ورفعها أدموند بمساعدة كارلو الذي سبقهما في الصعود ووضعها أدموند فوق المقعد في الطائرة وجلس بجانبها وبعد قليل أقلعت الطائرة ووقف الأهالي يلوحون لها , وكانت ديليا في حالة من الأرهاق الشديد لم تتمكن معها حتى من رفع يدها لترد تحيتهم , وما أن مضى وقت قصير حتى أغمضت ديليا عينيها لتروح من جديد في غيبوبة.
ولم تستيقظ ديليا الا بعد بضع ساعات لتجد نفسها فوق سريرها في غرفة أدموند في بوستو أورلاندو , وكان الوقت ليلا , وأزاحت الغطاء وهي تنظر حولها , فرأت أدموند يجلس الى المائدة الصغيرة يكتب وقد بدا عليه التركيز الشديد وهو يدخن السيكار
وسألته ديليا بصوت ضعيف:
" ماذا تفعل؟".
منتديات ليلاس
فأنتبه أدموند وألتفت اليها قائلا وهو يبتسم:
"أهلا , ها قد عدت الى وعيك , أنني أكتب التقرير , وأنت كيف تشعرين؟".
ثم قام من فوق مقعده وأتجه الى الفراش حيث ترقد ديلا وجلس على حافته ونظر اليها نظرة متفحصة
فقالت ديليا وهي ما زالت في حالة من عدم الأتزان:
" أنني أشعر بضعف شديد".
ثم وضعت يدها على معدتها وهي تضيف:
" أشعر كما لو كان بداخلي فراغ كبير مثل ما حدث لي بعد أن فقدت طفلي ".
فظهرت الدهشة الشديدة على أدموند ,وسألها في حدة:
" أي طفل هذا؟".
فرفت اليه عينين يثقلهما النوم , ورأته ينحني فوقها وقد بدت في عينيه نظرة شك رهيبة , وأيقنت ديليا في هذه اللحظة أنها أخطأت بالحديث عن الطفل , ولكن لم يكن أمامها مجال للتراجع فقد خرج الأمر من يدها .
وأمسك أدموند بكتفيها وهو يقول في صوت آخر:
" ديليا , أي طفل؟ يجب أن تقولي لي".
فهمست قائلة :
" طفلنا يا أدموند".
فرأت وجهه وقد شحب شحوبا شديدا , فرفعت يدها تربّت على وجهه في حنان
وهي تقول:
" أوه يا أدموند , كم أنا آسفة لأنني فقدته , ولكنه ولد قبل موعده , ومات بعد ولادته ببضع دقائق".
فقاطعها أدموند بصوت غاضب والشرر يتطاير من عينيه:
" لماذا لم تخبريني بذلك؟ كان من الضروري أن أعرف كل شيء , كان من حقي أن أعرف".
" ولكنني حاولت ذلك بالفعل".
ثم صاحت قائلة:
" صدقني يا أدموند , أقسم لك حاولت أن أخبرك , لقد حاولت بالفعل وكنت أريدك أن تعرف , أوه يا أدموند أرجوك أن تصدقني , أنني لم أستطع معرفة مكانك , ولم يكن أحد يعرف أين ذهبت , فأن الصليب الأحمر لم يستطع أن يخبرني بمكان وجودك , وذهبت الى معهد الأبحاث الذي كنت تعمل به , وكل ما أستطعت أن أحصل عليه هو عنوان عمك الكبير في هامشاير , وقد كتبت له على الفور أسأله , أوه أدموند لقد حاولت كثيرا وأرجوك أن تصدقني".
فبدا على وجهه التجهم وهو يقول:
"بيتر كان يعرف مكاني".
" أعرف ذلك , ولكنه كما أخبرتك من قبل لم يشأ أن يخبرني بمكانك لأنه لا يستطيع أن يخون ثقتك به , وبعد أن تأكد لي أنه يريدني أن أحصل على الطلاق , حتى يتمكن من الزواج مني , لم أعد أثق به , وتوقفت عن لقائه , ولم أخبره حتى بأنني حامل , هل طلبت منه يا أدموند حقا ألا يخبرني عن مكانك؟".
فهز أدموند رأسه بالنفي ببطء , وقال بصوت حزين:
" لا , أنني لم أطلب منه ذلك , كل ما طلبته منه هو أجابتك الى طلبك أذا كنت ترغبين في الحصول على الطلاق".
وبدا الألم واضحا على وجهه , فترك كتفيها وأخذ يسير في الغرفة جيئة وذهابا
ثم توقف وظهره الى ديليا وقال:
" لقد طلبت منه أن يكتب اليّ بأي تطور يحدث".
ثم ألتفت اليها فجأة:
"لو أنني عرفت بأمر الطفل , لو أن أحدا أبلغني بذلك , لعدت لأكون الى جانبك وأعتني بك , وربما أمكن أنقاذ الطفل من الموت , أهذا ما كنت تقصدينه تلك الليلة عندما كنت تتناولين الحبوب المنومة , وسألتك عما أذا كنت قد أصبت بالمرض حديثا , فقلت تقريبا , أليس هذا صحيحا؟".
فهزت ديليا رأسها بالأيجاب وهي لا تقوى على الحديث فقد كان غضبه عنيفا , ولم تكن تتوقع أن يصل به الغضب الى هذا الحد عندما يعرف بأمر الطفل الذي فقدته.
منتديات ليلاس
ثم تنفس أدموند بعمق, ونظر اليها في لوم وهو يقول:
" قلت لي في تلك الليلة أن المسألة لا تعنيني , كيف تتجرأين على مثل هذا القول وأنت تعرفين أن الطفل أبني , جزء مني , فلماذا لم تخبريني عندما سألتك؟"
" لم أستطع في ذلك الوقت , كان موقفك مني في اليوم السابق غير مشجع , ولم أكن أريدك أن تظن أنني أستغل هذه المسألة لأحاول أستعادتك الى حبي , ولم أكن أعرف أيضا أنك ستهتم بمسألة الطفل الى هذه الدرجة".
فصاح أدموند قائلا:
" كيف لا أهتم؟ ماذا تظنينني؟ حجر؟ أنني أنسان ولديّ مشاعر مثلك تماما , لقد تجاهلتيني يا ديليا في مسألة لا تهمك وحدك , بل تهمني أنا أيضا , أنك لم تثقي بي الى الدرجة الكافية لتبلغيني بأمر الطفل".