4- أنت مرة أخرى !
تناول الجد روسيني وحفيدتاه طعام العشاء في التاسعة والنصف مساء , أي عندما تكون روزالبا عادة على أهبة التوجه ألى سريرها , ومع أنها لم تكن متعبة أطلاقا في ذلك الوقت , ولم تأكل أي شيء تقريبا منذ مغادرتها بيتها في الليلة السابقة , ألا أن الكمية الكبيرة من المعكرونة التي وضعتها ريتا على صحنها جعلتها تفقد شهيتها وتقول لمدبرة المنزل .
" تكفيني ملعقة واحدة فقط ! شكرا , يا ريتا".
أستجابت ريتا لرغبة الضيفة الشابة , وهمت بأستبدال الصحن الممتلىء , ألا أن الجد تدخل فورا ,وقال :
" هراء ! ريتا خبيرة في أعداد هذه الأنواع من المأكولات الشهية المغذية , هيا! أفرغي محتويات هذا الصحن في معدتك الصغيرة الخاوية , فأنت بحاجة ماسة أليها , لقد سمعت مرة أن البريطانيين لا يأكلون ألا القليل , وجسمك النحيل هذا يا صغيرتي , دليل قاطع على ذلك , أن لم يأكل الأنسان جيدا في المساء , فأنه لن يتمكن من التحدث أو الأسترخاء .... أو حتى النوم بطريقة جيدة , على أي حال , سنتحدث بعد الأكل لأن فراغ المعدة يشل حاسة السمع.
منتديات ليلاس
أخافها أسلوب جدها الأستبدادي , فبادرت ألى تناول طعامها دون أي تعليق أو مناقشة , لم تكن تأكل المعكرونة في بيتها ألا نادرا , لأن والدها أراد الأبتعاد عن كل شيء أيطالي أو يذكره بصقلية , لكن دعوات عمتها ألى الغداء كانت تتضمن في معظم الأوقات المعكرونة على أختلاف أنواعها وأطيافها , ربما أنها لم تكن يوما ضيفة وقحة , فقد أعتادت على تقبل كافة الأطعمة الأيطالية المشهورة ..... حتى مع كرهها الشديد لبعضها.
أستعانت بأرادتها القوية وراحت تلتهم طعامها بشجاعة , وهي تدرك تماما أن جدها يراقبها كصقر متحفز , ألا أن الجد لم يكن وحده الذي يتأمل طريقة أكلها , فقد كانت أبريل تفعل الشيء ذاته.. ولكن بمرح بريء, تحول بعد قليل ألى شفقة.
شعرت روزالبا بالأرتياح ألى حد ما , عندما بدأن أبنة عمتها حديثا لبقا وشيقا مع جدهما بهدف تحويل أنتباهه عن حفيدته الثانية ولاحظت أبريل بأسف أن موافقف قريبتها التامة والفورية على تعليمات جدها لم تنل أعجابه ورضاه , بل جعلته متضايقا ومتململا , فالعجوز بطبيعته رجل مقاتل لا يحب المستسلمين والمتخاذلين , بل الذين يعترضون ولو جزئيا على أوامره , ويفسحون له بالتالي المجال الواسع لأظهار نفوذه وشراسته .
أبتسمت له أثناء الحديث وكأنها مسرورة مما قاله لها , ولكنها في الحقيقة كانت تشعر بسعادة لا تضاهى .... لزوال مخاوفها من أن أبنة خالهاستحل محلها في قلب الجد الثري , لا داعي للقلق بعد الآن , فمن الواضح أنها وجدها يناسبان بعضهما تماما , سألهما الجد فجأة ,وهو ينظر أولا ألى أبريل ومنها ألى روزالبا :
" هل تشعران بأرتياح تام , أم أنكما متعبتان جدا للتمتع بدعوة أعتبرها أهتماما خاصا بكما؟".
جاء البريق الخاطف في عيني أبريل وملامح البهجة والسرور في وجهها ردا كافيا على دعوته , في حين أحمر وجه روزالبا خوفا وقالت له بأرتباك شديد :
" نعم....لا... أي ....... أعني.....".
هبت أبريل لمساعدتها , فقالت :
" أنها مستعدة للقيام بأي شيء يطلب منها , وهي سعيدة تماما بتنفيذ القرارات التي يتخذها الآخرون".
ظهرت ملامح خيبة الأمل والتأفف بوضوح على وجه الجد روسيني , قبل أن يتجاهل روزالبا تماما ويوجه ملاحظته التالية ألى أبريل , حتى مع أصراره على أستخدام صفة المثنّى في المخاطبة :
" أفهم أذن أنكما لن تترددا في حضور عرض للأزياء يقام هذا المساء في قصر صديقتي الأميرة أرمارينا ويعود ريعه ألى جمعية خيرية , وبما أن تكاليف هذا العرض باهظة , فقد أوضحت الأميرة أنها تتوقع من جميع ضيوفها شراء أكبر قدر من الثياب المعروضة".
تبادل الكونت وأبريل نظرات معينة , أوحت بأن كلا منهما يفهم الآخر على حقيقته , ففي حين أشار الجد ألى أنه على وشك تنفيذ الوعد الذي قطعه لها في العام الفائت , ألمحت الحفيدة بسعادة بالغة ألى أنها ستختار ما يروق لها دون تردد أو خجل.
وجه الجد روسيني نظرة أستجواب قاسية ألى روزالبا , فأنتفض رأسها وكأنما لسعته حية سامة ...... وأرغمت نفسها على توجيه أبتسامة خجولة أليه , كان واضحا جدا أنها غير مهتمة أطلاقا بدور الأزياء العالمية , وبالثياب الباهظة الثمن التي يعرض عليها جدها أختيارها لهذه الأمسية . تأمل الرجل الثري ثيابها القطنية العادية والبسيطة , ثم سألها بلهجة خبيثة :
" من هو مصممك المفضل يا عزيزتي ؟".
سنحت فرصة أخرى لأبريل كي تدعم موقفها كالحفيدة المفضلة , فتدخلت على الفور قائلة بخبث مماثل :
" ليس لديها أي مصمم مفضل , يا جدي , فهي , كما تلاحظ , تخيط ثيابها بنفسها ".