كاتب الموضوع :
Rehana
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
قال في فتور :
" هل كان تعليقك هذا ضرورياً ؟"
فنكست رأسها , ثم نهضت لتساعد آرتيه في اعداد العشاء .... ولكنه ناداها متسائلاً :
"اللوحة ؟ هل بدأتها ام لا ؟"
فقالت :
"مجرد بداية . لا تستطيع ان تراها حتى ...."
ولكنه أصر على ان يراها . فأحضرتها بخجل وقالت محرجه , وقد اشاحت ببصرها :
"لست رسامة جيدة يا ليون ..... قلت لك هذا ."
وراحت تتأمل المرتفع المكسو بالأشجار , الذي ألف السياج الخارجي للحديقة .... فقال بصوت خافت ولهجة مثقلة بالفضول :
"ما الذي أوحى اليك برسم الطاحونة القديمة ؟"
منتديات ليلاس
واستدارت مطلة عليه من وقفتها , وهو ينشر اللوحة بين يديه يتأملها بامعان :
" إنها تجذبني على نحو غريب , فهي في بقعة فاتنة , والماء ينبثق من جانب التل! "
لم يعد يصغي اليها , وفي عينيه تعبير نصف حالم , ونصف حزين . بدا وحيداً بدرجة أليمة , وأمسكت هيلين أنفاسها لسبب لا تفسير له . كان زوجها في احدى حالاته التي يبدو فيها كطفل , فشعرت برغبة لا تقاوم في أن تحيطه بذراعيها .وشعرت بدبيب غريب في قلبها . منذ فترة وجيزة , قال وفي صوته رنة أسى , بأنه يود ان يشعر بذراعيها حوله احياناً , فتصلب جسمها , ولم تحاول اخفاء مشاعرها , لم يكن السبب نفوراً أو عزوفاً , إذن , فماذا ؟ وأدركت فجأة أنه ما كان متصلباً , وإنما اختلاجة ترفع وكبرياء لمجرد ستر شعور الندم الذي كان يخالجها كلما دار هذا الجدل بينها وبين ليون .
وأبرقت عيناها استنكاراً , لماذا تشعر بالذنب ؟ كان هو الملوم في كل شيء , وهو الذي يجب ان يزعج الندم راحته .
وقال وهو لا يزال غارقاً في افكاره :
"كان هذا بيت جدي , كان زاخراً بالاحفاد , لكننا تفرقنا , عندما غادر كثيرون الجزيرة بحثاً عن عمل في مكان آخر – كنا نجتمع قرب الطاحون في عيدي الميلاد والفصح . وفي كل عيد وعطلة .... والواقع ..."
وسكت قليلا , ثم قال :
"إن الطاحون ملكي , خطر لي أنك اهتديت اليها ."
اجابت قائلة :
"اكتشفتها مصادفة , وانا اتنزه مع الطفلين . كنا نهيم في هذا الدرب الصخري , وفجأة وجدناها : صورة جميلة , والماء يتلألأ تحت الشمس في انحداره على الصخور ."
قال والاعجاب في ابتسامته :
"ابدعت في رسمها ."
منتديات ليلاس
واشتد احمرار وجه هيلين وغامت عينا ليون , وهبطا جفناه فأخفيا مافيهما من تعبير . أتراها اخطأت الحكم عليه ؟ كانت تتصور كلما تأملها في نظراته اشتهاء . وقالت اخيراً :
"من المحزن انها خربة , تكسوها الحشائش , الا يمكن عمل شيء لأصلاحها ."
فقال : منتديات ليلاس
"الواقع انني انوي بيعها . ومن الغريب ان تختاريها بالذات لترسميها فأن فيل كان يقول – في الفترة الاخيرة – ان علينا الاحتفاظ بصورة لها على حالها , قبل ان يضيع طابعها في التجديد . والرجل الذي يشتريها ممول ثري من ابناء بلادك , أعتقد انه يعتزم ابقاء الكثير منها , لكنه سيجري طبعاً تعديلات كثيرة على المكان ."
أفعمت عيناها بالأسف . وخطر لها انها غريبة الاطوار , فالتجديدات من هذا القبيل – تحزنها دائماً . وقال ليون :
"إنني واثق بأنه سيحولها الى مكان جميل . من الافضل كثيراً اتاحة الانتفاع لشخص ما , لا بالمكان وحده , بل بالمنظر الطبيعي . فهو من احسن مناظر لابيتوس ."
قالت وهي تفكر وفي عينيها وميض رقيق :
" نعم .... البحر والجبال .... ماذا يبتغي المرء أكثر من هذا ؟"
وتنهدت بعمق , ونظرت نحوه . كانت عيناه تكنان أسى , ولكن صوته اكتسب رقة وهو يقول :
"سأعجب برسمك يا عزيزتي . كنت واثقاً من هذا ! "
وتلقت كلامه بابتهاج لأنه لم يستأ من رسمها .
|