ولكنها كانت تشعر في قرارة نفسها بأن أدموند لا يريدها حتى في زيارة قصيرة, ولذلك من غير المحتمل أن يطلب اليها البقاء معه أذا قرر الأستمرار في عمله.
تأكدت لها هذه الحقيقة أكثر عندما أتخذ أدموند مقعده في السيارة الى جانب مانويل حتى لا يجلس الى جانبها في طريق العودة , أنه لا يريدها وهي التي حضرت الى هذه المنطقة النائية على أمل أحياء شعلى الحب التي خبت, ولكن أصبح واضحا لها الآن أن هذه الشعلة قد أنطفأت ولم تخلف سوى الرماد!
جلست ديليا صامتة في طريق العودة الى المركز, وكانت تشعر بحزن عميق لما وصلت اليه العلاقة بينها وبين أدموند.
وعندما وصلوا الى المركز , كان طعام العشاء معدا, فجلست تتناول بنهم شديد الأرز والفاصوليا , بينما أخذ لويز يحدثها عن البرنامج الذي أعدّه لها خلال الأيام القادمة , أنصتت اليه وهي تراقب وجه أدموند بأنتظار أن يفعل ما هدّدها به, وأن يطلب من لويز أعادتها الى برازيليا غدا.
وقال لويز:
" سنذهب الى بينوروس عن طريق النهر غدا , وسيكون بأمكانك التمتع بجمال المناظر الطبيعية , ولن نصل الى الموقع الذي نقصده قبل يومين , وفي الطريق سنقضي ليلة في العراء ., ويمكنك قضاء يومين في بينوروس قبل العودة الى بوستو أورلاندو للحاق بطائرة الأمدادات العائدة الى برازيليا".
منتديات ليلاس
ثم أضاف وهو ينظر الى أدموند مبتسما:
" وأثناء أقامتنا في بينوروس سيمكنكما الذهاب الى أحدى القرى المنعزلة حيث تعيش قبيلة من أغرب القبائل وأكثرها أثارة , وبعد ذلك يمكنك يا أدموند أن تعود الى المدينة من جديد , وتقدّم تقريرك الذي تأمل الكثير من ورائه".
فقال أدموند وهو ينفث دخان سيكارته بقوة ليطرد الناموس:
" أعترف بأنني لا أريد مغادرة بوستو أورلاندو والعودة الى المدينة , فأن حياتي هنا وزيارتي الى فيتينال والأماكل الأخرى كانت تجربة رائعة بالنسبة اليّ , فلأول مرة في حياتي عشت أيامي كما أردت دائما أن أعيشها , حياة بسيطة لا تعقيد فيها".
ثم سحب نفسا عميقا من سيكارته وهو يضيف:
" لقد شعرت في بعض الأحيان , وخاصة أثناء وجودي في فيتينال بأنني أعيش في الجنة".
فضحك لويز وهو يقول:
" لا , ليس الى هذه الدرجة , لقد أحتفظنا بها لتدخلها مع زوجتك الجميلة , فأن الرحلة الى بينوروس والقرية الأخرى ستكون بمثابة شهر عسل جديد لكما".
ثم التفت لويز الى ديليا قائلا:
" أعتقد يا ديليا أنك بحاجة الى النوم الآن , وسنغادر الى بينوروس قبل طلوع النهار , تصبحين على خير".
كانت ديليا لا ترغب في الذهاب قبل أن يغادر أدموند المائدة خوفا من أن يطلب من لويز ترحيلها , ولكنها شعرت بالأرهاق الشديد , فأنسحبت من المكان وأتجهت الى غرفتها.
كان الجو حارا في الغرفة , والناموس يتجمع حول المصباح الصغير الذي يضيئها , فأستخدمت ديليا مبيد الحشرات الذي أحضرته معها , وبينما كانت تعد فراشها للنوم أنطفأ النور فجأة.
تسللت ديليا الى فراشها , ووضعت فوقها الغطاء , ولكنها لم تستطع التخلص من مضايقات الناموس , فأستلقت على ظهرها وهي تسترجع قول لويز ( شهر عسل ثان) كيف يكون هناك شهر عسل ثان بينها وبين أدموند بعد أتساع الهوة بينهما الى هذه الدرجة؟ وأخذت تحسب الأيام التي قضياها معا منذ زواجهما قبل حوالي عامين ونصف العام , ووجدت أنها لم تمض مع أدموند بالفعل سوى أربعة أشهر فقط طوال فترة زواجهما , ولذلك فكّرت أنه ليس غريبا ألا تعرف عنه الكثير أو تفهم طباعه , فأنها لم تحاول أن تفهمه خلال الأوقات القليلة التي كان يمضيها معها , وأعترفت لنفسها بأنها لم تحاول ذلك بالفعل , كل ما كان يهمها هو أن يعود اليها بعد سفره ويعوّضها الحب الذي كانت تفتقده في غيابه.
وفي المرة الوحيدة التي عاملها فيها بعنف ودون أعتبار لرغباتها , ثارت وتصرفت بطريقة طفولية , أنها حتى لم تحاول الأستماع اليه وهو يشرح لها الأسباب التي دفعته الى هذا التصرف.
وتنبّهت ديليا فجأة على صوت الباب يفتح برفق ثم يغلق , وتراقص ضوء مصباح في ظلام الغرفة , وبدا وكأن أدموند تعثّر في حقيبتها الموضوعة بجانب الفراش.
ثم أتجه بعد ذلك الى الحمام حيث سمعته يغتسل , وبعد أن أقترب من فراشها وضع المصباح على المائدة بين السريرين , وسمعت ديليا صوت حذائه وهو يقذف به فوق الأرض , وسمعته وهو يخلع ملابسه , ثم صوت صرير الفراش وهو يستلقي فوقه.
وأطفأ أدموند المصباح
وساد الصمت فترة
ثم سمعت أدموند يهمس قائلا:
" ديليا , هل أنت مستيقظة؟".
" نعم".
" أريد أن عرف لماذا طلبت من لويز ألا يخبرني بمجيئك الى هنا؟ قلت أنك ستشرين لي الأمر فيما بعد".
وشعرت ديليا بحلقها يجف فجأة , وأضطربت وودّت لو أن لديها الشجاعة لتخبره بالسبب الحقيقي لمجيئها الى بوستو أورلاندو
ولكنها كانت تخشى أن يصدها من جديد فقالت:
" أنني , أنني كنت أعتقد أنك لو عرفت بأمر حضوري , ستغادر المكان".
" وهل يهمك هذا؟".
" حسنا, نعم , أن هذه المسألة تهم الناس الذين بحاجة الى وجودك معهم , والذين يهمهم أن يصل تقريرك الى المسؤولين في المنظمة التي تعمل معها".
وسألها أدموند بصوت يشوبه اليأس:
" أذلك هو السبب الوحيد؟".
فردت بلهجة حاولت أن تكون باردة:
" نعم , فأن المنظمة التي تعمل معها تريد أن تحصل على هذا التقرير في أقرب وقت ممكن".
" أعرف ذلك وسأعمل على أن يصلهم التقرير في الوقت المحدد".
" وهل ستعود الى أنكلترا؟".
" لا , ألا أذا أضطررت".
" ولكن يا أدموند يجب أن تعود".
" ولماذا أعود؟".
" لتقديم التقرير!"
" يمكنني أن أرسله , بينما أبقى أنا هنا".
فأسرعت ديليا تقول وهي تجلس في فراشها:
" ذلك لن يكون مثل تقديم التقرير بنفسك , فمن المؤكد أن ذلك سيدفعهم للأهتمام به أكثر وقد طلب مني السيد لويز أبلاغك ذلك".
" هس , أخفضي صوتك , الجدران هنا رقيقة , ويمكن لمانويل وريتا أن يسمعا حديثنا".
فقالت ديليا وهي تخفض صوتها قليلا:
" ولكنني لا أهتم بذلك , لماذا لا تريد العودة الى أنكلترا؟".
" لأنه ليس لي هناك شيء أعود اليه , أما هنا فلديّ ما أقوم به ومن يحتاج الى وجودي , وكما تعرفيت لديّ دخلي الخاص ولست في حاجةالى أي أجر".
منتديات ليلاس
وشعرت ديليا وكأن خنجرا قد أنغرس في قلبها, وسكتت لفترة وهي تحاول التغلب على مشاعر الألم التي أجتاحتها وهي تستمع الى قول أدموند , وأندفعت الدموع تتساقط من عينيها وهي تفكر بأنه ربما لا يفك أبدا في العودة اليها.
ثم قال أدموند وقد بدا عليه أنه يقاوم النعاس:
" على فكرة, طلبت من لويز أعادتك الى برازيليا غدا ولكنه رفض, لا أعرف لماذا؟".
ثم سمعته ديليا يتثاءب وهو يتقلب في فراشه ويقول لها:
" تصبحين على خير".
لم ترد ديليا, كانت تخشى أن يعرف أدموند ببكائها , وبعد فترة أستغرق أدموند في النوم , أما هي فلم تنم نتيجة لأضطرابها النفسي والحرار الشديدة في الغرفة ومضايقات الناموس.