً ..أتشعرين أنك على ما يرام؟؟
غاصت أليدا في الأريكة الممتلئة وسائد وأجابت:
_ أجل ..شكراً لك
فأشار بيده :
_بإمكانك النوم على السرير ..أو على الأريكة.. أيهما تفضلين؟
كان في صوت النار ما يشعرها بالأنس ،فاختارت الأريكة.
أحضر لها بن البطانيات ثم قال :
_أراك في الصباح.
دخل إلى غرفة النوم وأغلق الباب وراءه
استيقظت مطلقة عدة صرخات ..كانت تحلم أنها تسير وحيدة على الشاطئ مع أبيها ترمي الحصى فوق صفحة الماء البحر الساكن . وهي تغطي عينيها من وهج الشمس المنعكس فوق الماء، لاحظت حركة خفيفة فوق الأفق البعيد .. فحدقت إليها جيداً لتبين ما هي ..بالتدريج بدأت أمامها الموجه تتعاظم .وتزداد سرعتها وهي تتقدم نحوهما ،كانت موجه كالبرج ولها قمة بيضاء تكبر لكما دنت منهما، استدارت هي وأبيها ليهربا بعيداً عنها لكن الأوان قد فات حيث قلبتهما الموجه العاتية رأساً على عقب.
أحست أليدا أن يد أبيها تنفلت من يدها..والتيار المجنون يجذبها إلى الأسفل لقد أصبحت تحت ..في أعماق المحيط تكافح لتتنفس ..رئتاها امتلأتا بالماء كافحت بعناد لتطفو على سطح الماء ..وحين وصلت كان المحيط عاد إلى هدوئه السابق، لم يبق أثر للموجه الغادرة .. ولوالدها كذلك .. نادته بفزع ولم يُجب.. بكت بحسرة ولم تستطع أن تعرف ما إذا كان طعم الملح في فمها ما الدموع أم ماء البحر . وكان كابوساً مرعباً .
صيحتها أخرت بن من غرفة مذهولاً ،وفي لحظة ركع على قربها يضمها بين ذراعية . يسمد شعرها بحنان غريب ...تعلق أليدا به لم تعد ترغب بعد حلمها الرهيب بأي شيء أقل من الاطمئنان لوجود كائن بشري بقربها كان الكابوس رهيباً ..لكن العودة إلى الواقع وإدراكها إنها فقدت والدها إلى الأبد لم يكونا أقل رهبة منه..
بعد إن هدأت أليدا ..أتاها بن ببطانية أخري تقيها من برودة هواء الليل ..
وتركها وحدها تفكر باهتمامه المفاجئ بها ..فمنذ أن أنتشلها من المحيط لم وترى فيه ذلك الجانب الحنون من شخصيته الذي ربما كان يخفيه وراء طبعه الحاد ، وإذا كان الأمر كما تعتقد فلربما أصبحا صديقين.. أسعدتها الفكرة وسرعان ما نامت على إيقاعها .
تسللت شمس الصباح مبكرة عبر ستائر النافذة لتوقظ أليدا .. كانت النار في المدفأة كومه من الرماد .. ولم يكن بن موجوداً..وقفت بحدة تختبر قوتها وسرت أنها تعافت مما أصابها ، تقدمت نحو النافذة فنظرة إلى الشاطئ.
كانت الشمس تقبل ألرمال الذهبية .وطيور النورس تحلق على ارتفاع من خفض باحثة عن وجبتها الصباحية ..و إيقاع الأمواج الهادئ كان ثابتاً بعكس ما حصل بالأمس تماماً..
كانت شاردة تتأمل المحيط والشاطئ..حين سمعت صوت الباب استدارت فرأت بن الذي نظر إليها نظرة تفحص ، قبل أن يضع الحطب الذي يحمله بقرب النار .
منتديات ليلاس
_تبدين على ما يرام هذا الصباح
تذكرت الليلة السابقة :
_لليلة أمس .. تكلمني كابوس.
عاد الجانب الطيف من شخصية للاختباء خلف تصرفات جافة..
فهز رأسه دون إن يرد .. ثم فتش في الخزانة حتى وجد بنطلون جينز وكنزه ورمها إليها وهو تقول :
جربي إن كان يناسبك .
خلعت ثوب النوم والروب في الحمام ، وارتدت الجينز الذي كانا واسعاً عند الخصر، لكنها وجدت دبوساً أمان في أحدى ألأدراج وثبتت البنطلون جيداً ..الكنزه كانت كبيره كذلك .. كان شعرها قد عاد إلى طبيعته الحريرية البراقة فمشطته إلى أن أخذ يلمع وربطته إلى ألخلف برباط مطاطي ، ثم تفحصت صورتها في المرآة .اختفت الدوائر السوداء الذي ظهرت بعد موت أبيها تحت عينيها ..كانت بشرتها شفافة بلون العاج ..وبدأ الخدش يتماثل للشفاء
كان بن يقف عند النافذة حين عادت فقال:
_تعالي فلنذهب لتناول الفطور
_سأعود للفندق لأجهز أمتعتي ..فلقد حجزت على متن إحدى الطائرات التي تقلع اليوم
_أنتِ بحاجه لتأكلي شيئاً ..على أية حال ألا تريدين أن ترى المنزل
_أي منزل ؟
_ أتعنين حق أنكِ لا تعرفين .؟
_لا..وهل يجب ان أعرف؟
_معظم الناس يعرفون.هذا الكابيين جزء من قصر شهير كانت تملكه المصلحة الاجتماعية الراحلة السيدة شيلا بندكت راولي .. هل يعطيك هذا عن أي قصر اتحدث ؟
شهقت؟
_زانادو؟لم اكن على علم بذلك! لكن كيف لماذا ..
نظرت إلى الكابينة وكأنها تراها لأول مرة ..ثم عادت بنظرها إلى بن الواقف وذراعاه متشابكتان لترى علامات البهجة تبرق في عينيه: أنا أبنها
دار تفكير أليدا في دوائر مفرغة ..يا لقسوة القدر ..زانادو هو القصر الذي جاءت مع وأبيها ليعملا فيه !
قالت بلهفه :
_بالطبع أحبُ ان أراه