2- الزائرة الوقحة
أفاقت ماريا مذعورة , أين ستائر الدانتيل على نافذتها والغطاء المحيك على سريرها ؟ وخلال ثانية تساءلت أين تكون؟ لكن سرعان ما عادت الى ذهنها أحداث الأمس , فراحت تغوص بفرح تحت الأغطية المنعشة , طبعا , لم تكن في كيلكارني , أنما في لندن , عند آدم!
راحت تنظر في أرجاء الغرفة , الستائر الصفراء المقلمة تتلاءم بأناقة مع غطاء السرير ومع خشب أثاث الغرفة , يفترش الأرض بساط سميك قمحي اللون , وفكرت ماريا أن والدها ليس من نوع الرجال الذين يحبون الأشياء الفاخرة , كان باتريك شيريدان رجلا عمليا , وعاميا , وبزواج جيرالدين ماسي منه , نجحت لحسن الحظ في تغيير موقف زوجها وجعلته أكثر أنفتاحا وتسامحا مما كان عليه , وكانت دائما بجانب ماريا ومن رأيها , وبفضلها سمح للفتاة بالمجيء الى أنكلترا لتبع دروس السكريتاريا .
منتديات ليلاس
وكم حلمت ماريا برؤية لندن! فمنذ عدة سنوات ,لم تكن تنوي الا تحقيق هذا الحلم والهرب من الحياة الريفية في كيلكارني حيث كان والدها أحد أركان المجتمع هناك , لقد نشأت ماريا في الدير ولم تكن حياتها غير سلسلة متواصلة من القيود ,وبعدما أنتهت دراستها المدرسية ,أصبحت حرة في أن تتصرف كما يحلو لها , شرط أن يوافق والدها على مشاريعها.
بصعوبة كبرى توصلت الفتاة الى أقناع والدها بالمجيء الى لندن , ولو تردد آدم لحظة في أستقبال ماريا في ممزله , لرفض باتريك شيريدان على أبنته في المجيء , كانت ماريا تعي هذا الأمر جيدا , لذلك خاطرت في الهرب من دون أعلام زوجة والدها , وحتى لو أضطرت الى تخييب آمال تلك المرأة .
تنفست ماريا الصعداء ونهضت من سريرها , بدا والدها مغتاظا مساء أمس على الهاتف , لكنه لم يصر على عودتها , ثم أصبحت الفتاة هانئة البال , لأنها متأكدة من أن جيرالدين تعرف أقناعه بوسائلها الخاصة.
أقتربت ماريا من النافذة وفتحتها وأتكأت على طرفها , الهواء كان منعشا , أرتعشت قليلا , هل سبب ذلك البرد أم الفرح؟ فجأة بدت الحياة لها متحركة ونابضة ومليئة بالأمكانيات والآمال.
وفجأة رأت ماريا في اجهة الثانية للشارع عجوزا واقفة على عتبة بابها تنظر اليها بعينين مليئتين عتابا ,وفي الحال عرفت ماريا السبب , لأنها لم تكن ترتدي سوى قميص نوم قصير وشفاف , أغلقت زجاج النافذة بسرعة , أبتسمت لصورتها في مرآة منضدة الزينة , لا يجب أن تحدث عند الجيران صدمة في اليوم الأول وتندم عليها فيما بعد! لا شك أن الجميع سيتساءلون من تكون ولماذا تسكن في منزل الدكتور ماسيه , فآدم في سن الزواج والأشاعات تصبح في محلها , وتأخذ مجراها الطبيعي.
دخلت الفتاة غرفة الحمام الواسعة التي تفوح منها رائحة مسحوق الحلاقة وماء الكولونيا , ثم عادت الى غرفتها لتأخذ من حقيبتها ما يمكن أن ترتديه , فستفرغ محتواها فيما بعد , في الوقت الحاضر تتضور حوعا , الساعة تفوق الثامنة صباحا وفي أيرلندا من عادتها أن تتناول فطورها في ساعة مبكرة.
وبينما كانت ترتدي ملابسها كانت تأمل في أن تجد فرصة للتحدث مع آدم , ففي مساء أمس لم يتبادلا ألا الحديث العادي التافه , حيث سألها آدم عن أخبار والديها , لا أكثر ولا أقل , ثم توجه الى المستوصف في حي نسيت أسمه , وحسب ما قالته المربية , تناول العشاء في المدينة وأمضت ماريا سهرة مملة واعدة نفسها ألا يتكرر الشيء نفسه مرة أخرى .
وبسروال ليلكي ضيق وقميص بيج تضغط على خصرها , نزلت ماريا السلالم , ولما وصلت الى البهو ,ترددت وراحت تنظر حولها بأهتمام , البساط معرق بالأزرق والأ؟خضر , والأبواب بلون الخشب الفاتح , والخزانة ملمعة وضعت عليها باقة من التوليب والخنشار , كل شيء يؤكد ذوقا عميقا شديد التحفظ.
منتديات ليلاس
كانت تتساءل فيما أذا كان آدم يأخذ فطوره في الغرفة نفسها حيث تناولت مساء أمس طعام العشاء , حينئذ خرجت المربية من المطبخ وأقتربت منها , كانت تبدو متوترة
فقالت:
" آه , أستيقظت باكرا ,كنت.... على وشك أن أصعد اليك بالفطور لتأخذيه في سريرك , الدكتور أعتقد أنك ستكونين مرهقة بعد رحلتك الطويلة".
أكدت لها الفتاة بلطف قائلة:
" لست متعبة أبدا , يا سيدة لاسي , أنني أتمتع بصحة جيدة , من جميع النواحي , والآن أخبريني , أين آدم؟".
حاولت المربية أخفاء أستيائها لما ترتديه الفتاة ,كما أن ماريا كبتت ضحكتها:
" السيد آدم ينهي فطوره , يا آنسة , من هنا....".
فتحت المربية جريدة الصباح ولم يلاحظ وجودها- كم هو جذاب في بدلته القاتمة وقميصه البيضاء! وبسهولة أعتيادية , وضعت ماريا ذراعها حول عنقه وطبعت قبلة على رأسه كما تفعل عادة مع والدها كل صباح.
أنتفض آدم ووقف دافعا صحيفته من يده , ومبعدا خصلة شعره عن جبينه محتجا:
" ماريا!".
قالت في بسمة مشرقة:
" صباح الخير , يا آدم , أنني متأسفة على تأخري".
جلست على الكرسي أمام المائدة فأستعاد آدم برودة أعصابه وقال لها:
" لست متأخرة ,لا شيء يجبرك على النهوض باكرا , أما أنا فيجب عليّ أن أكون في المستوصف في الساعة الثامنة والنصف".
هزت ماريا كتفيها وأمسكت أبريق القهوة وسكبت لنفسها فنجانا صغيرا وقالت وهي ترشف قهوتها:
ط أحب كثيرا أن أنهض من النوم باكرا ,وفي كل حال , من الأفضل ألا تأخذ فطورك وحدك , قالت لي والدتك أنها كانت تتناول فطور الصباح دائما معك".
منتديات ليلاس
أجاب آدم بجفاف وهو يحتسي قهوته دفعة واحدة:
" الأمر يختلف كليا ".
" ولماذا أذن؟ أنا شقيقتك , لا تنسى!".
" أنت لست شقيقتي , بل أبنة زوج والدتي".
ضحكت ماريا وغيرت الحديث قائلة:
" م ,م , م , القهوة رائعة .... آه ! تأكل البيض واللحم عند الصباح؟".
" هذا شأني!".
" من دون شك , هل ستقدم لي السيدة لاسي الشيء نفسه أيضا؟".
أجابها بلهجة قاطعة :
" عليك أنت أن تطلبي منها ذلك!".