لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-12-10, 12:25 AM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2010
العضوية: 175804
المشاركات: 34
الجنس أنثى
معدل التقييم: العنقاء الحزين عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
العنقاء الحزين غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : العنقاء الحزين المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

متأكد من أن الحفلة ستكون بهيجة . على كل حال بما أنني مسافر إلى روما غداً فأن وقتي هذا المساء مشغول جداً ."
نظرت إليه ذاهلة وقد بدا عليها الارتباك ، ثم توترت لهذه الجملة القاسية فهو لم يرفض طلبها فقط ، بل سيترك البلاد غداً . كيف يمكنها أن تحتمل هذا ؟ لقد كرهت هذا الضعف فيها وكرهته لتسببه في كل هذه الآلام لها .
وسمعته يقول برقة غريبة : " حاولي أن تعذريني يا فينيتيا بعد فترة قصيرة ، أسابيع قليلة وربما أيام .. ستنسين كل هذا . " وهز كتفيه وقد رقت ملامحه والتوت ابتسامته بعد أن عثر على الكلمات التي كان يبحث عنها ليقول متابعاً : " لماذا كل هذا الافتتان ؟ أنني كبير السن بالنسبة إليك وخشن وربما غير مرن انك شابة حلوة ورقيقة . اذهبي إلى حفلتك هذه الليلة واستمتعي بوقتك مع من هم في سنك . انسي أنك طلبت مني الذهاب معك ، وأنا سأفعل ذلك أيضاً قد تكون أكبر غلطة نقع فيها نحن الاثنان .... صدقيني ."
واحمر وجهها ثم شحب وهي تصرخ فيه : " أنني أكرهك ." واغرورقت عيناها بالدموع لتتساقط . بعد ذلك على وجنتيها وأنفها . ولم تهتم لذلك . فهو يعرف شعورها نحوه ولكنه اعتبره مجرد افتتان من تلميذة مدرسة ، مانحاً إياها مشاعر ضحلة أشبه بما يسبغه عليها فيما لو كانت مصابة بالزكام إنها لم تشعر من قبل بمثل هذه المذلة التي شعرت بها الآن ! وعادت تقول ثائرة : " كم أكرهك ."
فقال بابتسامة تحوي مزيجاً من الحنق والسخرية :" أذن فلا بد أنك شعرت بارتياح لعدم استجابتي لدعوتك أليس كذلك ؟ وأنا متأكد من أن كيرو الشاب يمكنه أن يقبل بمرافقتك إلى الحفلة هذا المساء ، رغم أنك يجب أن تأخذي حذرك منه فهو انتهازي للفرص ولا أظنه موضع ثقة تماماً رغم أن أباك يثق به إلى درجة انه يدفع له مبلغاً جيداً من النقود لكي يرافقك . "
ونظر إليها بعينيه السوداوين النفاذتين وتجمدت هي في مكانها وهي تراه كريهاً إلى هذا الحد . لقد حاول إذلالها ونجح في ذلك بسهولة كيف أمكنه أن يكذب بهذا الشكل فيقول أن سيمون يأخذ أجرة لقاء مرافقتها ؟ هل يعني أنه ليس ثمة رجل يقبل بالظهور معها إلا بأجرة مدفوعة ؟ ولم تصدقه فهي لم تستطع ذلك ومسحت الدموع عن وجهها بأناملها واندفعت تقول ثائرة وهي تصر على أسنانها : " لا أدري إذا كنت تعلم مبلغ سفالتك . هل تستمتع دوماً بإيذاء الناس هكذا ؟
وغطى جوابه صوت انسحاق الحصى تحت قدميها وهي تركض عائدة نحو المنزل وكانت من الانفعال وهي تدخل القاعة بحيث لم تلحظ والدها إلا بعد أن سمعت صوته يهتف بها قائلاً : " فيني .. لا تقلقي يا حبيبتي ولكن هل لك باستدعاء الدكتور فيلدينغ ؟ " .
وقفز قلب فينيتيا وهي ترى أباها فقد كان يقف على اسفل السلم مستنداً إلى الحاجز وهو ما يزال في معطفه المنزلي وقد غطى وجهه الشحوب والعرق .
وهتفت بصوت ممزق وهي تندفع نحوه : " أبي ... ما الذي حدث ؟ " وأمسكت بيده تضعها على وجنتها وقد ارتسم الفزع في عينيها الواسعتين .
فأجاب : " ربما لا شيء أكثر من وجع المعدة . " وارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة يطمئنها بها ولكنه لم يفلح في ذلك . ولأول مرة خلال هذا الأسبوع لم تشعر بوجود كارلو ولم تدرك أنه تبعها إلى المنزل إلا بعد أن سمعت صوته يقول بهدوء :" اتصلي حالاً بالطبيب يا فينيتيا ." تركت فينيتيا يد أبيها مرغمة وهي تتراجع إلى الخلف بساقين مرتجفتين محملقة في وجه كارلو الجامد تبحث في ملامح وجهه عما يطمئنها إلى أن كل شيء على ما يرام . لكنه لم يكن ينظر نحوها فقد يمعن النظر في وجه أبيها قبل أن يحمله دون صعوبة بين ذراعيه وهو يأمرها قائلاً :" لقد قلت حالاًَ يا فينيتيا . " وركضت نحو الهاتف شاعرة بذنب ومضت تطلب الرقم بأصابع مرتجفة وهي تنهش زاوية فمها في انتظار الرد من الطرف الآخر . ولا بد أن ما قالته لموظفة العيادة كان مفهوماً لان هذه أخبرتها أن الطبيب هو في طريقة إليهم . واستدارت لترى بوتي واقفه خلفها مباشرة وقد شحب وجهها وامتلأت عيناها بالقلق . وسألتها بسرعة : " هل هو قادم ؟ " أومأت فينيتيا برأسها بالإيجاب وقد منعتها غصة في حلقها من الكلام .
قالت مدبرة المنزل وقد بدا عليها الارتياح : " هذا حسن كل شيء سيكون على ما يرام إذن . " وكأن كل ما على الطبيب أن يفعل هو أن يلوح بالوصفة ليصبح كل شيء على ما يرام وتمنت لو أنها تملك مثل هذه الثقة العمياء .
ولا بد أن أفكارها هذه قد بدت على وجهها , لان بوتي تقدمت منها تزيح خصلة من شعرها عن جبينها وهي تقول بلطف تطمئنها : " أن الطبيب لن يتأخر كما أن كارلو معه لقد أخذه إلى المكتبة وطلب مني أن احضر له غطاء فاذهبي أليه الآن وامسكي بيده ... لماذا أنتِ واقفه ؟ " وحاولت فينيتيا أن تتمالك نفسها بينما ركضت بوتي لتحضر الغطاء أن ظهورها بهذا الشكل المضطرب سيزعج أباها حتماً . لم تمر بمثل هذا الموقف من قبل ، فقد كانت من حداثة السن وانعدام الخبرة بحيث لم تكن لتصدق إمكان حدوثه . لقد كان عمرها عدة شهور فقط عندما ماتت أمها بعد أن سقط بها الحصان ساحقاً ذلك الجسد الرشيق لتلك المرأة الشابة ولم تكن فينيتيا واعية لتلك المأساة . وقد بذل أبوها غاية الجهد لكي لا يجعلها تفتقد حنان ألام . فقد غمرها بما يكفي من الحب والعناية والصبر .
لقد تذكرت ألان , منظر وجهه عندما طلبت منه أن يشتري لها مهراً صغيراً وكانت في الحادية عشرة من عمرها آنذاك ولم تدرك في ذلك الحين أن ذلك التعبير إنما كان خوفاً .. لم تدرك ذلك إلا بعد سنوات حين جعلتها مهارتها في الفروسية تلجأ إلى المخاطرات . لتربط في ما بعد بين نظرة الألم في عيني أبيها تلك وبين موت أمها المفجع بقفزة من حصانها فوق البوابة . وهكذا ، كان افتراقها عن حصانها ( بليس ) هو اشد الظروف التي مرت بها إيلاما . بعد أن ادعت أمام أبيها أن رياضة الفروسية قد ابتدأت تسبب لها الملل ، وتستنفد كل طاقاتها ولكن نظرة الارتياح التي بدت في عيني أبيها كانت تستحق هذه التضحية منها وقد كان هذا أول تصرف غير أناني يصدر عنها داعية ألا يكون الأخير .
و شعرت بذنب وهي تتذكر كيف أنها في السنة التي سبقت تخرجها من المدرسة ، لم تهتم بأن تخطط لتعلم مهنة للمستقبل وضعت جانباً اقتراح أبيها بأن تلتحق بأعمال شركتهما مبتدئة في التدريب في كل أقسام الشركة لتصل إلى القمة .
أما ما كانت تريده وكان يكدره هو أن تمكث في المنزل ستة اشهر على الأقل تتسلى وتنال حظها من البهجة والمرح ، قبل أن تفكر جدياً في أمر مستقبلها فهي تستحق ذلك بعد حياة الدراسة .
كانت تعلم أنها خيبت أمله رغم عدم إظهاره ذلك أمامها و هاهي الآن تشعر بالندم لنظرتها العابثة هذه إلى الحياة اكثر مما كانت تتصور .
قطعت بوتي عليها تأملاتها هذه وهي تعود لتضع بين ذراعيها غطاء وهي تقول : " خذي له هذا بينما انتظر هنا حضور الطبيب لكي أصحبه إلى حيث أبيك ثم بعد ذلك أجهز الشاي لنا جميعاً . لعلك في حاجة إلى ذلك مثلي أنا ."
دفعت فينيتيا باب غرفة المكتبة وهي تتكلف الارتياح والثقة في مظهرها ، فأومأت بالتحية نحو كارلو الذي سألها :" حسناً هل الطبيب قادم ؟ " ثم التفتت نحو أبيها تسأله : " كيف حالك الآن ؟ " وأخذت تلف ساقيه بالغطاء وكان هو مستلقياً على المقعد المستطيل يبتسم لها قائلاً : " أشعر بتحسن أن الدكتور فيلدينغ سيثور علي لإضاعتي وقته . لقد بقيت في فراشي أملاً بأن تنتهي نوبة الألم تلك ، ولكنها استمرت وعندما يصل لن يكون للألم اثر كما يحدث عادة . " فقال كارلو وهو يتقدم ليقف أمامها : " أن ذلك واجبه حتى ولو انتهى الألم الآن فلا شك أن هناك سبباً له ." وأرخت فينيتيا أهدابها بسرعة مشيحة بوجهها بعيداً عن ذلك الإيطالي وقد نطقت ملامحها بشعور الذنب . فقد كانت بوتي أبدت ملاحظة عن تأخر أبيها في غرفته ولكنها لم تفكر في ذلك لحظة . فقد كانت مشغولة جداً بقضيتها مع كارلو وفي كيفية جعله يذهب معها ألي حفلة ناتاشا .
وأخذت تلوم نفسها فقد كان عليها أن تصعد إلى غرفة أبيها لتطمئن عليه بدلاً من أن تمضي وقتها في محاولة جذب رجل قد أضجرته بهيامها ، ولذي سخر منها بكل قسوة مثل قوله بان لا بد للرجل من أن يأخذ أجراً لكي يقبل بالظهور معها في مكان عام .
شعرت بالارتياح وهي تسمع صوت الطبيب ، وهرعت إلى الباب تستقبله وهي تشكره إذ رأت اللون يعود تدريجياً إلى وجه أبيها وبعد ساعة من وضع الرجل المسن في فراشه رافقت الطبيب إلى سيارته .
أخبرها الطبيب وهو يفتح باب سيارته الفولفو ليضع حقيبته على المقعد بجانبه بأن ما جرى لأبيها سببه التهاب الزائدة الدودية . وألقى نظرة على كارلو الذي كان قد لحق بهما وهو يقول : " لا شيء يستدعي الهلع ولكن استدعوني إذا عاد الألم وليبق على التغذية بالسوائل لمدة أربع وعشرين ساعة . وفي مدة يومين سيصبح في حالة ممتازة ." وعندما ابتعد ، قالت فينيتيا بصوت متوتر : " سأصعد لا طمئن عليه ." قال لها كارلو بعد أن اعترض طريقها : " كلا " وجمدت في مكانها وأغمضت عينيها خائفة من أن يرى مقدار المها ومذلتها ، ومقدار الحب الهائل الذي تكنه له في أعماقها . وتابع قائلاً : " لقد كان مستسلماً للنوم عندما تركته ، فقد أمضى ليلة مضطربة . وعدة ساعات من النوم الهادئ ستنفعه كثيراً وبجانب ذلك ... " ثم دار وجهها أليه وهو يتابع : " لقد وعدت بوتي بأن تتفقده من وقت لآخر وأن ترقبه جيدأ " كان قريباً منها لدرجة استطاعت معها أن تشعر بأنفاسه . و آسرها القرب منه كما خلب لبها و أذهلها ذلك الجمال الباهر لماذا لا يشعر بذلك هو أيضاً ؟ لماذا لا يشعر الرجل الوحيد الذي أحبته بشيء نحوها ما عدا السخط و الغضب أنها لا تستطيع البقاء معه هنا لحظة واحدة . فهذا كثير عليها احتماله ! وشعرت بشهقة عالية أوشكت أن تفلت منها فحاولت كبحها وهي تدير وجهها بعيداً عنه بينما تفجرت الدموع من عينيها لتنحدر على وجنتيها .
لقد رأى دموعها بطبيعة الحال فهو لا يفوته شيء وطبعاً سيبدأ بتعنيفها مرة أخرى ويدعوها بالطفلة انه تعلم انه سيفعل ذلك ، وحاولت بعصبية أن تتحكم بارتباكها الذي كان يفضحها ولكن لم يكن في صوته الأجش أي اثر للقسوة وهو يهمس :" لا تبكي . لقد مرت عليكِ ساعتان قلقتان حقاً ولكن كل شيء قد انتهى فان أباك اصبح في حالة حسنة تماماً وأنتِ تعانين الآن من ردة فعل وهذا كل شيء ."
كل شيء؟ وانطلقت شهقاتها الآن وهو يربت على ظهرها ، لقد كانت في نظره مجرد فراشة ملونة كما أن رحيله غداً كان يحطم قلبها . لم تكن تريده أن يبتعد عنها لينسحب مرة أخرى ، إلى ما وراء ذلك الحاجز . نعم لقد فعلت ذلك! وهو لن يتمكن بعد الآن من الادعاء بأنها مجرد طفلة تسبب له الضجر ، انه لن يدفعها عنه مرة أخرى .
ولكنه فعل ذلك بحركة مفاجئة جعلتها تترنح وهي تمعن النظر في توتر ملامحه المفاجئ ، بعينين تطل منهما الحيرة والألم . تراجع بسرعة إلى الخلف ، مما جعلها تشعر بفراغ مؤلم أحدث في حلقها غصة خانقة . واغرورقت عيناها الكبيرتان الشفافتان بالدموع وهي تحتج بصوت مختنق قائلة : " لا تدفعني بعيداً هكذا ."
أجاب : " انكِ محظوظة حيث أنني املك شيئاً من ضبط النفس ." قال ذلك وعيناه تحدقان في عينيها بعنف لم تر مثله من قبل ، وهو يتابع قائلاً وقد قطب حاجبيه الأسودين : " لو كنتِ أكبر مما أنتِ الآن بخمس سنوات لاختلفت الأمور ولكنك ما زلتِ طفلة ."
فصرخت بوحشية : " هذا غير صحيح ." واندفعت تقول دون تفكير وقد انهارت كبرياؤها : " إنني احبك يا كارلو فلا تتركني أرجوك لا تتركني ! "
سمعته يتنفس بشدة وهو يرد عليها بغيظ وشراسة : " انك تزعجيني إلى حد كبير أتدركين ماذا تفعلين بي ؟ أتدركين ذلك ؟ " ونظر إليها لحظة طويلة وقد توتر فمه ثم تراجع بسرعة عائداً نحو المنزل آخذاً معه قلبها المحطم المسكين .
استيقظت فينيتيا وهي تشعر بأنها تكاد تختنق ، والقلق يبلغ بها حد الألم . قذفت عنها الأغطية بانفعال ، على السجاد ومن ثم أخذت تدير حولها عينين متسعتين يرتسم فيهما الارتباك . ولكنها ما لبثت أن نحت جانباً ظنها في أنها كانت تعاني من كابوس بعد أن أدركت منشأ قلقها هذا . ليس السبب والدها بالتأكيد . آه إنها ما زالت تفكر في موقف ألامس المريع ولا شيء غير ذلك

 
 

 

عرض البوم صور العنقاء الحزين  
قديم 01-12-10, 12:26 AM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2010
العضوية: 175804
المشاركات: 34
الجنس أنثى
معدل التقييم: العنقاء الحزين عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
العنقاء الحزين غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : العنقاء الحزين المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

وما دام ولدها يتبع حمية السوائل هذا النهار ومرتاحاً من العمل عدة أيام ، فلا بأس عليه ولا بد لا لتهاب الزائدة الدودية ذاك أن يزول .
كانت جذور تعاستها موجودة عند حبيبها كارلو وجلست واضعة ذقنها على ركبتيها لآفة ذراعيها حولهما وقد انتشر شعرها الأسود الطويل في كل مكان .
بالرغم من إصرارها على تأكيد حبها فان الطريقة التي أخذت تتوسل بها إليه أن يبقى قد ألهبت ضميرها خزياً عندما تذكرت تفجرها العاطفي ذاك ، لقد كان مصمماً على السفر بعد ظهر هذا النهار .
بعد أن تركها مبتعداً عائداً نحو المنزل ، ساورها شعور بالوحدة والتعاسة كما لم تشعر به من قبل . ولم تعرف كيف تواجه ذلك الشعور المظلم باليأس ، خصوصاً عندما رأته يخرج لينطلق في الشارع بسيارته المستأجرة .
وأثناء الفترات التي كانت تتفقد فيها والدها ، بقيت تتسكع في أنحاء المنزل منتظرة عودة كارلو ، فتتمشى في الشرفة بقلق ، تحاول أن تحضر في ذهنها الكلام الذي ستقوله له عندما تراه مرة أخرى . لقد شعرت بأعصابها تتحطم لما جرى وللطريقة التي تصرفت بها .
ولكن الساعات امتدت طوال النهار الذي بدا وكأنه لا نهاية له ولم يظهر له اثر ولم تستطع هي أن تمس طبق السلطة الذي قدمته لها بوتي ولا طبق السمك المشوي اللذيذ الذي قدمته إليها للعشاء .
" لا بد انه يريد أن يرى المزيد من الأماكن قبل أن يرحل غداً ." كان هذا كلام بوتي الذي نطقت به بصوت جاف وهي ترفع عن المائدة طبق الطعام الذي عبثت فيه فينيتيا بشوكتها ، بينما عيناها مسمرتان على الكرسي الخالي أمامها .
اصطنعت ابتسامة باهتة وكانت هزة الهزيمة من كتفيها تغني عن كل جواب ، بينما تابعت بوتي بصوت أجش : " لا تبدي بهذا الشكل فهو ليس الرجل الوحيد في العالم ." شتمت فينيتيا نفسها لكونها شفافة بهذا الشكل ، وهي ترى مدبرة المنزل خارجة من الغرفة فقد جعلت من نفسها موضعاً لملاحظات بوتي وسخرية كارلو . لقد عرف شعورها نحوه حتى قبل أن تعترف له بأنها تحبه ، وفسره هو على أنها مجرد فتاة صبية مراهقة غير ناضجة .
ولكن بوتي كانت مخطئة ، فهو الرجل الوحيد الذي في إمكانها أن تحبه بمثل هذه العاطفة ولكن لم يجنِ أية فائدة كما أعلن ذلك صراحة وتملكتها التعاسة . إن عليها تقبل الامر الواقع بشكل ما وتحاول أن تحسن تصرفها معه عندما تراه ثانية ، وعلى ما ستقوله له . ولكنها ليست في حاجة إلى كل هذه المعاناة لتحطيم كرامتها لأنها عندما كانت مع أبيها الليلة الماضية كان كارلو هناك . لم ينظر إليها ،
عندما حضر إلى الغرفة سائلاً أباها عن صحته وقد شحب وجهها عندما قال : " إذا كنت متأكداً من أنك في طريق الشفاء فسأستقل الطائرة غداً إلى روماً كما اتفقنا ولكن إذا كان لديك أية مخاوف فان في استطاعتي إلغاء السفر والبقاء بجانبك ."
حبست فينيتيا أنفاسها راجية أن يطلب أبوها من كارلو البقاء ولكنه لم يفعل ، بل أجابه :" إنني بخير تماماً وعندما انتهي من فترة التجويع هذه سأعود رجلاً جديداً وقد طلبت من سيمون كيرو الحضور إلى هنا هذا الصباح لينوب عني في غيابي ليومين أو ثلاثة وهكذا ليس من الضروري أن تغير خطة سفرك لمجرد أنني عانيت من وجع في المعدة إذ لا ضرورة لذلك مطلقاً ."
قال كارلو : " إذا كنت متأكداً .. " هل هي علامات ارتياح تلك التي بدت على ملامحه ؟ وتصلبت شفتاه وهو يضيف قائلاً : " بعد تفكير عميق وصلت إلى قرار مهم أحب أن ابحثه معك غداً صباحاً بعد أن تنتهي من رؤية كيرو ."
فأشار أبوها إلى الكرسي الكبير المقابل لسريره العريض القديم الطراز وهو يسأله باسماً : " ولماذا ليس الآن ؟ " وبحركة غير إرادية كما بدا لفينيتيا ، تحولت العينان السوداوان أ خيراً إلى ناحيتها ثم عادتا إلى أبيها فوراً وهو يقول بتلك اللكنة الخلابة في صوته : " من الأفضل إرجاء ذلك إلى الغد ."
إذن فقد توصل إلى قرار ما ... طبعاً بشأن العمل وهل هناك شيء غيره ؟ ثم رفض أن يتحدث عنه أمامها . وشعرت فينيتيا بالألم وهي تفكر في ذلك . انه لن يتحدث عن أي شيء ذي أهمية في حضورها فهو يظنها مراهقة .
وبقيت أنظارها على يديها المتقبضتين في حجرها ، أثناء لحظة الصمت التي سبقت خروجه من الغرفة ، لتخرج هي نفسها بعده بقليل قاصدة غرفتها وقد شملها الوهن للضربات التي وجهها إليها . سواء قصد ذلك أم لا .
ولم يكن شعورها ، هذا الصباح بأفضل منه ليلة أمس ، وأزاحت شعرها عن عينيها وهي تنظر حلوها ببلادة ، لقد صممت منذ سنة على تجديد غرفتها هذه حسب ذوقها فغيرت ورق الجدران ، والسجادة الوردية الباهتة وكذلك الستائر الوردية . اصبح الأثاث باللون الأسود وباستثناء السجادة البيضاء كل شيء كان قرمزي اللون . وتذكرت كيف غمرتها البهجة في ذلك الحين و الآن وهي تشعر بتباشير يوم صيف حار آخر . أخذت تتذكر بأسى أيامها الماضية وانتقالها السريع الرائع من عهد الحداثة وكل تلك الثقة بالنفس التي حطمها وقوعها في حب من لا يرحب بحبها . وعندما تركت سريرها في النهاية لتأخذ حماماً وجدت نفسها ترتجف . إن كارلو سيرحل هذا النهار ، ومن غير المحتمل أن يتقابلا مرة أخرى . ذلك أن أباها وسيمون كان فيهما منتهى الكفاءة لأدارة الشركة التي يملك أسهماً فيها . فقد استمرت سنوات دون أن تفعل أسرة روسي شيئاً سوى اخذ حصتها من الأرباح . هذا إلى انه يدير مختلف أعمال شركة روسي بمفرده بعد أن اكتفى والده بالمركز الثاني فيها نظراً لتأخر صحته وهذا يجعل زيارته لإنكلترا مرة أخرى غير محتملة
وأخذت ترتدي معطف الحمام وهي تتساءل وقد استبدت بها التعاسة عما إذا كان سيتذكرها أحياناً ، ثم قررت أنه لن يفعل ذلك إذ سرعان ما ستنسيه السيدات اللواتي في انتظاره كما خمنت بوتي ، فينيتيا التلميذة الصغيرة التي ضايقته بحبها .
وبعدم اكتراث بمظهرها ، ارتدت بنطالاً من جينز والقميص المدرسي الوحيد الذي لم تمزقه بوتي قطعاً لتمسح به الأثاث ، ثم خرجت قاصدة غرفة أبيها وكانت بوتي قد سبق وأحضرت له إبريقاً من العصير الطازج كما كان سريره مغطى بالأوراق والملفات وسألته باهتمام وهي ترفع شعرها الطويل اللامع إلى الخلف متمنية لو كان عندها وقت لتضفيره لان هذا النهار سيكون شديد الحرارة .
قائلة : " هل من الضروري أن تعمل الآن ؟ " فأجاب وهو يحدق فيها من فوق نظارته : " إنني لا اعمل و إنما أحاول تنظيمها لتيسير فهمها على سيمون عندما يصل . أتريدين أن تطلبي منه البقاء للغداء لتتسلي بصحبته ؟ " .
هناك رجل واحد تريد صحبته ولكن المشكلة انه لم يكن يريد ذلك وهزت رأسها نفياً بصمت فقطب والدها حاجبيه قائلاً : " يبدو عليك الوهن ماذا جرى ؟ هل ما زلت قلقة علي ؟ إنني بخير الآن ."
قالت كاذبة : " انه الجو الحار ." وتساءلت عما إذا كانت ستعود إلى بهجتها وطبيعتها المرحة مرة أخرى . حين كانت مليئة بالحيوية لا يشغل بالها شيء . ولم تستطع أن تتصور ذلك .
قال : " اذهبي إذن وانتعشي في مياه حوض السباحة فان سيمون يعرف طريق غرفتي كما أن كارلو مشغول في غرفة المكتبة يعد التقارير . وهكذا يمكنك أن تمضي وحدك صباحاً مسلياً تسترخين فيه ." وعندما عادت إلى غرفتها فكرت في أن رأي والدها لا بأس به ، فهي لن تجعل من نفسها سخرية مرة أخرى . عليها أن تبتعد عن طريق كارلو إذ ليس ثمة فائدة من المصالحة معه لأنه إذا جاء سيمون وذهب فان كارلو سيذهب إلى غرفة أبيها لمناقشة أعمالهما ومن ثم يذهب إلى المطار والى ذلك الوقت ستغيب عن الأنظار ، وحوض السباحة كان في الفناء المسور القديم وهو المكان المناسب للاختفاء ، كانت مياه الحوض باردة منعشة وبعثت فيها عدة أشواط من السباحة ، النشاط قبل أن تستدير لتسبح على ظهرها وفكرت أنها لو ركزت ذهنها في البقاء بهذا الوضع فربما يكون في إمكانها أن تستعيد شيئاً من ضبط النفس تتمكن به من وداع كارلو تحية الوداع بعد ساعة أو ساعتين ..
وشعرت لدى تفكيرها في أنها ستقول له وداعاً بمثل طعنة السكين في فؤادها ما جعلها تصر على أسنانها كما جعل ركبتيها تصطكان ووجدت نفسها بعده تنحدر إلى أعماق الحوض ذي الستة أقدام عمقاً ولم يهمها فيما لو لم تصعد بعدها أبداً . ولكنها ما لبثت إن صعدت إلى سطح الماء ثم مسحت الماء عن عينيها لترى سيمون من بعيد تظهره الشمس من خلفه خيالاً أسود . وتمنت لو تنزل إلى أسفل الحوض مرة أخرى فقد كانت من الكآبة بحيث لم تشعر برغبة في التحدث إلى أي إنسان . وجاءها صوته مازحاً متقطعاً وكأنما كان يركض وهو يقول : " ما أحسن هذا ليتني أستطيع السباحة ."
فردت عليه وهي تصعد درجات الحوض لكي تبتعد عن هذا المكان بعد أن افسد عليها هذه المسرة الضئيلة بحدة قائلة : " وما الذي يجعلك تعتقد أنني أرحب بهذا ؟ "
وخطت على الأرض المبلطة وقد علاها العبوس وذلك آن تصرفات سيمون في المرتين الأخيرتين اللتين خرجا فيهما معاً لم تكن سليمة وكانت ألفاظه أحيانا غير مهذبة كما تحب . وقد سكتت على مضض لان الخيار الآخر الذي كان أمامها هو أن تبقى في البيت محرومة من المرح ولا ترى أياً من أصدقائها . إنها في المستقبل ستفضل مسرورة البقاء في المنزل إلى أن تستطيع إقناع أبيها بأنها ستكون آمنة في خروجها بدون مرافق يختاره لها ... ويمكن عند ذاك لسيمون أن يفتش عن فتاة أخرى ينشب فيها مخالبه فقد تعبت هي من الاستمرار في دفعه عنها على الدوام .
في بداية خروجهما معاً ، كانت تراه مثالاً للمرافق المهذب كما ينبغي أن يكون وذلك في مراعاته واهتمامه و فكآهاته وحمايته لها . ولكنه مؤخراً أصبح يظهر رغباته بشكل مناف للذوق ، مما جعل خروجهما يقتصر على المصارعة بينهما هجوماً ودفاعاً بدلاً من أن يكون فترة بهيجة كالقصد منها . ولو أن بذرة من الشك راودت أباها في ما يجري بينهما ، لنسف كل شيء حتماً .
وصرخت به غاضبة : " هل يعرف أبي انك هنا ؟ هل هو يعرف ما تعتزم عمله ؟" فرد عليها متبرماً : " آه هيا ، تعالي . لقد سبق ورأيت أباك وأخذت كل الأوامر منه كأي موظف جيد . فما الخطاء في أن نتسلى معاً ، هذا إلى ذلك الرجل المسيطر السيد روسي هو معه الآن ... وهذا سيشغله فترة طويلة انك تعرفين ما هو شعوري نحوك فلا تدعي انكِ غير مستعدة لذلك ." واجهته ثائرة وهي تقول بعنف وعيناها تحذرانه من أن يتقدم نحوها خطوة واحدة : " انك تثير اشمئزازي فإذا بدر منك أي تصرف شائن فسأصرخ لأبي ليأتي ويطردك حالاً ." واستدارت بسرعة لكي تبتعد فقط عن وجوده الكريه وعينيه الوقحتين دون أن يخطر ببالها انه سيندفع خلفها بسرعة ليشدها من شعرها ليمسك بها ، يديرها إليه مما افقدها توازنها وهو يزمجر في أذنها : " في الوقت الذي انتهي فيه منك بعد أن تذوقي ما يدفعني إلى كل هذا سيكون طردي هو ابعد شيء عن ذهنك وهذا وعد مني لكِ ." وكان أقوى منها كثيراً
بينما كانت تشهق مرتجفة إذا بها تسمع من خلال الغشاوة الحمراء أمام عينيها المغمضتين صوت كارلو روسي يقول بخشونة وسخرية : " إنني لا اعتذر عن تطفلي هذا فأنا في الواقع مسرور لهذا التطفل ." وعندما فتحت عينيها على اتساعهما هلعاً وقبل أن تبدأ بتبرئة نفسها ، سمعته يقول بصوته العميق المفعم بالتهكم : " لا تكلفا نفسيكما عناء النهوض يا أولاد فان في إمكاني السفر دون حاجة للوداع ." ومرة أخرى أخذت تلاحقه بأنظارها وهو يرحل نهائياً .

 
 

 

عرض البوم صور العنقاء الحزين  
قديم 01-12-10, 12:28 AM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2010
العضوية: 175804
المشاركات: 34
الجنس أنثى
معدل التقييم: العنقاء الحزين عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
العنقاء الحزين غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : العنقاء الحزين المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الفصـــــــل الثالث




" هل سبق وعلمت أنه سيحضر الجنازة؟ " ألقت فينيتيا هذا السؤال عندما استقر بها الجلوس مع سيمون في المقعد الخلفي من سيارة الليموزين والسائق في ثيابه الرسمية ينساب بهدوء مبتعداً عن المكان واستطردت قائلة :" أرجو ألا يتصور إن في إمكانه أن يعود إلى المنزل ."
هز سيمون كتفيه قائلاً : " إنني لم اعلم انه سيحضر ولكنني كنت شبه متوقع لذلك وعلى كل حال ، فأنتِ سترثين حصة أبيك من الأسهم في الشركة وطالما أنه يملك النصف الآخر فهو يريد أن يلقي نظرة على أرباحه ."
ألقت عليه نظرة جانبية كئيبة ، بينما كان حجابها الأسود المسدل على وجهها يخفي احمرار عينيها ، لم يكن الوقت مناسباً للحديث في شؤون العمل وعن أرباح كارلو روسي في الشركة المكافحة ذلك أن مجرد وجوده هنا فيه ما يكفي من السوء .
تنهدت وهي تشبك أصابعها المغطاة بالقفاز الأسود ، في حجرها لقد كانت معاناتها هذا النهار تكفي من دون أن تشتبك عيناها وهي ترفعهما عن جثمان أبيها الحبيب المسجى ، فجأة بتلك العينين السوداوين الحادتين لذلك الرجل الذي ظنت يوماً أنها ستحبه إلى الأبد ، الرجل الذي كانت على استعداد للتضحية بحياتها لأجله إذا اضطرها الامر لذلك .
قال سيمون : " هيا ، أهدأي ، فسنتخلص من الجميع بأسرع وقت ممكن ليمكنك بعد ذلك أن تمضي بقية نهارك بسلام . سأبقى معك وسنتناول عشاء هادئاً . فأنا لا أريدك أن تبقي وحدك ."
أومأت برأسها وقد منعها الذهول من أن تتكلم فقد كانت وفاة أبيها منذ أسبوع صدمة مريعة لها فهو لم يعلم أحداً من قبل عن حالة قلبه . وعندما تفاقمت حالة الشريان التاجي عنده ، وتوفي أثناء نومه ، لم تستطع هي أن تصدق ذلك وان تتعود على هذا الواقع . ولم تعرف كيف كان يمكنها أن تتصرف وتتدبر الأمور من دون معونة سيمون . فقد بدت في أثناء الأيام السبعة الماضية ، وكأنها عادت تلك الطفلة الخائفة عديمة الخبرة وتلك المرأة الجادة المثابرة التي عودت نفسها على أن تكونها طيلة السنوات الست الماضية . تلك المرأة حطمها الحزن على الأب الذي فقدت .
ولكنها عادت تسيطر على نفسها وكانت تطمئن نفسها بهذا بينما كانت السيارة تقف أمام المنزل . كان لا بد لها من ذلك ورفعت ذقنها بكبرياء تحت الحجاب وهي تستعد لدخول المنزل لاستقبال المعزين . كانت بوتي قد حضرت الجنازة فقد كانت بالطبع كفرد من الأسرة . فاستدعت متعهدي المآتم الذين كانوا الآن يضعون اللمسات الأخيرة على مقصف الأطعمة الباردة المعدة للمعزين . حدثت فينيتيا نفسها بأن كارلو لن يكون من الجهل المطبق بحيث يأتي إلى هنا . وتعثرت في سيرها قليلاً بعد أن أصاب التفكير فيه ساقيها بالوهن .
سألها سيمون : " هل أنتِ بخير ؟ ." مالت نحوه شاكرة وهي ترى السيارات الأخرى الفاخرة التي تقف في الفناء . قالت له وهي تتمالك نفسها : " نعم بالطبع ." ولم تكن في حاجة إلى كثير من الذكاء لتعرف السبب في أن يؤثر مجرد التفكير في كارلو روسي عليها بهذا الشكل مسبباً لها مثل هذا الارتباك المؤلم .
فمنذ ستة أعوام في أثناء أسبوع صيفي مشؤوم ارتمت هي على قدميه تصارحه بحبها وآخر مرة رآها فيها كانت في وضع غير لائق مع سيمون عند حوض السباحة وتوهج وجهها وهي تتذكر ذلك لقد كانت تظن أن الحزن على رحيله وشدة شعورها بالإحراج لذلك الوضع وغضبها على سيمون الذي تسبب في هذه النهاية ، وكل تلك المذلة والحقارة التي أحست بهما ، كل ذلك سوف يقضي عليها .
ولكن من الغريب أنها خلال السنوات التي تلت قد أصبحت مولعة بسيمون وكأن ظهور ذلك الرجل في ذلك المشهد قد أعاد إلى سيمون عقله ولم يستطع أن يعتذر بما فيه الكفاية وفي اليوم التالي أرسل إليها باقة زهور ولكنه لم يحاول رؤيتها أو التحدث إليها . ولم تقع عيناها عليه مرة أخرى إلا عندما دعاه والدها إلى المنزل . لقد تصرف في ذلك الحين بكل لطف وأدب وكان الاعتذار يبدو في عينيه في كل مرة كانت عيناها تقعان عليهما . ثم التحقت بشركة أبيها بعد سنتين من دراستها لأعمال السكرتارية ومسك الدفاتر وكان سيمون هو الذي ساعدها في تدربها على مختلف أنواع الإدارة وكانت معرفته وصبره إلى عزيمتها في التفوق كل هذا دفعها إلى القمة رأساً إلى حد أن أباها منذ سنة تقريباً تقاعد عن العمل جزئياً دون أن يخبرهم أن صحته قد أصبحت في وضع مؤسف ولكنه كما قال في حاجة في سنه هذا إلى بعض الراحة ... ولهذا لم يتردد في أن يسلمها زمام العمل الذي كان يقبض عليه بيديه بكل حزم ؟ كانت تعلم انه فخوراً بها وإذا كان قد تساءل يوماً في نفسه عن السبب الذي جعل ابنته العابثة المحبة للحفلات تتغير بين يوم وليلة إلى فتاة عاملة جادة فهو لم يسأل عن السبب أبداً . وأثناء الأسابيع والشهور التي تلت رحيل كارلو لم تهتم كثيراً بأي شيء وكان تصميمها على أن تعمل في شركة أبيها سببه فقط أن تجعله سعيداً .
غالبت دموعها التي أوشكت أن تطفح بها عيناها لا فائدة من النظر إلى الوراء كان هذا ما فتئت تذكر نفسها به على الدوام وسارت نحو المنزل بظهر مستقيم في طقمها الأسود الكئيب حيث أخذت تستقبل المعزين بابتسامة متحفظة شاكرة وجود سيمون بجانبها . وألقت بنظرة متجاوزه بها ممثلي أقسام البيع بالتجزئة بوجوههم الجادة إلى القاعة خلفهم وسرعان ما تجمدت في مكانها وقد شعرت بمثل طعنة السكين من الألم الذي كسا وجهها ... انه كارلو !!
كان عليها أن تتوقع هذا وتعد نفسها له بدلاً من دفن رأسها في الرمال كالنعامة مدعية انه لا يمكن أن يدخل إلى مكان لم يدع إليه أو يرحب به .
لم تغيره تلك السنوات الست ما عدا أنها عمقت بعض خطوط ملامحه المتعجرفة التي تتفجر رجولة وكان جسده ما يزال بنفس التناسق الذي كان عليه أما هالة النفوذ والسلطة التي تحيط به فقد أصبحت الآن اكثر بروزاً . وكان رؤوس عدد من النساء قد استدارت إليه ، مأخوذات بوسامته . وتملك فينيتيا برغمها اضطراباً .
خاطب سيمون آخر مجموعة تقدمت لتقدم تعازيها بقوله : " نرجو المعذرة لحظة فأن فينيتيا في حاجة إلى شراب ينعشها ." واتجه بها إلى ناحية وهو يقول برقة : " إن منظرك سيئ جداً هل سيغمى عليكِ ؟ ." وبدا عليه وكأنه لا يدري ما الذي ينبغي عليه أن يصنع إذا هي أجابت بالإيجاب ، ولاحت على شفتيه شبه ابتسامة عندما أراحته بقولها : " لم يحدث قط أن أغمى علي من قبل ولكن معك حق فأنا في حاجة إلى شراب منعش وان محاولاتي التحدث إلى كل هؤلاء الناس قد أثبتت أنها محنة لم أتصورها من قبل ."
ذلك أنها لا يمكن أن تصارح أحداً في العالم بالشعور الذي انتابها عندما رأت كارلو وكيف أن نظراته إليها وهي مع سيمون ما زالت كلما تذكرتها تحس في الحرج والشعور بالخزي .
وضع سيمون في يدها كوب شراب منعش وهو يقول : " اشربي هذه ولا تدعي مثل هذا القلق يبدو عليك فان القوم قد ابتدءوا يستعدون للخروج ويمكنك قريباً أن ترفعي قدميك وتسترخي وفي نفس الوقت يمكنني إذا أنتِ شئتِ أن أقوم بجولة اشكر فيها الجميع لحضورهم . فتمتمت : " لا بأس ستتحسن حالتي تماماً ." ورفعت الكوب إلى شفتيها ولكنها كانت على كل حال شاكرة له ما تقدم به فقد كانت مسرورة إذ أمكنها أن تعود فتميل إليه وتثق به مرة أخرى ، و أغمضت عينيها وهي تشعر بالراحة وعندما فتحتهما مرة أخرى ، وجدت نفسها تنظر مباشرة في عينين سوداوين عدائيتين فأمسكت أنفاسها وهي تشعر بالغثيان إذ تسمع ذلك الصوت الخلاب يغمرها بفيض من الذكريات المؤلمة كانت قد ظنت خطأ أنها قد نسيتها منذ وقت طويل . قال : " تعازي المخلصة يا فينيتيا لقد كان والدك رجلاً رائعاً وأنا أعرف مقدار الحب الذي كان يكنه الواحد منكما للآخر ."
قالت : " شكراً ." وخرجت الكلمات منها جافة فاترة وكانت شفتاها ترتعشان فهي لم تتوقع أن تراه ثانية وكان ذلك منتهى الغباء كما أدركت الآن باعتبار انه يملك مقداراً كبيراً من الأسهم في شركة أبيها ، شركتها الآن .
ارتفع صوت كارلو يقول موجهاً حديثه إلى سيمون : " أما زلت ذا فائدة يا كيرو؟ أليست زوجتك معك ؟ " أزعج فينيتيا أن تشعر بوجهها يتوهج فقد كان للطريقة التي لفظ بها كلمة ( ذا فائدة ) أن يعلمها بكل قسوة انه مازال يتذكر آخر مرة رآهما معاً . وما الذي جعله يعلم أن سيمون متزوج ؟ هل كان يسأل عنهما؟ لقد كان ثمة مكالمات هاتفية أحياناً بينه وبين أبيها ولا بد انه جمع معلوماته عن هذا الطريق وكان سيمون يغمغم قائلاً : " إن انجي لا يمكنها الحضور إلى هنا فهي مسافرة في مهمة عمل ." وكان هو أيضاً قد احمر وجهه كما رأت فينيتيا وكان احمرار وجهيهما هما الاثنين يظهرهما وكأنهما قاما بشيء جعلهما يشعران بالذنب وكان عليها أن تتمالك نفسها وذلك أن كارلو يعني ألان بالنسبة إليها اقل من لا شيء وقد حان الوقت ألان لكي تتصرف كامرأة ناضجة بدلاً من أن تتصرف كتلميذة مذعورة أمام ناظر المدرسة العبوس الحازم هذا إلى أنها كانت تعرف السبب في عدم الارتياح الذي بدا على سيمون ، فقد مر على زواجه من انجي ستة اشهر فقط وكانت مهنتها كعارضة أزياء تجعلهما مفترقين اغلب الأحيان مما جعل الخصام يدب بينهما بصورة عنيفة ولم يكن لدى انجي نية أن تكون زوجة تقليدية ، تساند زوجها في عمله فهي ترى عملها أولى بالاهتمام .
وبهزة ذات معنى من كتفي كارلو إلى التواء شفتيه الساخر علمت انه لا يتقبل الأعذار المغمغمة وان العمل عنده فوق الكلمات . أخذت عينا كارلو تتفحصانها كلياً ابتداء من قبعتها الصغيرة إلى حذائها العالي ليقول بعدها : " لقد تغيرت جسمانياً ." ولم يحمل صوته آسفاً ولا مديحاً كان يعلن فقط حقيقة واقعة سلمت بها بإيماءة عدم اكتراث خفيفة من رأسها . لم يكن ثمة ما ترد به على هذه الملاحظة دون أن تعود بذاكرتها إلى ذلك الأسبوع الذي تصرفت فيه بمنتهى الغباء وتمنت لو يرحل لو يعود إلى روما أو إلى أي مكان وكأنما كلماتها ستجذبه وتلقيه بعيداً أو على الأقل تجعله يدرك مقدار عدم الترحيب الذي تشعر به لوجوده هذا .
قالت له ببرود : " من كرم أخلاقك انك وجدت فرصة ، رغم انشغالك البالغ لكي تحضر إلى هنا ولو كان أبي موجوداً لشكرك على ذلك ." ووضعت جانباً الكوب التي نسيته في يدها وهي تستطرد : " و أمل أن تكون رحلة العودة مريحة فلا تدعنا نعطلك عن الذهاب ."
كان رده شبه ابتسامة إقراراً بما قالت واستدارت هي بشيء من الارتياح إلى بوتي التي أقبلت إليهما وقد وضعت المئزر الأبيض فوق ثيابها مما ينبئ بعودتها إلى العمل مرة أخرى لتقول مخاطبة فينيتيا : " أن بعض الضيوف على وشك المغادرة يا حبيبتي فجئت لأخبرك وإذا كنت لا تريدين مني شيئاً حالياً فسأجهز الغرفة للسيد كيرو إذا كان لا بأس في هذا . "
وقطبت فينيتيا حاجبيها وحولت عينيها إلى سيمون متسائلة إذا كانت أذعنت لاقتراحه بالبقاء بصحبتها وتناول العشاء معها ، ولكنها المرة الاولى التي تسمع فيها انه سيمضي الليلة هنا . لا بد انه كان يعني ما قال لها من انه لا يريدها أن تظل بمفردها هذه الليلة . وان وجود بوتي هنا لا يعني شيئاً لأنها في نظره مجرد خادمة حسب علمه لا يعتد بها .

 
 

 

عرض البوم صور العنقاء الحزين  
قديم 01-12-10, 12:29 AM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2010
العضوية: 175804
المشاركات: 34
الجنس أنثى
معدل التقييم: العنقاء الحزين عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
العنقاء الحزين غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : العنقاء الحزين المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

قال سيمون رداً على نظرة التساؤل في عينيها و مؤكد ظنونها وذلك بلهجة رسمية دون أن ينظر إلى أحد : " أظن من الأفضل عدم بقائك بمفردك هذه الليلة وقد حدثت السيدة بوتي عن ذلك قبل فترة ." وتنهدت فينيتيا ، فقد كان لا فرق عندها سواء أمضى الليلة هنا أم لا وافترضت انه يقصد بذلك إظهار الشهامة .
فهو يبالغ في رعايتها إكراماً لذكرى أبيها ، ولكنها كانت تفضل لو سئلت عن ذلك أولاً ، ولكنها ما لبثت أن تجمدت في مكانها عندما تدخل كارلو بينهما قائلاً :" إنني أوافقك على ذلك يا كيرو وعلى كل حال ربما سأبقى هنا عدة أيام فلن يكون ثمة حاجة بك للبقاء ." وعندما استدار نحو مدبرة المنزل بدت في عينيه أول لمحة من الرقة لطفت من النظرة العدائية التي كانت في عينيه منذ وصوله كما ظهرت على شفتيه شبه ابتسامة وهو يقول : " سأستعمل الغرفة التي كنتِ ستجهزينها لكيرو ، ولكن لا تتعبي نفسك بترتيب السرير يمكنني أن افعل ذلك بنفسي ."
انبرت فينيتيا تقول بحرارة دون تفكير : " يمكنك كذلك أن تحجز لنفسك غرفة في فندق بكل سهولة ." ورفعت برموشها وهي تشعر بالألم الذي رافق صوتها وهي تقول ذلك فهي لا تريده هنا ممثلاً ذكرى سوداء لسلوكها المعيب رافقتها طيلة تلك السنوات . ولكن هل كان عليها أن تفقد رباطة جأشها إلى هذا الحد , تاركة له مجالاً للظن انه مازال في إمكانه التأثير عليها في حين أن الحقيقة هي غير ذلك ؟ ومالت لا شعورياً نحو سيمون بعد إذ لمحت ومضة من السخرية في عيني كارلو السوداوين فحولت نظراتها بعيداًً بسرعة لتصر على أسنانها بغيظ وهي تراه يعترض على اقتراحها هذا قائلاً بصوته الرقيق العاطفي : " ولماذا اذهب إلى الفندق في حين يمكنني البقاء هنا؟ صدقيني أن الطعام الذي تصنعه بوتي لا يبارح ذاكرتي انه اجمل ذكرى صحبتني إلى إيطاليا منذ سنوات ."
وحالاً تبادر إلى ذهن فينيتيا إن أدراك ما يعتبره أسوأ ذكرى لا يحتاج إلى ذكاء كبير وبان عليها بوضوح الارتباك والشعور بالاستياء وهي ترى احمرار وجه بوتي وهي تجيبه متجاهلة إطراءه هذا :" أتفرش سريرك بنفسك ؟ ما هذا الكلام الفارغ ؟ إنني أقوم بذلك بكل سرور سأجهز لك الغرفة التي كانت لك من قبل فقد سبق وقلت أن منظر الحديقة أعجبك أتذكر؟ وسيكون من دواعي سرورنا أن نستضيفك هنا مرة أخرى . "
فكرت فينيتيا بامتعاض في أن بوتي كان عليها أن تتحدث عن نفسها فقط ... وما لبثت أن تبعتها بسرعة دون أن تنظر إلى أي من الرجلين فليتفقا فيما بينهما على ما إذا كانا يريدان هما الاثنان أن يبيتا هذه الليلة هنا . إذ من الواضح انه ليس لها كلمة مسموعة في هذا الشأن . وأخذ منها توديعها للمعزين وشكرها لهم مؤاساتها في فقد والدها وقتاً أطول مما كانت تتوقع وكانت تتلهف إلى الانفراد بنفسها لكي تجد الوقت الذي يمكنها فيه أن تشعر بالتعود على محنتها هذه في أبيها عندما تقدم آخر المعزين لتوديعها . وكان هذا سيمون ونظرت أليه مرتين لكي تتأكد من انه هو بذاته لترتسم على شفتيها ابتسامة ألم وهو يقول باكتئاب : " انه هو السيد المطاع قد امرني بالذهاب لقد قال انه سيتحدث إلى غداً وبعد غد سيدعو إلى اجتماع للمديرين ويبدو انه يريد الانفراد بكِ بقية النهار ولكن إياك أن تسمحي له بإرهاقك بالحديث عن شؤون العمل فأنت تبدين مرهقة منذ الآن ."
أجابته بجفاء : " أشكرك على تشجيعك هذا لي ." أن في إمكانها الخوض مع كارلو في شؤون العمل ... فقط ولكن إذا خطر له أن يذكرها بتصرفاتها المعيبة التي صدرت عنها منذ ستة أعوام فستقتله وأضافت تسأله بهدوء :" أين هو الآن ؟ ".
كانت القاعة الكبيرة خالية وكذلك غرفة الاستقبال إلا من متعهدي تحضير الأطعمة الذين كانوا الآن ينظفون المقصف من محتوياته وأجابها سيمون بصوت ساخر : " في آخر مرة رأيته فيها كانت مدبرة المنزل تقوده إلى المطبخ لتقدم له كوب شاي وقطعة من الكيك .. الكيك الجديد وليس ذلك الصنف الذي أحضره أولئك المتعهدون معهم أظن أن تلك المرأة قد دخلها الخرف لن يكون من السهل عليها الحصول على مثل هذا الوضع المريح عندما تبيعين البيت هنا . انكِ فكرت طبعاً في اقتراحي هذا أليس كذلك؟ "
وقطبت فينيتيا جبينها وهي تسير معه نحو الباب أنها لا تشعر بالرغبة في إثارة موضوع إمكانية بيع البيت فقد كان حزنها لوفاة والدها ما زال حديثاً والانفصال عن المنزل الذي أمضت فيه حياتها هو قرار لا يمكنها البت فيه بمفردها وبهذه السرعة . بدا على سيمون التفهم لذلك لأنه استدار يواجهها ويده على مقبض الباب ليقول وقد كست ملامحه الرقة : " انسي إنني حدثتك عن ذلك وستكون لنا جلسة معاً نتحدث فيها عن كل شيء عندما يزول خوفك من عواقب ذلك فأنا لا أريد أن ادفع بك ِ إلى قرار أنتِ غير مستعدة له أن احترامي لك لا يسمح لي بذلك ولكن لو أمكنني المكوث معك هذه الليلة ، كما كنت خططت لذلك لا مكننا أن نتبادل الحديث بكل ارتياح ... وعلى كل حال فهناك شيء مهم أريد أن أتحدث بشأنه معكِ ."
كان الظلام قد بدأ ينتشر فقد مضى النهار بسرعة وكان هذا من حسن حظها إذ كلما أسرعت بالانفراد بنفسها لتواجه أحزانها لفقد أبيها الغالي كان ذلك افضل لارتياحها .
مهما كان لدى سيمون ليقوله ، ومهما كانت أهميته فأنها لم تشعر بالرغبة في سماعه وبالرغم مما قاله انه لا يريد أن يدفع بها إلى قرار بشأن بيع المنزل فقد ساورها الظن بأنه كان يهدف لذلك فقط من وراء رغبته في المبيت عندها وتأكدت ظنونها هذه عندما عاد هو يغلق الباب وهو يقول متوتراً :" اسمعي إذا كنتِ تريدينني أن أبقى فسأبقى ... بصرف النظر عما قاله روسي فهذا منزلك أنتِ رغم كل شيء وليس من حقه أن يرغمني على الذهاب اخبريه فقط انك تريدينني هنا وإذا لم يعجبه يمكنه أن يرحل إلى حيث يريد عندئذ يمكننا أن نمضي أمسية مريحة نتحدث فيها بصفتنا صديقين قديمين ."
ساور فينيتيا التردد لحظة واحدة فقد كانت متشوقة إلى أن تجعل ذلك الإيطالي يدرك انه ليس في إمكانه أن يفرض نفسه حيثما يشاء ولا أن يقبل ببقاء من يشاء في منزلها ويرفض من يشاء بمثل هذه الطريقة المستبدة ولكن التفكير في صحبة سيمون الثقيلة لساعات طويلة وفي الأمسية المريحة حسب قوله كان اكثر إرهاقا من أن تتحمله .
أجابته بحزم : " لا أظن ذلك ." وعندما رأته يمط شفتيه السفلى بامتعاض سارعت تلطف من جوابها هذا فهو على كل حال لم يقصد سوى المنفعة لها ، فقالت :" إنني لا أستطيع القيام بأي شيء في الوقت الحاضر ." وابتسمت له برقة وهي تقول :" حتى ولا الحديث مع الأصدقاء القدامى فإذا ما انصرف متعهدو الطعام هؤلاء فالأغلب أن اغتسل ثم آوي إلى فراشي مباشرة وعلى السيد روسي أن يستضيف نفسه ." وكانت تريد بذلك أن تتمالك نفسها وتشعر بالقوة قبل أن تتمكن من احتمال مواجهة كارلو على أساس الند للند .
بدت على سيمون الاستكانة وهو يقول : " إذا كان هذا ما تريدينه فسأتصل بك هاتفياً لنتدبر أمر قضاء أمسية هادئة معاً ، إن انجي ستغيب أسبوعاً آخر على الأقل وفي نفس الوقت لا تسمحي لروسي بأن يزعجك بآرائه المتعلقة بشؤون العمل .. أو أي شيء آخر ." .
أجابت وقد شعرت فجأة بالرغبة في أن يرحل قائلة : " كلا لن افعل ." وشعرت بالارتياح عندما فتح الباب وخرج . طوال الوقت الذي عملت فيه معه لم يحاول أن يتحرش بها ولك هذه الرقة التي بدرت منه ما هي إلا تعبير عن رعايته لها في هذا الحزن الذي يتملكها وليس فيها ما يستوجب أي استياء منها ولا حاجة بها إلى الشعور بأي اشمئزاز داخلي أو السماح للذكريات القديمة عما سبق وفعله معها بأن تفسد هذه الصداقة التي بينهما الآن فقد كان منذ ست سنوات شاباً حدثاً مغروراً بنفسه ولكنه الآن اكبر سناً واكثر حكمة ورقة .
وتراجعت إلى الخلف وهي تغلق الباب متسائلة عن الوقت الذي سيخرج فيه متعهدو المقصف لتسمع من خلفها صوتاً تشوبه لكنة خفيفة يقول بازدراء :" يا له من موقف مؤثر لقد عاد إلى منزله ليداري خيبته أليس كذلك ؟ هل تعلم زوجته انه كان ينوي المبيت هنا ؟ " فاستدارت على عقبيها لترى كارلو واقفاً أمامها واحمر وجهها وهي تجيب : " كلا ." كيف يجرؤ على افتراض شيء كهذا ؟ كيف يجرؤ؟ ولكنها عدا عن احمرار وجهها غضباً استطاعت تمالك نفسها لتسأله بصوت ينضح سخرية وبروداً :" هل تخبر زوجتك أنت في كل مرة تريد أن تعبث فيها خارج المنزل ؟ " .
فأجاب و عيناه تطفحان بالازدراء :" بما أن لا زوجة لي فأن هذا السؤال غير وارد ."
ولكن فينيتيا لم تجفل وقابلت نظرته الهازئة برأسها المرفوع وعينيها المائلتين اللتين تصبحان أحياناً من الشحوب بحيث تشبه البلور ، ولكنهما الآن تماثلان بلونهما البنفسج . لقد ترك هو هذا المنزل منذ ست سنوات مصطحباً معه أسوأ فكرة ممكنة عنها وعند عودته هذه احضر معه فكرته التعسة تلك ، مستعداً لتصديق أسوأ الأقاويل عنها ، فيفسر رغبة صديق قديم في البقاء معها لمؤاساتها في هذه الليلة الحزينة بعلاقة غرامية حقيرة وقد صب ذلك الحوار اللطيف والذي لا بد قد سمعه زيتاً في النار الأثيمة التي توقدها مخيلته المريضة .
حدقت في ملامحه الصارمة الباردة بإمعان إن في إمكانه أن يظن ما يشاء فهذا لا يهمها وإذا هو حقاً يريد أن يعتقد فيها الأسوأ فستساعده هي على ذلك .
حاولت أن تتجاهل ارتعاش ركبتيها غضباً فتلكأت حوله وهي تلقي إليه نظرة ساخرة ثم تألقت عيناها تحت الحجاب الشفاف بنظرة جانبية ماكرة وهي تنقر على أسنانها بأظفارها بخفة قبل أن تقول ببطء : " صدق أو لا تصدق إن في إمكاني أن أطيق قضاء ليلتي وحيدة أحياناً إذا استدعى الامر فلا تقلق .." وابتعدت عنه متجهة نحو السلم وهي تنظر إليه من فوق كتفيها .

 
 

 

عرض البوم صور العنقاء الحزين  
قديم 01-12-10, 12:30 AM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2010
العضوية: 175804
المشاركات: 34
الجنس أنثى
معدل التقييم: العنقاء الحزين عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
العنقاء الحزين غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : العنقاء الحزين المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الفصـــــــل الرابع




ما أن أغلقت فينيتيا باب غرفة النوم خلفها ، حتى شعرت بالخجل البالغ من نفسها ذلك الخجل المدمر الذي تمنت معه لو تنشق الأرض وتبتلعها ، بينما أحاطت ذراعاها بجسمها المرتجف . أي دافع تملكها وجعلها تقول مثل تلك الأشياء؟ وتتصرف بتلك الطريقة؟ فكارلو روسي لا يعني لها شيئاً لها الآن ومنذ سنوات لم تفكر فيه فلماذا نظرة عدائية واحدة من تلك العينين السوداوين تجعلها تتصرف وكأنها امرأة مغامرة دون قلب ولا مبدأ؟ وفي يوم جنازة أبيها ... لقد جعلها هذا وحده تشعر باحتقار لنفسها!
غالبت دموعها ثائرة وهي تتنفس بعمق وترتجف ثم اعتدلت في وقفتها وهي تسمع نقراً خفيفاً على الباب الخشبي تبعه صوت بوتي يناديها . أجابت بلهجة آلية :" ادخلي " ثم مشت بخطوات مهتزة إلى منضدة الزينة حيث خلعت قبعتها إنها لا تريد أن تراها أو ترى ذلك الطقم الأسود مرة أخرى إنها لا تريد أن يذكرها شيء بهذا اليوم المخيف .
قالت مدبرة المنزل بصوت فيه لمحة من العتب : " كنت أتساءل أين عسى أن تكوني ." وتجاهلت فينيتيا عتبها هذا وهي تنظر في انعكاس صورة عينيها في المرآة كانتا تبدوان كبيرتين بالنسبة إلى وجهها الشاحب .
عادت بوتي تقول : " لقد خرج المتعهدون وفكرت في انكِ والسيد روسي قد تفضلان عشاء مبكراً . لم اعد شيئاً كثيراً ولهذا سأقدمه إليكما في غرفة الطعام حيث المكان لطيف مريح ."
هزت فينيتيا كتفيها بعد أن فككت أزرار جاكتتها وهي تفكر في انه على كارلو أن يتناول عشاءه من صندوق القمامة في فناء المنزل فهي لا تهتم له مثقال ذرة وقالت بصوت جامد : " لا أريد أن آكل شيئاً إنني لست جائعة وسأغتسل ثم آوي إلى فراشي باكراً ." قالت بوتي بمرارة : " ولكنك كنت ستأكلين لو أن سيمون ذلك بقى هنا كما كان يريد انك لا تحسنين التصرف بالنسبة إلى نفسك أبداً ." وخرجت وهي تصفق الباب خلفها بعنف تخفف بذلك من توترها .
أطبقت فينيتيا شفتيها بشدة لا تريد أن تفكر في ما قالته بوتي . أنها لا تريد أن تفكر بشيء ليس هذه الليلة على الأقل وإذا هي فعلت فستنهار كلياً ... ستحاول غداً ان تعالج الأمور وقررت أن تتصل بسيمون وتتفق على موعد لتتناقش معه في كل شيء وهو سيعطيها نصائحه بكل تجرد ونزاهة . صممت على هذا ومن ثم صرفت ذهنها تماماً وهي تتابع خلع ثيابها . خرجت من الحمام بعد ذلك بنصف ساعة وهي تنشف شعرها بمنشفة وقد أبرز طول قامتها قميص نوم من الساتان الأبيض وبعد أن ألقت بالمنشفة على الكرسي مشطت شعرها بسرعة ثم سارت لتزيح الستائر جانباً في محاولة منها لتخفيف الضيق الذي تملكها . كان الليل شديد الظلمة ولم يكن ثمة ما يذكرها بأنها تسكن كوكباً مأهولاً سوى أضواء بعيدة تنبعث من اكواخ المزارعين ولم تكن هنالك نجوم لا بد إذن أن الغيوم كثيفة وكانت نشرة الأنباء الجوية قد تنبأت بسقوط الثلج كما سمعت من أحد الأشخاص في الجنازة معلقاً بأن من حسن الحظ أن تأخر سقوط الثلج . ولكنها لا تريد ان تفكر بالجنازة . مشت بسرعة الى رف الكتب بجانب السرير حيث اختارت كتاباً مشوقاً لقد اشترته بدافع الفضول بعدما سمعت ان كاتبه قبض مليون دولار مقدماً ولكنها لم تستطع انهاء قراءته قط .
هذه الليلة ستحاول ان ترى كيف يمكنها ان تنام دون ان يتملكها الارق ساعات من الحزن و القلق والهم ، وهي تفكر في كيفية معالجة مستقبلها ولكنها ستقرأ كل كلمة من هذا الكتاب مهما أصابها الملل من المغامرات التي يحفل بها الكتاب نابذة من ذهنها كل شيء الى ان تخلد الى النوم . وما أن اندست بين الاغطية حتى عاد ذهنها دون وعي منها الى تلك الليلة منذ ست سنوات الليلة التي رحل فيها كارلو لقد القت بنفسها على أغطية الفراش القرمزية المصنوعة من الساتان والقطيفة .
وانتزعت افكارها بعنف من تلك الذكريات السوداء و أصلحت من وسادتها خلفها ثم فتحت كتابها . ان الليلة ستكون طويلة ..... طويلة جداً ...
وما كادت تصل الى نهاية الفصل الاول حتى سمعت قرعاً على الباب جعلها تلقي بالكتاب جانباً بشيء من الارتياح وفكرت باستسلام انها بوتي قد عادت لتضايقها بمعاتبتها لعدم تناولها عشاءها . ولكن من دق الباب لم يكن مدبرة المنزل . كان كارلو ولم يكن مزاجه هادئاً كما بدا من صفقة الباب خلفه بعنف .
كان يحمل صينية ، ورفعت فينيتيا وجهها وجسدها يهتز من الغضب وقالت بعنف :" لا اتذكر انني دعوتك الى غرفتي ، اخرج من هنا ." ولكنها أخذت تتساءل بعد فوات الاوان ، عما جعله يستحق مثل هذا العنف منها وندمت اذ اظهرت له مرة اخرى السهولة التي يستطيع بها دفعها الى موقف التحفز للدفاع فهو الان لا يعني لها شيئاً على الاطلاق ......
وهكذا حاولت ان تغير من لهجتها لتقول بعدم اكتراث :" اذا كنت قد احضرت لي شيئاً لاكله ، يمكنك أن تعيده فأنا لا اريد آسفة ." حاولت ان تمد يدها الى الكتاب ولكنه تقدم نحوها دون تردد بالرغم من جوابها البارد ، ووضع الصينية على حضنها وهو يأمرها : " كلي أو سأرغمك على ذلك ولا أظن أياً منا يريد هذه النتيجة ." ، قطبت حاجبيها وهي تنظر الى إناء الحساء الذي يتصاعد منه البخار ولم تشأ إظهار عصيانها صراحة فقد كان يعني تماماً ما يقوله عندما هدد بإطعامها بالقوة وضعت ملعقتها في الإناء تحرك الحساء وهي ترمقه بنظرة جامدة قائلة :" لا حاجة بك إلى الوقوف فوق رأسي ."
وجدت في فمه الملتوي بسخرية ، وعينيه السوداوين الرائعتين ونظراتهما الحادة المتأملة ، من الضيق ما سلبها هدوءها النفسي ، ولم تستطع مقاومة الرجفة التي اعترتها عندما قال بجفاء : " لقد أخبرتني بوتي بأنك لم تأكلي في المدة الأخيرة ما يكفي ذبابة لكي تعيش ولهذا سأبقى هنا إلى أن أتأكد من انك ستشربين آخر قطرة من هذا الحساء . "
فكرت بتمرد انه يتكلم بصفته ذلك المستبد العاتي وأخذت تراقب عينيه وهما تتنقلان بين غلاف ذلك الكتاب وجهها الغاضب .
يبدو انه يراها تستحق الازدراء ... إذ أن رأيه فيها قائم على ما حدث منذ سنوات وعلى تعليقاتها الحمقاء عصر هذا النهار . فهو ما كان ليهتم إذا هي ماتت من الجوع أمام عينيه فلماذا يصر الآن على أن يكسر ما تعودت عليه طيلة الأسبوع الماضي عندما حطمت صدمتها بوفاة أبيها حتى تلك الشهية الضئيلة التي روضت نفسها عليها بكل قسوة ؟ وجعلها هذا التفكير تكف عن إنهاء ما تبقى في الإناء من الحساء ليعود إليها شعورها بمقدار خسارتها ويمزق أعماقها و أبعدت الصينية عنها ثم غطت وجهها بيديها لتتصاعد شهقاتها من صدرها وقد مزقها الألم .
كان حزنها شيئاً خاصاً بها ولم تكن تريد له أن يظهر بهذا الشكل فالانهيار أمام الرجل الذي حطت كرامتها أمامه منذ ست سنوات ، كان فيه الإذلال النهائي لها ولكنها لم تعد تستطيع أن تمنع دموعها من الانهمار مثلما عجزت عن إخراج كارلو من الغرفة . وفي غمرة هذه العاصفة من المشاعر شعرت به ماداً يديه مبعداً يديها عن وجهها ، برفق وإنما بثبات بينما أخذت عيناه السوداوان تمعنان النظر في ملامحها الحزينة .
اغمض عينيه فجأة وقد تجهمت ملامحه الوسيمة , و أمسكت هي أنفاسها وهي تشعر بانسحابه من شيء مجهول لم تدرك كنهه . وارتجفت وهو يقول بصوت خشن :" ابكي ... ابكي أباك ولا تخفي أحزانك يا فينيتيا ... فليس هذا بالذي تخجلين منه ."
وأطلقت كلماته هذه لدموعها العنان وللمرة الثانية في حياتها تبكي أمام هذا الرجل بكت الحب الضائع ، والفراغ المؤلم الذي تركه ذلك الضياع . وتعلقت هي تلك التعزية الغريبة الحلو المرة وقد محت هذه النفحة من دفء الإنسانية وتفهمها آثار الذل و العار . وفي النهاية هدأت شهقات فينيتيا تاركة إياها في منتهى الإرهاق إنما مغمورة بسكينة غريبة ، وداخل ذلك الفراغ كان ثمة شيء يتسلل ليزيل كل تلك التحصينات التي انطبعت في ذهنها .
كانت قد حدثت نفسها بأنه لم يعد يعني لها شيئاً ... وان الحب الذي تصورته لا يخمد لم يكن سوى تصورات رسمتها فتاة مراهقة وقد حدثت نفسها بذلك مراراً وتكراراً حتى لم يعد أمامها خيار سوى الاعتقاد بذلك ولكن ها هو ذا اضطرابها يحدثها بشيء آخر مختلف تماماً . انه يحدثها بأنها متناغمة مع دقات قلبه وكيانه الذي لا نظير له , لتتجاوب مع كل هذا كبرعم يتفتح في أشعة الشمس ، هادماً الحصون العالية التي شيدتها بكل حرص لتغطي الجرح الناشئ عن حبها القديم ذاك وكاشفاً الألم الناشئ عن ذلك الجرح الذي لم يكن لينسى أبداً .
أسندها برفق إلى الوسائد وهو يقول وقد لوى شفتيه : " يالك من فتاة غامضة يا فينيتيا لقد جئت إلى غرفتك متوقعاً ما وجدته ... امرأة جميلة قد خاب أملها في قضاء الليلة مع حبيبها ولكني وجدتك تشهقين باكية أمامي كطفلة صغيرة ."
كان يتحدث واضعاً يديه في جيبي بنطاله وتابع قائلاً : " لم اكن أظن انك تملكين روحاً حساسة ."
و ارتجفت وهي ترى هذا التغيير المخيف فيه فجذبت غطاء السرير إلى ذقنها وقد غشى عينيها عدم الفهم إلى أن أمكنها استرداد قدرتها على التفكير نوعاً ما ففهمت ما يعنيه لتجيبه بحدة : " إن سيمون ليس .......... "
فقاطعها بخشونة : " لا تكذبي فان لم تكونا أنتِ وكيرو حبيبين منذ ست سنوات فقد كنتما على وشك أن تكونا كذلك وقد رأيت كل ذلك من حيث كنت واقفاً ورغم أن له زوجة الآن فان الصلة بينكما لا يمكن أن تخفى ."
ولم يكن ثمة ما تستطيع قوله دفاعاً عن نفسها . لم يكن هناك دليل كاف يمكنها به ان تمحو هذه الأفكار المغلوطة التي تأصلت جذورها بنفسه ، فيتأكد من الحقيقة ولكن وتساءلت بينها وبين نفسها بكآبة ما أهمية ذلك ؟ ولماذا تكلف نفسها عناء الشرح أصلاً ؟ ولكن ألمها لم يكن محتملاً عندما أدار إليها ظهره ومشى مسرعاً نحو الباب و كأنه لم يعد يستطيع تنفس هذا الهواء لحظة واحدة . وامتزج هذا الألم والعجز بمنتهى التحقير والإذلال عندما توقف عند عتبة الباب وهو يقول بسخرية مهينة :" سأطلب من بوتي أن تحضر إليك الحساء طازجاً حاراً لكي تتمكني من النوم ."
وفي الصباح التالي أخذت فينيتيا تفكر منطقياً في أن تركه لها بكل تلك القسوة له ما يبرره وقد جعلها تهورها الغبي ذاك وهي تتبجح بالادعاء ، تنكمش من شدة الاحتقار لنفسها .
ارتدت جاكتة صوفية فوق التنورة الرمادية التي أخرجتها من خزانة ثيابها بشكل اعتباطي لتضع بعد ذلك شيئاً من الزينة على وجهها بشكل متحفظ وهي تحدث نفسها بأن عليها أن تصلح الأمور ، على الأقل لتجعله يصدق ما هي عليه من العفة . إنها لم تعد في الثامنة عشر من عمرها وتصرفاتها منذ ست سنوات رغم ما تشعرها من إحراج كانت ، على الأقل صادرة عن براءة فقد اعتقدت تماماً في ذلك الحين بأنها كانت تحبه . بينما أمس تعمدت أن تكذب عليه لقد كان سلوكها رخيصاً عدا عن انه يطال سيمون أيضاً الذي حسب ما تعلمه ليس لديه أية رغبة في خداع زوجته وسيتملكه الغضب و الاشمئزاز حتماً إذا هو اكتشف توريطها له بهذا الشكل .
في إمكانها فقط أن ترد ذلك الانحراف المريع دون ذكر لحظة جنونها الأخير عندما ظنت خطأ أن صبابة المراهقة البلهاء تلك ما زالت حية في نفسها إلى الإرهاق النفسي الذي تعانيه ، واستمرار شعورها بالصدمة لموت أبيها الحبيب لقد كان معها تلك الليلة ، يتناقشان في شؤون العمل لنهارها ذاك ، ثم يقترحان أن يمضيا الوقت يلعبان الشطرنج بدل مشاهدة التلفزيون وكانت نفسه كالعادة عامرة بالهدوء والمحبة وفي الصباح التالي ، كان قد رحل لقد تسلل دون أن يمسك به أحد ليواسيه أو يودعه .
وأخذت تصلح فراشها لتبعد عنها هذه الذكريات المؤلمة وتنظم غرفتها مما أعاد إليها السيطرة على مشاعرها . فهي ستذهب غداً إلى العمل ومن ثم تعود إلى حياتها العادية وهذا النهار ستخبر كارلو بالحقيقة . إن عليها أن تقوم بذلك ولو لتستعيد من احترامها لنفسها .
قالت بوتي تجيبها عن سؤالها : " لقد خرج منذ اكثر من ساعة فماذا تريدين لفطورك ؟ إنما إياك أن تخبريني مرة أخرى انك لست جائعة ؟ إنني سأستقيل من العمل إن فعلت هذا وأنا أعني ما أقول ."
وأذعنت فينيتيا رغم علمها أن بوتي لا تعني حقاً ما تقول . إن عليها أن ترغم نفسها على الطعام وإلا فستمرض ، وهذا لن يكون فيه فائدة لأحد . وهكذا ردت عليها بفتور قائلة : " أي شيء خبز محمص ، فاكهة ، حبوب ... أي شيء من عندك ." وأخذت تمشي في أنحاء المطبخ الفسيح وهي تتمنى لو استطاعت التخلص من أسباب هذا القلق ، . ثم عادت تسألها بشيء من الأمل : " هل رحل نهائياً؟ أعني كارلو هل أخذ معه أمتعته؟ " وتساءلت عما جعلها تشعر بالهدوء ، باعثاً

 
 

 

عرض البوم صور العنقاء الحزين  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:35 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية