مع ذلك , وبالرغم من قبول بن الحذر بها , فقد انتظرت ليلة أمس بدون جدوى ان يبدر منه
ما يشعرها أنها لم تعد موضع ريبة منه ..
صحيح انها أصبحت الآن تقرأ الاهتمام في عينيه وان عناقه إياها أصبح حساساً ..
لكن هذا ليس كافياً ولا يمكن أن يكون بديلاً مرضياً عن قوله "أحبك"
تلك الكلمة التي تتوق لأن تسمعها منه .. كان يساورها إحساس بأنه مازال متحفظاً تجاهها
لسبب ما يدور في ذهنه.. وإذا كان إحساسها صادقاً , ستضطر لأن تظهر له بالأقوال والأعمال
أن حبها وولاءها له ولزانادو وهما فوق الشبهات .
انتهت سلسلة الأفكار والصور التي تعاقبت على ذاكرتها , وأصبحت مستعدة للعودة إلى النوم ,لكنها
كانت تسمع عدة أصوات لتحركات في المنزل , وظنت انها سمعت صوت سيارة تغادر
الفناء الخارجي من ان الشمس لم تكد تطل من المشرق .
في الثامنة , نهضت من لسرير , ارتدت ثوب تنس وفي نيتها انها بعد عملها الصباحي ,
قد تأخذ فترة استراحة لتجرب ملعب التنس في زانادو .. وربما استطاعت لإقناع بن بلعب بضع
جولات معها .. هكذا عملت المضرب التنس قبل أن تنزل لتتناول الفطور .
لكنها تعجبت حين وصلت المقصورة ’ لترى الطاولة محضرة لشخص واحد .. ودون تردد ذهبت إلى
المطبخ وسألت مارغريت ما إذا كانت ستأكل بمفردها .
_اجل .. هذا صحح .. فقد طلب مني السيد بن أن أقول لك بأنه أسف جداً لانه لم يستطيع
وداعك .. لكنه تلقى في ساعة متأخرة من ليل أمس مكالمة هاتفية هامة ,
منتديات ليلاس
وسافر هذا الصباح إلى "تالاهاسي" في عمل ,أوصاني أن أخبرك أنه يتعلق بزنادو وستفهمين.
هزت أليدا رأسها .. ومع ذلك لم تقدر على إخفاء حيرتها , فهي تعرف أن موعده مع
الحاكم لن يحين قبل أسبوع القادم .. لذا بدا لها من الغريب ان يسافر إلى العاصمة الولاية باكراً ..
خير أم شر .. أغلقت تفكيرها عن الإمكانية الأخيرة مصممة على تجاوز الإحساس بالوحدة.. فهذا
صباح تطلعت فيه إلى رؤية بن بلهفة حتى أنها كانت تحتاج إليه..
قالت لمارغريت :
_سأحمل فطوري بنفسي إلى المقصورة .
أعطتها مدبرة المنزل صينية مليئة بالبيض والنقانق والتوست والفاكهة والقهوة .. وهذا أكثر
مما تستطيع ان تأكله .
حتى جمال الطبيعة الأخاذ الذي يضفي على الفناء المبلل بندى الصباح سحراً وروعة , لم ينجح
في تخليص أليدا من مزاجها المكتئب الذي ما برح يلازمها .. أخذت تتلاعب بطعامها وتتساءل لماذا تغير
موعد رحلة بن إلى " تالاهاسي" وفكرت كذلك برحلة مايس إلى آسبن .. كانت تعرف أن جورج سايلور
ما يزال في المتشفى .. وبكل تأكيد رحلته إلى هناك لها صلة بزانادو . نظرت أليدا إلى الموقع الرائع ..
ولأول مرة ندمت لأنها لم تقل لبن كل ما تعرفه عن تحركات مايس ,
فلو فعلت , لربما كان لزانادو فرصة أكبر للإنقاذ ..
كانت قد قررت أليدا بتصنيف الأشياء الموجودة في غرفة استقبال الطابق الأرضي .. سارت في طريق مختصر
عبر قاعة الرقص الكبرى ودخلتها للمرة الأولى منذ ليلة الحفلة .. كانت الثريات الكريستالية تلمع
تحت أشعة الشمس .. لكن بالنسبة لأليدا كانت تنظر إلى قاعة الرقص وبداخلها
إحساس حزين .. ربما لونت تجربتها التعيسة هنا مشاعرها نحو هذا المكان إلى الأبد ..
توقفت أليدا وسط باحة الرقص , محاولة استعادة الإحساس بالخفة والرشاقة اللتين أحست
بهما وهي ترقص .. مكان الفرقة الموسيقية كان فارغاً والبيانو اللماع مقفل , ولا أنغام موسيقية ناعمة ..
حاولت أن ترقص بضع خطوات منفردة , لكن مزاجها المتقلب لم يسعفها .
لا .. من المستحيل استعادة سحر تلك الأمسية .. سارت نحو الباب بكسل , ثم انحنت تلتقط
شيئاً وقع دون اكتراث وراء الطاولة .
كان مروحة صغيرة من قشر اللؤلؤ المصنع , قلبتها أليدا بحذر بين يديها .. معجبة بالتصميم
الرقيق لكل ضلع منها ..
واضح أن سيدة أضاعت هذا الشيء الثمين الجميل , وأقفلت المروحة مقررة أن تضعها في مكان
أمين , فلا شك أن من أضاعه سيعود لتفتيش عنها .
ارتفعت معنويات أليدا قليلاً حين دخلت غرفة الاستقبال الرئيسية .. كانت إحدى
اجمل الغرف في اقصر ..
أسرعت إلى النوافذ المقوسة المرتفعة , تفتح مصارعيها الخشبية لتدخل أشعة الشمس ..ثم وقفت
لحظات تنظر إلى السقف المذهب يشع نوراً فوقها .
ثم بدأت بتعداد محتويات الخزائن الإسبانية الضخمة المصنوعة من خشب الجوز القائم المحفور,
والمصقولة بحرقة وبراعة حرفيي العصور القديمة , كانت هذه الخزائن تحتوي على مجموعة
من الساعات المرصعة بالمجوهرات .. لم تدرك أن وقت الغداء قد حل
إلا بعد أن نظرت إلى ساعتها بعد وقت طويل .
كانت مارغريت تضع اللمسات الأخيرة على طبق من سندويتشات الدجاج , حين وصلت أليدا المطبخ
وقالت معتذرة لها :
_آسفة .. لقد تاخرت قليلاً اليوم في إعداد الطعام بسبب انشغالي بتنظيف القاعة بعد
حفلة الرقص الأخيرة .
قالت أليدا :
_أخشى أن يكون الزمن غافلني أنا أيضاَ .. هل تناولت غداءك ؟
فأنا لا أحب أن أكل وحدي مرة اخرى .