رن الهاتف , فتح آدم الباب بأرتياح وتوجه نحو مكان الهاتف , بعد لحظات عاد وبرفقته السيدة لاسي التي جلبت صينية القهوة .
أحتجت المربية قائلة:
"لن تذهب من دون أحتساء القهوة , يا دكتور".
" بلى , فهناك أمور طارئة".
سألت ماريا :
" ماذا يجري؟".
" أحد المرضى أصابته نوبة قلبية ,ولذلك يجب أن أذهب بسرعة , أنني متأسف , لكن الواجب يناديني".
وفي الواقع كان سعيدا جدا لأنهاء هذه المادثة , وهذا كان ظاهرا في عينيه.
لم تعلق ماريا على ما قاله ,وبعد لحظات , أقلعت سيارة الروفر .
في حوالي الثانية بعد الظهر قررت ماريا أن تقوم بنزهة في شوارع لندن برغم معارضة السيدة لاسي وأنذاراتها.....
حملت الفتاة سترة صوفية وخرجت من المنزل , كانت تشعر بأنزعاج والنزهة لا شك أنها ستغير مزاجها الكئيب , أمس, في مثل هذه الساعة , كانت تشعر بغبطة ومرح , , وكان قلبها مليئا بالأمل! أما اليوم فهي حزينة وفاترة الهمة .
منتديات ليلاس
حاولت ماريا أن تتذكر آدم عندما كان يأتي الى كيلكارني , ووجدت صعوبة أن تقيم مقارنة رجل الماضي ورجل الحاضر , في الماضي كانت ماريا ما تزال صغيرة , متأثرة بتجربة آدم وحكمته , كان في ذلك الوقت شديد الأنسانية وكريما وعل أستعداد دائم أن يسمع مشاكلها , وأن يسألها عن مستقبلها , كم تغير اآن! فهو الآن يتصرف عكس ما كان عليه , أذ أنه يعتبرها عبئا , هل ينوي منعها من الأقامة في منزله ؟ هل تصرفت بعجلة كما يلمح لها ؟ وتنهدت ماريا لهذه الأفكار وشعرت فجأة بحنين الى المنزل الوالدي في أيرلندا.
وصلت الفتاة الى الشارع العام في كينغستون , توقفت لحظة فهي لا تعرف أي طريق تسلكه وندمت لأنها لم تشتر خارطة المدينة , كانت تعتبر أن آدم هو الذي سيأخذها عبر العاصمة البريطانية .
وراحت تمشي كيفما أخذها التيار متابعة من دون حماس الشارع الرئيسي , فجأة وجدت نفسها في ساحة البيكاديلل , وراحت تكتشف الأماكن العززة على السياح , ونسيت لفترة مؤقتة مشاكلها . فهي الآن في قلب العاصمة , هذه المدينة المشهورة التي طالما سمعت عنها من جميع معارفها.
أمضت ماريا فترة بعد الظهر في زيارة المكان وهي تنظر بأنفعال الى المباني الأثرية والبيوت القديمة التي تشهد الماضي , وراحت تتأمل من أعلى جسر لندن حركة الناس , ثم أرتعشت لدى رؤيتها برج لندن المشهور , تاريخ أنكلترا داخل هذه الحصون! في هذا البرج بالذات سقط رأسا ملكتين , كما يحفظون في الداخل مجوهرات التاج , ووعدت نفسها أن تزور البرج في أحد الأيام , كما أن هناك أماكن عديدة ترغب في رؤيتها , لكنها تفضل أن تزور هذه الأماكن برفقة شخص آخر!
بدأت الشمس تستعد للمغيب , شعرت ماريا بالكرب لمجرد أن تجد نفسها من جديد وحيدة في غرفة الطعام الشايعة.
أغرورقت الدموع في عينيها لكنها كبتتها بعزم وراحت تمشي مصممة أنه لا يجب عليها البكاء , جاءت الى لندن بملء أرادتها وستحاول أن تستفيد قدر الأمكان من أقامتها أذا ما قررت البقاء هنا.
عادت ماريا الى ساحة البيكاديللي , وشعرت بالذعر القريب من الجنون , كان الأزدحام في أوجه , حاولت أيقاف سيارة تاكسي , لكن الجمهور كان كثيفا وحركة السير جامدة , ففضلت التوجه الى مقهى صغير لتأكل سندويشا وتحتسي فنجان قهوة بأنتظار أن يخف أزدحام السير , وشعرت بفرح لجلوسها في المقهى تحتسي فنجان قهوة بهدوء بينما الأزدحام يزداد قوة في الخارج , ستنتظر أن تخف حركة الناس في الشوارع , فوضعت يديها في جيبي سترتها الصوفية وأتجهت نحو الهايد بارك.
لما وصلت الى الحديقة العامة , أحست ماريا بثقل في ساقيها , فأختارت مقعدا لترتاح عليه قليلا , ثم خلعت حذاءها لأن قدميها تورمتا , من المستحيل أن تستطيع العودة الى المنزل مشيا على الأقدام! لذا عليها أن تستقل سيارة تاكسي!
جلست أمرأة عجوز قربها وأبتسمت لها وقالت بلطف بعدما ألقت نظرة سريعة الى قدمي الفتاة:
" حسن أن تستريحي قليلا ".
" نعم , أمضبت كل فترة بعد الظهر في المشي".
أنتعلت حذاءها بألم , فقالت العجوز:
" صحيح؟ أنت لست بفتاة أنكليزية , أليس كذلك؟".
" كلا , أنا أيرلندية ".
" هذا ما كنت أظنه , وأعتقد أنك وصلت الى لندن لتوك , أليس كذلك؟".
تنهدت ماريا قائلة:
" نعم, أن لندن مدينة كبيرة , أليس كذلك؟".
" طبعا ,والأمر يكون صعبا أذا كان الزائر لا يعرف أحدا , هل تبحثين عن عمل ؟ في فندق؟".
قالت ماريا وهي تهز رأسها :
" لا , كلا! أريد متابعة دروس السكريتاريا , أحب أن أعمل في مكتب ".
منتديات ليلاس
كانت المرأة الغريبة تنظر اليها بأمعان فقالت:
" في مكتب؟ صحيح؟ أنت أذن لا تبحثين عن المجد".
قالت ماريا مبتسمة :
" لا , لا أعتقد".
ظلت العجوز تنظر اليها بأمعان ملح وتردد :
" في مكتب ,يا للصدفة! ما رأيك لو أجد لك وظيفة , في مكتب بالطبع, أذ لا تحتاجين الى ثقافة محددة؟".
سألتها الفتاة وقلبها يخفق بسرعة :
"وظيفة؟ في مكتب؟ صحيح؟ هل تستطيعن ذلك؟".
" في الواقع أعرف صديقا يبحث عن فتاة شابة جميلة لتعمل في تنظيم الحسابات , أنه عمل سهل والراتب جيد , أنه عمل للمستقبل , هذا بالضبط ما يلزمك!".
دهشت ماريا وقالت:
"لا أعرف كيف أشكرك على هذا".
أبتسمت المرأة العجوز وقالت:
" أرجوك , لا شكر على واجب , الآن أعطني عنوانك وأنا سأهتم بالأمر....".
فجأة أنبثق ظل أمامهما , فوجئت ماريا ورفعت رأسها .