7_درب الجمر
على مسيرة ساعتين شمالي بروومي , وفي مغارة قديمة على ساحل كيمبرلي ذات الصخور الحمراء والبساتين الخضراء , التقى القارب مع السفينة التى ستتولى الحصاد في أول مزرعة من المزارع العشر التى تملكها عائلة باستياني . المياه هنا صافية وزرقاء .
المحارات الملقاة تحت سطح الماء موضوعة على ألواح مربوطة الى حبال طويلة تسمح لها بأن تتأرجح الى الوراء والى الامام مع كل موجة قادمة . رفعت روبي وجهها الى السماء , وتنشقت الهواء الدافئ المشبع بملح البحر , وهي في اليخت السريع الذى توقف مباشرة أمام سفينة الصيد . إنه لأمر جيد أن تكون بعيدة عن التوتر المتصاعد في المكتب .
منتديات ليلاس
لكن هذا لا يعني ان سبب هذا التوتر بقى هناك . اليوم يبدو زاين مرتاحا اكثر من اية مرة رأته فيها .
انه يرتدى سروالا قصيرا وقميصا رياضية . شعره الاسود الكثيف يتطاير حول وجهه , أما نظارتاه الشمسيتان السوداوان فتخفيان عينيه اللتين تشعر روبي أنهما مركزتان عليها , فهي تشعر بوخز دائم في بشرتها وهذا خير دليل على ذلك .
راحا يتجنبان رؤية بعضهما , وعندما يتعذر ذلك ويفرض عليهما اللقاء , كانا يتواجهان كأنهما شخصان باردان عاطفيا , يمران عبر ممر ضيق جدا . لكن تحت هذه البرودة , كانت روبي تشعر بحرارته , وباستيائه الكبير الذي يرشح منه , كما تشعر بنظراته ترصد حركاتها .
بدا كالقناص الذي يراقبها وينتظر . لكن إن كان قد تقبل انها بعيدة عن متناوله , فلماذا يستمر في مراقبتها ؟ لماذا لا يستطيع تركها وشأنها ؟
اتراه مصمم على التخلص منها بأية وسيلة ممكنة , لذا قرر ألا يتركها تشعر بالراحة ابدا , معرضا إياها بشكل دائم الى توتر حاد ؟ تبا له !
لن يتمكن من التخلص منها بهذه السهولة . جمعت روبي أغراضها القليلة ما إن ارتطم القاربان ببعضهما فوق الامواج المرتفعة . قررت انها لن تسمح له بأن يفسد رحلتها اليوم , فهناك إحساس خفي بالحماس لدى كل شخص هنا بسبب بدء موسم الحصاد , كما أن روبي تشعر بإحساس كبير من التوقع .
استدارت الى جانب القارب , فوجدت زاين يقدم لها يده ليساعدها كي تنتقل من القارب السريع الى قارب الصيد . الضيق الواضح على وجهه جعلها تتراجع الى الوراء .
فكرت انه يقدم لها يده فقط , ومن الحماقة ان ترفض . بتردد قدمت له يدها , سامحة له أن يلفها بيده الكبيرة , ويسحبها نحوه وهي تتسلق الحاجز .
قفزت على ظهر المركب , راغبة في جعل فترة احتكاكهما اقصر ما يمكن , لكنه استعمل قوته ليشدها إليه قبل ان تضع قدميها على الارض , وهكذا اجبرت على أن تمد يدها الى صدره كي لا تقع عليه .
رفعت روبي نظرها الى وجهه . شعرت فجأة بأنفاسها تتقطع , وبقلبها يدق بسرعة , لانها تعلم ان عينيه تحدقان بها بقوة لاذعة تحت هاتين النظارتين السوداوين .
تمكنت من القول :
" شكرا لك "
تراجعت الى الوراء , مبعدة يدها عن صدره , ظهرت ابتسامة مقتضبة على وجه زاين , قبل ان تخفى ابتسامته وراء تنهيدة , ثم ترك يدها , واستدار مبتعدا ليلقى التحية على قبطان سفينة الصيد .
رمشت روبي بسرعة وهي تجمع افكارها , ما إن رحب بهما القبطان , ورافقهما في جولة صغيرة على المركب , معرفا إياهما على فريق العمل . بعد ذلك انتظرا حتى تم سحب اول لوح من الواح المحار من البحر .
راقبا بفرح وذهول كيف تفتح الاصداف بتأن لإزالة الكنز من اعماقها . برهبة وبصمت , راقبا الخبير يستعمل ملقطا صغيرا لينزع اللؤلؤة الرائعة من المحار بمنتهى الدقة والمهارة , قبل أن يضع حبة خرز صغيرة مكانها اكبر قليلا هذه المرة , ثم ينزع الملزمة عن الصدفة , وينهي العملية .
راقبا العملية تتكرر مرات عدة , مبتهجين لرؤية الكنوز التى تنزع من الاصداف التي بقيت في اعماق البحار لسنوات .
همست روبي تحدثه بينما تابع العمال عملهم الدقيق :
" منذ متى لم ترى حصاد اللؤلؤ ؟ "
اعترف زاين بصدق :
" منذ فترة طويلة جدا . لا أتذكر متي كانت آخر مرة "
شعر بالذهول والفرح من عالم يجب أن يكون مألوفا جدا لديه , لكنه فجأة بدا له عالما جديدا مليئا بالاثارة والحماس .
- تبدلت الامور كثيرا . اتذكر انهم كانوا يحضرون الاصداف الي الشاطئ للقيام بمثل هذه الاعمال .
هزت روبي رأسها , وهي تراقب الخبراء يكررون العمل بالمهارة ذاتها مع الواح اخرى , ويخرجون الاصداف القليلة التى لم تنجح في أن تصبح اصدافا كبيرة صالحة لانضاج اللؤلؤ .
منتديات ليلاس
- هذه الطريقة لا تزعج المحار إلا لونت وجيز , وهكذا تزداد المحاصيل بشكل واضح .
انه عمل ناجح بدون أي شك , وهذه ليست المرة الاولى التى يتذكر فيها زاين ما الذى افتقد اليه خلال السنوات الاخيرة الماضية , فيما كان يعمل بجهد قوى ليبنى عمله الخاص في أوروبا , محاولا ان يؤكد وجهة نظره , كان والده يطور العمل هنا . وطوال سنين غيابه , كانت روبي بجانب والده .
من المؤكد انها تعلمت الكثير , وانها تعرف اكثر مما اعتقده منذ النظرة الاولي . تحرك قليلا , وهو لا يشعر بالراحة من المعلومة الجديدة التى بدأت تترسخ لديه .
حصلت روبي من والده على اشياء اخري غير العلاقة الجسدية . حسنا ! هنا في هذا المكان , حيث يحيط بهما طاقم من عشرين رجلا أو اكثر , بإمكانه ان ينظر ليها , وان يعجب بها . ما من ضرر في ذلك .
بإمكانه حتى ان يلمسها , تماما كما فعل عندما امسك بيدها لتنتقل من اليخت ودفعها نحوه . هنا يمكنه ان يلمسها ويقترب منها , من دون الاحساس بالخطر من ان تجرفه العاطفة .