أسرعت الفتاة الى النافذة وفتحتها وتمكنت من طرد الفراشة خارجا . فجأة أنفتح الباب وأطل منه آدم مذعورا وقال وهو يرى الكرسي واقعا على الأرض:
" ماريا! ماريا! هل أصبت بأذى؟".
تلعثمت الفتاة مرتجفة:
" كلا... كلا.... كل شيء على ما يرام".
قال وهو يشير الى الكرسي بأصبعه:
" هل تعثرت بالكرسي؟".
أدركت ماريا أنها نصف عارية فرفعت يدها الى حنجرتها وقالت:
" لا, لا , رأيت فراشة أخافتني , هذا ... كل ما في الأمر".
لكن أمام عبوس أدم , قالت بغضب:
" ألا تصدقني! ماذا تعتقد أذن؟ أنني سقطت من شدة الخدر؟".
أقترب آدم منها وعيناه تلمعان غضبا , أمسك بكتفيها وقال:
" أسكتي ! ستوقظين السيدة لاسي".
قالت بسخرية :
" عيب أن يحدث هذا الأمر ,أليس كذلك؟".
" خفت أن تكوني قد آذيت نفسك ؟ هل هذا يدهشك؟".
" لنفترض أنني جرحت , ماذا كنت ستفعل؟ هل كنت تعالجني بلطف ؟ كما هي عادتك مع المرضى؟".
منتديات ليلاس
راح يداعب كتفيها بدفء وقال:
" ماريا.... أحذري! أنت تلعبين بالنار!".
شعرت ماريا بالهزال , أذ كان آدم ينظر اليها كما لم يسبق أن فعل من قبل , فهمست بلطف:
" لماذا؟".
" ألا تعرفين؟".
أستمر في مداعبة كتفي ماريا الناعمتين , ثم جذبها نحوه وراح يعانقها , فأحاطت الفتاة بذراعيها عنق آدم وراحت تداعب شعره وتستسلم لعناقه.
تمتم قائلا:
" ماريا! لقد جننا!".
لكنها ظلت تضمه بشدة نحوها وتعانقه وهو لم يكن قادرا على مقاومتها ,راح يقول :
" أنني أريدك , لا تدعيني! أنت.... الطاهرة , البريئة!".
فجأة شعرا أن أحدا يراقبهما , أمرأة مذعورة تقف على عتبة الباب , أبعد آدم الفتاة وصرخ من دون أن يصدق ما تراه عيناه:
" أمي!".
قالت ماريا بصوت خافت:
" جيرالدين!".
كانت جيرالدين شيريدان تنظر اليهما بأمعان ثم قالت:
" ماريا يا أبنتي , لا شك أنك متعبة , أخلدي الى النوم , سأراك غدا صباحا".
حاول آدم أن يسوي شعره وربطة عنقه , ثم أقفل أزرار سترته , لكن جيرالدين تابعت تقول وهي تلقي نظرة طويلة الى آدم:
" أما أنت يا أبني , فتعال الى غرفتي , يجب أن أكلمك".
" أذا كان عندك شيء ما , قوليه الآن في الحال , لست طفلا ولم أعتد دخول غرفة ماريا , المشهد الذي شاهدته الآن ليس سوى نتيجة أوضاع معينة , كان من المفروض عليك أن تعلميني بمجيئك !".
قالت السيدة شيريدان بصوت بارد:
" آدم , أنا أردد ما قلته, علي أن أكلمك".
قال آدم وهو ينظر نحو ماريا:
" أذن يا أمي , لا أرغب في المناقشة في الوقت الحاضر".
أقترحت السيدة شيريدان ببرود:
" على الأقل لنغادر غرفة ماريا كي يتسنى لها الذهاب الى فراشها ".
ثم خرجت من الغرفة رافعة الرأس , تردد آدم وسأل ماريا بلطف:
" هل أنت على ما يرام, يا ماريا؟".
قالت وهي متلعثمة:
" وأنت؟".
" كلا , لقد أحدثت كارثة , هل يجب علي أن أقدم لك أعتذاري؟".
صرخت وهو يغلق الباب وراءه :
" كلا... آه , كلا!".
نامت ماريا نوما مضطربا , وعند الصباح كانت تتألم من صداع رهيب في رأسها ,ولم تقرر النهوض من فراشها ألا عندما أصبحت الساعة العاشرة , لا شك أن آدم ذهب الى المستوصف , أرتدت سوال جينز وكنزة ,وبخوف نزلت لتواجه غضب زوجة أبيها.
كانت جيرالدين تقرأ الصحيفة في الصالون الصغير , وقالت مبتسمة لدى رؤية ماريا:
" أخيرا نهضت من فراشك , أجلسي هنا , سأطلب من السيدة لاسي أن تحضر لنا القهوة , هل أنت جائعة؟".
منتديات ليلاس
" كلا , شكرا ,دعيني أذهب أنا لأعلام المربية....".
" لا تبدين في مزاج طيب هذا الصباح , أنا سأهتم بالأمر".
جلست ماريا على الأريكة وجاءت بعد دقائق والدة آدم حاملة صينية وضعتها على الطاولة وسألتها:
"حليب وسكر؟".
" سكر فقط , من فضلك".
قدمت لها والدة آدم القهوة فجرعتها آخذة قرصي أسبرين معها , ثم أعلنت السيدة شيريدان بعد أن سكبت فنجان قهوة لنفسها :
" بأمكاننا أن نثرثر الآن ,والدك قلق عليك كثيرا , لأنك لا تكتبين اليه , لهذا قررت المجيء الى لندن وتمضية بعض الوقت".
" فهمت.... أنا آسفة لأنني لم أكتب بأستمرار.... لكنني كما تعرفين أكره كتابة الرسائل ".
" أتضح لنا الأمر , ماذا فعلت؟ هل تسجلت في مدرسة السكريتيريا؟".
" نعم ,بدأت الدروس منذ أسبوعين وتعجبني الدراسة كثيرا , كما أحب أنكلترا أيضا".
" عظيم , كنت أكيدة من ذلك , لا شك أنك أمضيت عطلة حلوة هنا , حتى الآن , للأسف أنك بدأت أخذ هذه الدروس , غير أن .... لكن ... لا يهم , سنجد مدرسة مشابهة قرب المنزل".
قالت ماريا نقطبة الحاجبين :
" لا أفهم , يا جيرالدين , ماذا تعنين؟".