رفعت روبي المزيد من الرسائل من الصندوق , وقدمتها له :
" ربما عليك أن تقرأ المزيد.... أن تقرأها كلها , كم من الرسائل ستحتاج قبل أن تصدق؟".
أبعد زاين يده عنها ضاربا رسغها , ما أدى ألى وقوع الرسائل وبعثرتها على الأرض.
قال وهو يضع يديه على الرف مديرا ظهره لها :
" لا أريد أن أقرأ أي شيء آخر , لا أستطيع تصديق ذلك , ولا أريد تصديقه".
ربضت روبي أرضا , لتجمع الرسائل , وجدت واحدة كتبت على أوراق زرقاء اللون , وقد تبعثرت تلك الأوراق على الأرض , ألتقطتها ووضعتها معا , فلاحظت بسرعة مدى أختلاف طريقة الكتابة , أنها طريقة مألوفة لديها , شعرت بوخز كوخز الأبر في جسمها , هذه الرسالة موجهة ألى زاين!
بأحساس من الأبتهاج أسرعت تضع الأوراق بالترتيب , قالت وهي تناوله الرسالة
وقلبها يضرب بقوة في صدرها :
" زاين , أعتقد أنك تريد أن تقرأ هذه , فهي موجهة أليك , أنها من والدك".
أستدار زاين ببطء , محدقا بشك بهما معا , هي والرسالة , هل تحمل هذه الرسالة المزيد من الجنون , أم أن كلمات والده ستؤكد نظرية روبي الغريبة؟ عيناها تدعوانه لأخذها , وفيهما تحد وتعاطف معا , أخذ الأوراق من يدها
ثم نظر أليها قبل أن يبدأ بالقراءة.
" عزيزي زاين , ولدي هذه الرسالة يصعب جدا على والد أن يكتبها , لكن بعد سنوات طويلة من الفراق , علمت أنه يجب أن أكتبها لك , أقرأها مع الرسائل التي كتبتها ماري ألى بوني , وسوف تفهم كل شيء , وربما تغفر لي في أحد الأيام , كان يجب أن أخبرك الحقيقة منذ سنوات , لكنني أنتظرت طويلا , بدت لي الأمور أسهل كما هي عليه , وكنا سعداء جميعا , علمنا أنك ستعرف الحقيقة يوما , لكننا عملنا جميعا على تأخير ذلك اليوم , بعد ذلك توفيت ماري وبوني معا , وفجأة أصبح توقيت معرفتك بالحقيقة من دون أهمية , بل أصبح جزءا من الماضي".
قيود من حديد أمسكت بأحشاء زاين , وضغطت عليها بقوة , دافعة الهواء من رئتيه , أنهار على الأريكة , ثم تابع القراءة:
" كانت أمك ماري تربيك وترعاك كأنك طفلها المدلل , ألا أن بوني هي من أنجبتك , أرادت ماري بشدة أن يكون لديها أطفال , وأنا أردت أنجاب صبي , تعرضت ماري ألى خمس عمليات أجهاض , وخلال الأجهاض واجهت الكثير من المتاعب , وأكد الطبيب أنها لن تستطيع الأنجاب مطلقا في المستقبل , أصيبت بأنهيار كامل وأنا شعرت باليأس , ولم أملك أية وسيلة لمساعدتها , رأت بوني ما يحصل لماري , وأرادت أن تفعل شيئا لمساعدة صديقتها , ففكرت بحل لمشكلتها , الطريقة الوحيدة لأنجاب طفل هو أن أتزوج بها , ليصبح لدينا الطفل الذي نحلم به أنا وماري.عارضت هذه الفكرة , لأنني لم أرغب في القيام بأي شيء يبعدني عن ماري , فأنا أحبها كثيرا , لكن ماري تعلقت بالفكرة , وأرادت تحقيقها على الفور , بدت متأكدة من نجاحها , فهما تشبهان بعضهما : الشعر الأسود والعيون السوداء نفسها , هكذا , تزوجت ببوني وكان ذلك من أصعب الأمور علي ,ولكن والحمد لله , نجح الأمر , وأصبحت حاملا , شعرت بالأرتياح لذلك , وماري رقصت فرحا , أعتبرت الأمر معجزة , ولمع الأمل في عينيها لأول مرة منذ سنوات".
منتديات ليلاس
رفع زاين عينيه عن الورقة وقال بصوت ضعيف يعبر عما يجري من عذاب في أعماق روحه وقلبه :
" أنت على حق , بوني هي أمي , أبي تزوج بها , ولم تكن يوما عشيقته , طيلة تلك السنوات........".
طيلة تلك السنوات راح يشتم والده , ويشتم بوني المرأة الرائعة , الحنونة , الحاضرة دائما لتضمه ألى صدرها أو تخفف آلامه , والتي شجعته في أيام الدراسة , أحبها زاين طوال تلك السنين وهو يكبر , ثم بدأ يكرهها ويحقد عليها , لأنه أعتقد أنها عشيقة والده , لم يحظ مرة بالفرصة ليقول لها كم كانت شخصا مميزا في حياته , حتى أنه لم يبق الوقت الكافي ليحضر مراسم دفنها , وهي كانت ........ أمه!
شعر زاين بالعذاب والألم يمزقانه , لم يكن يعلم , لم يشك بذلك للحظة واحدة , والآن فات الأوان على ذلك , وتابع القراءة:
" ذهبت بوني ألى قريتنا قبل أسابيع قليلة من ولادتك , وكنت قد طلقتها بعد حملها مباشرة , تمت الولادة على يد قابلة من أقربائي , وهكذا لم يكن من الصعب علينا أن نسجل أسم ماري كوالدة لك , كل تردد راودني بشأن تلك المسألى تبدد وأنتهى في ذلك اليوم , أخيرا حققت ماري حلمها , حملت طفلنا بين ذراعيها , وأنا حصلت على الصبي الذي تمنيته.
أشترت بوني منزلا قريبا من منزلنا , بالرغم من أعتراضها , ماري وأنا أصرينا على أعالتها وأبقائها قربنا , هكذا كبرت وأنت محاط بحب المرأتين معا : بوني وماري , كلتاهما أحبتاك , وأصبحتا مقربتين من بعضهما أكثر من ذي قبل , قلت لنفسي أنني سأخبر زاين الحقيقة يوما , وسيعلم بكل شيء , لكن ماري أحبت كثرا فكرة أمك , وأنا لم أستطع أن أفعل أي شيء يسيء أليها , ليس قبل أن تصبح مستعدة لذلك , كانت تشعر بالفخر لكونها أمك , وتفخر جدا أنك أبنها ,كما أنك كنت تحب بوني كثيرا في مطلق الأحوال , لذا فكرت أن ليس للأمر أهمية لأنك لن تستطيع أن تحبها أكثر لو علمت أنها أمك , لكن عندما توفيتا معا في ذلك اليوم , علمت أنني أنتظرت كثيرا , وأن لا جدوى من أخبارك بالأمر الآن , فأنت ستكرهني على أي حال , ستكرهني لأنك لم تحظ بفرصة لتعلم أن بوني هي أمك الحقيقية , هذا ما حدث بالفعل , كنت غاضبا وحزينا , غاضبا جدا منك كما تتذكر بدون أي شك , في النهاية لم أشعر أن للأمر أهمية لأنك غاضب مني لأسباب خاطئة , فأنا أستحقيت غضبك , وكرهك , غاردت بروومي نهائيا , وأنا تقبلت سخطك كعقاب لي , بطريقة ما أعتقدت أنني خسرتك , عندما خسرت المرأة التي هي حب حياتي , وخسرت أم ولدي , لكنني دائما فخورا جدا بك".