نزلت بعد نصف ساعة لمقابلة جدها , فألتقت ريتا التي أرسلها في سيارة خاصة قبلهم لتعد لهم كافة أسباب الراحة والرفاهية , سألتها روزالبا وهي تشير ألى العدد الكبير من الأبواب المزدوجة الضخمة:
" أين يقع مكتب جدي , يا ريتا؟".
" لقد غيّر الكونت رأيه بالنسبة لمكان اللقاء يا آنسة , فبالنظر ألى هذا الجو الحار , قرر جدك أن تجتمعا على الشرفة الشرقية .....حيث ستكونين مرتاحة أكثر مما لو جلست في مكتبه , تفضلي معي , فسوف أرشدك أليها".
لحقت روزالبا بمدبرة المنزل اللطيفة ألى تلك الشرفة العريضة , المشرفة عبر قناطرها على باحة واسعة ومناظر طبيعية خلابة , والمعدة لأجلاس حوالي عشرين شخصا على أريكتين كبيرتين , ومجموعة تتناسب معهما من المقاعد والكراسي , وقف جدها لأستقبالها , وقال لها باسما :
" أجلس هنا , أيتها الحفيدة الجميلة".
ثم أضاف قائلا , وهو يجلس قربها على الأريكة :
" وأخيرا ...... سنحت لنا الفرصة للتحدث على أنفراد! ولكنك تبدين متوترة الأعصاب , يا عزيزتي , أرتاحي قليلا وأستمعي ألى الأنغام العذبة , التي تصدر عن نوافير الماء هذه , أنها سبع , تمثل كل واحدة منها مئة سنة من ملكية عائلة روسيني لهذه القلعة , وفي العام المقبل , تبدأ المئة الثامنة ..... وتقضي تقاليد العائلة بتشييد نافورة ثامنة , وأريدك أنت أن تكوني الشخص الذي يختار تصميمها".
" أنا!".
أمسك جدها بيدها , فكادت تقفو ألى الوراء ذهولا ورعبا .... وقد تحولت موسيقى النوافير في أذنيها ألى تنهد وبكاء وعويل , قال لها:
"نعم , يا عزيزتي , هذا هو الموضوع الذي أريد مباحثتك فيه , فأنت وريثتي والشخص الوحيد الذي يحمل أسمي , وأسم هذه العائلة العريقة , كل ما ترينه حولك هو أرثك , وحق مكتسب لك بالولادة,هذا هو السبب الوحيد في أصراري على أبريل , لأحضارك معها هذه السنة".
تذكرت روزالبا مخاوف أمها , عن وجود دوافع غامضة وراء هذه الدعوة المفاجئة لزيارة الجد روسيني , ولكنها رفضت التصديق بأن أبنة عمتها لا تبادلها المحبة والعاطفة ذاتهما , اللتين تكنهما لهما منذ طفولتهما ,تألمت كثيرا عندما أدركت أن أبريل أستغلت هذه المحبة , للتمكن من خداعها وحملها على مرافقتها.
" سيكون من واجبك بالطبع أن تقيمي هنا , في سيتا ديل مونتي".
أنتفضت روزالبا في مكانها وقالت :
" لا يمكنني القيام بذلك , فأمي لن تقبل أطلاقا بالتخلي عن بيتها ".منتديات ليلاس
قال لها الجد روسيني ببرودة قاسية جدا , جعلتها تتصور أن المياه توقفت عن التدفق أو تحولت فجأة ألى جليد :
" لا مكان لأمك هنا , يا روزالبا روسيني!".
ثم مضى ألى القول بلهجة أكثر هدوءا , مع أنه ظل ينقر على مقبض عصاه بشيء من الحدة والعصبية :
" كان والدك أبني الوحيد , فقد أبلغني الطبيب بعد ولادته أمرا مؤسفا للغاية , وهو أن زوجتي ....جدتك... لم تعد في وضع صحي يسمح لها بأنجاب أي طفل آخر".
لم تجد الكلمات المناسبة للتعليق على جملته , فتابع حديثه قائلا:
" لا شك في أنك تعرفين عن الصدع الذي حدث بيننا.... الصدع الذي لم يكن لي يد في أحداثه , والذي حاولت مرارا عديدة العمل على رأيه , أنني ألقي بمسؤولية ذلك , ورفض أبني المستمر لكافة محاولات التهدئة وأقامة الجسور التي بذلتها معه , على التأثيرات الخارجية ".
" هل تلمح ألى أن أمي....".
" أنا لا ألمح أبدا , بل أحدد الوقائع والحقائق الثابتة , ولكننا لن نجادل في هذا الموضوع , لأن وفاة والدك جعلت منه مسألة لا أهمية لها , على أنني قادر على القول بكل جدية وثقة وأمانة , أن أباك كان أبنا عظيما...... ورجلا يتحمل كافة مسؤولياته بكل شجاعة وضمير حي , ولو أنه منح الفرصة الكافية , لأصبح بالتأكيد الخلف الناجح والمناسب لوالده .... ولبقية رجال عائلة روسيني العظماء الذين سبقوه , أنا أعرفه أكثر بكثير مما تعرفينه أنت , يا عزيزتي , لقد تدرب أبوك طوال حياته , رضيعا وصبيا ومراهقا , على العيش كالنبلاء , صحيح أنه عمل في الحقول والمزارع بناء على تعليماتي وأصراري , ولكن ذلك كان ضروريا جدا بالنسبة له ولمستقبله , كان عليه أن يعمل مع عماله وفلاحيه ليصبح على معرفة تامة بهم , ولكي يحترموه هم بدورهم .. ليس فقط كسيدهم , بل أيضا كرجل لا يطلب منهم القيام بشيء لا يقدر هو على القيام به , نعم ,يا عزيزتي , فعباءة الزعامة قد تشكل عبئا ثقيلا على من يرتديها , ولهذا خلعتها عليه في سن مبكرة جدا , حتى يصبح مع مرور السنين معتادا على وزنها وثقلها , ولكن تلك العباءة , ويا للأسف الشديد , سحبت عن كتفيه ومزقت شر تمزيق..... رغما عنه وعن أرادته".