فنهض أدموند واقفا وهو يسحب المنشفة ويسلمها لها قائلا:
" سأذهب معك . فأنني أريد أن أرتدي قميصا نظيفا".
وفي طريقهما الى غرفتهما , قابلا ريتا التي أبلغتهما بأن طعام الغداء قد أعد.
وقالت تحدّث أدموند:
" لماذا لم تقل لنا أن لك زوجة على هذا القدر من الجمال؟".
ولكن أدموند تجاهل حديثها , ومضى الى الغرفة بدون أن يلتفت اليها.
وتبعته ديليا الى الغرفة , ولم تجد أحدا من الهنود في الشرفة هذه المرة , وخلع أدموند ثوب أستحمامه في الغرفة بدون أي حرج ووضع قميصا وشورتا نظيفا , أما ديليا فبدّلت ثيابها في الحمام , وعندما خرجت كان أدموند يجلس على حافة الفراش يقرأ في صحيفة أحضرتها معها , وأدركت على الفور أنه فتح حقائبها
فتولاها الغضب للحظة , وكانت على وشك أن تقول له أنه لا يحق له التفتيش في حقائبها بدون أذن منها , ولكنها تراجعت وهي تفكر بأن أدموند لم يفعل ذلك عن قصد , وأنه مثل الهنود يعتقد أن من حقه مشاركتها في كل شيء.
منتديات ليلاس
نظر أدموند اليها وأخذ يتفحصها بعينيه ببطء , ثم قال:
"ريتا على حق فأنت جميلة , لقد نسيت كم أنت جميلة".
وأرتبكت ديليا , وشعرت بالسعادة لأنه ما زال يراها جميلة , ولكنها أستاءت لأنه نسي ذلك".
ثم أضاف أدموند:
" ولكن لا بد أن يكون بن ديفيز فقد عقله ليرسلك الى هذا المكان لتكتبي له مقالات".
كانت تود لو تقول له أنها حضرت الى هذا المكان من أجله فقط , ولكنها تراجعت , كانت تشعر أنه ما زال يتخذ حيالها موقفا عدائيا , فقالت:
" ولماذا لا يرسلني بن ديفيز , لقد عملت معه لفترة طويلة , وكان عليه أن يتيح لي مثل هذه الفرصة لأثبت كفاءتي".
" أعرف ذلك , وأنا سعيد لأنه أتاح لك الفرصة أخيرا , ولكن كان يمكنه أن يرسلك الى أي مكان آخر أكثر ملائمة لك, فأن مثل هذه الأدغال ليست المكان المناسب لك".
فقالت محتجة:
" أنني لا أرى سببا لذلك , فنساء كثيرات غيري حضرن الى هذا المكان وأقمن فيه , لقد أخبرتني بنفسك عن السيدة التي كانت تعمل معك في فيتينال , وأذا كان بأمكان هذه السيدة السفر الى الأدغال والعيش بين القبائل البدائية , فيمكنني أنا أيضا أن أفعل ذلك".
فردّ أدموند بصوت هادىء وهو ينظر من جديد الى الصحيفة:
" أن أنغريد كانت شخصية لا مثيل لها".
فقالت ديليا وقد بدأت تشعر بالغيرة:
" تعني أنني لست مثلها؟".
" ليس تماما".
" أعتقد أنك لا تريد وجودي في مثل هذا المكان , ليس لأنه غير مناسب لي , ولكن لأنك لا تريدني معك ".
فقال بأنفعال:
" أن ما أريده لا دخل له في هذه المسألة , ما كان يجب أن تحضري الى هنا".
وشعرت ديليا بالأستياء , فبدل أن ينعما بلقائهما ها هما يتشاجران من جديد , وهل هي تغار من أمرأة لم تعد على قيد الحياة
فأنفجرت قائلة:
" أنك ما زلت كما أنت ولم تتغير , أنت لم تردني أبدا الى جانبك , مانويل سانتوس أحضر زوجته معه, أما أنت فتريدني بعيدة عنك , كان عليّ أن أبقى وحيدة في لندن أنتظرك , لم أكن بالنسبة لك سوى فتاة تشاركها الفراش عندما تعود الى لندن , ثم لا تلبث أن يعاودك الحنين الى الأدغال فتتركها من جديد, أنك لم تكن تريد زوجة, ولذلك ترددت كثيرا قبل أن تقدم على الزواج".
توقفت ديليا عن الحديث وقد شعرت بالدموع تتجمع في عينيها , ونهض أدموند في حركة مفاجئة , ووجدت ديليا نفسها تتراجع الى الخلف رغما عنها
ولاحظ أدموند ذلك فقال لها:
" لا تخافي فأنني لن ألمسك , ربما أكون قد نسيت بعض الأشياء ولكنني لم أنس ما حدث في آخر لقاء لنا عندما لمستك , كما أنني لم أنسى السبب الذي دفعني للزواج منك , وأن كان يبدو أنك قد نسيته , والآن , أذا كنت على أستعداد فلنذهب لتناول الغداء".
وأتجه أدموند الى الباب وخرج من الغرفة , وتبعته ديليا مسرعة لأنها لم تكن تعرف المكان الذي يقدّم فيه الطعام.
دخلا الى أحد المباني حيث وجدا لويز ومانويل وريتا والممرضتين يجلسون الى أحدى الموائد , ونظرت اليهما ريتا وهي تبتسم , وأشارت الى مقعد خال بجوارها , وقالت ليديليا:
" تعالي أجلسي بجانبي , يبدو عليك الأرهاق بسبب الجو الحار والرطوبة".
منتديات ليلاس
وجلست ديليا تتناول الطعام المكوّن من الأرز والفاصوليا ونبات أستوائي يطلق عليه التبيوكا , تناول الجميع طعامهم بسرعة , ثم بدأوا في تناول القهوة وتدخين السكائر لأبعاد الناموس عنهم , فقالت ريتا:
" والآن يمكنك أن تأخذي قسطا من الراحة في غرفتك , وبعد ذلك, ستذهبين معنا أنا وأدموند ومانويل الى أحدى القرى القريبة لزيارة رجل مريض".
كانت ديليا بحاجة الى الراحة فعلا , ألا أنها لم تتمكن من النوم على الفور بسبب الأنفعالات النفسية التي كانت تتصارع داخلها.
ولم يحضر أدموند لينال قسطا من الراحة, فظنّت ديليا أنه لا يريد أن يبقى معها , وأخذت تحدث نفسها قائلة: لماذا حضرت الى هذا المكان وماذا أتوقع؟ هل كنت أتوقع عودة المياه الى مجاريها مع أدموند بنفس السرعة التي دخل بها الحب الى قلبينا؟.
أخذت ديليا تعتقد أن أدموند تغيّر , فقد بدا لها أنسانا غريبا وباردا متحفظا , وفكرت في أنه ربما يعتقد أنها قد تغيّرت أيضا , لقد باعدت الأيام بينهما فترة طويلة.
نهاية الفصل الثاني