أنحنى فوقها , فأرتجف جسمها ذعرا وهلعا , قال لها بلهجة تتسم بالقساوة والبرودة:
" لقد عقدت صفقة مع جدك , تنص على بنائه مستشفى حديثا في منطقتنا ...مقابل موافقتي على الزواج منك , ولكن المستشفى لن يكون ذا فائدة , أن لم تتوفر له المبالغ الكافية لدعمه , بطريقة مجدية , وأذا كانت راحة أبناء قومي معتمدة على أنجابك حفيدا للكونت , فسوف تفعلين ذلك ... شئت أم أبيت!".
أطفأ نور الغرفة ,فتصورت روزالبا بأنها ترى النار مشتعلة في عينيه ... وكأنه ذئب متوحش أو نمر جائع , أنقض عليها بقساوة بالغة , فحاولت مقاومته والتملص منه , ألا أن جسمها الضعيف لم يقدر على مواجهة التفجر البركاني , الذي حدث في داخلها , تألمت .... بكت.... ذعرت .... توسلت , ولكنه رفض الأصغاء ألى أنينها , بدا وكأنه شيطان مصمم على جرها ألى أعماق الجحيم ... ألا أن ما بدأت تشعر به خلال لحظات وجيزة , لم يعد جحيما بالمعنى الصحيح , تخيلت نفسها معلقة فوق بركة ضخمة من الحمم البركانية...
منتديات ليلاس
تسللت من السرير بعد بضع ساعات , فيما كان سلفاتوري ينعم بنوم عميق هادىء , وخرجت لتتأمل شروق الشمس , شعرت وكأنها قد أستفاقت لتوها من..... حلم جميل , ولكن كل جزء في جسمها كان يؤلمها , لم يكن سلفاتوري حنونا أو رقيقا معها , كما تصورته في وقت سابق , كان معها , وكأنه حيوان لا يهمه سوى أستمرار ذريته , لم يهمس في أذنها أي كلمة حب ناعمة ودافئة.
تصورت الزواج دائما على أنه علاقة طيبة ورقيقة , وأنشاء عائلة مع رجل مستعد لحمايتها ورعايتها , أرادت أن تصرخ وأن تحك في الوقت ذاته , ولكنها سيطرت على أعصابها المتوترة وأبعدت نفسها عن حافة الجنون القريبة , ومع ذلك , فأنها لم تتمكن من كبح جماح الغضب الذي أحست به أتجاه والديها .... الذين أبعداها طوال حياتها عن كل شيء , وحبساها في ذلك البرج العاجي ... البيت , أنحنت بعد فترة لتلتقط زهرة برية رائعة الجمال , فشاهدت ظلا أمامها ... مع أنها لم تسمع أي حركة أو وقع أقدام , خفق قلبها بسرعة وعاد التوتر ألى أعصابها , ألا أنها لم ترفع رأسها نحو وجهه الحزين.
" لماذا لم تخبريني بأنك.... بأنك...".
" لأنك لم تحاول الأصغاء ألى أي شيء قلته لك! ثم... هل كنت ستتصرف بطريقة مختلفة , لو أنك عرفت الحقيقة مسبقا؟".
مد يده وكأنه يريد مداعبة شعرها برقة وحنان , ثم سحبها بعد تردد ملحوظ وقال معترفا بصراحة تامة:
" ربما لا ! على أي حال , أعتقد أنني كنت أعرف في قرارة نفسي .... أنك شابة بريئة لم يلمسها رجل طوال حياتها".
تأملت ملامح الندم والأدانة الذاتية في وجهه وعينيه , فتأكد ها أنه يشعر بخيبة أمل مريرة وأسف شديد , وفيما كان ينتظر هجومها الحاقد عليه , حظت قربهما حمامة بيضاء جميلة وأخذت تهدل برقة وحنان .... وتنادي حبيبها ورفيقها , أحس سلفاتوري فورا بتأثير هذا المنظر العاطفي الرقيق على قلب روزالبا , فأقترب منها بحذر وقال لها بصوت هادىء ناعم يخفي وراءه مشاعر أذلال لم يعرفها من قبل:
" هل تسمحين لي بالجلوس قربك؟".
أرادت أن تفر من وجهه هاربة ألى المجهول , ولكنها تنهدت وهزت كتفيها غير مبالية بما سيفعل , جلس الرجل قربها , وأخذ يتحدث أليها بشكل مطول ومفصل , لم تفهم منه شيئا في بداية الأمر , لأن عقلها كان مشلولا وغير قادر على الأستيعاب , ولنها بدأت تشعر تدريجيا , بوجود رسالة يتحتم عليها سماعها واألأصغاء أليها :
" حاورت نفسي مرارا عن أسباب تعرض جزيرتنا الجميلة هذه ألى لعنة الحقد والكراهية والفقر , ولكنني لم أجد جوابا شافيا على ذلك , لقد أنعم عليها الخالق عز وجل بكميات ضخمة من المعادن , وبأرض خصبة غنية , وبطقس رائع مثالي , ومع ذلك .... فالفلاح ينوء تحت نير الفقر المدقع , ويعيش في وضع مؤسف للغاية , ليست جزيرتنا أصلا بحاجة ألى الصناعة ورؤوس الأموال فحسب , بل وأيضا ألى قادة أذكياء يخرجون أفراد شعبها من كهوف الماضي المظلمة ويعلمونهم على الأساليب الحديثة والمتقدمة للزراعة ... عوضا عن السماح لهم بالألتحاق بأشقائهم وأبناء أعمامهم في بلاد المهجر , أنهم يحققون هناك ثروات لا بأس بها أطلاقا , في أنتاج أنواع جيدة من الفاكهة والعصير ... من أرا لا تختلف أبدا عن أرضنا وفي مناخ ليس أفضل من مناخ جزيرتنا".