كانت متقوقعة على نفسها في الأريكة عندما سمعته يدخل البهو ويفتح باب الصالون الصغير.
دخل آدم الغرفة وفك أزرار سترته وأخرج من جيبه سيكارا , ألقى نظرة الى الفتاة , لكنها ظلت تقرأ كتابها , لا تريد أن تنظر اليه.
قال فجأة وهو يشعل سيكاره:
" تصورتك في فراشك , في هذه الساعة المتأخرة".
رفعت الفتاة نظرها وأجابت:
" لكنني لست في فراشي , كما ترى".
بلع آدم الدخان عميقا وسألها:
" هل هناك بعض القهوة؟ هل تركت لي السيدة لاسي بعضا منها؟".
تظاهرت ماريا باللامبالاة وقالت:
"ليس عندي أي فكرة في هذا الخصوص أذهب الى المطبخ لترى بنفسك".
نظر آدم اليها طويلا قبل أن يخرج من الغرفة , خجلت ماريا من ردة فعلها , كان بأمكانها أن تبذل جهدا وتجلب له القهوة! فهو يقدم لها ضيافته! نهضت عن الأريكة وخرجت من الصالون الصغير ولاحظت ضوءا ساطعا من وراء باب المطبخ , ففتحته ودخلت , كان آدم يحضر لنفسه فنجان قهوة , فألقى نظرة سريعة نحوها ثم أكمل عمله , فقالت:
" ألم تترك لك السيدة لاسي شيئا من القهوة؟".
" لا , ألا ترين ما أفعله , ماذا تفعلين هنا؟ تصورت أنك منغمسة في القراءة؟".
" جئت متأخرا!".
قال بصوت منزعج:
" نعم".
ترددت الفتاة ثم قالت:
" أريد أن أحدثك".
منتديات ليلاس
" في أي موضوع؟ ألا يمكن أن تنتظري الى الغد صباحا؟".
" كلا...لكن.... سأبدأ دراستي غدا في مدرسة السكرتيريا ".
رفع آدم رأسه وقال:
" غدا؟ لم أكن على علم بذلك".
" أنتظرتك لأعلمك بالأمر , كان لي موعد مع المدير صباح اليوم".
" هل تسجلت في الصف الذي بدأت بدأت فيه الدروس؟".
" نعم".
" هل تجدين هذا القرار صائبا؟ لقد بدأت الدراسة منذ عدة أسابيع والمواد كلها جديدة بالنسبة اليك".
" لا يمكنني أن أبقى ثلاثة أشهر من دون أن أفعل شيئا!".
رفع آدم كتفيه وقال:
"القرار لك".
تنهدت ماريا وقالت:
" هل تريدني أن أبدأ دراستي الآن, أم لا؟ تصورت أنك ستكون مسرورا أن تتخلص مني باكرا!".
قال بحدة:
" لم ألمح اليك بهذا أبدا , تفعلين ما تشائينه , كالعادة!".
نظرت اليه الفتاة بأمعان ومن دون صبر قالت بغضب شديد:
" أنتظرتك حتى الآن كي أناقش الوضع معك , ليس الذنب ذنبي أذا كنت تصل في ساعة غير مناسبة , وأنت متعب وبمزاج عكر".
أقترب آدم منها وعيناه تلمعان غضبا ثم قال:
" لقد تجاوزت الحدود , يا ماريا! أنني لا أقبل أن يكلمني أحد بهذه النبرة!".
" أذن , سأصعد الى فراشي , أنت في مزاج لا يطاق , أنني آسفة , كنت أعتقد أن الآنسة غريفيتس تعتني بك كما يجب".
أمسكها آدم بكتفيها وأدارها صوبه وهو يهمس بوحشية:
" أذا كان الأمر يهمك , فلم أر الآنسة غريفيتس هذا المساء ,أنني عائد من مستشفى القديس مخائيل , لقد ماتت السيدة أينسلي منذ نصف ساعة".
ذعرت ماريا ووضعت يدها على فمها وصرخت:
" آه, آه, يا آدم!أنني.... أنني متأسفة....".
أزاح آدم يده عنها وقال بصوت قوي:
" أذهبي الى فراشك ,أنك على حق ,فأنا لست برفيق ممتع هذا المساء".
عضت ماريا على شفتها وقالت:
" أجلس , يا آدم, سأحضر لك القهوة".
" لا سبب لذلك".
أخرج فنجانا من الخزانة وألقى نظرة الى غلاية القهوة التي بدأت تغلي , فقالت ماريا وهي ترجوه:
" دعني أحضر لك القهوة! أرجوك! لا شك أنك جائع ,هل أكلت؟".
نظر اليها وقال:
" كلا , لست جائعا , ولست بحاجة الى أي مساعدة , أذهبي ودعيني وحدي".
ترددت ماريا , ثم خرجت من المطبخ دون أن تلفظ كلمة , أنها مخطئة وكل حساباتها سطحية خاصة في ما يتعلق بآدم.
لم تر ماريا آدم صباح اليوم التالي , أمام مائدة الفطور ,كالعادة , فقد أستدعي بحالة طارئة باكرا جدا , ولما عاد الى المنزل كانت قد ذهبت الى المدرسة , وبينما كانت تستقل الباص تذكرت أنها نسيت كليا أن تخبر آدم أنها ذهبت في الأمس لتلبية دعوة دايفيد الى الحفلة التي أعدها , في كل حال , بعد حديثهما الليلة السابقة , لم يعد آدم يهتم بما تفعله وما تشعر به , هذا ما كانت ماريا تعتقده.... كان يومها الأول في المدرسة مزدحما , كان عليها أن تتبع دروس الأختزال والطبع على الآلة الكاتبة واللغة الأنكليزية والمحاسبة والتجارة ,كما أعطاها المسؤول لائحة بالكتب , راحت تشتريها بعد أن تناولت طعام الغداء في مطعم المدرسة , وعادت الى المنزل في حوالي الرابعة والنصف ,حاملة عددا هائلا من الكتب والدفاتر.
ولما دخلت كان آدم جالسا في الصالون الصغير , رفع حاجبيه لدى رؤية هذا العدد الهائل من الكتب , فسألها بجفاف:
" هل تنوين أن تعملي في المساء ,أضافة الى كل ما فعلته في النهار؟".
وضعت ماريا حملها على الأريكة وقالت:
" ولم لا؟ لدي فروض علي! تحضيرها لنهار غد".
منتديات ليلاس
نهض آدم وتناول أحد الكتب وقرأ عنوانه , فقال :
" ليس هذا ضروريا".
سألت ماريا من دون أن تفهم:
" ماذا؟".
وضع آدم الكتاب فوق سواه وقال:
" كل هذه الكتب , أفهم أنك تريدين التهرب من جو كيلكارني الخانق ,لكن لا يجب أن تشعرب بضرورة متابعة الدراسة أذا كنت لا ترغبين بذلك, بأمكانك البقاء هنا والسكن معي لوقت معين , فلن أعارض وجودك هنا".
صرخت وشعرت بجرح في كرامتها:
" بالنسبة اليك, جئت الى لندن دون نية متابعة الدروس , أليس كذلك؟".
رفع آدم كتفيه وقال:
" أنني لا أشك بنواياك , لكنني أقول فقط أن هذا ليس ضروريا".
" ألم تطلب من سكرتيرتك أن تستعلم بخصوص المدرسة؟".
" الدروس تبدأ فقط في بدء فصل الخريف وكنت أعتقد أنه بأمكانك الأنتظار قبل أن ترتبطي".
صرخت ماريا غاضبة:
" وقبل أن ترتبط أنت أيضا! حين يكون بأمكانك أن ترحلني الى أيرلندا متى شئت!".
" بأمكان هذه الدروس أن تأخذ سنة بكاملها , آمل أن تكوني على علم بذلك".
" ليس في مدرسة خاصة !".
" كأنك نسيت العطل!".
زمت ماريا شفتيها لأنها لم تفكر بالعطل .
" حسنا , سأذهب الى أيرلندا خلال العطلة ,والآن.... لو سمحت.... ".
قال وهو يمسك بيدها:
" لا تدرسي الليلة".
منتديات ليلاس
هزت ماريا رأسها وقالت:
"لماذا؟".
" بدأت بالدراسة لتوك, أسترخي قليلا وألا أرهقت نفسك ومرضت , في كل حال , الطقس شديد الحرارة".
" ليس عندي شيء أفضل أعمله".
قال آدم وهو يداعب أبهام يد الفتاة:
" بلى , لدي زيارة سأقوم بها وبأمكانك أن تأتي معي".
" شكرا ...لا, يجب.... يجب أن أدرس الليلة , لديّ فروض ودروس لنهار الغد ".
قال آدم ببرود:
" حسنا , دعينا من هذا الحديث الآن".