كاتب الموضوع :
اماريج
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
قال كيوتو مجيبا عن سؤال لم يتفوه به زاين : " قال والدك إن هذا الصندوق لك "
أبعد زاين طبقه جانبا ، ورشف آخر ما فى كوب قهوته ، من دون أن يبعد عينيه عن الصندوق . ازداد قدم الخشب ، وتحول لونه إلى لون نحاسى اكثر مما يتذكره . بدا القفل المعدنى مليئا بالخطوط مع مرور الزمن ، لكن المفتاح الصغير ما زال مكانه ، يدعوه ويعذبه .
من الصعب أن يكون هو ما أراد والده أن يحتفظ به ويقدمه له ، بل ما يحتويه . وزاين يعلم جيدا ماذا هناك فى الداخل . هل أعتقد والده حقا أنه لا يعلم ، أم أنه قصد أن يؤثر به بسبب عودته إلى المنزل عن طريق أكبر تذكار مرير لظروف رحيله ؟ لا مجال لذلك ! اتخذ زاين قراره .
منتديات ليلاس
مما لا شك فيه أن لورانس لم يطلب رؤية زاين لينهى الخلاف بينهما ، بل طلبه لكى يواصل ذكر الأمر له . تجعدت جبهته بسبب تلك الذكريات المؤلمة . كان مجرد شاب يافع يومها. . .
أثناء عودته من عطلة مدرسية تسلل زاين إلى مكتب والده عبر الشرفة ، وبدأ بالبحث والتنقيب داخل أدراج المكتب حتى لمست يده مفتاحا صغيرا . فكر على الفور بالصندوق الموضوع على سطح المكتب . . . الصندوق المقفل منذ أن بدأ يعى الحياة ، والذى كان دائما مصدر حيرة واهتمام له .
وهكذا صعد على مكتب والده محاولا أن يفتح القفل . ما إن وضع المفتاح وأداره حتى فتح من المحاولة الأولى . بإحساس من فرح الاكتشاف رفع القفل والسلسلة المعدنية عن غطاء الصندوق .
ما زال يتذكر كيف حبس أنفاسه وهو يرفع الغطاء لينظر خلسة إلى الكنوز التى توقع ان يراها فى داخله . عاوده الإحساس العميق بخيبة الأمل ، ذلك الاحساس الذى أصابه عندما وجد أنه لا يحتوى إلا على كومة من الرسائل القديمة .
رفع أول رسالة منها . فتح الورقة بلا اكتراث وحدق إلى محتواها . الرسالة من والده إلى الخالة بونى ، الصديقة المفضلة لأمه . وجد فى الرسالة لائحة من الأرقام وشيئا ما يتعلق بمنزل ودفعات شهرية لم تعن شيئا لعقله اليافع . لكن لم يتسن له الوقت للنظر أكثر فقد وجدته مربيته فى الغرفة فمنعته من الدخول إلى هناك ثانية ، وحذرته من الدخول إلى أماكن ليس عليه التواجد فيها .
للحظة تساءل زاين ما الذى تقصده بكلامها هذا ، لكنه سرعان ما وجد لعبة جديدة يتسلى بها ، ثم عاد إلى مدرسته ، ونسى كل ما يتعلق بالصندوق . حتى ذلك اليوم منذ تسع سنوات خلت ، عندما تذكر الرسالة وما حوته ، وفجأة بدا كل شئ أمامه بمنتهى الوضوح . أطلق زاين زفرة قوية وهو ينظر إلى الصندوق ، شاعرا بالمرارة فى أعماقه . ما الذى يقصده والده بلعبته تلك ليترك له الصندوق بهذه الطريقة ؟
هل يتوقع منه أن يقرأ كل ما فى داخله ؟ لاشك أنها رسائل غرامية تؤكد أن زاين عرف الحقيقة القذرة كلها . أهذا ما أعتقد لورانس أن إبنه يستحقه بعد غياب دام تسع سنوات ؟ أهذا هو ميراثه ؟
لم يستطع زاين إلا أن يبتسم بسخرية وهو يتأمل الصندوق . حسنا ! لورانس لم يرغب بأن يمر الأمر بسهولة ، فهو لم يكن شخصا لطيفا أو ودودا ، أما هو فلن يشارك بهذه اللعبة . قرأ بما فيه الكفاية منذ سنوات مضت . بإمكان الصندوق أن يبقى مقفلا إلى الأبد .
منتديات ليلاس
غسل كيوتو الأطباق ، وأكمل تنظيف كل ما أستعمله . بعد مرور دقائق أصبح كل شئ لامعا من شدة النظافة .
سأله كيوتو مقاطعا أفكاره :
" أتريد المزيد من القهوة ؟ "
هز زاين رأسه رافضا ، ثم أبعد الصندوق بدفعة أخيرة قبل أن ينهض ، فهو لا يريد أى ذكريات من الماضى . لديه روبى لتذكره بها .
- شكرا لك ، كيوتو . لا أريد المزيد . على أن أنهى بعض الأعمال الهامة . هل هناك سيارة أستطيع قيادتها أثناء بقائى هنا ؟
- أجل ، بالطبع .
هز رأسه ، وتبع يسأله :
" لكنك عدت إلى المنزل لتبقى فيه دوما . أليس كذلك ؟ "
تنفس زاين بقوة . ما يفكر به الآن بالنسبة إلى الشركة لا يتعلق بالتزامه بها على المدى الطويل ، وهذا يستلزم عودة سريعة إلى لندن وإلى عمله هناك . بالطبع ، لابد من وجود عوائق عليه التعامل معها نظرا لموت والده المفاجئ .
شخص ما عليه إستلام إدارة العمل فى تجارة اللؤلؤ . سيتمكن من وضع مدير إدارى بطريقة ما ، لكن البقاء ليس خياره الآن .
أجاب من دون أن يعطى أى وعد :
" سنرى ماذا سنفعل ، كيوتو . لكن أولا ، على التأكد من أن الشركة ستتابع أعمالها فى هذه المرحلة العصيبة من دون وجود أبى كمدير وحارس لها "
علق كيوتو ملوحا بيده كأنه يبعد عنه قلقه :
" ليس هناك من مشكلة . الآنسة روبى تهتم بكل شئ ، فلا تقلق "
تجمدت ملامح زاين ، كأن سكينا حادة بدأت بتقطيع أفكاره . سأله :
" ماذا تقصد بقولك ؟ "
- الآنسة روبى هى الآن فى المكتب ، تتولى إدارة كل الأمور العالقة .
* * * *
إنها تجلس الآن فى مكتب الده كانها تملكه . تضع الملاحظات على جهاز الكومبيوتر النقال ، وهى تدرس ملفا وضعته أمامها على طاولة المكتب .
قال زاين معلنا حضوره بكلمات قاسية :
" أرى أنك لم تضيعى أى دقيقة من الوقت "
رفعت روبى نظرها ، وللحظة بدت مندهشة ، قبل أن تنزل أهدابها ، وتتحول عيناها إلى لون أزرق بارد كالثلج ، وتمتلآن بالحذر .
- توقعت أن تنام لفترة أطول .
|